المدخل للكتاب
ذهنية التحريم في الفكر الديني
معاداة الدين للفلسفة
تطور ذهنية التحريم: قمع الفلسفة .ل الأديان
تتفق والمرحلة التي وصلها تطوره. وصار الناس يطرحون على أنفسهم بوعي أو دون وعي منهم:
كيف ينبغي بش؟ ويدون إجابة واضحة على التساؤل؛ صاروا يتعاملون مع الطبيعة
من حولهم (حيوان ونبات) ومع أنفسهم من خلال امتلاكهم لأدواتهم المعرفية والمادية
وف مرحلة بدائية (حول البحر الأبيض المتوسط) بزغفت منظومة من التصورات والأفكار
المختلطة غير الواضحة؛ صاغها الإنسان في أساطير وأمثال؛ كوّنوا منها منظومة دينية أو عقيدة
ساعدتهم على حياتهم. وصارت تلك المعرفة السرية يحتكرها الكهنة في كل جماعة» ويمارسونها
يتكيف مع ذلك التغير والذهن البشري يستل من خبراته معارف يرتبها في مقولات أطلق عليها
فيما بعد اسم العلم.
ارتبط تطور الإنسان الكائن الذي يحيا في أعماق التاريخ بخاصتين:
بين كل المجتمعات المتجاورة؛ وكانت الحضارة نتيجة للحوار المعرفي الهادئ المتبادل عن طريق
التجارة؛ أو الحوار العنيف (الغزو الخارجي).
وكلا الحوارين قد عدّلا سلوك الإنسان تجاه الطبيعة والناس؛ ولكن ذلك كان مشروطاً بحضور
الإله الذي تتسع قدرته باتساع حدود سلطة الجنا
البشرية عبر الزمن» فالماضي كله يورّث في الحاضر؛ والحاضر كله سيُنقل إلى المستقبل» وبذلك تتراكم
تلك نواة
قال روبرت أوبنهايمر: «إن اتساع أطراف العالم» إنما يستمد خصوبته من ثبات المعرفة؛ وعدم
أمم عريقة بعيدة المطرح عناه(1).
من خلال تطور حياة الناس المحيطين بالبحر الأبيض المتوسط» ظهر مفكرون أحرار أمشال
الذي حطم أصنام آمون واستبدلها برمز جديد هو قرص الشمس» اتخذه رمزاً للإله المثيرء أصل
الحياة» وخالق هذا العالم. ولكن بعد وفاته رجع الكهنة إلى عبادة آمون» وطردوا أتباعه من مصر
إلى أرض فلسطين» وكان أخناتون أول موحد وصم في مصر بالهرطقة.
نستخلص من سيرة أخناتون» أن كل مفكر حر» إما أن ينجح ويصبح صاحب شريعة متبعة
وادا أن يفشل ويتهم بالإلحاد.
صار الإلحاد تهمة يوصم بها كل من عن تصورات الجماعة التي يعيش فيها. وما أجمل
عبارة الملتصوف الهندي سوامي فيفكاندا: «إن بعض الأ العالم تطلق اسم ماحد على ذلك
ليسهل علي عرض ما أريد قوله في هذا المدخل» قسمته إلى حلقتين:
الحلقة الأولى : ذهنية التحريم في الثقافة اللتوسطية (اليونان وسورية).
الحلقة الثانية: ذهئية التحريم في الثقافة العربية» وظهور مفهوم الزندقة.
في الثقافة اليونانية القديمة:
منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد» ظهرت في الموانئ الإغريقية مدارس استمدت علمها من
بلاد الشرق (بلاد ما بين النهرين وسورية ومصر وفارس)؛ وكتب منهم فلاسفة حول الطبيعة
والإنسان» خالفوا التصورات المألوفة ونفوا وجود قوى متحكمة بمصير هذا العالم؛ الذي لا دخل
للآلهة فيه؛ ونبذوا أساطير ديانتهم الشعبية؛ فاتهموا بالإلحاد والمروق عن الدين.
