ويلخص (حسن إبراهيم حسن)مختلف اتجاهات الباحثين حول مصدر هذه الهجرات؛التى بدأت فى الألف
الثالثة قبل الميلاد فيما يزعمون أو هو بالتحديد يلخص أهم الآراء فى أصل الشعوب السامية؛ فيقول:
«وقد اختلف المؤرخون فى موطن الساميين الأصلى؛أهم من بلاد العرب؟ أم رحلوا إليها من أفريقيا
(أصلا؟)ام رحلوا إليها من بلاد الجزيرة؟..فيقول أصحاب التوراة:إن مهد الإنسان فيما بين النهرين
والفينيقيون على شواطئ سورياءوالعبرانيون فى فلسطين؛ والعرب فى جزيرة العربوالأثيوبيون فى الحبشة»
ومرجعهم فى إثبات ذلك إلى التوراة؛ ولا يقول هذا من علماء العصر إلا قليلون.ويرى بعض المستشرقين أن
ويرى بعض المستشرقين أيضاً؛ أن مهد الساميين فى بادية الشام إلى نجد؛ ولم يقطع العلماء فى أصل مهد
أسسوا مجموعة حضارات متناثرة؛ حملت أسماء بطون كنعانية؛ هى فيما تزعم التوراة: المؤابيين»
والآدوميين»والعمونيين» والعموريين وقد استطاع البطن العمورى أو الأمورى فى وقت لاحق؛ أن يخلف
المتوسط جماعات أخرى.سلكت سبيل تفوقها بالسيطرة الملاحية على البحرء فى وقت متأخر من الألف الثانى قبل
الميلادءويرجح أنهم كانوا خليطاً من أجناس مختلفة؛ وإن غلب عليهم العنصر السامى الكتعانى؛ وهم من عرفهم
التاريخ باسم الفينيقيين»
ويزعم المؤرخون»أنه قد تلت هذه الموجة الأولى من الهجرات فى وقت متأخر نسبياً - موجة أخرى
كبرى»حوالى منتصف الألف الثانية قبل الميلادء هى هجرة الآراميين؛ الذين استقروا أول أمرهم فى بادية الشام؛
الزمان؛ فكانوا عامل اتصال وتواصلبين ساميى الرافدين وساميى الشام؛ ويُرجح أنهم تكونوا من عدة بطون من
أصل واحد؛ باعدت بينهم الأزمان والكثرة العددية؛ ويزعم بعض المؤرخين أنه كان منهم الشعب العبرى؛ الذى
ظهر على صفحة التاريخ حوالى بدلية القرن الثالث من الألف الثانية قبل الميلاد؛ بعد أن دخل مصر وخرج منها
بقيادة النبى (موسى) حوالى عام ١١74 ق.مبقصد الاستقرار فى أراضى الكنعانيين؛ أرض فلسطين الحالية+
استطاع بعضهم أن يثبتوا وجودهم مع اضمحلال الدول الكبرى فى الرافدين فقاموا بغزو ناجح لجنوب
تبادل الفكر والثقافة.لكنه أدى أيضاً إلى عدم استقرار دول هذه المنطقة مدداً طويلة»بعكس مصرء التى توحدت
أراضيها مبكراًءوظلت دولة واحدة متماسكة طوال عصور تاريخها الطويل؛ عدا بعض الانتكاسات الطارثةبوهى
الذى استغرقته أى من دول الهلال الخصيب متماسكة.
ورغم أن الباحثين يقطعون بأن الشعب السومرى الذى ظهر جنوبى الرافدين.قبل الهجرات السامية بحوالى
هؤلاء الباحثين قد تعارفوا على ابتداء العصور التاريخية شرقى المتوسط بالشعب السومرى؛ بعد أن احتسبوهم
الأصل والدافع الأول للحضارة العريقة التى قامت فى بلاد الرافدين»وكانت فى رأيهم المنبع الذى استقى منه
مباشر وغير مباشر فى ديانات شعوب شرقى المتوسط حتى العصور الهلينية" .بل ويذهب هؤلاء إلى الزعم أن
المنطقة بعد غروب النجم السومرىء فكانوا جميماً من أصل واحد؛ وجنس واحد؛ بجملة عادات وتقاليد واحدة»؛
تباعد اللهجات بتباعد الأمكنة والأزمنة):بينما ظلت طريقة الكتابة المسمارية وسيلة توصيل دائمة الجودة.
"جان بوتيرو: الديانة عند البابليين؛ ترجمة وليد الجادر؛ نشر جامعة بغدادة 1476ء ص11
تحفظات سنطرحها فى حينهاء فسنبداً عملنا للكشف عن منابع سفر التكوين؛ بدراسة ما رآه الباحثون تراثاً أعرق
وأقدم فى المنطقة؛ أقصد المنابع السومرية.
