وعندما دعوته للكتابة فى مجلة أكتوبر وكنا فى شهر يوليو 1941
كان أسعد التاس بهذه الدعوة .. وقال لى بعد يومين إنه ظل ساهرا بلا
نوم فقد وجد نفسه حااً ثرا لا يعرف كيف يواجه قارىٌ أكتوبر . وقلت
أو الصدق بسهولة فى أى كاتب .. فكن أنت ولا تحاول أن تفتعل
المصنعية .. قال يسألى : وحدود الحرية المتاحة ؟ قلت أجيبه : أنا من
المؤمئين بأن صاحب القلم يعيش هذه الأيام أزهى القترات .. لقد
عاصرت مهنة العمل الصحفى نحو 60 سنة وأستطيع أن أقول بلا
تزيد إننا ل نشهد حرية بهذه المساحة التى نعيش فيها اليوم إن الحرية
ليست أن تكتب فقط ولكن أن تقول أيضا وتتكلم وتجد ما تقوله
رأى فى مصر اليوم لا يكتب أو لا يتكلم ..
الدمقراطية لا فائدتها .. أى شىء فى الدنيا إذا لم تكن له فائدة يصبح
عديم القيمة ويلقى به فى أقرب سلة قمامة .. وقائدة الحرية أن نفيد
والكتابة فأنا أستطيع أن أراهن أننا قادرون على أن نكتب عن أى
وأرسل لى الدكتور فرج فودة أول مقال له للنشر فى مجلة أكتوبر
وكان عن شركات توظيف الأموال ٠ واتصلت به أبدى اعجابى بالمقال
فعلها , فهر كان يكتب مقالات متنائرة فى بعض الصحف الحزبية
ولكن بغير عنوان .. لكتنى أقنعته بأنتى من المؤمنين بأن كل كاتب لابد
العنوان .. وأرسل لى فى اليوم نفسه ثلاثة عناوين تركتها على مكتبى
إلى اليوم التالى .. كان أحد العناوين الثلاثة : فى الطواء , وكان العنوان
الثانى كلام ودخان ؛ ولا أذكر العنوان الثالث لأنه لم بجذبنى .. وقلت
كلمات العنوانين الأول والثانى : ما رأيك نجمع بينا ويكون
العنوان : كلام فى المواء ... ؟
اليوم الثانى لنشر مقاله الأول فى مجلة أكتوبر اتصل فى وهو
#فن فى حالة دعر .. قال إنه لم يسبق أن شعر بنفسه كاتبا كما
حدث منذ صدور أكتوبر وقال مضيفا إنى انتهيت من كتابة
وكان هذا المقال الثانى له يمس موضوعا تخصص فيه ولكنه خشى
أن يكتب عنه فى أول مقال له .. وهذا المقال كثيرا ما أتذكره وأنا
أستمع فى أثناء صلاة الجمعة لبعض الخطياء الذين مفروض ان يتحدثوا
أجد نفسى فى خلاف معها وأود لو أنتى وقفت وقلت للخطيب :
حيلك .. ما هذا الذى تقول .. والصحيح هو كذا وكذا ؛ ولكتى
بالطبع أسيطر على انفعالاق وأحاول أن أسرح بعيدا هربا مما أسمع ٠ أو
أتحمل انفعالاق كاقا .
مثل هذا أعتقد أنه حدث لكثيرين غيرى وقد أحسن الدكتور فرج
فودة التعبير عن هذا الموقف الذى نواجهه فى مقاله النى حمل عنوان
« لا لتسييس متابر المساجد »
وبرغم أن الدكتور فودة كان ضخم الجسم يخيف منظره من
داخله مع قوة فى الدفاع عن فكره ودلائل لا تنفد معها من التاريخ
وعرضها برشاقة , واقحام محاوره بسهولة .
ولقد بدأ فرج فودة الكتابة فى مجلة أكتوبر فى نهاية يوليو من عام
أسباب جريمته قال لهم : يسبب مقالاته فى أكتوبر تحت عنوان كلام فى
الهواء .
'كافر ملحد زنديق وأن اغتياله جاء فى سبيل الله ؛ وهو مالم يكن
صحيحا .. ولا يملك بشر أن يقوله عن بشر ..
أذكر أنى كنت أنظر بغير ارتياح إلى لبح مع فلاقده أمجاب
الملايين .. كنت أرى وجهه ينطق بالصرامة والشدة والعجرفة ..
