المقدمة
يسم الله الرحمن الرحم
وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اخطف فيه
إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات
والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكم ونشهد أن محمداً
عبده ورسوله الذى خم به أنبياءه وهدى به أولياءه وبعثه بقوله فى القرآن الكريم
العرش العظيم » . صل الله عليه أفضل صلاة وأكمل تسلم +
أما بعد ] إذا ما أتيح لشخص أن يتعرف على تاريخ الأخيرة » من
سيرة خاتم رسل الإسلام محمد عل ؛ من خلال ما كتبه المستشرقون ؛ والكثير
من أبناء العرب والمسلمين » فى القرن الأخير ؛ يروعه ما زعمه الزاعمون » من أن
رسول الله ل » ترك أمته حائرة » لا تدرى أى شخص تخار خليفة ها بعد
موته » وأن رسول الإسلام تل لم يحدد شكلا للحكم من بعده ؛ وأن هذا
العمل من جانبه يعتبر من أعمال الديمقراطية +
وإذا قدر له أن يقرأ فى تاريخ أنى بكر الصديق وصحبه بعد وفاة الى عَْلِ
مباشرة من خلال ما كتبه المستشرقون » وكثير من أبناء المسلمين فى القرن
الأخير » سوف يزعجه كثيرا تصوير كتاب التاريج لهؤلاء الصحابة بصورة
الانتهازيين الذين يتصارعون من أجل السلطة .
وبالرجوع إلى المصادر الشرعية عن تاريخ هذا النبى الكريم » وتاريخ
صحابته - رضوان الله عليهم - سوف ندرك ؛ أن الصور التى رسمها كتاب
الحقيقية + بل هى صور مشوهة ومزيفة لتاريخ الإسلام ورسول الإسلام تن +
وصحابة رسول الله رضوان الله علهم +
ومن هنا ؛ فقد ارتأينا اختيار مسألة من تاريخ الخلفاء الراشدين ؛ وهى
مسألة استخلاف أبى بكر الصديق - رضى الله عنه فنتعرض لبعض ما كتب
فيها من خلال ما كتبه المستشرقون ومن سار على نهجهم من أبناء العرب
والمسلمين فى القرن الأخير ثم نقوم بتصحيحها التصحيح الواجب ؛ وما توفيقنا
إلا بالله .
وثمة شىء آخر لابد من ذكره بين يدى تقديمنا لهذه المسألة : هل من غير
المتوقع من الذين اعتدوا على ذات الله بألسنتهم » وتناولوا سير الأبياء ببذىء
أقوالهم ؛ وزعموا أن سليمان عليه السلام » كان سفاكا للدماء ؛ وأنه قد قتل
ليتفرد بالحكم ؛ وأنه ل كبير الحاخاميين حتى لا يقف فى وجهه إذا ما أراد أن
يخالف تعالم الدين'» » وزعموا أن غيسى؟ لم يولد من أم عذراء + وأن أمه
مصابا بالصرع » وأنه ألف من النصرانية واليهودية والجاهلية دينا هو(*) الإسلام +
)١( ديورانت ( ترجمة محمد بدران ) قصة الحضارة » ج 3 + م ١ » الإدارة الثقافية بجامعة الدول
العربية ؛ ص 372 - 33+ ؛ عبد الحميد زايد » الشرق الخالد دار النبضة العربية من 787
() قصة الحضارة م ج11 ع من ١84
(©) جوستاف لوبون ( ترجمة عادل زعيتر ) حضارة العرب » عيسى الحلبى + القاهرة ؛ من 17 +
عاد كا
(0) س. موسكاى ( ترجمة د. السيد يعقوب بكر ) » الحضارات السامية القدمة م ص 304 +
هل من التوقع ألّا يزيفوا تاريخ الصحابة ؟ » ويشوهوا صورتهم ؟ أبدا العكس هو
لا يستبعد تجرؤهم على تاريخ الصحابة والتابعين ٠
وكان من فضل الله علينا حفظ أخبار الرسل وما حملوه إلينا من الخير »
الرسل والأنبياء » وأمكنها أيضا أن تتبين الكذب والوقاحة والدس الذى قام به
أحفاد القردة والحتازير من المستشرقين ومن نبج نهجهم لتشويه وتزيف تاريجع
الأنبياء والمرسلين +
فالذى كذب عل الله » وعل الأنبياء والرسل » لابد وأنه قد اعتاد الكذب
على أصحاب رسول الله عل والتابعين » ومن هنا فقد وجب على أبناء المسلمين
الإسلامى . فليس للمسلم أن يأخذ تاريخه عن يهودى أو نصرائى أو ممن سار على
هو الاتجاه العام الذى تواصوا على السير فيه » منطلقين من عداء دام للإسلام
وأهله وعمل دائب على هدم الدين الإسلامى . ولتحقيق أهدافهم نراهم حريصين
على التجاهل والتجهيل والتشويه المتعمد وغير المتعمد لصور الصحابة والتابعين
والدعاة'والعلماء الذين شرفهم الله بحمل أمانة الدعوة, الإسلامية على مدار تاريخ
البشرية . كم يحرصون أيضا على تجريحهم والتشكيك فى عدالتهم وأمائتهم ودينهم كا
سنرى من خلال تقديم نماذج لذلك .