حاول الباحثون باستمرار وهم فى أغلبهم غربيون - أن يلقوا فى روعنا أن أى محاولات لاستطلاع أمر
الرافدين قبل السومريين؛ هى محاولات عقيمة لن تصل أبداً إلى يقين؛ لأنه رغم أن الإنسان استوطن جنوبى
وادى الرافدين قبل ما يزيد عن خمسة آلاف عام من الميلاد بزمان طويل!"؛ فإننا لا نعرف إلا القليل النادر عن
مستوطنون فى المنطقة قبل السومريين؛ كان أشهرهم ما أطلق عليه اصطلاحاً (عصر العبيد)؛ نسبة إلى المكان
والفرات المعروف فى الملاحم الدينية بالطوفان»
!"أجوردون تشايلد: التطور الاجتماعى؛ ترجمة لطفى فهيم؛ مؤسسة كل العرب؛ القاهرةة 1437 ص 180
السومرى الذين هم فى رأيه الوافدون الأغراب عن المنطقة؛ ثم يعقب بقوله: إنه «نتيجة للإخصاب المتبادل؛
ظهرت إلى الوجود أول مدنية راقية نسبياً فى بلاد سومرا"'»؛ هذا مع أخذنا بالحسبان تأكيد (لويد منزئ) أن
بحسبانهم لدى الباحثين فى مجملهم بداية وأصل الحضارة فى شرق المتوسط.
ومع بداية الألف الثالثة قبل الميلاد؛ يمكننا أن نرسم صورة غير دقيقة الممالم تماماً للمجتمع
ولم تكن التجارة والنقود متطورتين بشكل واضح - فيما يخبرنا به شيسنوا"؛ أما الملكية فقد أخذت شكل الحيازة
ومع مرور الزمنء فى بيئة طبيعية متقلبة لا تعرف الاستقرار وإزاء العواصف غير المتوقعة»
"ا صموئيل نوح كريمر: السومريون تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم؛ ترجمة د. فيصل الواثلى؛ وكالة المطبوعات؛ الكويت؛
'"أسيتون لويد: آثار بلاد الرافدين؛ ترجمة د. سامي سعيد الأحمد؛ منشورات وزارة الثقافة والإعلام» بغدادة 1480 صن لا
موريس غود ولييه: (إضمن كتاب: حول نمط الإنتاج الآسيوي؛ مع جان سوريه وآخرين؛ ترجمة جورج طرابيشى؛ دار الحفيقة»
وكوارثهاءومن هنا احتاجت الأمور إلى تكاتف القوى البشرية مع القوى الإلهية؛ عن طريق وسيط بشري؛ يسم
هو الشكل الرئاسى البدائى لإدارة شئون الجماعة؛ بقصد تقليل أخطار الطبيعة وجلب نفعهاء عن طريق إدارة
شئون العمل البشرى الفعلى المتكاتف؛ فى تنظيم أمور الرى والزراعة؛ والتخفيف من نتائج الكوارث وتتظيم
القدرات فى مواجهتهاء وفى الوقت نفسه يتم ذلك بعلاقة الوسيط مع الآلهة؛التى توحى له بأفضل السبل لتوقى
أخطار كانت هى اليد الفاعلة فيها؟!.
لتمثيل المشترك أمامهاء وقد كون هؤلاء فئة متميزة وجهازاً متراتباًء يعلوه شخص كفء؛ كحاكم مفوض من قبل
المشترك.ومسئول أول أمام أعضاء المشترك وأمام الآلهة فى آن واحدء
ويبدو أن الأمر قد بدأ بنوع من التفويض المؤقت لفرد (أصبح يختار له معاونين فيما بعد) من قبل أفراد
ومجلس الكبارأ"!؛ ومن ثم تفرغ هذا الفرد ومعاونوه من العمل البدائي؛وركّزوا جهودهم الذهنية فى التعامل مع
الآلهة وقدراتها الطبيعية؛ بمحاولة قراءة هذه القدرات الظاهرة والتنبؤ المستطاع بفعلها المستقبلى للمحافظة على
نظم الرىء وتلافى أو مواجهة مشاكل قد تنتج عن تقلب المزاج الإلهى فى الطبيعة؛ أو لمواجهة حروب طارئة.
مع مشتركات مجاورة تحتاج إلى نشاط سريع وحاسم.
