باب القول في الأحكام الشرعية
ليست أحكام الأفعال صفات ذاتية وإنما معناها ارتباط خطاب الشارع بها نهيا
وأمرا وحثا وزجرا فالمحرم هو المقول فيه لا تفعلوه والواجب هو المقول فيه لا
تتركوه وهو كالنبوة ليست صفة ذاتية للنبي ولكنها عبارة عن اختصاص شخص
بتبليغ خطاب الشارع فقولنا الخمر محرمة تجوز فإنها جماد لا يتعلق بها الخطاب
وإنما المحرم تناولها
مسألة
لا يستدرك حسن الأفعال وقبحا بمسالك العقول بل يتوقف دركها على الشرع
المنقول
فالحسن عندنا ما حسنه الشرع بالحث عليه
وقد خالف في ذلك المعتزلة والكرامية والروافض فقالوا
الشرع إليه كحسن الزكوات والصلوات وأنواع العبادات لأن مصالحهما الخفية لا
يطلع عليها إلا بتنبيه
وما يستدرك بمحض العقل على زعمهم ينقسم إلى
المعلوم بضرورة العقل عندهم كحسن الشكر وانقاذ الغرقى والهلكى وكقبح
الايلام ابتداء أو الكذب الذي لا غرض فيه
والى المعلوم بالنظر كالكذب الذي يرتبط به غرض
ولنا في هذه المسألة مسلكان
والثاني اثبات مذهب أهل الحق
والأخرى معنوية
أما الطريقة الجدلية فهي أنا نقول ادعيتم أن حسن بعض الأفعال وقبحها
مستدرك ببداية العقول واوائلها ونحن ننازعكم في ذلك ومواضع الضرورات لا
يتصور فيها الخلاف بين العقلاء
فإن نسبونا إلى عناد عكسنا عليهم دعواهم ثم العناد إنما يتصور في شرذمة
يسيرة ونحن الجم الغفير والجمع الكبير لا يتصور منا
التواطؤؤ على كر العصور وتوالي الدهور من غير فرض رجوع من واحد إلى الانصاف
الشرع وذلك لا يمنع دعوي الضرورة كمخالفتكم الكعبي في علم التواتر في كونه
قلنا ايلام الله سبحانه البهائم معلوم عندكم قبحه بالضرورة لو لم يقدر تعويض
ونحن ننازعكم في نفس هذا العلم مع اعتقاد نفي التعويض وبطلان مذهب
ثم نحن لا نسلم لكم لحسن الراجع إلى الذات وانما المعني بالحسن عندنا ما
يحسنه الشارع بالحث عليه ولو قدر عدم ورود الشرع لضاهي
الكفر الإيمان عندنا فكيف يستقيم ادعاؤكم الموافقة في أصل العلم
واما الطريقة المعنوية فهي أنا نقول ما قولكم في واقف على فوهة طريق اجتاز
به نبي واشياعه واتبعه غاشم يبغي قتله واستخبرة عن حاله ايصدق أم يكذب
الذات لا تتبدل ونحن نعلم إن الكذب احسن من الصدق ههنا
المسلك الثاني في اثبات المذهب نقول
القتل الواقع اعتداء يجانس القتل المستوفى قصاصا في الصورة والصفات بدليل
الاغراض جلبا ودفعا ونحن لا ننكر تفاوت الافعال عند العقلاء لتفاوت الاغراض وانما
الخلاف في الافعال بالنسبة إلى الله تعالى وهو منزه عن الاغراض لا يتضرر
بالكفر ولا
ينتفع بالايمان فلا معنى للتمييز في حقه وكذا فعله تعالى لا يطلب له غرض فيه
حتى إذا خالف غرضه قبح ولا تحكم للعباد عليه وهو يفعل ما يشاء فلا يجب
عليه تطبيق افعاله على غرض العباد وهو متصرف في ملكه لا اعتراض عليه
ولهم أربع شبه
احدها
انهم قالوا استحسان مكارم الاخلاق من الشكر والإحسات وانقاذ الغرقى
والهلكى واستقباح الكذب و الايلام اطبق عليه العقلاء مع تفاوت قرائحهم فدل
على انه مدرك بالضرورة
قلنا نعم ذلك مسلم فيما بين الناس ومنشوّ اغراضهم والكفر كالايمان بالنسبة
إلى الله عز وجل وليس كالكفر والشكر بالنسبة إلينا فإنا نفرح ونرتاح بالشكر
ونغتم بالكفران وسر العبودية التلفت إلى الحظوظ حتى لو ورد الأمر المجرد من
الشارع من غير عقاب لما قضى العقل بامتثاله إذ لا غرض لنا ولا للرب سبحانه
فيه فإذا اورد العقاب قضى العقل باجتنابه وسر الربوبية ! التنزة عن الحظوظ ومن
لم ينزه فقد ذهل عن حقيقة الالهية
الثانية
إن قالوا ما بال الملك العظيم الولي على الاقاليم يحسن إلى فقير وان اشرف
على الموت من غير توقع غرض فيه ليس ذلك إلا لتحسين العقل
قلنا المستحث عليه أما استمرار العادة وهي طبيعة خاصة يعسر خلافها أو رقة
الجنسية والرب تعالى منزه عن الرقة والشفقة
الثالثة
انهم قالوا إن البراهمة ونفاة الشرائع ادركوا الحسن والقبح ولا مستند لهم إلا
محض العقل
قلنا ذلك اعتقاد فاسد كاعتقادكم وليس ذلك بعلم كإحالتهم بعثة الرسل
قولهم إن العاقل يؤثر الصدق على الكذب عند استوائهما في الافضاء إلى الغرض
وسببه تحسين العقل
قلنا لا بل سببه الشرع أو حذر اللوم من الناس أو تقليد مذهبهم الفاسد فإن
فرضوا عدم هذه المعاني فيستوي عنده الصدق والكذب
ثم غايتهم اعتبار الغائب بالشاهد ويقبح من السيد شاهدا إن يترك عبيدة واماءهة
يموج بعضهم في بعض يزنون ويقتحمون الفواحش وهو قادر على منعهم وقد
فعله الرب سبحانه والخلائق في قبضته وقهرة
قلنا وقد علم انهم لا يفعلون فليمنعهم اجبارا وكم من مجبر ممنوع بزمانة أو عجز
عن ارتكاب الفواحبثر
مسألة
لا يستدرك وجوب شكر المنعم بالعقل خلافا
للمعتزلة لان العقل لا يوجب الشيء هزلا هملا فلا بد من تخيل غرض وذلك
يستحيل رجوعه إلى المشكور فإنه تعالى منزه عن الأغراض والشاكر أيضا لا
يلتذ به في الحال بل يتعب نفسه
فإن قيل يعرض له انه إن شكر ربه بعد أن عرفه