صقت بأيدى الكثير من أبناء العرب والمسلمين حديثا - تتواطأً على تزريف
وتشويه تاريخ الصحانى الجليل أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - على وجه
الخصوص وتاريخ الصحابة على وجه العموم ؛ وتاريخ الإسلام والرسول
محمد عه بطريق مباشر أو غير مباشر +
والأخطاء التى وقع فيها هؤلاء الكتّاب » نجمت عن كونهم يعالجون التاريخ
الإسلامى بمنهج معاد للإسلام فكثير من المسائل الواردة فى تلك الكتب باطلة متنا
وسندا » لأن الوثائق المعتمد عليها لم تخضع فى معظمها لقواعد الجرح والتعديل!'
الى قررها علم مصطلح الحديث ؛ والمسائل الواردة فى تلك الكتب ؛ بالإضافة
إلى كونها لم تخضع للتحقيق الذى ضبط أصوله علم مصطلح الحديث ؛ فإنها
أو السند ؛ وبالتالى فهى لا يعتد بها من الناحية الشرعية +
شخصيات الصحابة - ومنهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه - زاوية غير إسلامية
وبالتالى فإنذ شخصية الصحانى لم تعط كل إيحاءاتها فتكون كالنور الذى يضىء
الطريق أمام الأجيال المسلمة التى تنطلع إلى القدوة والأسوة الحسنة ؛ لتتمثل بها
وهى تمارس الدعوة إلى دين الله عز وجل وهو الإسلام ؛ نظرا لثقافتهم الإسلامية
لمحدودة ؛ ونَسُوا أن المؤرخ لابد وأن يكون لديه قاعدة من العلوم الشرعية
والثقافة الإسلامية .
وذلك غير علم هؤلاء الكتاب المحدثين المحدود فيما يتصل بالإسلام كنظام
حياة شامل على عكس ما كان عليه الكتاب والمؤرخون القدامى ؛ فمثلا الطبرى
قبل أن يكون مؤرخا » كان مفسرا وكان محدثا ؛ وكا » وكان لغوياً » بل
وكان عروضيا . ولذلكِ لا نستغرب من كاتب من الكتاب المحدثين ادّعاءه أن
الرسول ته قد تونى دون أن يحدد لأمته شكلا من أشكال الحكم من بعده»
بمصادر الإسلام التشريعية والجهل لا يصلح أن يكون دليلا .
وواجب المؤرخ المسلم فى هذه الظروف » أن يصحح الخطأ وأن يين
للناس حقيقة الأمر على قدر ما لديه من علم فى المسألة الواجب تصحيحها .
ويستلزم ذلك منه جمع كل الوثائق التى تتعلق بالمسألة ؛ مع إخضاعها للجرح
- 347 ( الكفاية تأليف الإمام الحافظ المحدث أبوبكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغنادى )١(
+ )م ) الفند 1367م علوم الحديث ومصطلحه للدكتور صبحى الصالح » دار العلم للملاين 44
والتعديز الصحيح من غير الصحيح وإذا لم يكن له علم بقواعد الجرح
تعذر الحكم بصحة بعض جوانب هذه المسألة لعلة أو لأخرى » يرجع فى ذلك
إلى الأصول الكلية فى مقومات التصور الإسلامى .
