راس عَن ايراج التو الاج الصوفي
نظر هارون الرشيد » الخليفة العربي العباسي + إلى غيمة تَعبر فضاء
إل .. خطابٌ مطمئن إلى امتدادٍ ظلال سيادة المسلمين العرب على أرض
الدنيا ؛ ولكنه - للأسف' كان الخطاب الأخير . فقد حمل الغد حرباً أهلية بين
ولديه الآمين والمأمون » وتحركت عصبيات وأعراق » لتنافسٌ العِزق العربي على
الكيان والقرار الإسلامي . وشهدنا فاتحة تمي وحدة الآمة الإسلامية وبدايةً أفولر
نجم سيادةٍ العرقٍ العربي .
وتوالت الأحداث . . أعراقٌ وعصبياتٌ تنافس في الداخل ؛ من فرس
وأتراك » ومطامحُ على الأطراف تبتاح بالحروب صليبية من الغرب ومغوا
وحروب صغيرةٍ وكبيرة ؛ متوالية ومقتطعة » نالت من الكيان العسكري والسياسي
للدولة العرب ولكن » شاء الله » أن لا يصل التصدّع الى الوجود والوجدان
الديني للإنسان المسلم . فظلت العلور الاسلاميةٌ تتموء والشخصيات ١
تلمع ؛ لا يخلخلها قلق المصير ؛ كما ظلٌّ وجدان الإنسان المسلم متفتحاً متفائل3 »
لا يثقله - كما اليوم - عبءٌ تاريخ من الإنهيار والتدهور . وعلى الرغم من عَزْقي
السلطات » فقد كانت الشعوب الاسلامية ؛ تنعم بوحدة حقيقية وتواصل
أسفارُ العلماء بين شرقٍ وغرب » ونزوطم في أي بلد إسلامي دون غربة حضارية
اختلاف أنواع حكوماتها .
وجاء زمن محبي الدين بن العربي (010 ه 178 ه )على هدأةٍ من حى
الأحداث » في ظل انفراج عهد الأيوبيين والسلاجقة . . ابن عربي كاتب صوفي
رُّؤيوي » إنتمى ببدنه الى دنيا الأحداث والوقائع ؛ فتعلّم وخدمٌ العلماء » وساح
ق والغرب » وخاطبٌ الناس على قذر العقول ؛ وانتمى بروحه الى عالمر
الولاية .
وجاءت كتب ابن عربي جيعاً ناطقة بهذه السيادة كلق
للكاتب المسلم » من عقلية وشرعية » قرآنية وحديثية » استدلالية وذوقية ؛ سيادةً
النبي يل على قمة البناء الروحي للعالم » وآأنه فردٌ وأعظم حرمة في الاسلام +
من هنا سر اهتمامي الشخصي بإبن عربي » ذلك انني أنتسب إلى جمع
اسلامي » أسسه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر المصلح الإسلامي الكبير
والإمام الصوفي المجدد السيد محمد الدندراوي » الذي يلتقي مع الصوفية عامة
وابن عربي خاصة في نظرتهم إلى الشخصية المحمدية وكمالها » إلا أنه يفترق عنهم
في قراءته لهذا الكمال ؛ فالكمال المحمدي عند الإمام الدندراوي لا يظل حبيس
نظرةٍ روحيةٍ صوفية » بل هو كمال إسلامي شامل » ترجمته أعمال النبي كن في
بناء الفرد والمجتمع والأمة » كمال علينا أن نقرأه اليوم على مستوى الوجود الديني
والإجتماعي والأممي للإنسان المسلم .
تلك فإذا بأبي رحمة الله عند رأسي يبكي وهو يقرأ سورة ديس . . وهكذا منذ
بداية حياته الروحية » يتجل ابن عري مُراداً لات , كاتا ني رزد
ويقول ابن عربي عن والده في الفتوحات ج ١ص 784 : «وكان قبل أن
يموت [ أي والد ابن عربي ] بخمسة عشر يوماً أخبرني بموته ؛ وانه يموت يوم
قاعداً غير مستند » وقال لي : يا ولدي ! اليوم يكون الرحيل واللقاء . فقلت له :
ذريةٌ بعضها من بعض . هكذا تعيش مُرادةٌ قرب » وهكذا تموت راضيةً
بالرحيل » مطمكنةٌ للسلامة » مشتاقةً للقاء .
