8 أسباب النزول علماً من علوم القرآن
ادية والاجتماعية ظروفا تستدعي نمطا آخر في التفكير ونظرة مغايرة إلى الكون وطريقة
أخرى فإنّ المرحلة التاريخية التي يمرّ بها المسلمون عموماء
في شتّى مجالات الحياة العصرية؛ وصعوبة المواجهة لتحديّات داخلية
بة؛ كل ذلك من شأنه أن يعمّق الأخطار المحدقة بهم؛ بما فيها المتعلقة
على التوازن الهشّ الذي كان قائما في مجتمعاتهم وعلى تماسك
أنظمتهم المعرفية والقيمية وقد بات من الواضح الآن أنّ التغلب على هذه الأخطار لا يتم
إلا عن طريق النقاش العلني على نطاق واسع» فهو وحده الكفيل بفرز الصالح من الفاسد
بتجاوز المصاعب والتناقضات والآراء المهلهلة الني لا تستند إلى الحجج والبراهين المتيئة+
ة ليست وراءنا بل يولّدها توليدا تصارع الأفكار والرؤى والمواقف
استقام التفسير القرآني فنا ذا ملامح محدقة؛ مكانة متميّزة. وقد تبلورت هذه المحاور بصفة
تصنيفها ضمن ما أصبح معروفا ب«علوم القرآن». وكانت وظيفتها الرئيسية توفير المعطيات
التي تعين المفسّر على فهم النص فهما صحيحا بحسب معايير المدرسة الفكرية والمذهبية
الذي لا يجوز للمفشر أن يخرج عن نطاقه؛ والمعالم التي توجهه في التفسير .
كانت «أسباب النزول» من بين هذه العلوم » نشأت نتيجة لبحث المفسّر عن الظطروف
منها بالخصوض تاريخ نزول الآية؛ حتّى يُعرف الناسخ من المنسوخ في ما اصطلح
عليه باآيات الأحكام»؛ وحتّى يتمكن المفسّر والفقيه من تمييز العام والخاص والمطلق
من الأحكام. ولكنّ هذا الاهتمام نشأ بعد انقراض الجيل الذي كان شاهدا على
الوحي؛ ولذا كانت الأخبار التي دُونت في هذا المضمار مرويّة عن التابعين أكثر ممّا كانت
مرويّة عن الصحابة» وكان للقصّاص والإخباريين دور بالغ الأثر في تكييفها. وكان القدماء
واعين بما طرأ على هذا العلم من وضع اختلط بسببه الصحيح بالمتحول فقال الواحدي
النيسابوري» وهو صاحب أشهر أثر في أسباب النزول» في مقدمته: «أمّا اليوم [القرن
الخامس الهجري] فك أحد يخترع للآية سبباء ويختلق إفكا وكذبا؛ ملقيا زمامه إلى
الجهالة». ورغم ذلك فلا نعدم من معاصرينا من يتوهّم أنّه بالإمكان توظيف أسباب النزول
قصد التأكيد على خصوصية الأحكام القرآنية وعلى عدم جواز تعميمها؛ خلافا للقاعدة
الأصولية الكلاسيكية التي تعتبر أنّ «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»
تقديم 9
وقارن بين عناصرها وما البتته المصادر في السيرة والتاريخ؛ وخرج من هذا العمل الجا
بنتائج إن لم تكن نهائية فهي أقرب إلى أن تكون نهائية؛ إذ كانت العيّنات المدروسة ممقلة
تمثيلا جيّدا للأصناف التي يحتوي عليها هذا المبحث
ذلك أنّ تسعة أعشار آيات المصحف لا تتوفر عنها أسباب معيّنة؛ وأنّ ثمانين في الماثة من
الأسبا لتق بآيات الأخبار لا بآيات الأحكام» بصرف النظر عن كونها أسبابا ذات صبغة
الأسباب هو منهج تبريري لاختيارات الفقهاء المتأتحرة عن زمن النزول من جهة؛ وتوفية