وهؤلاء الفلاسفة كثر ولكني سأذكر أبرزهم وما أضافوه إلى الفكر الفلسفي في العالم.
كان أول فلاسفة اليونان الذين نفوا وجود صانع لهذا العالم؛ وقال: إن النار هي المادة الأولى
للطبيعة» لأنها الأقدر على التغير والحركة. وقد نش العالم كله عن الثار؛ وكان يعتقد بأن هذا
القانون. وبما أن الإنسان جزء من العالم فاللوغوس يحكم روحه باعتبار الروح هي الجائب الفمّال
الناري فيه وهو الذي يتصل بعنصر اللوغوس في الأشياء الخارجية؛ بل إن الروح
بصورة
لقوانين البشرية تتبع اللوغوس. وعلى الناس أن يحرسوها كما يحرسوا أسوار مدينتهم(
1 فلسفته تدور في حلقات علماء الكلام الإسلامي ونحن تصادفها بوضوح في فلسفة النظام.
يعتبر هذا الفيلسوف من أكبر الفلاسفة الذين كان لهم تأثير في الفكر الإسلامي وهو صاحب
نظرية (الجزء الذي لا يتجزأم. قال د لا نهائي للعوالم التي لم الإله بل تتولد
وتموت بحسب الضرورة الطبيعية؛ وعن اتحاد الذرات أو الأجزاء التي لا تتجزاء تنتج الأجسام
على حين أن تخلخلها يضع نهاية لهاء وهذه الجزثيات لا تنقسم وهي ثابتة وخالدة وفي حالة
حركة مستمرة؛ وهي لا تختلف إلا في الشكل والحجم والوضع والترتيب.
وهكذا كان ديمقريطس أول من وحّد بين السببية والضرورة؛ وفسّر نشوء الإيمان بالخوف من
القوى الجبارة في الكون ونسب إلى كريتياس المستبد الأثيني إلزام الناس بالدين لتسهيل حكمهم(4)-
سقراط الحكيم 469( 399 ق.م)
فيلسوف يوناني شهير» شغل نفسه بقضايا الإنسان وسعادته؛ وكان مستقيم السيرة عفيف
النفس؛ قليل الحرص على الشهوات (المال والنساء والطعام). ولكن حكم عليه بالموت بتهمة
علينا أن نجعل أفعالنا مطابقة لأفكارنا؛ وأن نكون على استعداد دام للنظر في تلك الأفكار
المحيطة بنا. فكان أول شهيد للفكر الحر.
وعلى عكسه نجا زميله (إكسانوفان» من المحنة على الرغم من نقده للتصور الهوميري المقدس
شاكلته؛ ولو أن للبقر تصور لتصورت آلهتها مشابهة لها
واعتبر إكسانوفان أن الوجود نفسه دائم التطابق مع نفسه ومتناسق وثابت. وكان يقر بالنظام
العبودي السائد في أثيناء مما أبعده عن المحنة
وكان أفلاطون تلميذ سقراط يذهب إلى ما يقول أستاذه مع فكر شمولي تضمن (الإله والكونٍ
عليه من المفكرين العرب والمسلمين» أذكر منهم أبا بكر محمد بن العباس الخوارزمي (التوفى سنة
3ه/ 993م) قال: «وهم أي الفلاسفة - قوم من اليونان تحذلقوا في المقالات حتى وقعوا في
وادي الحيرة والخباط وهو كالجنون وتحيْروا في الإلهيات؛ وبنوا مقالاتهم على التشهي
المحض والدعاوي الصرف ويزعمون أنهم أكيس خلق الله؛ وسياق مذهبهم يدل على أنهم أجهل
خلق الله؛ وأحمق الناس. وأساس الإلحاد والزندقة. فبني على مذهيهم الكفر كله.. وكانوا
يترهبون لقطع النسل ورئيسهم أفلاطون اللحد لعنه الله قال لموسى بن عمران (توفي 1390 ق.م)
رسول الله وكليمه: كل شيء تقوله أصدقك فيه؛ إلا قولك «كلمني علة العلل». انظر إلى اعتقاد هذا
الخبيث أن العالم قديم. كما يعتقد أن العالم قديم إخوانه أرسطو وسقراط وجالينوس. كلهم ملاحدة
العصر وزنادقة الدهره(5). ونحن ندرك من ذلك النص مدى الجهل الذي كتبت فيه المؤلفات
الدينية التي تحارب الفلسفة.