كان والد محبي الدين » واسمه علي بن محمد » عرب النسب من سلالة
حاتم الطاثي + آندلي المولد والنشأة ؛ وكان من أئمة الحديث والفقه والزهد
والعبادة ؛ وصديقاً لابن رشد الفيلسوف القرطبي +
ولم يكن هذا الأب شرا بالمنازلات الصوفية وأحوال لين ومقاماتهم +
فلم بهتم بحياة الباطن الصوفية » بل أفرد أعماقه للزهد والتجّدء فظل في دائرة
العبّاد والزهاد ؛ وحيث انه كان عالاً بالحديث والفقه » فهو إذن عالم عابد زاهاد
وتكويثه العلمي » وكفل له تربيةً دينية كاملة ؛ فحظي ابن عربي بنشأة علمية
انتقل ابن عربي مع أبيه من مسقط رأسه مرسية الى اشبيلية » وله من العمر
ثماني سنوات ؛ وفيها نشأ وتعلم ؛ قرأ القرآن الكري يم بالسبع في كتاب الكاني على
يد أبي بكر بن خلف » كبير فقهاء اشبيلية » وبرّز في القراءات » وحين آقّها
أسلمه والده إلى جلَّةٍ من رجال الحديث والفقه » فسمع في وقت مبكر من ابن
زرقون والحافظ ابن الجد » وأبي الوليد الحضرمي والشيخ أبي الحسن بن نصرا'"
١١ را : « محبي الدين بن عرب » » لله عبد الباقي سرور » ص )١(
كل هذه العلوم الاسلامية حضّلها ابن عربي ؛ وهولم يتجاوز العشرين من
العمر » وهو الزمن الذي نلمس فيه توجهه الى الخلوة والتصوّف وأحوال
القوم . وكانت بدايته خلوةً واحدة » خرج منها يتحدث بكل هذه العلوم -
بحسبب أقوالر والأرجح أن ذلك كان عام عه هب 184١م ريات تصوف
ابن عربي ثور عل علومه السابقة » بل جاء مرحلة متقدمة تتح مسلكة الفقهي
وحياته العقلية ؛ وهنا يختلف عن الغزالي الذي كان التصوف منقذّه من الضلال .
ويمكن تقسيم حياة اين عربي الى مراحل أربعة : التكوين العلمي والعملي
في الأندلس السياحة في المغرب الاسلامي - السياحة في المشرق الاسلامي
ا التكوين العلمي والعملي في الأندلس : سلك ابن عربي » في التحصيل
الصوفي » نفس المنيج الذي شّبعه علماء الحديث والفقهاء : قنراه لا يأخذ علا إلا
ونساء حفظت لنا كتبه كالفتوحات ورسالة القدس أسماءهم
تعلم ابن عربي معنى العبودية على يد شيخه ابو العباس العريني") ؛ وتعلم
من موسى بن عمران الميرتلي كيف يتلقى الإلشامات الإلهية» ؛ وتعلم على أي
محاسبة النفس على الأفعال والأقوال عن رجلين من « أقطاب الرجال النياتيين »
هما : أبوعبد الله بن مجاهد وأبو عبد الله بن قيسوم!* . وتعلم الصبر عل
اضطهاد العامة عن أي ريحى الصتباجي الضريرل" ؛ وعلمه أبو عبد الله أشرف
الخلوة في الظلام مع تج الخواطر؟ ؛وتعلم من صالح
البربري السياحة بالتجال ؛ وخدم أسنتين متواصلتين صوفية شين هي فاطمة
١# . كما يراجع « ابن عربي » لأسين بلاسيوس ترجة عبد الرحمن بدوي ص 7١
©) را. الفتوحات المكية حيث يذكر ابن عري موسى بن عمران + رج 7 ص 8 » ج ١ صن ٠١7 . كما يراجع
(©) الفتوحات ج ؟ ص 118 ؛ بلاسيوس ص 15
(ه) الفتوحات ج ١ ص 1728 . بلاسيوس ص 176+
بنت أب المننى وكان لها حال مع الله - بحسب تعبير ابن عربي - وكان الله عر وجل
قد أعطاها فاتحة الكتاب تخدمهاا» ؛وتمرس بالتوكّل عل يد عبد الله
وهكذا كانت حياة اين عربي في الأندلس » مرحلة تكوين علميّ وعمليّ ؛
علميّ بخدمة رجال هذا الطريق للإكتساب » لآن الخدمة أقرب طريق للمماثلة
؛ وعمليّ بالخلوة واعتزال الناس ومتازلة الأحوال المقرّبة لله .
