كتاب التاو
انجيل الحكمة التاوية
ترجمة وشرح وتعليق : فراس السواح
الطبعة الأولى 1848
الناشر
هاتف
عدد النسخ 70060
لناشر ؛ دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة
التنضيد الضوني : دار علاء الدين
الإخراج الفني : غسان الناصير
فاتحة
هنالك محطات على الطريق تستوقف الباحث في تاريخ الحياة الروحية
إلى رجعة أو رجعات؛ وبعضها يسكن النفس فلا يستطيع منه فكاكاً ويغدو جزءاً
خمسة عشر عاماً؛ ولم أغادره إلا لأعود إليه في أكثر من ترجمة ودراسة؛
الفكر الصيني والفِكر الشرق أقصوي؛ وعلى ما زودتني صحبتي الطويلة للكتاب
من ألفة به وتذ للطائفه. وبما أن ترجمة نص على جانب من الإشكالية مثل
كتاب التاو أمر متصل بفهمه وتفسيره؛ فقد سارت عملية الشرح والتفسير جنا إلى
جنب مع عملية الصياغة. وهكذا تم إنجاز مؤلفي هذا في ثلاثة فصول. الفص_ل
الأول عبارة عن مدخل عام إلى الحكمة التاوية وأصولها البعيدة في الفكرالصيني.
الفصل الثاني يتضمن النص الكامل للتاو تشينغ. الفصل الثالث يحتوي
على الشروحات والتعليقات على المتن مرتبة وفق تسلسل فصوله +
يعزى كتاب التاو تي تشينغ إلى حكيم صيني غامض السيرة يدعى
لاو تسو؛ عاش حياته خلال الفترة الواقعة بين أواسط القرن السادس وأواسط
القرن الخامس قبل الميلاد. وقد مارس الكتاب تأثيراً كبيراً على الحياة الفكرية.
'والروحية للصين؛ وبما لا يتناسب وحجمه الصغير جدا. وهو مكتوب بأسلوب
مكثف ومختصر حتى بالنسبة للغة الصينية القديمة التي تتميز عن الصينية الحديثة
الغموض رغم وضوح أفكاره الرئيسية. أخذ الكتاب بالانتشار في الثقافة العالمية.
الحديثة منذ عام ١788 عندما تمت إلى الجمعية الملكية بلندن ترجمة له باللفة.
ذكره في بعض كتابات الفيلسوفين الألمانيين هيجل وشوبنهاور. ثم استمر اهتمام
الفلسفة الألمانية به وصولا إلى مارتن هايدجر الذي طور خلال النصف الثاني
ومنذ عام ١85٠ وحتى الآن ظهرت ثلاثون ترجمة إنكليزية للكتاب؛ تتراوح في
جودتها بين عمل الهواة الذين فاق حماسهم الشرقية معرفتسهم بالفكر
الصيني واللغة الصينية؛ وبين عمل الاختصاصبين المرموقين من غربيين
إعداد باحثين صينيين مرموقين هم: ممتاجوه0 وممت و وو نم6
و «ماع.0. ورغم اتكائي بشكل أساسي على ترجمة دما ©.0 التي وجدتها الأكثر
على خلق فضاء جمالي ومستيقي تفتقر إليه ترجمة 0م0.01. وعقب استكمالي
للصياغة بشكلها الأخير؛ قمت بمقارنة حصيلتي على ترجمة فرنسية للتاوم تي -
تشينغ من إعداد باحث صيني آخر هو (ه»11- 100 00نا. ونظرا لقصر باعي في
اللغة الفرنسية فقد استعنت بصديقي الباحث الشاب ديمتري أفينيرس؛ الذي تطوع
وذلك بالقدر الذي يسمح به مجهود وسيط مثلي لا يعرف الصينية.
