إن التعمق في الفكر الديني الإسلامي ودراسته دراسة واعية ليبرهن على أن
الإسلام يتميز بمنهج علمي وتطبيقي يواكب تطورات الحياة وتبدّلات الزمان»
والقصة القرآنية من أهم الوسائل النتي استخدمها الإسلام - على الرغم من
تطورات الحياة - لتغذية العقول وتهذيب النفوس؛ والترويح المنشود؛ فهي تفتح في
النفس البشرية مغالق الإشام؛ عندما تعايش أنبياء الله ورسله في رحلتهم مع
أقوامهم . كي تأخذ عنهم؛ وتتعلم على أيديهم؛ وتثبت معهم» فالقصة في القرآن
باب من أبواب البيان القرآني العظيم ... ففيه من إعجاز القرآن ما في سائر أبوابه من
التوحيد والوعد والوعيد؛ والفضائل والأخلاق والسلوك والتشريع؛ ومن هنا
عنيت في هذا البحث إلى دراسة الإعجاز الأدبي في القصص القرآني من بيان معجز
للإنس والجن وسائر العقلاء البلغاء فالإتيان بقصة من قصص القرآن الكريم لم
يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين؛ ويتضح لنا ذلك القصور البشري في أن
الأهيب مننهم أو الشاعر يضع خطبة أو مقالة أو أقصوصة أو قصيدة؛ يستفرغ فيها
جهده؛ ثم لايزال فيها وهو غير راض عنهاء ثم تُعطى لأحد غيره فيأخذها
لإعادة النظر والتبديل» أما القصة القرآنية فلو نزعت منها مشهدا أو تعبيرا أو حتى
براعة وسلامة الذوق وجودة القربحة.
فدراسة القصة القرآنية وتخليل عناصرها الأدبية من حوار وأحداث
وشخصيات وزمان ومكان تقود إلى إبراز الإبداع القصصي القرآني والإعجاز
نار
البياني» فالحجة تؤدي إلى الإقناع العقلي, أو التأثير الوجدا يٍ
بالنفس» والجديد في هذه الدراسة هو تطبيق المعايير والأصول المقررة في الأدب
القصصي كوسيلة لدراسة القصة القرآنية من أجل تعميق ارتباط الجانب الأدبي فيها
بالتأشير الديني . فلكل عصر آسسه الفكرية والعقلية والوجدانية التي تختلف عنها
في عصور أخرىء فالمسلمون اليوم ليس لأكثرهم ذلك الذوق الفطري السليم
وتلك السليقة التي كانت تهزّ مشاعر ووجدان وأحاسيس أهل الجزيرة العربية حين
نزول القرآن بروعة بيانه وبديع نظمه؛ ولئن تعذِّر على المسلمين اليوم إدراك أسرار
الإعجاز البياني في قصص القرآن الكريم لبُدهم عن العربية الفصحى في حديثهم
اليومي» فليدركوه بلغة العصر التي سادت فيه طريقة التحليل الأدبي» بعد أن
أصبحت دراسة القصة وتحليلها وسيلة لإبراز قيمتها في الغرض والمحتوى؛
والكشف عن أسرارها الفكرية والوجدانية لتنبيه الناس إليها وترغيبهم في قراءتها
ومن هنا ف إن البحث في الإعجاز القصصي القرآني ما زال يحتاج إلى العديد
تُفنى الأعمار في تحصيلهاء وهي خالدة باقية لمن شاء أن يفيد ويتعلم .
أهداف البحث:
لاشك أن البحث يشرف بموضوعه وغايته؛ والبحث في الإعجاز القصصي
القرآني من الوجهة الأدبية من أشرف الموضوعات أسمى الغايات» فما
أحوج البشرية اليوم إلى أن تتمعن قصص القرآن وتتدبّر سوره؛ فتأخذ منها العبر
وقصص الأسلاف من الأنبياء والرسل؛ وكما عملوا صادقين في طاعة الله ... ينتظر
صحوتنا ويتعجل نهضتناء ويضيء لنا الطريق .. بقدر ما نستلخص منهجه المباشر في
وحركة المجتمع في الأدب والقصص؛» والتاريخ والسير.