« السياحة في المغرب الإسلامي : بدأ ابن عربي السياحة في بلاد افريقيا +
خارج حدود الأندلس + وله من العمر حوالي الثلاثين سنة » وعلى الرغم من أن
شهرته الصوفية كانت تسبقه » إلا أن نيّته من السفر انحصرت بلقاء رجال
عصره » رغبةٌ في استكمال جوانب التعليم . . فلا نهاية للعلم + لأن فوق كل في في
علم عليم .
وتميزت هذه المرحلة بكثرة السياحة . . فاس » بجاية » تونس ثم العودة الي
اشبيلية ومرسية بة والسفر ثانية وفكذا : وابن عربي في كل هذه التنقلات مشغول
الروح بالمبشرات والرؤى » مشغولُ اليدٍ بالتدوين وكتابة الكتب1" .
#ا السياحة في المشرق الاسلامي 5417 ها 170 ه : في عام /41ه ها
وقد بلغ ابن عربي السابعة والثلاثين من العمر بدات مرحلة هامة في حياته ؛ إذ أنه
سيرتحل نهائياً باتجاه المشرق الإسلامي إثر رؤية رأهالا'؟ .
وبعد مروره بتونس والقاهرة والإسكندرية » نجد له إقامات متقطعة في
بغداد وقونية » وإقامات شبه متواصلة في مكة المكرمة حيث عكف عل تأليف
موسوعته الصوفية « الفتوحات المكية » .
وتمتاز هذه المرحلة من حياته بالخصوبة من كل نواحيها » لقاءات مع *
شخصيات صوفية بارزة فقد التقى شهاب الدين السهروردي في بغداد عام
١8 ه.. حفا تكريم من ملوك وسلاطين زمانه فهاهو كيكاوس الأول يخرج
(8) الفتوحاتاج ١ ص 404 ؛ بلاسيوس ص 17
() الفتوحات ج 4 ص 45 ١ رسالة القدس ١8 ؛ بلاميوس * .
)1١( را. كتاب عثمان يحى القيّم عن مؤلفات ابن عربي في جزءين باللغة الفرنسية .م 9666لا
07 الفتوحات ج ص لاه » بلاميوس )١١(
بنفسه لاستقباله . . وكلمته هي المسموعة عند الملك الظاهر صاحب مدينة حلب
ابن صلاح الدين الأيوربي + ِ
#ها استقراره في دمشق ( 170 ها 8ه ) : عندما بلغ ابن عري
الستين من العمر » كانت شهرته قد عنمت الال الأصلافي » وتنافس الملوك على
يجد أطيب من دمشق وأعدل مناخاً ؛ يقول : « ان قدرت ان سكن الشام
ونَعمَ ابن عربي في دمشق بأنواع من التكريم . . نزل في ضيافة القاضي
شمس الدين أحمد الخولي » قاضي قضاة المالكية ؛ وكان الملك الاشرف ابن الملك
العادل يحضر دروسه » كما تلقى عنه الإجازة لرواية جميع كتبه عام 177 ه .
وهكذا . . عاش ابن عربي حا وشّاها التكريم » ورحل عن الدنيا عام
أنواع الحفاوات .
