رب الزمان ودراسات أخرى
الإهداء
أحمد صيري إبراهيم أغا
كُنْتَ متشدداً في أمور الدين؛ وكثيراً ما كُنْتَ تعترض على منهجي في تحديد قراءة التراث؛ وتتوقع لما
والروايات الكلاسيكية؛ أعرف كيف كنت تحب طين مصر وشم التسيم ورياح الخماسين والحديقة ١
برحيلك أيها الإنسان رحل صديقي الطفل الرائع؛ الأبيض الناصع؛ الذي آمن بالله صدقاً فأحب
الأرض والناس»؛ وعاش من أجل الناص» طبق الأصل: مصري حقيقي ممن كنا نعرفهم أيام زمان.
كنت تكره منظر الدماء حتى لو كانت ذبحاً حلالاًء وتفرح من قلبك عندما ترى عاشقين؛ وتحرن
بعمق لخبر عن كارثة أصابت بشراً على الشاطئ الآخر من بحر الظلمات؛ ثم كنت تنصت بكل جوارحكث
أي يا إنسان: اسمح لي أن أقترب منك بمذا الكتاب كنبت نصفه وأنا بمستشفى القلب بين الموت
والحياة أحاول به التماس الدفء بالقماس مع ذكراك حتى آتيك أنيساً ويقاً.
رب الزمان ودراسات أخرى
أيها الصديق الرائع ..
لقد كَذَّر زماننا أن يفرزناء فشحن فرز حراك واقع تلك الأيام؛ لذلك كان حتمياً أن نلتقي هذه الحقبة
يظهر بعد؟
سقط الجسد صبيعاً منهوك القلب؛ ورغم الظروف الصحية التي تلابسني
المشاكل لم تحل بعد ويحتاج كشضف آلياما واكتشاف حلولحا بعض الوقت؛ وبعض الصبر من جانبك.
الجزء الثاني من (حروب دولة الرسول)؛ والكتاب الذي تحمله بين يديك الآن وحمل عنوان (رب الزمان).
على أسام ثلاثة: القسم الأول منها مجموعة دراسات يمكن أن تحمل جميعاً عنوان (إسرثيليات)؛ لتعاملها
رب الزمان ودراسات أخرى
المعارك الذي يثيره أصحاب الأدلوجة السلفية؛ مستفيدين في ذلك مما آذى رفاقاً لنا كبار» فاكتمال المشروع
أو المحاولة المستمرة في الإضافة إليه؛ هدف يجب ألا يضيع قي صراعات قد تقير الأمر كله.
وما دمنا بصدد التوثيق؛ فقد غامرنا بنشر بعض الدراسات الأول والابتدائية هناء وهي من عاولاتنا
وغني عن التنويه؛ أن بعض ما ستقرأه هنا قد سبق نشره في دوريات عزنية متباينة؛ وبعضه الآخر لم
يسبق نشره؛ وقد كتبته إبان تواجدي قي تاج القلب بمستشفى الخرم؛ واعتمدت في معلوماته على ذاكرق
وحدهاء لذلك لن تحد لل تلك النماذج هوامش أو مراجع مدونة.