بين الأسباب التي تشتمل على تنافض واضح من جهة ثانية؛ وإقصائي لبعض الفرق
والمذاهب الناشئة بعد عصر النبؤة
في إلغاء قانون السيبية؛ سواء كان متعلقا بالعجيب والغريب كالكائنات اللامرئية من جنّ
وملائكة أو بالعناصر الطبيعية؛ وتعكس تارة أخرى مظاهر محدودة من التاريخ الإسلامي
الأوّل؛ وخاصة المغازي و صلة الرسول بالصحابة وبزوجاته؛ كما تهمّ عددا من الصحابة في
الآيات القرآنية هي التي ينبغي أن تحكّم في أسباب النزول لا العكس ؛ كما يذهب إلى ذلك
من ليست لهم دراية كا بطبيعة هذه الأسباب وبالدواعي إليها في التفاسير أو في الكتب
المفردة
الكتاب» وسيجدها مفضّلة مدعومة؛ معروضة بأسلوب يخضع للمعايير العلمية دون أن يغلب
عليه جفاف العلم وصرامته. . ولثن حصل لنا الشرف بمتابعة مراحل إنجازه أطروحة جامعيّة
تغني المكنبة العربية وتسهم في التراكم المعرفي الحديث الذي يحتاج إليه كلّ التواقين إلى
تجاوز المعرفة المتكلسة وما تقصف به من اجترار وتقليد .
10 أسباب النزول علماً من علوم القرآن
الرموز
1 مصدر/ مرجع مذكور.
تُعدَ علوم القرآن من العلوم الثواني الدائرة على نصٌ المصحف تدرسه من
القرآن عديد الأنواع المندرجة فيها مثل أسباب النزول والنسخ والمكيّ والمدنيّ
وجمع القرآن وكيفيّة إنزاله ووجوه مخاطباته ومعرفة إعرابه وإعجازه وتفسيره
وأفضى الخوض في هذه المباحث إلى تشكّل رصيد واسع من المعارف
هذا العلم الإسلاميّ مترجم عن إنتاج بشريٍ تاريخيٌ يعكس جهود أجيال من
العلماء المسلمين في تعاملهم مع نصٌ المصحف ومحاولاتهم تفهّم مسائله
ذلك أنّ العلماء القدامى أنشؤوا علوماً إسلاميّة متنوّعة المواضيع
الأقلّ» أولاهما الاستدلال على صواب تأويلهم له والاعتقاد في إدراك مراد الله
() أخذنا بعين الاعتبار» في هذه الطبعة» بأهمٌ ملاحظات لجنة المناقشة
12 أسباب النزول علماً من علوم القرآن
في إقامة البرهان على أنّ هذا النصّ معجز بنظمه وبإحكام بناثه
من قبيل ما تضمّنته مفرداته وجمله من أساليب الحذف والتقديم والتأخير
والتكرير والقلب. ومن ثم عبّرت هذه الغاية عن مكانة نصٌ المصحف المحوريّة
في الثقافة الإسلامّة .
وقد اخترنا النظر في علم من علوم القرآن هو أسباب النزول. وكانت
البواعث على هذا الاختيار عديدة أهمٌ ِ أوّلها في الحضور البارز
لأسباب النزول في كتب التفسير القرآئيّ» وهو حضور ممتدّ في الزمان لاقتراته
بتاريخ التفسير نفسه. ومن المعلوم أنّ المفسّرين وعلماء القرآن عدّوا أسباب
النزول مقدّمة من المقدّمات الضروريّة لممارسة نشاط التفسير . وآية ذلك أنّ
المفسّر محتاج إلى معرفة أسباب النزول والظروف التار: الحاقة بها
نزول آي القرآن وجليّ أنّ حضور أسباب النزول في التفسير ينمٌ عن منزلتها
المحمودة عند القدامى ويعبّر عن حاجتهم الأكيدة إلى معارف من خارج نصٌ
المصحف يسترشدون بها في بلوغ مراد الله من كلامه.