في الثقافة السورية القديمة
احتل الإغريق سواحل مصر وسورية وحكموا العراق والهضبة الفارسية حتى السند. وشاعت
الثقافة اليونائية وامتزجت بالثقافة السورية والمصرية. وأول ثائر أو مفكر حر ظهر على أرض
فلسطين هو (يسوع المسيح» كلمة الله المتجسدة من مريم العذراء أرسله لخلاص العالم. ولد في بيت
لحم في عهد أوغسطس قيصر وكان مولده سنة (4 ق.م). عاش في الناصرة إلى سن الثلاثين ونسبة
إليها سمّي بالناصري؛ ثم أخذ اليم عام الله صائعاً العجزات» وفي عهد الوالي الروماني
كان يسوع السيح أول داعية سوري دعا إلى سبيل ربه» بهدم التصورات الوثنية القديمة»
وأعلى من شأن الإيمان فكان أول شهيد للإيمان» وكان أحد المفكرين القلاثل الذي ضحى بنفسه
من أجل تخليص بني البشر من براثن الخطيثة الأولى؛ ودعا إلى عالم النور والعلم؛ وجعل الحقيقة
كان أسقف بلده بنطس (على ساحل البحر الأسود) دعا بقول الإنجيل «ليس صالحاً إلا الله
وحده»(0. فم هذا الأسقف المستنير أن ذلك يعني وجود إلهين أحدهما أعظم من الآخر» وأن
الله لم يكن خآلق هذا العالم» بل قوة معينة متميزة عنه. كما استخلص من ذلك قول يسرع «هل
يمكن للمرء أن يعبد سيدين؛ الشهوة والرب»(8). وهكذا نادى بوجوب محاربة الجسد وإذلاله
وتقوية الروح بالإيمان والمعرفة» ونادى بالعزوبيّة ونهى عن أكل لحوم الحيوانات وأنكر خلاص
الإنسان بالفداء الرياني؛ ووضع (كتاب المتناقضات) الذي يتناول الصراع بين الخير والشر في هذه
إحدى جزر البحر الأسود حتى وفاته سئة (9()155). لقد مهَّد مرقيون لبدعتين هما بدعة
برديصان وبدعة ماني. وكان لهما تأثير كبير في الفكر الإسلامي.
الفيلسوف الرّهاوي برديصان (154 - 222م)
(163) ثم ارتحل مع ابنه ليدرس الفكر الوثني والفلسفة اليونانية في مديئة منيج (هيرابوليس على
ي قدّوس (62040) فتعلم اللغتين ١ والعربية وتعلم تعاليم الديانة
الفيثاغورية كما تعلم نظم الشعر اللازم للطقوس الوثئية؛ وتعلم الفلسفة؛ ورصد النجوم ومارس
الرماية. وفي عام 179 عاد إلى الرّها واعتثق السيحية في بلاط الأيجر معنو التاسع (179 - 214م)
الحاكم العربي للها
كان برديصان يؤمن بإله واحد خلق العالم والإنسان المعادل للملاثكة في الحرية. ويتكوّن
الإنسان في رأيه من عقل ونفس وجسدء والجسد يتأثر بتدبير الكواكب في الحياة وبعد اللوت»
مزج برديصان بين تعاليم السيحية والحرانية؛ ولكن رجال الكنيسة رفضوا تلك التعاليم
واعتبروها هرطقة أو (زندقة) في المفهوم العربي+ لأنه ربط الخلاص الإنساني بالمعرفة الإلهية وليس
بنعمة الخلاص أي الفداء الذي قدّمه السيد المسيح من أجل خلامنا(10).