أضع هذا الحشد بين يديك أيها الصديق» من أجل مزيد من التلاحم بينناء راجياً أن أكون قد
سيد القمني
الهرم في 1993/10/20
رب الزمان ودراسات أخرى
تشكل نموذجا - لا شك - مثليا تماما للخطاب الصهيوني عامة بمنطقه ومحاوره الأساسية؛
فرغم الظروف التي القيت فيها كلمة إسرائيل؛ في ظل ضعف عربي عام وشامل؛ مهما سار
العربان متبخترين؛ وتحت مظلة من السيطرة الأمريكية شبه الكاملة؛ ومع الاقتدار الإسرائيل
الخط؛ وذات الدرجة؛ وذات القدر الذي كان الخطاب الصهيوني يراعيه دوماء ودون أن يحيد عنه
أنملة. فراعت الكلمة بشكل ذكي وليس جديداً؛ أنها تلقى في ظرف عالمي؛ يتحدث عن نظام
جديد؛ يزعم للدنيا أنه يسعى لإرساء قواعد السلام والأمن والمحبة على الكوكب الأرضي. وإن
شاء فرض ذلك فرضاء؛ وبخاصة في أشد مناطق العالم سخونه؛ حتى لو ثوى الجمر مؤقتا تحت
رماد ظاهري؛ تصنعه أنظمة تابعة. كما لم يغب عن بال الخطاب أنه يتحدث إلى العالم كله؛ وأمام
كل الشبكات الإعلامية الدولية. فوضع بحسبانه مشاعر الجماهير العريضة على تنوعها واختلاف
ومن ثم فإننا نفترض أن الخطاب قد أحاط تماماً بكل الاغراض المطلوبة منه؛ واستخدم كل
الممكنات من أساليب متاحه تتناسب مع المقام؛ وعمد إلى كل طرق الإقناع وعرض قضيته كاملة
النظام الجديد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية؛ واتباعها الأوربيين. وعليه؛ فإننا سنتعامل مع
كلمة شامير في مدريد كمعبر صادق عن الخطاب الصهيوني؛ وسنحاول قراءة طبيعة هذا
الخطاب ومكوناته وأغراضه ومناهجه؛ بعرض سريع قدر ما تسمح به المساحة المتاحة لعرض
والمدقق في الخطاب يمكنه أن يلحظه وهو يتحرك على عدة محاور؛ تم ربطها ببعضها في
منظومة شديدة الجودة؛ ثم تركيبها معا بتقنية ومهارة عالية؛ فكان المحور الأساسي للحركة جيئة
نشر بتاريخ 1991/12/22 و1991/12/30, بصحيفة مصر الفتاة.
(من ص 11- 26 في الكتاب الأصلي "رب الزمان ودؤاسات أخرى"» طبعة مدبولي الصغيرء 1996)
وذهابا. ومركز الحركة؛ هو التركيز على الاستجابة النفسية للجماهير؛ ققدم افتراضه المسبق لهذه
الجماهير بأنه يخاطب كل واحد منهم كشخص متحضر؛ بلغ من الحضارة قمتها؛ وهذا وحده لون
من تملق المستمع لكن بحيث يترك في نفسه أثراً مطلوباً. هو أن الخطاب يتعامل معه بكل
احترام؛ لأنه شخص متحضر حتى لو لم يكن المستمع يستحق هذا الاحترام؛ أو يحوز تلك الدرجة
الحضارية. لكنها على آية حال الطريقة المثلى لجعل المستمع يتجاوب مع كم الاحترام وكم
الحضارة المفتّرض فيه! وهكذا فقد سلم الخطاب للمستمع أنه رجل متحضر؛ مسالم؛ ينفر من
الحروب؛ يريد الرفاة لجميع الأمم وكل الشعوب؛ بلا استثناء؛ يرفض التعصب بكافة أشكاله»
وينفر من الاضطهاد على أسس عرقية أو دينية؛ بسبب اللون أو الجنس أو العقيدة.
حكمك على ما سنقول؛ حتى لو كان هذا المثلقي وغداً أمريكياً؛ استمتع يوما بحرق الأطفال في
ملجاً العامرية في بغداد؛ وتعامل مع أزرار طائرته وقنابله وضحاياه؛ بحسبانها من ألعاب
(الآتاري) الثليفزيونية. هذا ما كان عن المحور الأساسي (التأثير النفسي) في طبيعة الخطاب
الإسرائيلي؛ واستثماره أدوات منهجية؛ أهمها المعاني النظرية البحته للتحضر؛ بغض النظر عن
كون هذه المعاني حقيقة فعلية أم لا. (وهو ما يذكرنا برئيس دولة عربية يجد غاية لذته في
السخرية من مستمعيه؛ ومن سلوك أبناء شعبها).