ثم تأقى مرحلة التحليل لهذه الوثائق التى تتعلق بمسألة بعينها + بعد ترتييها
ترتيبا زمنيا - واستخلاص النتائج وما تعطيه من توجيه وتعليم للدارس والقارىء
أو المحقق . ولا يمكن أن يقوم بذلك كله سوى مسلم موثوق فى دينه وأمائته +
يعيش بحسه ووجدانه الإسلام كنظام حياة شامل .
الفصل الأول
الجزء الأول
هذا الجزء يتضمن مزاعم المستشرقين ومن سار على نهجهم
وهم يعالجون مسألة استخلاف أن بكر الصديق رضى الله
الجزء الأول
مزاعم المستشرقين ومن سار على نجهم
١ - تصوير صحابة رسول الله عل بمظهر الانهازين المتصارعين على
السلطة ؛ ورتبوا هذا العرض على أساس - فى زعمهم - أن رسول
الأمر دون أن يقرر نظاما ثابتا ؛ وأنه لم يستخلف أحدا قبل وفاته +
» - أن الرسول محمد َه قد أشربت نفسه حب الديمقراطية التى كانت
سائدة لدى العرب فى الجاهلية ( مع أن الديمقراطية مبدأ غير إسلامى لأنها
تنزع الحاكمية من يد الله سبحانه وتعالى وتجعلها حقاً للشعب ) ؛ ولذلك
ترك أمر الخلافة من بعده دون أن بيت فى أمرها .
»+ - حبوث أزمة سياسية خطيرة بعد وفاة النبى عله ؛ وحدوث الانقسام فى
فرقة الأنصار » وفرقة المهاجرين » وفرقة من الماشميين والأموبين ومعها
طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام +
السيدة عائشة - رضى الله عنها - زوج رسول لل عق ؛ وعصبيته
والأنصار » وكاد يفتت وحدتهم ؛ ويصدع إحدى المقومات الرئيسية
د - أن قبيلة الخزرج قد سارعت إلى بيعة أى بكر الصديق فى السقيفة نكاية
فى قبيلة الأوس +
+ - تامر أئى بكر وعمر وأبى عبيدة بن الجراح فى أواخر حياة الرسول تَكثِ
على احتكار الحكم بعد وفاته ؛ وأن عائشة بنت أبى بكر وحفصة بنت
عمر - رضى الله عنهما - قد مهدتا لهم السبيل +
» - أن عليا قد اتهم عمر بن الخطاب بالتواطوٌ مع أنى بكر الصديق ليكون
لأ ل من به » وأ عمرا قد بع أب بكر الصدي أملا ف أن يعهد
وأن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قد رفض تشكيل هيئة نيابية تنوب عن
الأمة فى مراقبة أعماله » وأن الصحابة قد تركوه يحكم حكما مطلقا + ولم
يكن حكمه يخضع للشورى . كم أن الصحابة - رضوان الله عليهم - هم
الذين تنازلوا عن حقهم فى الشورى ؛ وسبب ذلك - فى زعمهم - أن
الصحابة كانوا حديثى عهد بالحكومة .
8 - أن عليا بن أ طالب وبنى هاشم قد تخلفوا عن بيعة أأى بكر لأن عليا
كان يطلب الأمر لنفسه ؛ واتهم أبا بكر أنه قد غضبه حقا له . كم تخلف
عن بيعة أبى بكر قوم من الهاجرين والأنصار » - وزعموا - أنه لما
أيا بكر ؛ وأعلنت سخطها عليه وعلى عمر وبقى على لم يبايع أيا بكر
إلا بعد وفاة فاطمة ( بعد ستة أشهر ) +
- أن عليا كان على يقين من إجماع المسلمين عليه بدليل أنه قال لعمر : :ومن
رسول الله » وأنه أ للنبى كهارون لموسى ٠
أن الرسول محمد عل لو كان له ولد لاستخلفه من بعه .
١٠٠ - الأحاديث النبوية التى تقول بأن « الأئمة من قريش 00 معظمها
موضوعة وغير صحيحة » وأن أبا بكر لم يذكر هذه الأحاديث يوم
السقيفة ؛ رغم أنها كانت أمضى سلاح له فى ذلك اليوم العصيب »
ويزعم الكاتب أن هذه الأحاديث قد وضعت لتبرير النظام السياسى
للدولة الإسلامية على عهد عهد أنى بكر وصحبه ؛ واعتبارها ( أى
الأحاديث ) من باب الإخبار بالغيب لا من باب جعل القرشية شرطا فى
الخلافة .