هذه الأساطير
فى أذهان بعض الناس أن الأساطير ليست سوى « حواديت» تروى حول « المدفأة»
فى ليا الشتاء الباردة ؛ لا هدف من ورائها سوى التسلية والمتعة وقطع الوقت. ٠ +
أو الأهداف شىء سوى ماتضم من خيالات غريبة شاردة لاتصلح لغير الأطفال. ٠
فقد رافقت الأسطورة الإنسان منذ نشأته وماتزال ترافقه .
وفى كل أسطورة تتمشل عقائد أصحابها ومثلهم وعاداتهم» وتتضح نظرتهم
وفلسفتهم فى الحياة . وهى تعطى فكرة كاملة عن الروح المتأصل فى هذه البلاد التى
اتحدت فى صراعها العنيف من أجل الحرية» والخير؛ والسلام .
إلحية أو بطولية أو غرامية أو خلقية أو فكا تمثل جزءا ضخيا من التراث القومى
الذى يتلقاء الناس جيلا بعد جيل » ويمتزج بنفوسهم حتى يصبح جانبا حيويا فى
تكوينهم وحيواتهم .
ولاشك أن كل هذه الأساطير قائمة على أساس من الحقيقة . غير أن الخيال
الإنسانى مع مر الأيام ألبس الحقيقة من الأوهام أردية جعلتها بعيدة عن المعقول؛ وإن
ومع ذلك» فأغلب الأساطير يدور حول إنشاء حياة أفضل . وهى محاولات نشأت
رأسها مشكلة خلق الكون» ويجتاز بوساطتها الهوة بين العالم الذى يعيش فيه والكون
الغامض الذى يحيط به؛ ويحاول بها الوصول إلى معرفة سر القوى المسيطرة على العالم
وبالرغم من أن الإنسان ب قد تحرر اليوم من هذه المحاولات » إلا أنه فى
ليست سوى محاولات أخرى متطورة لمعرفة أسرار الكون . وهى وإن كانت اليوم تبلغ
القديم » بالقياس إلى المراحل الحضارية التى كان يعيش فيها ويترغرع بين أحضانها +
هذه هى حقيقة الأساطير. . التى يقول عنها سير 3 جوم» إنها علوم عصر ماقبل
وهذه الحقيقة تتضح تماما عندما يتلمس المرء قصة الأساطير منذ بدأت » وقصة
فقد عاش الإنسان أول أمره حياة بدائية محاطة بمثات الأخطار والأسرار . وجملته
تفسيرا» ويتخيل أصولا ووقائع يرتاح إليها وتزيل حيرة نفسه ٠ .
وكان أول ماملاً رأسه من تلك الخوارق التى تحيط به» إييانه بوجود قوى مسيطرة
خالقة عاقلة ذات قدرة أسمى من قدرة كل العناصر والكائنات.
وبدأ الإنسان يتأمل تلك القوى؛ ويجسم كل شىء خارق منها يجسه ولايستطيع
الوصول إليه فيجعله إلهاء يعمل على استرضائه بتقديم الضحايا وال :
والرياح والشمس والقمر والنجوم والمياه والبرق والرعد » كلها آلهة طفق الإنسان بد
ولكن الإنسان أخذ يعجب بعد ذلك لكل تلك القوى . . كيف جاءت هى
الأخرى!؟ لابد أن هناك شيشا خالقاء شيئا أقوى من كل شىء» استطاع أن يصنع
حافلة بها تصوره لهذا الخالق » وكيف أقام السماء والأرض» وكيف جاءت الكاثنات على
اختلاف صورها وأشكالها لتعمر الكون.
المجتمع الإفى :
تصور الإنسان الخال الأول» مصدرا رئيسيا للقوة والخلق ؛ يهيمن على كل شىء +
ويسيطر على أركان الكون الشاسع . تصور هذا الخالق ومن حوله الله الآخرون+
ينظمون الحياة على الأرض» ويبصرون أعمال الناس » فيشيون المحسن» وينكلون
وتبايت صور هذا الخالق فى أذهان البشر» حتى آمن البعض بفكرة الرب الواحد
الذى يتمشل دائما فى رب الأزباب أو كبير الآلهة » وجعلوا الآلهة الأخرى أتباعا له
يكلفهم مساعدته» ويكل لكل منهم مهمة معينة؛ ويمنحهم قوى خاصة ييارسونها
تارة بإرشاده» وطورا من تلقاء أنفسهم + دون أن يكون فى ذلك مساس به أو تجريد لما له
من ربوبية مطلقة؛ وسلطان شامل على كل شىء١٠!