إن منهج القصص القرآني القائم على الحق» والمتتبع لسنن الله في حركة الواقع
ونقدية لأدب القصة وهي دراسة تكون نواة بية متكاملة. تكون منطلقا
صحيسًا إلى دراسات عربية أكثر اتساعًا وأعظم أثرًاء على طريق الحقيقة البيانية ف
عم الإنسانء كما سجلها منهج القرآن الكريم في قصصه قبل أي مذهب اجتياعي
حديث»؛ أو أية فلسفة معاصرة؛ وهي أن الإنسان في سلوكه ولغته نتاج بيئته؛ وأنه
من الممكن دائما في عدل الله وحكمته تغيير فكر الإنسان ومنهج تعبيره وسلوكه إلى
ماهو أفضل» أو إلى ما هو أسواً - بتغيير عوامل البيئة المحيطة به .
يترض البحث أن القصص في كل ما يدور به في لغة العرب» وفي حياتهم» وفيا
أورده القرآن الكريم؛ هو أخبار صادقة صدق التتبع العلمي للحقائق» حتى وإن
يكن في ثوب الأدب والبيان بحيث تكون أمام من غاب كمن حضر؛ وعند من
سمع كمن رأى
إن الجانب القصمي في القرآن بوصفه أعظم المصادر وأوثقها في أيدي العرب»
لضو منهج متميز في قصٌ القصص باللغة العربية -تكفي للكشف عن الفارق الذي
يبلغ ما بين القصص القرآني وتصص الشعوب واللغات الأخرى من الأساطير
الإسلام والوثنية .
إن كلمة " القصص " في القرآن الكريم ترجع في جذرها الاغوي» ومعناها
اللغة العربية؛ تعني تتبع الخبر والحديث على وجه الحق والصدق فيه . وهو تنيع لا
مجال فيه قط للخيال أو المبالغة؛ كما أنه تتبع لا تقصر حكمته على الصدق البياني
يقصّه القرآن جزءا حيا من حركة التاريخ» يتنزل الله به أمام أعين المؤمنين
وأسماعهم؛ ليشهدوا ويعوا دلالة السئن التي حكمت مسيرة البشر ومصائرهم في
جرد الإعلامبيا حدث من أخبار الأمم والشعوب بالتتبع الصادق لأخبارهاء وإنيا
الغاية أن يكون هذا القصص نفسه هادبًا للمؤمنين إلى الطريق الصحيح الذي
الضلالة والإلحاد عن برهان ويقين.
مشاهد التاريخ في حركة وصور وأصوات ليست في حقيقتها - كما تصدر عن
المتحركين والمتكلمين في هذا القصص الح - إلا حركة القوانين التي تحكم البشر
بمشيئة الله إلى غايته . إنها حركة قوانين وسنن التاريخ من خلال أشخاص لايمكن
أن نننسى مواقفهم» لأنهم في جميع كلماتهم وحركاتهم لا يتجاوزون التعبير عن هذه
السنن والقوانين التي تنطق فيهم؛ إلى التعبير عن مشاعرهم الخاصة »أو التعرض
للتفاصيل التي تنتقص من كمال دلالتهم على قانون بشري عام يسري به الزمان
والمكان على جميع نوع الإنسان. ولذلك فقد عاشت هذه القصص الصادقة وهي
تقنن سنن التاريخ إلى اليوم دون أن يطرأ على تأثيرها والعظة بها أي تغيير +
منطقية البحث
إن دراسة القرآن الكريم؛ واستعراض قصصه ومراميه. واتجاهاته وغاياته؛ هي
الطريقة المنطقية التي تقود إلى الثقة والإييان. فكمال الأداء القرآني في تصوير المشاهد
يرفعها أمام أعين المؤمنين» دون أن يتعرض القارئ أو المنصت إلى
ما يثير غريزته؛ أو إلى ما يستفزه لخيال كاذب؛ أو خاطر معيب .