مليونير فما الذى يهمه ؟ ثم فى مرة كنت فيها فى زيارة السعودية فى
غير مواسم الحج والعمرة وانتهزت الفرصة لزيارة الكعبة , وكانت من
مفاجأة أن شاهدته هناك .. هذا المليونير الى تصورت أنه ملك الدنيا
ولا يعرف الله .. كان يجلس فى جانب بعيد كأنه لايريد أن يراه أحد
مسكا بالمصحف وهو يقرأ .. وعرفت من موظف الفندق أن هذا الرجل
تعود أن يختار الشهور التى ليس فيها زحام ليأتى إلى مكة وييضى ثلاثة
أيام » وإن زياراته لهذا المكان لا تقل عن أربع مرات فى السنة 1
ولأول مرة أدركت معنى الحديث الشريف « هلا شققت عن
وكدت أركع على قدمى وأنا أتمتم ؛ أستغفرك يا الله .. فأنت وحدك
النى تعلم ما فى النفوس .. أما أنا أو أأى واحد فلا يستطيع أن يتهم
الآخرين ؟ .. فلان جاهل ممكن ؛ أو دمه ثقيل جايز ؛ أو مشكوك فى
اغتالوه لأنه كافر .. هكذا أقنعوا الذى أمسك بالمدفع وصوبه
يطلبون منه أن يصاحبه أحد الحراس خصوصا بعد حضوره الندوة الى
حضرها فى معرض هيئة الكتاب وكان يجاور فيها كبار رجال الدين
استعداده أن يستمتع بحريته حتى ولو مات مقتولا بعد أيام , بدلا من
أن يظل مقيد الحرية ويمتد عمره سنوات ..
ويرغم أنه لم يظهر فى ندوة تلفزيونية ولا إذاعية وإنما كان نشاطه
من الممكن أن يكتب فرج فودة ربا عشر سنوات أخرى ثم
ان يرت كملايين الناس الكثيرين دون أن يستشعر الناس
خطورة أو أضية أو قيمة ما كتب .. ولكتهم اغتالوة ..
اغتالته يد الإرهاب والغدر والجبن .. وقد تصورت أنها بإثهاء حياته قد
أغلقت ملف واحد من أشجع الذين تصدوا للإرهاب والتسلط ياسم
الدين ..
لكن على العكس تَامَا حدث ..
فرج فودة ..
ريما لأن رفعت المحجوب كان يسير فى حراسة وفى موكب أما فرج
فودة فقد كان يسير بغير حراسة مثل ملايين البشر ..
وكان رفعت المحجوب بصرف النظر محسوبًا على السياسة , وقد
شهد التاريخ اغتيالات سياسية عديدة ؛ أما فرج فودة فكان رجل
فكر وقلم وم يسبق أن شهدت مصر اغتيالا فكريًا كما حدث لفرج
كان اغتيال فرج فودة رصاصة موجهة إلى العقل والفكر والرأى ..
فينا رأيه بحرية , فها هى ذى رصاصة من مدفع فى يد شاب يقصد
ما يريد - وهذا وجه الخطورة والخطر - تغتال أجل وأعز وأعظم
لم تكن الرصاصات القاتلة موجهة إلى فرج فودة وحده , وإنما كانت
موجهة إلى كل صاحب رأى .. كل متعلم .. وكل مثقف .. وكل من
يقول إنه يريد أن يقول ويتكلم ..
إن أزمة هذا الشعب مع الحرية أنه كان يستشعر فى فترة من الزمان
أن هناك من بجومون حوله بالمدافع والرشاشات ويرتدون ملابس
الدولة الرسمية ليمنعوه من فتح فمه بغير الحتاف للحاكم والتصقيق
وعندما تحررنا من هذا خرج علينا من داخلنا من غير الأجهزة
وعلى عكس ما كانوا يتصورون بدا الحديث عاليًا عن فرج فودة
فى خلال عشرة أشهر فى مجلة أكتوبر وتحت عنوان « كلام فى المواء » ..
وعندما جاءوا يسألونى عن عنوان الكتاب كان ردى على الفور ؛
حتى لايكون كلامًا فى المواء ؟
إن اسفى أنتى لم أعرف فرج فودة طويلا وقد كنت اتنى لو تحقق لى
كلاما فى المواء .
أمامى العدد الأخير من النشرة الاخبارية التى تصدرها المنظمة العربية
لحقوق الإنسان ٠ وتتناول انتهاكات هذه الحقوق فى الأقطار العربية ؛
وأحد هذه الانتهاكات من وجهة نظر المنظمة , يتمثل فى ( وقف عالين
عن إلقاء الخطب والمحاضرات فى المساجد ) فى إحدى الدول الخليجية ؛
والسيب - وفقا لتقرير المنظمة - يتمثل فى إبداء آراء سياسية فى المخطب
المنيرية ؛ وهو ما يمثل من وجهة نظر المنظمة ( ممارسة للحقوق المشروعة
فى الاعتقاد والتعبير ) خاصة أن ( ايا منها لم يرتكب أاى عنف ) ..