كثير من كتبه المرقونية والديصانية بل إنه أفرد لمرقيون باباً في كتابه المعنون بالكنز (أي كنز
- وان أحد الفاعلين خيّر محمود مرغوب.
والآخر شرير مذموم مرهوب منه(12).
وهذه عقيدة ماني والمانوية وقد عرفها علماء الكلام المسلمين ودارت أبحاثهم حول معظم ما
ذكرته كتب فلاسفة الإغريق والسوريين وسأتعرض لها في فصل خاص. ويبدو لي أن البيروني كان
زعم ابن ديصان أن نور الله قد حل في قلبه.
ولكن الخلاف لم يبلغ مبلغاً يخرجه وأصحابه من جملة النصارى(13):
يد الكاهن الآرامي
مفهوم الزندقة يا الإسلام
هل عرف العرب الزندقة قبل الإسلام؟
اختلفت الإجابة على هذا السؤال؛ قال أحمد بن يحيى بن المرتضى (325 ه/ 936م) : «ليس
في كلام العرد فإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامة قالوا ملحد دهري:(14). ولكن
ابن قتيبة يشير إلى معرفة أهل الحجاز عن طريق التجارة التي كانت بينهم وبين أهلٍ
فارس. قال: «كانت الزندقة في قريش أخذوها من الحيرة»(15). وقد أورد أبو حامد الغزالي حديثاً
لرسول الله يذكر فيه || قال: «ستفترق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة كلهم إلى الجنة إلا
الزنادقة:(16). وعنى بالزنادقة كفار قريش الدهريين الذين جحدوا الصانع المدبر للعالم؛ وزعموا
كان كفار فريش يقولون للرسول: ما يهلكن إلا الدحر. وبهذا العنى أخذ ابن منطور حين قاله:
قة كلمة تطلق على القاا
الفرج الأصفهاني كلمة (الثنوية) بالمانوية؛ قال وينسب الكتّاب الزندقة إل المانوية تحديداً(19).
ولكن أبا العلاء المعري كان أكثر تحديداً للزنادقة؛ قال في رسالة الغفران: «والزنادقة هم الذين
يسمون الدهرية ولا يقولون بنبوة ولا كتاب»(00).
وقد أشار أحمد أمين إلى عدم تحديد معنى الزندقة بدقة ولها معان متعددة. فهي
2 وعند الخاصة : يعنون بها الفرس الذين انتسبوا إلى الإسلام ثم أخذوا في بث تعاليمهم
ومن الذين حددوا الزندقة ونسبوها إلى هرقليطس وجماعته دون غيرهم محمد بن موسى
الشيء الواحد مرتين لتغير الأشياء دائماً وإن العالم باق أبدا فكما لا بداية لوجوده فلا نهاية له22(6).
من أين جاءت كلمة الزندقة؛ ماذا تعني؟
لا يوجد جذر لغوي العربية وقد اختلف فيه الباحثون. ماذا يعني بالضبط مصطلح
من قالوا (إئها كلمة فارسية):
قال الحسين بن علي السعودي (المتوفى 346 ه/ 957 إن الزنديق من أتباع مزدك» وهو الذي
يأتي بتفسير جديد لكتاب زرادشت المعروف (بالبستا) أو (الأبستاق) باللغة الفارسية الأولى+
ومن وافقه من القدماء والمحدثين:
أبو عبد الله محمد بن يوسف الخوارزسي في (كتابه مفاتيح العلوم» فال: «إن كلمة زنديق
تنسب إلى زند وهو اسم كتاب مزدك في تأويل الأفستا لزرادشت؛».
من يعمل بما يطابق الزند لمزدك. وإلى هذا المعنى ذهب المستشرق إلا: ِ
قال عن كلمة زنديق؛ إن معناها بالفارسية الشخص الذي يتبع الزند 2008 الذي هو نفسه الكتاب
المقدس عند الفرس (الآفستا) ثم أطلق على المانوية لأنهم يتبعون زند وغيره من الكتب(04.
