كاد الناس فى هذا الزمان يعودون إلى الجاهلية الأول أمة واحدة على
الإنكار والكفر » يبتسم الواحد منهم فى سخرية إذا رأى من يصيم أويصل ©
سذاجة وغفلة » ويرى الذكاء والفطانة والعلم فى رفض هذه الخزعبلات
فى هذا العصر ظهر لون جديد من كتب .السيرة يحاول فيه الكاتب أن
يجرد محمداً عليه الصلاة والسلام من كل ما هوسماوئ غيبى » ويتصورة فى
غار حراء وقد اختل بنفسه لا ليناجى ربه وإنما ليتأمل أحوال البر وليتاريا
فى قريش + ويفكر كيت يستنقذهم من مظالم السادة بشريعة جديدة ؛ وقد
جعل من النبى العظيم شيئاً كجيقارا » ومن الإسلام شيئاً كثورة اجتماعية +
جبريل ونزول القرآن إملاء من عند الله » وإسراء النى إلى المسجد الأقصى
وعروجه إلى السموات العلا - ظن بهذا أنه خدم العقيدة + ورفع من شأن
رسوفا . . وأنه كان يتكلم لغة العصر » وبخاطب الكافر بلغته . . والحقيقة
والتزييف » وينزل بتبيه إلى درك السياسيين المغامرين ؛ ويجرده من العصمة
والقداسة .
وحجته فى ذلك ما قال الله محمد فى القرآن :
ويته أكمل الآية :
التتمة تنى المثلية الى تصورها كاتب السيرة © فمحمد بشر مثلنا وليس
اجتهاد على الأكثر. . أقصى ما نحلم به هوانقداح الفكروفيض الخاطر.
وهذا الفرق الدقيق هوس النبوة
هو فى حضرة الملا الأعلى والملكوت يرى جبريل رؤية عين © وسمع
منه ؛ ونحن فى الحضرة الأرضية » وف الحضيض البشرى محجوبون لاحظ
هوبر زخ بين الشهادة والغيب .
حلم أوشطحة أو كرامة .
وهذا هو الفرق بين الننى والولى والمصلح الاجتماعى . 0
النبى جليس على الائدة الربانية يتلقى من ربه الكلبة والتشريع
والتكليف . . وهومعصيم لا ينطق عن الهوى .
أن يعود فينغلق » وليس له عصمة ولا تكايف ولا تبليغ
والمصلح الاجتماعى من أهل الاجتهاد مثله مثلنا + وحظد حظنا +
يخطئ ويبصيب ؛ ولا عصمة له ولا خروج من دائرة المحسوس ؛ ولا
تحليق إلا بالخيال والحدس والتخمين .
وأى فرق هائل بين هذه المراتب ؟ . . تكاد كل مرتبة تكون فى فلك .
وماذا يبتى من الدين إذا جردناه من الغيب ؟
إنه التكذيب بعينه وقد أخذ صورة العبارة العلمية الممفوفة أ يصف
الله الممين بأنهم :
فجعل شرط لمان هوالاعتقاد بالغيب .
بيدا ؛ والشاء :1756 ) .
فالإيمان بالملائكة شرط صريح للإعان بالله .
الكاتب العصرى يتصور أنه يكون أذكى وأفطن إذا تكام عن محمد
عليه الصلأة والسلام كما يتكلم عن أبراهام لنكوان + فهذا هو الفهم
العلمى للأمر.
وما هوبالفهم العلمى ولا الموضوعى .
لأن جوهر النبوة ليس الإصلاح ولا التعمير . ولكن جوهر النبوة هو هذه
الصلة المبهمة بالله وبغيبه المغيب » هو هذه الحالة البرزخية بين الطبيعة
وما وراء الطبيعة .
هذه الحالة التى مجعل من النبى مستمعاً من نوع فريد يتلتى الإلام
من آفاق أعلى لا يرق إليها غيره .
يفذا يحتاج النى إلى إعداد روحى يختلف تماماً والإعداد العقلى
الذى يحتاج إليه المصلح الاجتّاعى .
فإذا كانت عدة المصلح الاجتّاعى هى الدراسة والخبرة والعكوف على
المراجع وأمهات الكتب المتخصصة ؛ فإن عدة الى مختلفة تماماً .