الترجمات
البحث والحدس. وفي الاجتهاد خطأ وفيه صواب. وإن لي في خطأ الاجتهاد أجرا
واحدا ولي في صوابه أجرين؛ على حد قول الحديث الشريف المعروفء
أتقدم بجزيل الشكر إلى الصديق ديمتري أفينيروس على وقته وجهده. كما
أتوجه بالشكر إلى الصديق العتيق جوزيف بصال في مكان اقامته الحالية
بأمستردام؛ لأنه كان أول من قدمني إلى عالم الحكمة الشرقية ععدما كتا على
مقاعد الدرس في الجامعة. لقد كان متقدمي على درب المعرفة؛ وإني لأدين له
بأكثر مما يظن.
قراس السواح
إميسا / حمص. ربيع 1486
ُو أن فلاحاً صينياً فقد حصانه الوحيد الذي يساعده في أعمال الحقل.
الفلاح رأسه قائلاً: ربماء من يدري! في اليوم التالي رجع الحصان إلى صاحبه
قائلين: أي خير أصابك! هز الفلاح رأسه قائلاً: ربماء من يدري! في اليوم الثالث
عمد الابن الوحيد للفلاح إلي أحد الجياد البرية فأسرجه عنوة واعتلى صهوته؛
ولكن الجواد الجموح رماه عن ظهره فوقع أرضاً وكسرت ساقه. فجاء الجيران
من يدري! في اليوم الرابع جاء ضابط التجنيد في مهمة من الحاكم لسوق شباب
القرية إلى الجيش» فأخذ من وجدهم صالحين للخدمة العسكرية وعفً عن ابن
يقوم التفكير الصيني منذ أقدم الأزمنة على النظطر إلى الحياة والإنسان»
والوجود بأكمله؛ على أنه نتاج حركة قوتين ساريتين في كل مظاهر الوجود؛ هما
ال "يائغ' و ال "ين': الموجب والسالب؛ المذكر والمؤنث. وهاتان القوتان على
تعارضهما متعاونتان ولا قيام لاحداهما في معزل عن الأخرى ؛ فهما أشبه
بالقطب السالب والقطب الموجب في قضيب المغناطيس وفي التيار الكهرباني.
الخير والشر؛ النور والظلام؛ الحياة والموت؛ الذكر والأنثى؛ السماء والأرض+؛
العلو والانخفاض؛ الحرارة والبرودة؛ الجفاف والرطوبة؛ الحركة والسكون؛ الحظ
الطيب والحظ العائر.. الخ. هذه الأقطاب ليست في صراع مع بعضها من أجل
سيادة واحدها على الآخر وإلغائه (كما هو الحال في الفكر الشوي الشرق أوسطي؛
الوجود وكل مظاهره في حالة تناوب تلقائي. فإذا بلغ اليانغ أعلى قمة له في
الذي يدرك قطبية وجوده ووجود العالم؛ وصيرورة الأحداث هيه؛ ويرى في كل
مظهر لليانغ بذرة ين تنمو في أعماقه؛ وفي كل مظهر للين بدرة يانغ.
وهذا هو مغزى حكاية الفلاح الصيني من وجهة نظر الحكمة التاوية. ذلك أن
فن الحياة ينبغي أن لا يقوم على طلب اليائغ واستبعاد الين؛ بل على الحفاظ على
حالة من التوازن بين القطبين؛ لأنه لا قيام لأحدهما إلا بوجود الآخرء
وقد تم تمثيل قوتي اليانغ والين؛ بصرياً؛ على شكل دائرة تحتوي على مساحتين
واحدة مظلمة والأخرى مضيئة. فالدائرة هي المبدأ الأول قبل ظهور الموجودات»
وهي القاع الكلي الثابت قبل ظهور التغيرات. لأنه لابد لكل متغير من مرجعيسة
ثابتة تعمل على إظهاره؛ وتكون بمتابة الخلفية التي تنتظم فوقها المظاهر المتحولة
الموجودات من حالة اللاتمايز والسكون إلى عالم الشكل والحركة. إن الخط
الفاصل بين المساحتين داخل الدائرة يعبر عن ظهور الأقطاب إلى حيز الوجود.
