والصلاة والسلام على إمام المتقين» وسيد المرسلين»
وخاتم الأنبياء سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
ورضي الله تبارك وتعالى عن صحابة رسول اللهء_الغر
النور والهداية؛ والتزموا منهج الله القويم؛ وحتقوا خلافة الله
فرضي الله عنهم وعن العلماء العاملين إلى يوم الدين.
فقد خلقى الله الإنسان. وجعله خليفة له في الأرضء ولم
ثم هدّد بها في الدنياء ولكن الله تعالى اصطفى الإنسانء
بالهداية والرشاد وإرال الرسل وإنزال الكتب» وأعلن له ذلك
منذ اللحظات الأولى لاستقراره على الأرض» فقال تعالى:
وقال تعالى في نفس المعنى : ( قال: اهبطا منها جميعاً
فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة
ضكاًء ونحشره يوم القيامة أعمى » طه/173 - 1١74
وقال الله سبحانه وتعالى» مبيئاً الحكمة من ابتعاث الرسل+
وإنزال الكتب: « كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من
الظلمات إلى النور بإذن ربهم» إلى صراط العزيز الحميد »
وقال الله تعالى في وصف القران الكريم : إن هذا القرآن
يهدي للتي هي أقوم ويشر المزمنين الذين يعملون الصالحات
ويلاحظ القارىء لهذه الآيات الكريمة؛ والمتأمل فيهاء
والمتدبر في معانيها أنها لم تقيّد بوقت معين؛ ولا بزمان
لكل زمان ومكان. ولكن الجهل بالدين اليوم؛ والبعد عن
أحكامه؛ وعدم الإيمان به؛ وتحرّك أعداء الله في الأرض ضد
دلالاتهاء وكادت أن تصبح غريبة حتى عند أهلها.
كما يلوح في الافق الآن؛ ويدور في أذهان الناس» صورتان
أما الصورة الأولى : فهي فكرة قاتمة عن الدين» وشبهات
داكئة عن ميادثه وأحكامه؛ وتاريخ أسود عن بعض حقب
والهندسة الخيالية؛ وتحمل شارة الاستيراد من الخارج» وفوق
كل ذلك فهي صورة بتراء لبعض الأفكار الدينية المحرفة؛ أو
العصور المظلمة.
التقدم العلمي ومعطيات الحضارة والإنتاج الصناعي الحديث
والتقنية الفنّة والمكتشفات العظيمة والاختراعات المتلاحقة
والوسائل المتعددة؛ التي يسخرها الإنسان في حياته
ومواصلاته؛ وتزيل عنه متاعب الماضي في مختلف اتجاهات
البسطاء عن كشف الحقيقة؛ والتعمق في النظرة والبحث عن
المتاعب والمشاكل والأمراض النفسية والعقلية والجسمية التي
وخاصة من الشباب والمثقفين» » فهي أن الدين «موضة» قديمة؛
ويمكن بسهولة ويسر الاستغناء عن الدين» بل يتطاول أكثرهم
ظاهرة + وعلامة على التخلّف؛ وهو سبب البلاء والتأخر
والجمود في كثير من البلدانء ويبرع هؤلاء بتقديم البرهان
والدليل على صحة ما يقولون نهم أصبحوا في عصر العلم
والمدنية والحضارة؛ وأن العلم هو أساس كل شيء؛ ويحقق
للإنسانية كل شيء؛ ويحل - بل يجب أن يُخَل - محل الدين.
هذه التساؤلات والشبهات» بدأت بكتابة هذا البحث الموجز
لبيان وظيفة الدين في الحياة؛ ومدى حاجة الناس إليه؛ وهل
يمكن للعلم أن يحلّ محل الدين؛ ويحقق للبشرية آمالها
وقبل البدء في العرض قدت فصل عن مفهوم الدين الذي
اننشده ونعنيه + ثم أتبعته بفصل آخر عن بواعث التديّن الفطرية
لمعرفة العلاقة بين الدين والفطرة. ولذلك جاء الكتاب في
الفصل الأول: مفهوم الدين.
الفصل الثاني : بواعث التدين الفطرية.
الفصل الثالث: وظيفة الدين في حياة الفرد.
الفصل الرابع: وظيفة الدين في حياة المجتمع .
الفصل الخامس: الدين والعلم.
أمّا الخاتمة فقد خضّصتها لبيان حاجة الناس إلى الدين؛ مع
تلخيص النتائج التي وصل إليها البحث.