فهوفى غير حاجة إلى الدراسة والعكوف على الكتب ؛ وإنما إلى إرهاف الب
إلى الكون ١ وتجريد قلبه من الشواغل ؛ وتخايص همته من التشتت فى توافه
الأمور » والخروج بنفسه من شدٌ وجذب الرغبات والنزوات والشبوات »
وجمع الهمة وتركيزها فى طلب شىء واحد هو حقيقة الحقائق . . الله
وهذا يخرج إبراهم إلى الفلوات يتأمل القمر والنجوم » وبخرج المسيح
إلى البرية » ويصوم موسى أر بعين يوماً ليقات ربه ؛ ويختل محمد فى الغار.
لي يعتزل محمد فى الغار ليقوم بدراسة البروليتاريا فى قريش كما زعم
أصحابنا . . وإنها لنكتة تدل على مدى ما بلغت عقول الماديين من سطحية .
وخواء » فلم يكن فى قريش صناعة ليكون فيها بروليتاريا . . وإنما كان
فيها أرقاء . . وكانت تأتى الحروب القبلية فتجعل من السادة رقيقا يمن
الرقيق سادة هكذا فجأة دون أى مضمون طبنى فى الموضوع . . الغالب
يجعل من المغلوب رقيقاً وسبايا حو حتى دور عليه الدواز تتقلب الأوضاع .
وقد جاء محمد يف المجتمع القرشى رقيق وترك محمد الدنيا وى قريش
رقيق . . وكان لمحمد - عليه الصلاة اليل و
غزواته . . إذن لم يكن هم محمد فى الغاروما بعد الغان. مسألة السادة والعبيد .
وإنما كان همه الرحيد هومرفة الإله ثم التعريف أب واخدا لا شريك له .
ولم تكن معركة الإسلام هى التغيير الطبى + وإنما اب هى
الانتقال بالعقول من فكرة تعدد الآلمة إلى فكرة التوحيد » ومن العبادة
الوثنية إلى التجريد . . وفذا حرص محمد - عليه الصلاة والسلام -
بعد الإسلام على أن ينبت .كل زعم على زعامته وكل سيد على مكان
الشرف فى قومه دون تبديل إلا أن يرفض تخطع الأصنام » فكان “يذ
وإنما جاءت الوظائف الاجمّاعية للدين بعد ذلك حييا بدأت تقوم
دولة جديدة موحدة فى حاجة إلى تشريع جديد وقوانين جديدة وعلاقات جديدة +
إسباب فى مكان آخر » وسوف يعود السائل فيسأل :
ولإذا لا يكون محمد عبقريَا ملهماً ؟
ولاذا لأ يكون السيامى والقائد والزعيم الذى لا يجود بمثله الزمان ؟
وكيف نقنع العقل العلمى البحت بحكاية النبوة هذه » علما بأن
مسألة جبريل نزول القرآن من السموات مسألة لم بياشرها إلا محمد
عليه الصلاة والسلام وحده » ولا دليل لدينا عليها + إلا أن نسلم بها تسلياً
بلا مناقشة . . وهوأمرلا يرضاه العام ؟
وربما أوماً السائلون موافقين .
نحن معك أن هدف محمد عليه الصلاة والسلام لم يكن التغيير
الطببّى » ولا كان شاغله فى الغار هومسألة السادة والعبيد ؛ وستوافق معك على
أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان بتأمل فى الحقيقة » وكان يطلب
ما وراء الطبيعة . . وكان يريد الله . . ولكن أولم يكن هذا هوعينه مطلب
لماذا تقول إنه نى ؟ . لماذا هذا الإصرار على أنه نى ؟
أعندك شواهد غير إمانك يمكن أن تقنعنا عتلّاشره ؟
وهى أسئلة مشروعة . . وهى نجرنا كلها جرا إلى موضوع ملامح النبوة
فى حياة محمد . . وهو موضوع عشش فى ذهنى طويلا وأنا أطالع كتب
وعاش ومات كرجل بسيط متواضع .
وإن أحكى عن الخوارق التى ترويها السير عن حياة محمد .
فالإسلام لا يلجا إلى الخوارق لإقناع الناس . . ومحمد كان يجاوب كل من
وخالد بن الوليد حينا أسلم مؤخراً » وكان فارس قريش صفاحها أيام
الكفر » وقف يقول :
« الآن استبان لكل ذى عقل أن محمداً ليس بساحر ولا شاعر +
كان العقل والمنطق إذن هما وسيلتاه إلى الاقتناع ؛ وليست المعجزات ولا الخوارق .
