الإهداء
حملوا إليناء دون معرفة منهم نسيم الحريّة.
إلى جميع الذين آزرونا بتحطيم طوق العزلة الذي أحطنا به بعد
وأرجو المعذرة من الأصدقاء الذين لم أذكرهم في هذه
التحديات الأولى
كانت الأنسام نقيَةٌ عليلة. والبراري تنبسط على مدّ النظرء وحقول
القمّح ومزارع الذرة تكسو الطبيعة بألوان داكنة ذهبيّة تتلو الشقرة
والسمرة فيها اخضرار المروج. والأبقار والأغنام ترعى بسكينة
وترسم على الأراضي المعشو شبة ظلال تموؤجات طويلة متقلبة. ونحن
على الخيل أو ظهور الحمير نشرد بين سوامق باتات في السهل
لنصل إلى أفياء الأشجار العالية في الغابة القريبة.
سوداء أكبرها مضرب عبد القادر بن عبد القادر جَدَي والد أبي.
القرية النائية في منطقة زكُور؛ تلك البقعة المغربية الممتدة بين الرباط
ومكناس, ضمن قبيلة آيت علي أو لحسن البربرية, ويقال إن أسلافنا
القدماء وفدوا من أوروبا الوسطى. وعلى الأرجح من رومانياء زمن
الإمبراطورية الرومانية؛ واختلطوا بعد ذلك بأعراق عربية من أصل
يمني وببعض عشائر بربرية.
كانت عائلة أبي وعائلة أمي تعيشان متجاورتين ولايفصل بين
أراضيهما الخاصة إلا نبع ماء يقع ضمن بستان رائع وسط هضبتين»
من الناحية الأبوية سليلة أنا ذرية من المغامرين البُداة المأجورين
للسلطان؛ المقاتلين منذ أزمنة سحيقة في القدم لإخضاع البربرا*)
الميراث من التبجيل والوفاء؛ ومنذ أيام الطفولة كنت أرى باستمرار
صورة محمد الخامس وولديه مولاي الحسن ومولاي عبد الله معلقة
الحماية الفرنسية أن تُعَرِضُ في صدر المنزل مثل هذه الصور؛ إذ أنها
تعني اختيار رب البيت لمعسكره, معسكر الاستقلال.
الثروة بالزواج من الوارثات الموسرات. وقد أجرى ثلاث زيجات رابحة
وج جدتي الغنيّة بما تملك من أراض وقطعان مواشي وخيولٍ
ة**, الأرملة الشابة الواسعة الثراء المسيطرة على
اللون. ذات شعر أسود فاحم
قبله عروض زعماء العشاثر وجميع وجهاء زُور, قفتمة لم تعد ترغب
أبداً أن تسلّم زمام أمرها لسلطة أي رجل وهي تدير بنفسها أملاكهاء
ل فيما بينها على صهوة حصان. وتحيا َ
اعتادت النساء فيه على الرضوخ والإذعان.
بعد عدة سنوات وقع اختيار محمد بن عبد القادر - هذا الذي
من عمرها؛ وكان محمد وهو في الحادية والعشرين من عمره يرفع
- ستكون هذه زوجتي
() البربر مجموعة عرقية في الشمال الأفريقي تسكن المناطق الجبلية (الريف. القبائل
الأوراس, الأطلس) دخلوا الإسلام على يد عقبة بن نافع, لكنهم حافظوا على تقاليدهم
أسم علم يعني ذات الوجه المشيع حمر - المترجم
غير أن عبد القادر والده الحاقد أراد منع هذا الاقتران:
المسفوع بالشمس وثيابه البيض دوماً: بابوج أبيض» وجلباب أبيض.
وعمامة كبيرة من قماش قطني ناعم على عادة زعماء البربرء
أرضها بسجاد سميك, يشرب
نا أخبار معاركه السابقة إلى جانب السلطان الحسن
أيدي النساء لانتزاع خواتمهن وأساورهن الذهبية.