الحقوقي! وهو لا شك أهم أعمدة التعامل بين المتحضرين؛ ويتم فيه تأكيد الحقوق التاريخية الثابتة
لليهود في أرض فلسطين من آلاف السنين. وهنا يتداخل المحور الثالث على نفس الميكانيك؛ لينقل
الأمر الحقوقي المسلم به حضاريا إلى اليد الإلهية؛ منتقلاً بذلك إلى المحور الديني؛ فتلك الحقوق
الذي يؤمن به إلى جانب البهود؛ العالم المسيحي الغربي كله؛ وذلك باحتساب التوراة صاحبة ذلك
القرار الحقوقي القدسي؛ بعهدية (القديم أو التوراة؛ والعهد الجديد أو الاناجيل) مع البصمة
التأكيدية؛ والقول التوثيقي على الناموس التوراتي؛ بلسان المسيح (ما جئت لانقض الناموس. ما
جئت لأنقض. بل جئت لأكمل) وهناء وبسرعة يتم إدخال المحورين الحقوقي والتاريخي؛ مع
رب الزمان ودراسات أخرى
المحور الإيماني الديني على ميكانيك الحركة المحورية الأساسية (النفساني) لتتشابك الحلقات التي
تؤدي إلى راحة ضمير المؤمن المسيحي الغربي تماما. والمتحضر جدا؛ إزاء مساهمته بلموافقة
على تأمين حياة هؤلاء المؤمنين؛ لتحقيق كلمة الله الصادقة الثابتة؛ مع ما يفترض في المستمع
المتحضر من رغبة في إثبات تحضره؛ بتأمين كل الحقوق؛ لكل العقائد والديانات؛ مهما اختلف
ضمير العالم
ولإحداث الأثر المطلوب من المحور الأساسي (النفساني) فقد ترك الرجل أثراً طيباً فعلاً؛ فكان
موضوع وجودنا ذاته) فأي لون من التنازل يعني دمار شعب إسرائيل المسالم (!) وإزالته من
الوجود. وذلك في ضوء المقارنة التي قدمها لتعداد شعب إسرائيل (4 ملايين)؛ مع من حولهم من
عتاة القثلة المتعطشين للدماء؛ وعددهم (170 مليون عربي) مع ضلة مساحة أرض إسرائيل
التي تستدعي الشفقة (27 ألف كم)؛ وسط محيط عربي شرس بلغ (24 مليون كم). والحجة على
المستوى النفسي؛ مع تغييب الحقائق الأخرى؛ تبدو غاية في الوجاهة. بيدو فيها شعب إسرائيل
بطلا للخير يدافع عن وجوده وسط غابة من البشر؛ مما يستدعي مشاعر الاشمئزاز من العرب
الذين يستأسدون على الدول الوديعة!
وقد عمد الخطاب - بذكاء - إلى استحضار مشاعر أخرى تمتزج مع مشاعر الاشمئزاز؛ عندما
ذكر أن كل عدوان عربي على إسرائيل تم دحره! فتمتزج مع المشاعر الأولى مشاعر الاحتقار
أيضاً مع الاستهانة والاستخفاف؛ من شأن أجلاف البوادي؛ الذين يتحينون فرصة لا يجيدون حتى
من تحدي الشرعية الدولية؛ فقد حاولت الدول العربية احتلال وهدم الدولة اليهودية).
وهكذا يختفي الفلسطينيون تماماً ويصبح العرب - بلا سبب مفهوم أو واضح - يريدون تدمير
أرض؛ إنما مسألة وجود شعب إسرائيل؛ وسط الحشد العربي الشرير! ومن ثم عمد الخطاب
وأنه قد آن الأوان كي يصحو ضمير العلم؛ ليرد لهذا الشعب أبسط الحقوق؛ وهي الأمن. بل
ويطلب من اليهود الصفح والمغفرة؛ (أسنا عالما يدعي التحضر؟) ومن هنا أخذ التاريخ في كل
القارات تقريياً .. وتعرض اليهود للاضطهاد والتعذيب والذبح. وشهد هذا القرن خطة إبادة نفذت
شعبناء تمت في واقع الأمر؛ وأمكن تنفيذهاء لأن أحد لم يدافع عناء؛ فقد كنا بلا وطن؛ ولكن هذه
الكارثة هي التي جعلت المجتمع الدولي يعترف بمطلبنا؛ القائمة على حقنا في أرض إسرايك)
أمكن للمنابح النازية ضد اليهود؛ أن تؤدي إلى اعتراف العالم بحق إسرائيل في فلسطين؛ وقيام
الدولة الصهيونية على أرضها؟ ونلاحظ أن الخطاب - بعد تهيئة المستمع نفسياً وعاطفياً - مع
إشعال جذوة الضمير الحضاري وعقدة الذنب - ينتقل فورا إلى إعلان إنه رغم ظلم العالم لليهود؛
فليس لأحد حق الادعاء بقيام دولة إسرائيل؛ لأن ضحايا اليهود أيام النازي كانوا الثمن المدفوع
سلفاء فقدموا أنفسهم قربانا على مذبح قيام الدولة. هذا بالطبع حق اليهود التاريخي الديني المعلوم
في تلك الأرض؛ وكل ما في الأمر أن العالم ربما نسى تلك الحقيقة بعد طول اغتراب اليهود عن
فلسطين؛ وما حدث من النازي كان فقط عامل الإنعاش للضمير العالمي الخاطئ.