ونبدأ بالرأى الآخر ..
فالقضية ساخنة . ومطروحة على طول الساحة العربية وعرضها ؛
والذين ينادون بحرية عرض الآراء السياسية من فوق منابر اللساجد ؛
خاصة فى خطب الجمعة , يقدمون منطقا متسلسلا مفرداته على النحو
© كان هذا هو دور المنبر فى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ٠ وفى
عهد الخلفاء الراشدين . وفى عهد من تلاهم من الخلقاء .. ٍِ
© من الصعب إن لم يكن من المستحيل فصل أمور السياسة عن أمور
الدين . أو منع علاء الدين من إعلان الرأى الشرعى فى القرارات
© حرية الرأى لا تتجزأ خارج المسجد أو داخله . وحرية التعبير أيضا
لا تتجزاً .4 خارج إطار السياسة أو داخل هذا الإطار عا
© إذا كان المجتمع يقبل حقا الديقراطية , فالقيد الوحيد الذى يقبله
الجميع . هو حظر استخدام العنف فى التعبير عن الرأى . وحظر استخدام
( القهر ) فى دفع البعض إلى اعتناقه , أو دفع البعض الآخر إلى التخلى
شىء ؛ ولا من القهر شىء , ولابد والأمر كذلك أن يكون فى إطار
المسموح بهء إن لم يكن محل ترحيب ..
© إن أحدا لا يقبل الازدواجية فى إلقاء الأحكام المتنائضة على نفس
الواقعة . فليس معقولا أو مقبولا أن يكون الإمام على المنبر محل ترحيب
واحتفال وقبول إذا ناصر الحاكم ؛ وأيده فى قراراته بالأدلة الشرعية ؛
وأعلن مساندته له بالأسانيد الفقهية . ثم يصيح نفس الإمام محل استتكار
ونقد ء ولوم وهجوم . وإيقاف ومنع , إذا تعارض رايه مع رأى الحاكم .
القيادة السياسية ..
التسلسل هنا متنطقى , والحجة تبدو فى ظاهرها متماسكة ومنطقية ,
والقارى يتصور أن أنصار الرأى الآخر فى موقف عصيب ؛ فأين المفر من
أدلة تستند إلى التاريخ , وإلى الحاضر ؛ وإلى سند الرأى الآخر , الذى
ولا بأس من مقدمة ع
المناقشة وقرع الحجة بالحجة , ولا نأخذ بمخاوف البعض من الاقتراب من
التضايا ( اللغمية ) التى تنفجر فيمن يقدم عليها بمحاولة الحوار أو الأخذ
لحججه , وتزييف لآرائه . توصلا لانتصار فكرى رخيص ؛ بل نعتقد أن
هذا المنهج هو الذى أوصلتا إلى ما وصلنا إليه . ووضعنا فى موقف لا تحسد
عليه . ومن أين يأ الحسد والخطأ يليس زى الصواب ؛ والباطل يبدو
وتسلم معهم بالدمقراطية ؛ ونسأهم عن حرية التعبير عن الرأى . هل
هى مقصورة على الإمام . أو أنها لا تتجزاً ٠ وتشمل الامام واللأموم
معا ؟.
ثم نسأهم عن حقوق الإنسان , هل هى قابلة للتجزثة ؟ وهل
احتجاجنا على ائتهاك ما تتصور أنه حق للإمام ٠ يبرر لنا السماح بانتهاك
حقوق المأمومين ؟ .
نخوض فيها أن تتحاور معه حول مثال تيل , تتصور فيه أن حكم أحد
مباريات الكرة . أوقف المياراة . ثم أشار إلى مساعده أن يناوله مكيرا
للصوت . أمسكد بيده . وانطلق يلقى على جاهير المشاهدين خطابا
سياسيا حماسية , أو موعظة دينية بليقة ..
ماذا ييكن أن يحدث فى مواجهة ذلك ؟
لست أشك فى أن الجماهير سوف تثور ثورة عارمة ..
والسؤال التالى ..
هل هذه الثورة علافة بمضمون حديث الحكم , الذى قد يكون
موضوعيا وبليعا وجذابا وخلابا ؟ والإجابة بالنفى , فالبلاغة لن تغنى عن
الغضب . والمنطق لن يشفع فى منم الثورة