أدى إلى ديمومة سلطة الوسيط ومعاونيه فتحول بالتدريج إلى كاهن وحاكم كبيركما تحول المشترك القروى بذلك
إلى مشترك معبدي؛ يضم مجموعة مشتركات قروية؛ لتظهر إلى الوجود دولة المدينة؛ التى تخضع كلياً لإله
إقطاعياً متغيباً (لبعض شئونه)؛ لكنه كان يثبت حضوره باستمرار بما يطلبه من إنتاج أعضاء المشترك المعبدى»
من قرابين ونذور وتضحيات وهبات؛ أدى تراكمها إلى زيادة قدرات الكاهن الحاكم الوسيط وبدأ يتحول بما يملك
من مواد متراكمة وأحياناً نادرة؛ إلى ملك مطلق النفوذء
وبمرور الزمنء أخذ الملك يتفرغ للعمل الإدارى والسياسى؛ لمواجهة المشتركات الأخرى التى تحولت
بدورها إلى ممالك.تاركاً مهمة الاتصال بالآلهة لأتباع فوضهم عنه لهذا الفرضء ليصبحوا وسطاء يعقدون معها
متمايزة؛هى الطبقة الإدارية أو البيروقراطية ممثلة فى الجهاز الإدارى الحكومى وعلى رأسه املك وحاشيته
ومعاونوه ورجال جيشه؛ وطبقة الكهنة؛ وباقى جماهير الشعب التى تشكل الطبقة الثالثة فى الدولة
وقد وجد الكهنة بالذات سبيلاً سريعاً للإثراء؛ من خلال إمساكهم بعنان المزاج الإلهى إن رضاً أو غضباًء
بانقلاب سلمى يمسك بزمام الكهنة؛ وحينها كان نظام حكم المدينة يتحول إلى الشكل الاستبدادى المطلق.
لكن يبدو أن جدل التطور قد توقف بالسومريين عند حدود المدينة؛ فتحددت ملامح حضارتهم بحدود الدولة.
المدينية؛ ومن ثم اتسمت هذه الحضارة بخاصية المدن المستقلة؛ التى لم تعرف الوحدة الشاملة؛إلا على يد الفزاة
الساميين اللذين أقاموا الدولة الأكادية؛ إلا أن نظام المدن المستقلة السومرى؛ لم يوقف عملية التطور الداخلى لكل
مدينة على حدة؛ فاستمرت عملية النمر الحضارى لكل مدينة تسير فى طريقها قدماً؛ مع تبادل الفكر والثقافة وأهم
المآثر الدينية؛ وكافة الأساليب الحضارية المتيسرة لهاء فيما بينهاء وهو ما يعقب عليه (عبد العزيز صالح) بقوله:
وهكذا قطع السومريون أكثر من خمسة قرون من بداية عصر الأسرات العراقي؛ غابت فيها
يحسون تلقائياً بوحدة جنسهم... ويحسون بتقارب مذاهيهم الدينية الى شجمتهم على أن
ثم يحاول (نجيب ميخائيل) تعليل عدم قيام وحدة سياسية سومرية مركزية كبرى؛ وهو الأمر الذى أنجزته
الرافدين أقل دفعاً للوحدة السياسية.ومن ثم كانت هناك الدول المدن التى تأخر توحيدهاء وإن
لم يقم ذلك دون تطورهاء والعراق القديم كان مفتوحاً؛ بينما كانت مصر مغلقة؛ أسهم وجود
تغلق فى كثير من الأحيان أبوابهاء دون الطامحين فيهاء أما مجاورات العراق القديم؛ فأراض
على ركب الحضارة؛ فيعطله أو ينال منها'0.
+1971/ د. عبد العزيز صالح: الشرق الأدنى القديم؛ مصر والعراق؛ الهيئة المصرية العامة لشئون المطابع الأميرية؛ القاهرة» 0.١
الأ نجيب ميفائيل: مسن والشزق الأدنى القديم؛ حضارة العراق القديم؛ دار المعارف؛ القاهرة؛ 81571 ج71 ص4
القومية بينهم رغم الفرقة السياسية؛ وهو ما يمكن أخذه من تأكيد الآثاريين:
أسطورة آنكى ونظام العالم»التى تعالج موضوع خلق آنكى للذاتيات الطبيعية والحضارية
والعمليات الضرورية للمجتمع المتمدن وتنظيمهاء نجده يبارك بلاد سومر بكلمات
رفيعة؛تكشف أن السومريين يعتقدون بأنفسهم كمجتمع؛ أو بالأحرى مجتمع مميز ومقدس؛
متصل بالآلهة اتصالاً أقوى من اتصال بقية البشر بهاء بشكل عام!"'".
يزعمونهم أصحاب ثقافة قدر لها السيادة على جميع أجزاء الشرق الأدنى؛ فيقول (كريمر 6::0010857): «وتتجلى
هذه السيادة الثقافية فى عدة اتجاهات:
-١ أن السومريين هم الذين طورواء ومن المحتمل أنهم قد
ابتكرواء طريقة الكتابة المسمارية؛ التى اقتبستها جميع شعوب الشرق الأدنى على وجه التقريب»
الدمج أثره العميق على شعوب الشرق الأدنى؛ وبضمنهم العبرانيون والإغريق؛ إضافة إلى نفاذ الشىء الكثير من
هذه المفاهيم الروحية والدينية إلى عالمنا المتمدن؛ عن طريق الأديان السماوية»"').
ويكمن ذلك عند (كريسى,.وب»ج) فى أنه قد «طور السومريون خلال الألف الثالث قبل الميلادء أفكارا دبنية
!"'أكريمر: السومريون.-؛ سبق ذكره ص41
أ""كريمر: الأساطير السومرية؛ ترجمة يوسف داود عبد القادر؛ مطبعة المعارف؛ بغدادة 1471ء ص14