ومن قالوا (إئه مصطلح آرامي أوسامي):
معظم هؤلاء من الباحثين الحديثين. قال الأستاذ هادي العلوي: إن كلمة زنديق تطوير عربي
وقال غيره: إنها تعود إلى أصل آرامي (صِدّيقي) 544:9 ثم حولها الفرس إلى زنديق 280016
وأطلقوها على الشخص التبع لتعاليم ماني. وإني لأفترض بدوري؛ أن الكلمة من أصل سرياني أو
آرامي» فقد كان المانوية يطلقون على الشاب الصديق أو الوسيم البريء اسم (28088 عنها)»
وكان على الأغلب يرافق الرجل الصدّيق ويخدمه؛ وصار الفرس تسهولة اللفظ يدعونه رسكي
وعنهم عربها العرب باسم (زنديق)(26, قال الثعالبي: أما قولهم أظرف من زنديق فقد صار بشلا
في زمن كثر فيه ظرفاؤه وهو زمان امهدي» وما منهم في الظاهر إلا نظيف البزة جميل الشكل ظاهر
المروءة(27). وقال الصولي في وصف أبي انواس له «تيةٌ مغن وظرفٌ زنديق»(28)
لِمّ ارتبطت كلمة زنديق بالمانوية دون غيرهم؟
المانوية خاصة. لأنهم في نظر أهل فارس كانوا يظهرون الزرادشتية وببطنون غيرها. وشبهوهم
بالنساء يظهرن الود من لا يرغبن فيه؛ ولذلك فإن كلمة (زنديق) تعني (دين المرأةم. وظهرت هذه
الكلمة الفارسية المعربة بين حمراء الموالي في الحيرة (الكوفة) وكانوا خليطاً من العرب والفرس؛ وقد
قتل الجعد بن درهم في الكوفة عام (108 هم قبل وفاة الحسن البصري عام (110 هم وأطلقوا على
الصلة بين الدعوة العباسية عند ظهورها وبين الزنادقة» لأن العباسيين في البدء جمعوا الزنادقة
حولهم ثم نبذوهم فيما بعد عندما صاروا بحاجة إلى أن يظهروا بمظهر المتسكين بمذهب الجماعة
وأهل السنة(30).
وفي زمن المهدي قامت حملة عامة على الزنادقة؛ وقتل من المسلمين الخلق الكثير على
الشبهة. وكان الفقهاء يتهمون الزنديق بانه من أتباع ماني حتى قال ابن النديم: «يطلق لفظ
الزنادقة على أصحاب ماني ومعتنقي مذهبه دون غيرهم.
وكان المهدي قد أوصى ابنه الهادي: «يا بني»؛ إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة؛
يعني (أصحاب ماني) فإنها تدعو الناس إلى ظاهر حسن»؛ كاجتناب الفواحش» والزهد في الدنيا؛
والعمل للآخرة ثم تخرجها إلى عبادة الاثنين» فارفع فيها الخشب وجرزد السيف فيها. وتقرب
ظهرت أقوال كثيرة عن الزندقة والزنادقة في كتب مؤرخينا القدماء؛ ولكن معظمها لم يستطع
الإحاطة بموضوع ١ اذ إلى أعماقها. قال الدكتور عبد الرحمن بدوي الباحث والمفكر
المصري المتميز: إن تاريخ الزندقة في الإسلام موضوع غامض كل الغموض» ومضطرب كأشد ما
لم هذا الغموض وذلك الاضطراب في تاريخ الزندقة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تتضمن عدة نقاط منها:
1 - إن الزتدقة كظاهرة ثقافية؛ لم تحدد في تاريخنا العربي كله» إذ لا وجود لها. وان ما
أطلق عليه (زندقة) كانت بداية محاولات لتكوين ثقافة إسلامية جديدة في مجال (علم الكلام
والفلسفة الإسلامية) وتلك المحاولة أثارد اه السلطات التي خشيت تكوين وعي سياسي مضاد
للدولة؛ فحاولت قهرها وكبتها إما بالسيف أو بالقلم كما فعل الخليفة المهدي عندما أمر بإحداث
(ديوان الزندقة) وقتل الزنادقة على التهمة وأمر في الوقت نفسه بالكتابة في الرد عليهم.