وحيبًا غضب أبوسفيان لمقالة خالد وقال ثاثرً : واللات والعزى لو أعلم
أن الذى تقول حق لبدات بقتلك يا خالد قبل محمد .
فأجاب خالد فى إصرار : فوالله إنه لحق على رغم من رغم
فاندفع أبو سفيان نحوه ليقتله + فحجزه عنه عكرمة بن أبى جهل ©
وكان حاضراً » وقال : مهلا يا أبا سفيان . . أنتم تقتلون خالدًا عل رأى
كان الصراع إذن صاع رأى . .
وكانت حجة الإسلام حى العقل والمنطق فى كل الأوقات ١ ول تكن
المعجزات ولا الخوارق .
وهذا هوعكرمة بن أبى جهل » وهو أشد الشباب كرا وخصوبة محمد ١
بعد أن قتل أبوه بيد المسلمين فى بدر » يقول فى خوف وخشية : والله لقد
خفت ألا يحول الحول حتى يتبع أهل مكة محمدًا كلهم .
من محمد معجزة ولا كرامة .
وإذا كانت هناك معجزة فى الموضوع . . فإنها لم تكن شق بحر أوإحياء
ميت أوشفاء أبرص أوإخراج حية من عصا .
وإنما كانت المعجزة هى ذات محمد نفسه التى جمعت الكمالات
وبلغت فى كل كمال ذروته .
كان محمد ذاته كسلوك وخلق وسيرة هو المعجزة التى تسعى على
الأرض .
وإن تبلغ ذاتك الكمال فى صفة واحدة » فتبز فيها وتتفوة تتفوق على أقرانك
فهذه هى العبقرية .
فى الحكمة فأنت لقمان » وإن تبلغ القمة فى فنون الحرب فانت تابليوث ©
وإن تبلغ الذروة فى فى التشريع فأنت سولون .
أما أن تكون كل هؤلاء ؛ وأن تمتحنك الأيام فى كل صفة ة
فيها غاية المدى دون مدرسة أو معام فهو الإعجاز بعينه . . وإذا حدث فإنه
لا يفس ر إلا بأنه نبوة ومدد وعون من الله الوهاب وحده .
فها أنت ذا أمام رجل إذا تحدث كان أبلغ البلغاء », وإذا نطق كان
أفصح الفصحاء . . لا ينطق عن هوى » ولا يتحدث عن حفيظة » وإنما عن
حكمة الحكم وبصر البصير الملهم . . وهذه. أحاديثه المجموعة تشبّد لنا
عسكريا من الطراز الأول .
فهذا حرينظم جيشه فى معركة أحد فيضيع سين من الرماة على شعب
من الجبل فى خلفية الجيش المقاتل وهويقول ثم :
معسكر العدو فنهزمهم فلا تفارقوا مكانكم . . وإن رأيتميم يحملون علينا
فإن الخيل لا تقدم على النبل » .
ونعلم الآن أن انكسار المسلمين فى أحد كان بسبب مخالفة هؤلاء
الرماة لتعلهات الرسول ونزيلم من الجبل لاهتبال الغنائم حيبًا رأوا فرار الكفار. .
فالتف خالد بن الوليد ( وكان قائد الكفار فى ذلك الوقت ) وهاجم جيش
فماذا يفعل هذا القائد المهزوم .
إننا نرى صورة أخرى من صور الجرأة وبُعْد النظر والمخاطرة الدقيقة
من الجرحى والمهلكى ليتبع جيش المنتصرين العائد إلى مكة . . فيقع فى روع
أبى سفيان قائد الكفار أن محمداً جاء من المدينة بمدد جديد . . ويتنادى
الجنود أن محمداً قد خرج فى أصحابه يطلبكم فى جمع لم يرمثله قط » وقد
اجتمع معد من كان قد تخلف عنه . . وكلهم أشد ما يكون طلبا للثأر.
ويبلغ جيش الجرحى حمراء الأسد فيوقدون النيران ثلاث ليال متتابعة
موين الأعداء أنهم ينظمون أنفسهم لولبة تقضى على جيشهم . . فتزعزع '
ويعود الجيش المكسور وقد استردٌ شيئاً من حميته وكرامته التى أهدرتها
الهزيمة . . ولا يعرف وزن هذا الكسب النفسى إلا كل عسكرى محترف . .
هذه العملية الجريثة بكل ما تضمتته من مخاطرة مهلكة تكشف عن
مخطط من طرازفريد .
ثم إذا جد الخد والتبب الموقف نجد هذا المخطط العبقرى الذى مكانه