وكان لابد للإنسان بعد ذلك أن يتخيل ذلك المجتمع الإفى الذى يختلط فيه آلهة
تختلط تلك الصور فى ذهنه بالعالم الأرضى الذى يعيش فيه هو نفسه . فنسج فى أساطيره
كل ماتخيله لذلك المجتمع الإلفى» من صور الصراع والنزاع والحسد والطمع والجشع
والخير والشر» ممايراه كل يوم ويشهده فى العالم البشرى +
قصة الطوفان:
عندما تصور الإنسان مجتمع الآلهة وتخيله؛ بدأ يربط بينه وبين مجتمعه؛ حيث كان
لابد من اتصال الألهة والبشر؛ واشتباك أعمال هؤلاء بأعمال أولئك ؛ ف كسيد
وهنا تصور الإنسان قصة الطوفان. . قصة أول صراع بين الآلهة والبشر؛ حين يمعن
أهل الأرض فى الفساد والسخرية بالآلهة؛ فيغضب الألة عليهم ؛ وينزلون بهم نة
بغمر صاخب تتفجر له عيون السماء؛ فيهبط طوفان هائل يقضى عل البشر
المفسدين» إلا واحدا يصطفيه الآلمة فينجو فى فلك يصنعه» وعلى يديه تعود الحياة من
جديد. وبدت صورة الطوفان واضحة فى مختلف الأساطير» وتمائلت صورة الإنسان
وكزيزوتروس عند الأشوريين» ودوكاليون عند الإغريق ٠ ٠
الأبطال والخوارق:
تتصرف تماما كالإنسان: تحب وتكره؛ وترضى وتغضب؛ وتفعل كل ما يفعله هو
ساذجة» للنزول بها فى معترك هذا الصراع الرهيب .
وم تعد وسائل الحرب العادية البسيطة تكفى ذلك الإنسان» وهو يصارع قوى أشد
منه وأقدر . فبداً يتصور بخياله كاثئنات تستطيع بقواها الخارقة منازلة أعداثه؛ ومن
خلال خيالاته بدأ يستعين بأصحاب الخوارق فييا لم يستطع أن يفعله بنفسه؛ فصور
أنصاف آلهة يستمدون فواهم من السماء» وصور أبطالا خارقين فيهم مظاهر
القوة عند الحيوان» ومظاهر الجبروت عند الآلة . ومن هنا ظهر جلجميش وأنجيدو عند
مجتمع الجن:
لم يكتف الإنسان خلال بحثه عن مصادر القوة التى تساعده على الأعداء بمثل
هؤلاء الأبطال . فبدأً يتخيل من جديد كائدات أخرى تستطيع القيام بها يعجز عن
الإتيان به والوصول إليه. ٠
وهنا ظهر الجن فى أساطير الإنسان. . جن خيرون يستطيع بوساطتهم الوصول إلى
الأعداء عند تصور أقصى أنواع الشر فى مجال الشر. وجعل الإنسان للجن من القوى
والسمات الفائقة مايقدمهم عليه هو نفسه؛ مادام هو أدنى قوة وأقل من الجن
تصور الإنسان أن مجتمع الجن مثل مجتمع الإنس من حيث التركيب . . ففيه حكام
هكذا تخيل الإنسان الجن الذين لابراهم رأى العين ويتوهمهم دائما فى الوقت نفسه .
والشر وبين البشر والألهة» ونظم أسلويا للتعامل بينه وبينهم؛ وجعل عالمهم تصاعديا
مطبوعا بالسلطة شأن المجتمع البشرى الإقطاعى» وأضاف إلى أشخاصهم صفات
الشذوذ فى الهيئة والمسكن والسلوك والصوت . . حتى يستطيع بذلك أن ينم عن
صفاتهم الخارقة للمصطلح العام؛ ويدل على التميز البالغ حد التفوق +
السحر والسحرة :
غير أن أشياء أخرى فى تفكير الإنسان دفعته إلى البحث عن وسائل جديدة لبلوغٌ
أهدافه. . وسائل يستطيع أن يلمسها ويتبينها بنفسه فى الوقت الذى لايستطيع فيه أن
يلمس ويتبين أشخاص الجن . . وهنا . . اتجه الإنسان نحو السحر. . وفى كتاب
الأدب الشعبى يقول مؤلفه الأستاذ رشدى صالح:
التصرف الساذج» ولكنه كان فى التاريخ القديم قائما على استخدام القوة الخفية
للكلمة؛ لأن اختراع اللشة أى استيدال الصوت بالإشارة أو الرسم. كان انقلابا
مذهلا بالنسبة للإنسان البداثى» فاعتقد أن فى الصوت قدرة حارقة تستطيع إذا نظمت
إله . ومن هنا اعتقد المصريون القدماء مثلا أن الكلمة هى الأداة الإلفية فى خلق العام +
هذه القوة الخفية للكلمة هى قوة الإلزام أو الريط . . وتتضح تلك القوة مما جاء فى
تعويذة إيزيس وهى تطرد الألم من جسد رع فتقول : « اخرج أيها السم . احرج من
جسدرع. . اخرج من جسد رع المحترق . لأنى أقول التعويذة. . إنى أنا التنى أمر +
إنى أنا التى أبعث بالرسالة. . اخرج على الأرض أيها السم القوى . . ولتعلم أن الإله
وهكذا أصبح السحر فى القدماء بمشابة الروح من شعائر تلك العبادة.