الخطاب الصهيوني بذلك يعمد إلى لون فاضح من التزوير والثلفيق؛ فرغم أن المذنب هو النازي»؛
فهو لا يذكر أبداً أنه ليس من المقبول حضارياً وحقوقياً وإنسانياً أن يدفع الفلسطينيون وزر
الجريمة النازية؛ والمعلوم أنه في فلسطين تحديداً؛ وعندما وقع اضطهاد على اليهود كان بداية من
جانب الرومان الذين دمروا الهيكل الثاني. وشتتوا اليهود في بقاع الدنياء لأسباب تاريخية معلومة.
بحرق اليهود داخل معابدهم؛ مما أدى إلى هروبهم الجماعي من فلسطبن؛ وهو ما وضح في
سقطه لسانية بخطاب شامير عندما قال (إن اليهود كانوا موجودين باستمرار في فلسطين باستثناء
فترة المملكة الصليبية القصيرة) لكنه بالطبع لم يذكر السبب؛ كما لم يذكر أن سبب تواجدهم بعد
ذلك في فلسطين؛ كان نتيجة سماح صلاح الدين لهم بلعودة بعد استعادة العرب لها من يد
أما إشارة الخطاب إلى أن كل شعوب العلم قد اضطهدت اليهود الذين عاشوا بين ظهرانيهم؛ فهو
أمر يستحق الدهشة والتساؤل؟! لماذا تجمع شعوب مختلفة المواطن؛ متباينة المشارب والعقائد؛
العلاج النفسي
واللافت للنظر هو تركيز الخطاب الصهيوني الدائم؛ على الجريمة الهتلرية ضد اليهود؛ ففي كل
(حدوته) وفي أي مناسبة (وبدون مناسبة) يتكرر ذكر المذبحة النازية لليهود التي اكتست بطابع
لكونهم يهودا! حتى نسى العلم أن ضحايا النازية من غير اليهود قد بلغ ستين مليون إنسان؛ وأن
ذكرهم وسط الضجيج والصخب الصهيوني؛ والندب والعويل على شهداء البشاعة البشرية من
أصحاب حق في القداسة؛ وأصحاب حق في جلد ضمير الدنيا بالسياطئ ووسيلة لكسب التأييد
المادي والمعنوي. وإذا كانت هذه الجريمة كما يقول خطاب شامير بسبب صحوة الضمير العلمي
لإقامة دولة إسرائيل؛ فلا شك أن الخطاب العربي الفاشل؛ كان وراء خمود ذات الضمير أمام
إبادة وتشريد الفلسطينيين!! إضافة إلى العوامل الأخرى المتعددة؛ البعيدة عن موضوعنا هنا بشأن
طبيعة الخطاب الصهيوني. لكنها على أية حال توضح لنا لماذا لم تقم دولة إسرائيل على أشلاء
ثم يعمد الخطاب الصهيوني مرة أخرى إلى تشغيل المحور السيكولوجي؛ فبعد أن يعدد خطايا
العالم في حق شعب الرب المختار! ويضع الضمير العالمي في حالة أرق؛ وشعور حاد بالذنب
والخطيئة؛ فإنه يسارع متبرعا بتقديم العلاج النفسي والبلسم الشافي لذلك الضمير المعذب؛ حت
يكون الجميع ممتنين وشاكرين. فيربط الخطاب بين ا لاضطهاد النازي وبين الأشرار العرب الذين