ولا شك في أنّ حضور أسباب النزول في مبحث التفسير القرآنيّ يعكس
وعندئذ لا بد لنا من تشخص أخبار أسباب النزول دراسة تحليليّة وتناولاً
نقديًاً حتى تكون أحكامنا فيها من جهة صلتها بالتفسير مستقيمة وموضوعية.
ما الباعث الثاني الذي حفزنا على تناول علم أسباب النزول دراسةٌ
فيتمثّل في وجود قرا الال جلا باد
الرواج على نطاق واسع» أولاهما قرا
سَلّم أصحابها بكلّ مرويّات أسباب النزول وقبلوها على علاتها دون أدنى سؤال
عن حقيقتها التاريخيّة ودون الجرأة على الطعن فيها بسبب ضوابط سطروها في
التعامل مع أخبار أسباب النزول» خاضّة في ضوء تلازم أقاموه بين هذه الأسباب
والحديث النبويي.
غير أنّ هذا الاطمثنان إلى أخبار أسباب النزول يصطدم - متى أنعمنا فيها
النظر بما يلاحظه الدارس من اضطراب القدامى في تعيينها واختلافهم فيها
كيفيّات تعامل المفسّرين وعلماء القرآن مع أسباب النزول في تبرير تأويلهم لنصٌ
المصحف وإضفاء المشروعيّة الدينيّة على تمقّلهم التاريخيّ لمرحلة الدعوة أو
أمّا ثانية القراءتين؛ فهي القراءة وقد حكّمَ فيها
ممثّلوها قواعد المنهج الوضعيّ في مقاربتهم أهمّ المفاهيم المؤنّسة للفكر
عجب آلآ يلتفتوا إلى أسباب النزول علمًا من علوم القرآن. فكانوا متمستكين
بهذا الموقف رغم عنايتهم الشد؛ اريخ الوحي» إذ انصبّت أغلب أعمالهم
على إنجاز ترتيب لسور القرآن ترتيباً تاريخيًاً محتكمين في ذلك إلى مقاييس
أن توفره عديد العلوم الإسلاميّة من معلومات قد تساعد على الإلمام بتاريخ
الوحي من قبيل علوم الحديث والسيرة النبويّة وأسباب التزول.
ويتمثّل الباعث الثالث على اختيارنا هذا الموضوع في عدم وجود
تصدّت لمبحث أسباب النزول تصذيًا علميًا موسّعًا
يجعلنا ندرك كيفيّات اشتغال الفكر الإسلاميّ وآليّاته في شأن نصٌ المصحف من
14 أسباب النزول علماً من علوم القرآن
.خلال أسباب النزول من ناحية؛ وتُعيّن مستويات الوعي الدينيّ المعبّرة عن
الضمير الإسلاميّ في فترة تاريخيّة محدّدة وفي وضع ثقافيّ دقيق من ناحية
إنّ جل الكتابات العربيّة الحديثة التي تعرّض أصحابها لأسباب النزول لم
تسائل تاريخه وتنظر في الأطوار المعرفيّة التي ب فيها وتجلو الدواعي
إسلاميًاً. ولم نعثر أيضاً في تلك الكتابات على ما يقيم الدليل على مراجعة
أطروحة العلماء القدامى في تعويلهم على أخبار أسباب النزول في التفسير
ونعتقد أنّ الوعي بمثل هذه الدواعي نبّهنا إلى فائدة قراءة مدوّنتنا النصّيّة
قراءة موجّهة إلى إثارة مختلف قضايا أسباب النزول علمًا من علوم القرآن
كبرى نسيجها التده ي تناول مسائل علم أسباب النزول وسَذَاها المساءلة
المتبقظة لأقوال القدامى في هذا العلم.