وتصور الإنسان محاولات جديدة لاسترضاء الآلهة والقوى الخفية التى ظل يجهل طبيعتها
باعتباره القوة الجديدة التى يستطيع بها أن يقهر القوى المناهضة له أو الخارقة لكل
مستطاع . وهكذا شاع الاعتقاد بأن الرقية أو التعويذة أو القسم يجبر القوى الخفية على
ماتستطيعه التعويذة السحرية» بل إنها لتمكن الإنسان من تسخير القوى الخفية أيضا
حبلا. وتقول أسطورة طمهورث الفارسية إنه ربط أهرمان ليمنعه من إنزال الشر
بالداس. وتصور أسطورة برميثيوس الإفريقية أن العقاب الإفى كان بريطه إلى
تشابه الأساطير:
كان كل ذلك إذن أصلا لأساطير الإنسان فى مختلف حضاراته وبيثاته. . تلك
الأساطير التى جاءت فى أغلبها متشابهة متفقة تثير الحيرة والتساؤل عن علة تشابه
أساطير المصريين مثلا مع أساطير الهنود والفرس والصين والإغريق والأوربيين أيضا .
هذا التساؤل يجيب عنه بعض الدارسين بأن الجنس البشرى كله قد نشاً أول مانشا فى
مكان واحد ثم تفرق وارتحلت معه معتقداته وأساطيره . ويذهب آخرون إلى أن حياة
الإنسان لم تظهر فى مكان واحد بل فى أمكنة متفرقة؛ ولكن قام بين مختلف هذه الأوطان
علاقات ثقافية هاجرت معها الأساطير وسواها من عناصر التراث القديم من أمة إلى
أمة . وتم رأى ثالث يقول إن سب التشابه هو تشابه ظروف تطور التاريخ الإنسانى
ومهها يكن الأمر» فالثابت برغم تشابه العناصر الأولى لكل هذه الأساطيره أن ثم
الطبيعية ذاتها. . فالمجتمعمات التى استقرت فى أرض زراعية تشكل أساطيها فى أهم
تشكل أساطيرها فييا يشغلها من الحيوان وأدوات الصيد وشياطين الغاب . والمجتمعات
التى يجيط,بها البحر تشكل أساطيرها على العواصف والأمواج والحور والجنيات!
وكما تباينت تفاصيل أساطير الأمم» تباينت أيضا أشكال أساطير الأمة الواحدة .
ينتصر الألمة فيها دائياء والأساطير التى تتناول الخوارق التى تدور حول أنصاف الألمة
والأبطال حارقى القوة المتمتعين بقدرة جسدية أو معنوية فائقة ؛ والأساطير التى تدور
حول وسائل البشر فى التخلص من مآزق البيشة التى تحيط بهم » والأساطير التى تدف
إلى وضع أسس خلقية يتباين فيها الصراع الدائم بين الخير والشر. ١
بقايا فى معتقد كل أمة ؛ حتى الأمم التى تعيش فى ظل الصناعة والعلوم» بقايا لاتزال
مسيطرة على العادات والتقاليد والثقافة الإنسانية بوجه عام ٠١٠١
وأزالت عبادة إيزيس»؛ استمرت أسطورتها تعيش فى معتقد الفلاحين فى شكل أسطورة
مسيحية جديدة تقول إن الفيضان ينبع من دموع القديس ميخائيل الذى كان كلما حل
ميعاد الفيضان يدخل على العرش الإلغى يرجو الله أن يرحم عباده المصريين فيأمر بزيادة
الأساطير للجميع:
وبعد . . فهذه هى قصة الأساطير التى دفعنى إلى تقديمها لقراء العربية إييانى بأنها
لون رائع من ألوان الأدب الممتزج بالتاريخ . . لابد لكل صغير وكبير من الإلام بها لفهم
معتقدات البشر وعاداتهم وطبائعهم» وإدراك المثل والروح المتأصل لكل شعوب هذا
العام الكبير. وقد أخذت على عانقى فى هذا الكتاب تقديم بعض أساطير الشرق؛ بعد
إخراجها من الطابع المتزمت وتبسيطها وتقديمها فى صورة حية ؛ سهلة التناول» تطرب
سلبان مظهر
أسطورة فرعونية
رع أبوالآلهة
كان رع إله الشمس» أشهر الأمة الذين حاول الكهن فى مصر القديمة أن يقربوا يا إل أفعات
العامة ذكرة الخالق العظيم الواحد الذى هو الأصل فى حياة كل شىء. وقد جعلوا لرع من الذرية.