وقد جعلت الإعجاز القصصي في القرآن الكريم ركيزة هذه الدراسة؛ فعل
الرغم من قبول القصص القرآنيٍ للمعايير والمقاييس البنائية للقصة الحديثة إلا أنه
ينأى تماما عن التخيل وذلك بالتزام الحقاشق والمقومات التاريخية عند بناء
الأحداث؛ ويعرفها على الوجه الذي يراه أشدّ تأثيراء وأكثر استجابة لدواعي البناء
الأبحاث السابقة
ولمكانة القصص القرآني وقيمته في تغذية العقول وتهذيب النفوس» تناوله
بالشرح والتحليل والتفسير كثير من الباحشين والمفسرين قدييا وحديثا؛ وهي
دراسات ومؤلفات وتفاسير أدين لها بالفضل في التحصيل؛ والتوجيه؛ متهم من
خصص الدراسة لقصة واحدة أو قصتين» ومنهم من اعتمد على طريقة بسيطة تعنى
بالتفاصيل دون الإشارة إلى الإعجاز الأدبي واللغوي في بناء القصص» وذلك
بتفصيل أحداث القصة مع تحديد زمائها ومكانها وتعي أشخاصهاء وذلك لإشباع
رغبات المتطلعين إلى هذا القصص القرآني؛ وخاصة ما يتعلق منه بتاريخ بدء الخليقة
وسير الأنبياء والرسل والأمم الغابرة» إلا أن هذه الطريقة لم تتحرّ الدقة في بعض
من هذه الكتب فيا جمعته من مصادر عُرف عنها اهتمامها بالخرافات والأساطير
والقصص المنقولة عن اليهود والنصارى .. مما يجعل التوراة والإنجيل مهيمنين على
القرآن . وقد ذكرت هذه المؤلفات والكتب والبحوث السابقة في ثبت المراجع في
نهاية الدراسة
الإطار التنظيري للبحث
وهو مدخل تمهيدي لابد منه قدمت فيه تمهيداً موجزا لدراسة الأدب القصصمي
أن تتبع فيه النقاط التالية:-
عاق
عامة؛ ثم فن القصة عند العرب خاصة.
ثانياً: عناصر القصة وخصائصها: وفيها تعرضت لتعريف القصة؛ ثم عناصرها من
أحداث وشخصيات وزمان ومكان وعقدة وحل.
الأهداف بالأصول الفنية الخالصة في الإبداع القصصي.
وقد أفاد هذا المدخل كثراً في توضيح الدور العظيم للقصة من حيث اهتمامها
بمشكلات الإنسان وعصره؛ حيث يصدر فيها الإنسان» لا علي أنه أنموذج عام
يصلح لكل عصر وبيثة؛ ولكن علي أنه مخلوق حي ذو جوانب نفسية متعددق ثم
انتقلت بعد ذلك إلى دراسة أدب القصة في القرآن الكريم:
وقد قسمت هذه الدراسة إلى أربعة فصول:
وقد تناولت فيه الفروق اللغوية بين القصة والخبر والنبأ والحديث.والتي كانت
مستخدمة في القرآن الكريم كثيراً وإن كان قد فق بينها في المجال الذي استعملوا
فيه جرياً علي ما قام عليه نظمه من دقة وإحكام وإعجاز - ثم انتقلت بعد ذلك إلى
عرض أنواع القصة في القرآن الكريم القرآن استخدم- في أغراضهة
الدينية - كل أنواع القصة: القصة التاريخية والقصة الواقعية والقصة ||
والقصة العاطفية والقصة الرمزية أو الإيجاثية كقصة هبوط آدم من الجنة وذلك لما
ثم انتقلت بعد ذلك إلى عرض عناصر القصة في القرآن الكريم ومن خلال
عرض هذه العناصر» اتضح لنا أن عناصر الأحداث والأشخاص والحوار والزمان
والمكان لا توجد مجتمعة في كل قصة قرآنية بل موزعة التوزيع الذي يجعل لكل
عنصر منها قيمته وخطره في القصة بحيث لو اختفي لاختل التوازن الفني وانهدّ
ركن من أركان البناء» والحقيقة أن ذلك ربيا يرجع إلى أن توزيع العناصر في القصة
القرآنية كان يتبع الغرض الديني حيث نري إن عنصر الأحداث هو العنصر البارز
في الأقاصيص التي يقصّد منها إلى التخويف والإنذار. وعنصر الأشخاص هو
العنصر البارز في الأقاصيص التي يقصّد منها إلى الإفاضة والإيجاء أو تثبيت
المؤمنين. وعنصر الحوار هو العنصر البارز في الأقاصيص التي يقصّد منها إلى الدفاع
عن الدعوة الإسلامية والرد علي المعارضة وهكذا ..
القرآنية وقيمتها في التوجيه النفسي» وفي الهداية إلى الحق والطريق المستقيم +
أما الفصل الثاني فقد جعلته للحديث عن:
ومن خلال هذه الخصائص يتضح الكمال في الأداء بلا تغير ولا اختلاف من
مستوي إلى مستوي؛ حيث يجحمل طابع الصفة الإلهية ويدل علي الصنع الذي لا
يتغير من حال إلى حال وقد يبنا أن أهم الخصائص اللغوية في القصص تدور حول
عرضت لا من زاوية التركيب الأدبي للعناصر القصصية وما له من تأثير نشي
وفني علي القارئ.