ولتأمين هذا الشراب الضروري في متذ إلى قربه باستمرار
السماورا" النحاسي المغذّى بجمرات فحم متوقدة للمحافظة على
الماء الساخن في درجة حرارة مناسبة لتحضير" الشاي الأخضر
بالنعناع صيفاً والشاي الأسود شتام, فهو المشروب المرافق لجميع
الأوقات؛, المكتسب لأهمية كبيرة حتى أن النساء لايحق لهن لمس أو
غُسْل الأدوات الملازمة للرجال لتحضيره. فلكل رجل مستحضراته
الخاصة. ويسود اعتقاد شعبي بأنّ المرأة الحائض تفسد تُكهة هذا
السائل الشهي؛ والاختيار المتيقّظ للخلاصات ومقاركة روائحها وتقدير
جودة الصنف وَقفٌ على الرجال, وهى مناسبة لها تقاليدها الحقيقية:
ويلمسهاء ويفحصها؛ ويقارن
الأصناف متامّلاً مدققاً قبل أن يحدّد الصنف الذي سيختاره. وقد أدرك
يدا أهمية الشاي والسكر في المجتمع المغربي. مما
(ه) الحسن الأؤل: هو الحسن بن محمد من الأسرة العلوية. تولى سلطنة المغرب من 1873
(*ه) السماور 5000:52: كلمة من أصل روسي تطلق على مرجل نحاسي صغير مزخرف
رافق جدي؛ وهو حَدَث؛ والده المكلّف بوسم بهائم السلطان؛ وقد
اعتاد أن يردّد بعد عودته من مهمته دون انقطاع: «سن..
بأزيز يحاكي نشيش وَاسِمّة الحديد المحميّة حتى الاحمزار و وهي تدمغ
جلد الحيوانة نا دفع جميع الأولاد في الدؤّار إلى التهكم عليه
باسم محمد شنا بدلأً من محمد بن عبد القادر؛ وهذا ما أثار غضب
جدّي الذي لم ير في كنية شنا إلا الهزء والسخرية. لكن آن الأوان
لتثبيت الأسماء العائلية ولايمكن الاستمرار إلى مالانهاية في تسمية
فلان بن فلان.
بالمقابل حَضّرية تمتلك منزلاً. وهي ميزة في مستوى أكثر
البيضاء ضمن بقعة تسمى الشَّوَايا؛ وهو زعيم قبيلتناء وزعامته
إقطاعية عادة من الأب إلى الابن” وفدت زوجته من مشارف
الزوجان إلا ابنة وحيدة هي ذ
زوجت قدمة رجلاً [أصهب ضعيف الشخصية قعوّضت بقوة
شخصيتها عن ضعفه! رُزِقَتْ بثلاث بنات قبل أن تحلٌّ الوفاة بوالدهاء
ويُدوى أن أحد عبيد الوالد. وهو سنغالي طويل القامة متين البنيانء
امتطى يوم الوفاة حصان المرجوم وانطلق يتجول في الريفء ومع
حلول المساء سقط هذا القِنّ الأسود القوي البنية مصاباً بالشلل, فساد
الاعتقاد بأنّه عوقب على جرأته ركوب حصان سيّده.
هذا العُرفٌ سارياً رغم أن الإسلام قضى بت
والأعراف وتشريعها قانونياً وإنشاء محاكم خاصة بها سعياً لاستمالة
القبائل البربرية المنشقة والتصالح معها. وهكذا حُشي أن تسقط ثروة
جدّ أمي بين أيدي بعض أنسبائه الذكور؛ وانتظر هؤلاء الأنسباء انتهاء
آيام الحداد ليطردوا لد وابنتها ويضعوا أيديهم على كامل أملاك
المرحوم ولن تصل بهم الأريحية عندها لأكثر من منح غرفة صغيرة
في المنزل لتأوي إليها الأرملة حتى وفاتهاء إنَّما لاشيء يلزمهم بهذه
أمي عَرّيبات كانت قد صحبت معها من الجنوب عدداً من
أمكن لجدّة أمي ولجدتي الاحتفاظ بملكياتهما والاستمرار في نمط
نحن الأولادء ا أن تتظاهر بالابتسام وهي عن أسناتها
فيدبُ الرعب في أنفسنا جرّاء هذا التباين العنيف بين السواد والبياض
أدركت الياسمين أن شمل العائلة استمر ملتثماً بفضلها. وأحسّت
مع تقثمها في العمر بمقامها وأرادت أن تكون لها الكمة المطاعة بعد
جدّة أمي حصراً؛ ولتأمين وريث ذكر للعائلة بأسرع ما يمكن زوج هذا
الفتى وهو في الرابعة عشرة من عمره يفتاة صغيرة لم تتجاوز
الطفولية والنوم بكل دعة وتعقل.