إنّ طموحنا إلى دراسة قضايا أسباب النزول حتّم علينا اختيارات منهجيّة
دقيقة اقتضتها طبيعة العلم القرآنيّ يٍّ الذي ندرس وخصوصيّات المشاغل التي
علقها القدامى به . ولذلك صخ منّا العزم بعد التمعّن في أسباب نزول القرآن -
على اعتماد الإحصاء. فأنجزنا عبارلا عديدة حدّدنا فيهاء من بين ما حدّدناء
ب مشاركة أهمّ الرواة في ما
تقلوه من أخبار. اوزنا الإحصاء إلى المقارنة بين تلك الأخبار بالرجوع إلى
مختلف مصادر مدوّنتنا النصّيّة حتّى تستقيم أحكامنا في الأخبار قبولاً أو ردًا.
وفضلاً عن ذلك زاوجنا في مقاربتنا لمسائل أسباب النزول بين العرض والتحليل
من جهة والتعليق النقديّ والاستنتاج من جهة أخرى.
وألفنا في دراسة علم أسباب النزول بين قراءتين هما:
الثاني الهجريٍ إلى بداية القرن العاشر . وهذا الامتداد في الزمان مهم جنا
في رأينا لأنّه يجنبناء مبدييًا؛ الخلوص إلى أحكام في أسباب النزول مغلوطة
من مصدر واحد لا يمقل بمفرده قضايا هذا العلم. وقد استرشدنا
بهذه القراءة في الكلام على مسار علم أسباب النزول والمراحل التاريخيّة
ثمّ إنْنا احتجنا إلى هذه القراءة لتتبّع الأخبار وهي تسافر في الزمان راصدين
ما يمكن أن يطرأ عليها من ضروب التغيّر في الرواية وأشكال التبدّل في
القراءة الآنيّة؛ استأنسنا بها في إنجاز عرض نقديّ للمؤلّفات الحديثة
الدائرة على مباحث أسباب النزول. وعوّلنا على هذه القراءة أيضاً في
المقارنة بين روايات أسباب نزول عديدة ينتمي أصحابها إلى الجيل نفسه
(جيل الصحابة أو ابعين)؛ والوقوف على طرق إجرائها في مختلف
علوم القرآن»؛ وخاصّة في بابي النسخ والتفسير .
إنّ استثناسنا بهذه الضوابط المنهجيّة القائمة على الإحصاء والمقارنة
والتحليل والتقويم حفّق لنا عديد الأهداف»؛ منها المساءلة المستمرّة لمباحث
أسباب النزول بالشكل الذي استقرّت عليه في المؤلّفات القديمة؛ ومنها عرض
الأخبار على تع الحضحف حتى تبط محقيقة العلاقة بينهما دون أحكام مسبقة
أو مواقف مقرّرة سطّرها المفسّرون وعلماء القرآن القدامى؛ ومنها
الوظائف» خاضّة منها الضمنيّة؛ التي أدتها أسباب النزول علماً من علوم القرآن
من ناحية»؛ وتحديد قيمتها التاريخيّة والمعرفيّة من ناحية أخرى .
و لا يسعنا في هذا المقام إلآ أن نشكر أستاذنا عبد المجيد الشرفي الذي
قبل بصدر رحب الإشراف على هذا العمل . فوجّهنا إلى أقوم مسالك البحث+
16 أسباب النزول علماً من علوم القرآن
المتواصل ما نكون له مدينين . فله منّا أصدق آيات العرفان والامتنان.
ولولا الأستاذ المشرف ما كان لنا أن نفيد من رصيد مكتبة مؤسّسة الملك
عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلاميّة والعلوم الإنسانيّة بالدار البيضاءء وأن
مفقود من مصادر ودراسات في مكتباتناء والاستفادة من آخر الإصدارات مما له
والمساعدة المستمرّة ولا سيّما من السيّد محمّد الصغير جنجار . فله منّا خالص
ويشمل شكرنا كذلك صديقنا وزميلنا
عبيد الذي تولى مراجعة هذا