وقد سعيت في العرض أن أجمغ بين الدراسة الفكرية
النظرية الفلسفية العقلية. وبين الدراسة الشرعية التي تعتمد
على الأدلة الشرعية والبراهين النقلية من كتاب الله وسنة
رسوله. كما حرصت على اقتباس أقوال بعض العلماء
المعاصرين الذين بلغوا الذروة في اختصاصاتهم المتعددة
أسأل الله العليّ القدير أن يسدد خطاناء وأن يوفقنا للعمل
يجمع على الخير والحق شملنا؛ لنكون ممن يستمعون القول
دمشق أستاذ مساعد في كلية الشريعة
بجامعة دمشق
مَفهثوم لين
الخاطىء الشائع بين الناس. لتكون دراستنا مبنية على الأساس
السليم والمعنى الدقيق. ونقدّم لذلك بالتعريف اللغوي
تعريف الدين لغة:
تتعدّد معاني الدين في اللغة؛ وأرى أن هذه المعانفي تتحصر
في إيجاد علاقة بين طرفين» الطرف الأول يتمتع بالسلطان
والقوة والملك والجبروت والحكم وح القهر والمحاسبة
والمكافأة والمجازاة. والطرف الثاني يقف في الجانب الأخر
بالخضوع والطاعة والذل والاستكانة والعبادة والورع» والعلاقة
بين الطرفين هي الدين أو المنهج والطريقة التي تحدد علاقة
الأول بالثاني وبالعكس"»
« أقرب الأمثلة لتوضيح هذه المعاني وبيان هذه العلاقة كلمة «الدَيْن» فإ )١(
وكلمة الدين لها أربعة معان» تدلّ على العلاقة السابقة التي
أشرنا إليها'؟. و ِ
١ القهر والسلطة والحكم والأمر والإكراه على الطاعة
واستخدام القوة القاهرة فوقه. من دانه ديناء أي ملكه وحكمه
المتعدي بنفسه يمثل الطرف الأول الذي يتمتع بمعنى الملك
والتصرف والحكم والقوّة والاستعلاء والسلطان والتدبير والعزة
3 - الإطاعة والخدمة والعبودية والتسخر لأحد والائتمار
أي أطاعه وخضع له أو ذل أو استكان أو عبد. فالفعل المتعدي
باللام يمثّل الطرف الثاني المنّصف بالخضوع والطاعة
بالاستكانة والعبادة» ويظهر الارتباط والتلازم بين المعنيين»
والمال المطلوب هو الذي والقواعد الشي يتبعها الدائن والمدين في الدفع
والسداد والتوقيت هي الشريعة والقانون» والفرق بين الذين بالكسر والئن
أدبيء ومثل كلمة البيع فإّها تدل على علاقة بين طرفين هما البائع
والمشتري ومحل العلاقة هو المبيع ونظام البيع
(ا) انظر: القاموس المحيط: 776/4؛ المصباح المثير: 174/1» مختار
الصحاح: 718؛ الدين للدكنور محمد عبد اله دراز: 39 النهاية؛ لابن
لأثير؛ 148/7 المصطلحات الأربعة في القرآن» أبو الأعلى المودودي
© الدين هو الشرع والقانون والطريقة والمذهب والملّة
وفيا أي اعتقده أو اعتاده» ودان بالإسلام ديناً أي تعبد به
وتديّن وهو الدين أو الملّة؛ فالفعل المتعدي بالباء يمل
الطريقة أو المذهب الذي يسير عليه المرء نظرياً وعملياً؛. وهو
والسيد والمالك
؛ الدين هو الجزاء والمكافأة والقضاء والحساب؛ ومنه
قول العرب: كما تدين تدان» أي كما تصنع يصنع بك. وقال
تعالى حكاية عن الكفار: انا لمدينون » الصافات / 7ف
أي هل نحن مجزيون ومحاسبون» ومن أسماء الله تعالى:
تعريف الدين اصطلاحاً:
تعرّض علماء الاجتماع والفلسفة والأديان إلى تعريف
أن يتعقموا في المدلول الشامل الصحيح للدين. أو مك
الآثار العملية له. ولذلك نلاحظ أن كلل منهم عرف الدين من
وجهة نظره الخاصة؛ ونذكر هنا بعض تعريفات علماء الغرب
للدين. ثم نبيّن الاستعمال الشائع الذي نتج عن موقف الغرب
من الدين» لنصل إلى التعريف الصحيح للدين عند علماء
أولاً - تعريف الدين عند الغربيين:
ظهرت تعريفات كثيرة للدين في الغرب» وكانت تنطلق كلها
من نظرتهم إلى الكنيسة الكاثوليكية وتاريخها في العصور
الوصطى» وموقفها من الملوك والحكّام والإقطاع والرق
والحروب والحجر على العلم والاكتشافات. ثم موقف الثورة
الفرنسية وما تبعها من الكنيسة ورجال الدين والأفكار الدينية؛
ثم تبني العلمانية ومحاربة الدين وطرد رجال الدين الذين كانوا
يمشلون السلطة الروحية والمادية العلياء ويوجهون السياسة
والتشريع والقضاء في العهد السابق".
ومن خلال هذه الصورة ظهرت التعريفات ١
هو تصور المجموعة العالمية بصورة الجماعة الإنسانية؛
الدكتور محمد البهي: ١٠١ الدين: 89
(1) انظر هذه التعريفات في كتاب الدين» لدراز: 34 وما بعدها