يمين ويسار؛ إلى أمام وخلف؛ وائحلت الوحدة السابقة إلسى مظاهر ذات قوى
ولا الين كذلك. فقد صنُوّر القسم المظلم من الدائرة وفيه بقعة صغيرة بيضاء
وصئور القسم المضيء وفيه بقعة صغيرة سوداء. لأن في كل إيجاب بعضاً من
مكان البؤرة في التفكير الصيدي.
لا يتطابق مفهوم التاو مع أي مفهوم نعرفه عن الألوهة المفارقة؛ الخالقة للعالم
والمتحكمة به عن بُعد؛ ولا مع أي قانون مفروض على العالم من خارجه؛ بل هو
الخميرة الفاعلة في الكون من داخله؛ والنظام الضمني الذي يدقع صيرورة
في صميمه. فالصينيون عبر تاريخهم لم يأخذوا مفهوم الألوهة المشخصة المفارقة
للعالم بشكل جديء ولم يكن لديهم تصور واضح عن إله يتربع على عرش الكون
كم يتربع الإمبراطور على عرش سلطائه.!" ورغم أن الميثولوجيا الصينية
حافلة بالالهة من شتى الأشكال والأنواع والاختصاصات؛ إلا أن هذه الآلهة لم
- حول اللفهوم الصين للألرهية راجع ما أورده الباحث الصيق 183 .1 .000 في موسوعة لاروس
وقدسهم وأقام لهم المعابد. وتظهر السيّر الأسطورية لهؤلاء الأسلاف كيف ابتدأ
أمرهم كرجال صالحين على الأرضء وكيف تم تأليههم وعبادتهم فيما بعدء
ومما يلفت النظر في أمر الآلهة الصينية على كثرتها؛ أنها لا تظهر
الملامح تكتسب قوتها من قوة المنصب الذي تشغله. ذلك أن الوظيفة الإلهية حي
الثابتة أما شاغلوها فمتحولون ومتنقلون. ففي كل إقليم من الأقاليم الصينية العديدة»
يجري توزيع الوظائف و الاختصاصات (مثل تصريف الرياح وقدح البرق
وانزال المطر.. الخ) بين الآلهة الصينية نفسها بشكل مختلف عن الإقليم الآخر»
وقد يتم في إقليم معين ترفيع إله ما إلى مقام أعلى من مقامه في إقليم آخره أو
تخفيض مرتبته؛ أو حتى صرفه من الخدمة نهائياًا"
أما المصدر الحقيقي لقدرة الآلهة الصينية؛ فهو مفهوم مجرد عن الألوهة يتمثل
في قوة السماء التي يدعونها تي م يين؛ والتي عبدت في الصين منذ أقدم
عصورها. ويرى كونفوشيوس؛ وهو أكثر المفكرين تأثيراً في الثقافة الصينية
القديمة؛ أن إرادة السماء إنما تفعل من خلال عناية متضمنة في صلب نظام
الطبيعة لا من خارجها. ويقابل هذا النظام الطبيعي؛ عنده؛ نظام آخر يسود على
لمستوى الإنساني في المجتمع هو القانون الأخلاقي. من هنا فإن انسجام الفرد مع
,رادة السماء الفاعلة في الطبيعة؛ لن يتحقق إلا بمراعاة النظام الأخلاق ي الذي
يشكل انتهاكه خطيئة بحق السماء'"". وكان الاسم الذي يطلق على ألوهة السماء
محدد؛ وإنما جرى تصورها كقوة تشغل الجهة العليا من قبة السماء؛ وهي أبعد ما
تكون عن مفهوم الإله الأعلى المسيّر للكون؛ لأنها لا تتمثل في شخصية إلهية
معينة؛ ولا تتصل بالناس عن طريق رسل يشرحون مقاصدها في عالم البشر
ويوصلون إليهم شرائعها. فإذا أراد الناس التواصل مع الإرادة الإلهية عمدوا من
الخبرة الصوفية الفردية تحقيقه في هذا المجال). ومنذ حكم أسرة تفوس
(بعد عام ٠ قم)» تم إطلاق اسم تي يين على هذه الألوهة الكونية.