2 - إن الكتابة عن '١ قة بدأت بروح متحزية غير منصفة تحمل أحكام مسبقة تجزم
الزنادقة؛ وتنسب إليهم أقولاً وأفعلاً
3 - إن من أطلق عليهم اسم الزنادقة كانوا من علماء الكلام المسلمين بعضهم من العتزلة كتبوا
كتباً أعلوا فيها من شأن العقل؛ قال جعفر بن حرب الثقفي (المتوني 234 ه) «إن العقل يوجب
معرفة الله تعالى بجميع أحكامةه وصفاته قبل ورود الشرع»(33). وعندما دمرت كتبهم أيام الخليفة
وهذه الأقوال دخلتها الزيادة والنقص للتشويه عن قصد.
لهذه الأسباب وغيرها لم يستطع أي باحث رصد ظاهرة الزندقة وكشف الغطاء عنها لأنها م
كتب المستشرق الفرنسي سبستيان رنزفال اليسوعي: «كثيراً ما قرأت عن الزنادقة؛ وعن وصف
زندقتيم من تأليف الشرق ولا أذكرٍ أني عثرت مرة على هذا الاسم دوا راجع كتاباً أو
قصارى القول: إن هذا الكتاب هو مساهمة في الكشف عن بداية تكوين الفلسفة وعلم الكلام في
الإسلام» هذه البداية أطلق عليها علمازنا اسم (الزندقة) وقسمت الكتاب على مدخل وثلاثة
الباب الأول: تحدثت فيه عن الزندقة من حيث التاريخ والعقيدة. وجعلته في فصلين:
الفصل الأول: عن ماني والمانوية. لأن الزندقة ارتبطت بالمذهب المانوي عند المسلمين. تكلمت
الفصل الثاني : تكلمت فيه عن الزندقة في الإسلام؛ وظهور المانوية في مجتمع الديئة أيام
الرسول (ص» والخلفاء الراشدين» ثم تكلمت عن بداية علم الكلام في العصر الأموي ثم ظهورما
يعرف بالزندقة في العصر العباسي الأول.
الباب الثاني: تكلمت فيه عن شخصية ثقافية جديرة بالإعجاب ألا وهي شخصية إبراهيم بن
سيّار النظام. أول فيلسوف عرفته العرب؛ وقد تكلم في مواضيع فلسفية محضة كالجزء الذي لا
يتجزاً؛ والطفرة والكمون والتداخل وغيرها.
وفي علم الكلام طرح النظَام مسائل جريئة؛ تعرض فيها لمواضيع تتعلق بالقرآن الكريم ومسألة
الإعجاز والنظم» كما أنه أراد أن يوجه علم الحديث من حيث الصدق والكذب في مطابقته للعقل
لا للسند لأن الإسناد مسألة يمكن للوضاعين أن ينفذوا منها ود ويحققوا مآرب السلطات ومآربهم.
الباب الثالث: تكلمت فيه عن جيل خائب؛ أعلى من شأن العقل فاتهم بالزندا
كيف اختلف الناس فيه وتاهوا بين ذام ومادح.
واعتبروه مثالاً لصدق الرواية ونقلوا عنه. ومع ذلك فهو أشهر زنادقة الإسلام.
اماً أتقدم بهذا الجهد المتواضع إلى ذكرى المرحوم هادي العلوي الإنسان الذي أعلى شأن
لنا طريق التقدم والأمل والحق.
محمد عبد الحميد الحمد
الرقة 12/ 7/ 1998