الزوجين بعد ولادة طفلة لهماء وكان زواجه الثالث من ابنة أحد زعماء
أمّنت له ذريّة وافرة: خمس صبيان وخمسة بنات!
منطقة الرباط التي
مارس حميدة حياة الرجل الموسر ذي الإيراد الكبير بفضل
العديدات. وحشيشة كيفه, وكاس خمره. لم يمارس أي عمل قالقا
توفي الخال حميدة كهلاً لم يتعد الستين من عمره؛ وذلك في
العام 1991 , عشية خروجنا من السجن» وأسفت كثيراً لعدم استطاعتي
في ربيع عمرها الثالث عشر تزوّجت الفتاة التي غدت أمّي, يمنى
قدمة والدي محمد بن عبد القادر وهو في الرابعة والعشرين
من عمره. وبعد سنة من قرانهماء وبتاريخ 4 شباط 1996 ؤلدتٌ في
مكناس حيث كان أبي الضابط في موقعها العسكري. وتمّت الولادة
بمساعدة قابلة فرنسية مما يُعَدٌ شبه ثورة على التقاليد! بعد فترة
قصيرة, سافرنا إلى سورية بناء على أمر موجّه إلى أبي من قيادة
الجيش الفرنسي؛ وكانت أمي حاملاء وولد أخي فؤاد في دمشق.
البعيدة أرى نفسي طفلة صغيرة في الثالثة من العمر أجري وحيدة على
درب تغمره أشعة الشمس. دون هدف. غير الشعور باستقلالي
الأضحىء » أوّل أيام العيد الكبير إحياء ذكرى تضحية إبراهيم بالنسبة
للعالم الإسلامي.
يوقظناء أنا وأ
إيقافي؛ وتوجهت بالطبع نحو المكان الوحيد الذي أعرفه قي الجوار:
وش ثكنة أبن
لقيت الضباط مجتمعين على مائدة الإفطارء فهرعوا إلى استقبالي
انتهى هربي بشكل يرثى له: فعلى طريق العودة الممتد لأكثر من
كيلومتر ساقني أبي وهو يسوط فخذيٌ بقضيب غصن سوحر ترك على
بَشرتي حزوزاً حمراء طويلة غالياً ثمن فراري. فلسعات
غصن اليسوحر آ بشدّة. وكان مظهري يدعو إلى الشفقة عند
وصولي إلى المنزل لأن أمي أخذت تنتحب مذعورة لرؤيتي في هذه
الحالة المؤلمة... إنّها إحدى الذكريات النادرة التي أحفظها عن أمي.
بقي هذا العقاب الصارم. الشديد القسوة محفوراً في أعماق
ذاكرتي. وانقضت مدة طويلة قبل أن أصفع عن أبي؛ غير أنني في
الطبيعية. وينتابهم الذعر عندما لا أكون باستمرار حاضرة
استعر أوار الحرب في أوروبا العام 1940 ٠ وشعر الفرنسيون
بترحيل عائلاتهم؛ وأصعدنا إلى سفينة لإعادتنا إلى المغرب.
كانت آمي في الثامنة عشرة من عمرهاء وهي حامل يولدها
منطقة زِمُور بين أهل عشيرتها. لكن متاعب السفر. والعلّة الرثوية التي
أصيبت بها وهي على ظهر السفيئة أضعفاها بشكل مريع: فتوفيت
وهي تلد طفلاً لم تكتب له الحياة.
يسود الاعتقاد نحن معشر البربرء أن المرأة التي تقضي
ى أثناء الولادة تَُدٌ زوجة للسماء. فتزيّن مثل العروس. وتُكسى
٠ وتبهرج بالحلي والجواهر, بعد أن تغسل في احتفال
الوفاة مع مشاهد شاقة مرّعة, فقد فقدت جدتي فدمة
صوابها كليّة, إذ سبق لها أن تُكبت بوا أصيبتا بالتدرن
بالمهاء وقطّعت شعرها الغزير بسكين. ولطمت