والاسم في الأصل يعني: مسكن الروح الكبرى. ولكنه استخدم هنا للدلالة على
القوة العظمى التي تعتلي هرم القوى الجزئية في الكون؛ والتي بقيت مدار المعتقد
الصيني حتى القرن الثاني عشر الميلاديا).
فإذا جردنا مفهوم ال تي - يين'؛ أو قوة السماء؛ حتى من القبة الزرقاء التي
الأهم في تاريخ الفكر الديني والفلسفي الصيني منذ البداييات المبكرة لتاريخ
نستطيع متابعة التعبيرات الأولى عن مفهوم التاو من خلال أشهر كتب الحكمة
الصينية المعروف بكتاب ال : إي .كينة؛ أو التفيرات.ويكتب الباحثون
الغربيون الاسم بصيغة آي تشينغ/يه10. ورغم أن التقاليد الصينية ترجبسع
الأشكال الأولى لكتاب التغيرات إلى مطلع الألف الثائي قبل الميلاد؛ إلا أن
الدراسات الحديثة تُرجّح تاريخاً لا يتعدى مطلع الألف الأول قبل الميلاد؛ علماً
بأن الصيغة الأخيرة المتداولة للكتاب هي أحدث من ذلك التاريخ بكثير. لقا شغل
كتاب التغيرات صفوة العقول الصينية قروناً عديدة؛ وساهم عدد من المفكرين
الصينيين المرموقين بالتعليق عليه والشرح على متنه؛ ومنهم كونفوشيوس
00 579ق.م) وكان وراء أهم المنجزات خلال التاريخ الطويل للثقافة
الصينية. وبشكل خاص؛ فإن فرعي الحكمة الصينية وهما التاوية والكونفوشية قد
4ف2 م , باتمعلا , كممتوناك 0010 , :10صط.6 4
على الحياة اليومية لعامة الناس في الصين. فإلى وقت قريب كان رار الم
الصينية يلنقي عند زاوية بعض الشوارع الرئيسية بقارئ حظ يجلس وراء طاولة؛
ومستعد لاستخارة كتاب التغيرات لمن يرغب في معرفة طالعه. كما كان بإمكان
السائح أن يقرأ جملا من الكتاب محفورة على لافتات خشبية تزينية مثبتة على
أبواب المنازل. فما هو كتاب التغيرات؛ وما هي المفاهيم الأساسية التي يقوم
للوهلة الأولى؛ يبدو كتاب التغيرات كنص في العرافة وقراءة المستقبل.
واسوف نتوقف أولاً عند هذا الجائب من الكتاب؛ ثم ننتقل إلى بسط المفاهيم
عدد من الخطوط المتوضعة فوق بعضها وفق الشكل التالي
ته المختلفة؛ تستخدم في قراءة الطالع. ففي أبسط
أشكالها القديمة كانت العرافة تقتصر على إعطاء جواب بالنفي أو الإيجاب على
مسألة ما. وهذا هو الأساس الدي يقوم عليه الكتاب من حيث الشكل. فالجواب:
ء؛ أي ين. ثم دعت الحاجة على ما يبدو إلى أكثر تفصيلاء فقتم
جمع الخطوط المتصلة والمتقطعة في أزواج؛ ونتج عن ذلك أربعة رموز هي كل
الاحتمالات الممكنة لاجتماع خطين متقطعين أو متصلين أو مختلفين:
* - اعتمدت في العرص المكنف التالي على الترحمة العامة المعتمدة لكتاب التعبيرات ؛وهي ترجمة العلامة.