لانية ذكور وأربع إناث. كل ذكر منهم متريج بأنثى . فشسو وتفنوت رمز الواءوالنار.
وجب ونوت رمز الأرض والسماء . وأوزيريس وإيزيس رمز النبل والتربة؛ وست ونفتيس رمز الصحراء
وتقول العقيدة القديمة « إن السماء كانت لاتزال متصلة بالأيض حين تمرد البشر عل الألهة الذين
كالوا بعيشون بينهم » وازداد بالبشر الفساد حتى شار خب بع وقرر أن يتزل بهم نقمته . وبعد طوفان.
وفصل السماء عن الأرض ليجمل منها مقاما وسكنا» وليشرف من فوقها عل كل أبناء البشرية .٠٠ ٠
هناك . . فى قلب هليوبوليس . . كان يقبع قصر فخم لم تعرف مصر قصرا مثله على
تصطف تمائيل أسود وكباش ؛ ترقب كل زاثر غريب؛ وتنحى كل مارد رجيم . أما
القصر نفسه؛ فيموج بجموع هائلة من الخدم ؛ كلهم عيون مفتوحة » وآذان مرهفة؛ فى
حراسة الإله الأكبر « رع» رب القصر العظيم »
يفتح رع إله الشمس عينيه؛ فيبزغ الفجر على الوجود .
إلى الحمام يستحم بالماء البارد . وتقبل عليه « أنوبييس» إلهة الندى فتصب عليه أ؛
الأربعة الطاهرة. وينطلق « حورس» فيدلك جسده. وينحنى « توت'
البريق . وينطلق ومن أمامه الرسل تتسابق لإحلاء الطريق» ومن حوله جنود الموكب
ينحنون حتى تلامس جباههم غبار الأرض . ويصل الإله إلى زورقه العلوى الراسى على
ضفة النهر» فيستقله منزلقا به على الأمواه بلا مجداف ولا شراع ولا سكان !'؟ ويطلع
النهار فيهتف الناس والآلهة على الضفتين ؛
السفينة ( أو ما يعبر عنه بالدقّة) +
«تباركت يارع . . يا خالق السموات والأرض! يامرسى الجبال وساقى البحارا
يارصول الفرح والحرارة والضوء إلى أرض السلام ٠٠١ 8+
الرابض فى الأعماق . وهناك؛ يسشمر مسير الإله على صفحة نهر كبير» يخترق واديا يتفيع
إلى اثشى عشر فرصا؛ تفصل كل واحد منها عن الآخر جدران هائلة ذات أبواب
حتى يلج الباب الذى صل إلى حدائق « أيالوا؛ حيث يرقد رقدة قصيرة فى قصره
الكبير ما أسرع ماينهض بعدها ليبزغٌ الفجر» وتبداً إشراقة يوم جديد |
وكان الداس . . كل الشاس فى هذا العام الكبي. . يسجدون لرب الشور كل
كل أنواع النحمال . يقابل الخلق ويهديهم. ويقضى فى شكاوى المظلومين. ويرقق
بالمعذبين فيزيل عنهم الأوجاع . ويعلم الناس تعاويذ الوقاية من خطر الثعابين
والحيات . ويمنحهم الطلاسم التى تطرد كل شرير من الأرواح . ولم ييخل رع على
سر القوة التى يحكم بها رع عالمه الكبير. وكان يعرف أن من يصل إلى معرفة مر اسمه
والح أن أحدا من الآلهة والبشر لم يكن ليطمع فى ذلك السلطان والجبروت سوى
إيزيس . فقد طالما أبصرت مظاهر القوة التى يتمشع بها أبو الآلمة؛ وتلك القدرة التى
يطوى سلطانها كل شىء . وما أكثر ماتمنث إيزيس فى أعياق نفسها. أن تعرف مر
ذلك الاسم القدسى الغامض الذى يخفيه إله الشمس . حتى تملك بفعله السحرى كل
الأرض وكل السماء ؛ وتصبح به من بعد كبية الآلهة ٠٠١