أما الفصل الثالث فقد دار حول:
القصة بين الإكمال والتوزيع في القرآن الكريم: حيث لاحظ الدارسون
والباحثون للقصة القرآنية إنه لا يلتزم فيها بالسرد القصصي ولكن يلتزم فيها
بالوصول إلى الغاية من القصة ووفقاً لذلك نري من القصص القرآنية ما تقدم كاملة
الأحداث والمواقف في معرض واحد - كما في قصة يوسف - ومنها ما تقدم في
حلقات. يخص بكل حلقة منها معرض يتطلب هذه الحلقة من القصة فحسب
الكريم ومثلنا علي ذلك قصة موسي» وقصة إبراهيم» وبعد أن بينت وحدة الموضوع
ووحدة الجو النفسي في هاتين القصتين» انتقلت إلى عرض النقطة الثانية وهي:
موضع واحد في القرآن الكريم نحو ما كان في قصة يوسف عليه السلام» وبينت أن
يوم؛ ومرحلة بعد مرحلة. فلا تتم العبرة بها - كما لا يتم التنسيق الفني فيها- إلا بأن
ونأتي بعد ذلك إلى ختام فصول هذه الدراسة وهو الفصل الرابع وعنوانه:
الإعجاز البلاغي والبياني في قصص القرآن الكريم: تطرقت فيه إلى بيان مفهوم
الإعجاز في القرآن الكريم عامة وفي القصص القرآني خاصةٌ من خلال تفسير
مصطلحي البيان والبلا إعجازها في المعاني والأفكار
والأسلوب والإيجاز؛ ثمّ قدّمت لمحة من البلاغة الصوتية في القصة القرآنية
بإيجاءاتها وإيقاع صيغها وانسجام تأليفها.
وذلك حتى تكتمل أهداف البحث وأغراضه من توجيه الوعي الإسلامي
الوجهة الرشيدة في القيام برسالته الأدبية الإنسانية فقد أنهيت هذا البحث بخاتمة
تتضمن أهم ما أمكن التوصل إليه من نتائج أرجو أن أكون قد وفقت إليهاء
فحسبي قول الرسول الكريم #: " من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد
فأخطأ فله أجر واحد".صدق رسول اللكِلا
وبالله التوفيق
أ.د / سعيد عطية علي مطاوع
أستاذ الأدب المقارن - قسم اللغة العبرية
المدخل
القصة وتطورها العام
لا شك أن الأنواع الأدبية تتطور من عصر إلى عصر؛ وقد يتولّد بعضها من
بعض» فيظهر نوع أدبي جديد لا سابقة له في الظاهر» لكن التعمق
يكشف عن أنه قد نشاً عن نوع أخر مغاير له؛ كما في نشأة الأقصوصة عن المثل.
عليه؛ بل هو محاكاة نقدية لهذا الواقع تظهر من خلالها موقف الفنان ومدي تأثره
بالطبيعة ومن ثم تصبح القصة عرضاً لفكرة مرت بخاطر الكاتب أو تسجيلاً
بالكلام ليصل بها إلى أذهان القّاء ومن هنا يمكتنا القول بأن المشهد القصصي الذي
يصوره القاص هو عبارة عن مشهد واقعي صور في أسلوبه التعبيري وطريقة
حدسه هذه الصورة المشاهدة في الطبيعة.
يقول د. محمد حسين هيكل: " مر اليسير أن يقدّر الإنسان قِدَم القصص؛ وأنه
تشامع الإنسانية منذ نشأت "" فالقصة تقال في كل مكان؛ بين الشعوب البدائية»
وعند أشدّ الأمم رقيآ؛ ولو أنها في الحالة الأولي ته نيّة القيام بعمل فني*.
" إن الحياة من أولها إلى أخرها قصة تتكرر في صور مختلفة باختلاف الأقران
واختلاف الأزمئة والأمكنة التي يعيشون فيها.. ويكفينا أن نرجع إلى التاريخغ
الديني» وإلى الكتب المقدسة نفسهاء فهذا التاريخ يقصٌ علي الناس من أخبار من
تقدمهم ما فيه موعظة وعبرة ؛ والتاريخ نفسه ليس إلا قصصاً يسبغ عليه كل مؤرخ