2 در السام مر را
منذ أن خرج ابن عربي من خلوته الأولى عام 0980 ه وله من العصر
تفسيراً ؛ وها هو صديق والده الفيلسوف الشهبر ابن رشد » يطلب من الوالد
رؤية الولد » فيرسله اليه عمداً في حاجة ملفّقة. . ويروي عربي الحدث
من ذلك فقلت له : لا . فانقبض وتغيّر لونه وشكٌ فيا عنده وقال : كيف
نعم ولا » وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادّها » والأعناق من أجسادها » .
وعلق ابن رشد - بحسب زواية ابن عربي - على معاينته لحال العلم الكشفي الذي
وجده عند ابن عربي بقوله : « هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها آرياباً » فالحمد لله
وهذا يدلنا على المكانة التي ينازها ابن عربي ؛ فمنذ بدايته أعجز فيلسوف
قرطبة والجاه الى الإعتراف الموضوعي بحالته الخاصة » التي تمثل التكريس لولادة
تيار جديد في الفكر الصوفي وهو تيار علم المكاشفة هذا العلم الذي سينافس
الفكر النظري الفلسفي في الاسلام » لأنه يضع منهاجاً صوفياً ورؤية ما ورائية
متكاملة لله والإنسان والكون .
ا كانت البداية مع المبشرات + وهي منامات كانت تدل ابن عربي بالرمز
على المكانة التي تنتظره في عالم العرفان والتسطير » عالم اللوح والقلم » فيثبت
بجاية عام 4ه ه في رمضان + إذ رأى أنه عقد زواجه في امنا على نجوم السماء
بعيد بها . . فليا ذكر له الرؤيا استعظمها وقال : صاحب هذه الرؤيا يُفتح له من
العلوم العلوية وعلوم الأسرار وخواص الكواكب ما لا يكون فيه أحد من أهل
والإلهام في عبقرية حكيم مرسية . فإن هذا العارف بالرؤيا الذي فسرها بالفتح في
العلوم العلوية والأسرار » قد اقتصر على تفسير الجزء الأول منها وأسقط الإشارة
خصوصية هام ابن عربي » وتقول رمزاً بامتلاك ابن عربي وسائل التعبير اللغوية ؛
فهو ليس ملهم الفكرة فقط © + بل ملهم الكلمة والحرف أيضاً ؛ وهذا ما سيتّضح
«اعالم مُلّهم : تنعت أحوال رجال الصوفية قبل ابن عربي » فتنوعت
بالتالي كتاباتهم وعلومهم وأقوالهم » وكان عل الطالب للقصوف» المهتم ليخ
الغاية العلمية منه » أن يقرأ للجميع ويؤلف من شتاتهم صورة واحدة النسق .
فهذا الجنيد » شيخ الطائفة + يتلخص نشاطه الصوفي بالتوحيد ؛ فهو موحد
لاستماع الخطاب الإلهي ؛ فتسقط العوالم عنده في العدم » ولا يبقى إلا حاطب
وخاطّب وخطاب . . ولو أردنا أن نعدد جميع مَنْ تقدم ابن عربي في طريق
الرجال » لما اتسع لنا المقال ؛ وخلافاً للجميع نرى ابن عربي وقد خرج عن قيد
الحال الواحد » الذي يرفد جلة النشاط الصوفي في مسلك واحد » ويحصر بالتالي
النص الصوفي في الفردية والذاتية + إلى فضاءٍ العلوم +
نعم » لقد خرج ابن عربي عن ذاتية الأحوال الى موضوعية العلوم » ولكن
الفتوحات والمشاهدات والإلحامات والرؤى المنامية . باختصار ان علم ابن عري
هوعلم لامي لدي » وليس هذا بمستغرب عل إنسان تلقى « الخرقة » الصوفية
من الخضر عليه السلام ثلاث مرات”* ؛ وتلقّي الخرقة عمل رمزي يدل على
الأخذ والمتابعة في الحال والمسلك . وكما أن الخضر عليه السلام ؛ علّمه الله من
لدنه علياً » كذلك سيكون الشيخ الأكبر ممن اختارهم الله عزّ وجل للعلم اللدني »
وتصبح الرؤى المنامية عند ابن عربي أيواباً مفتوحة على عالم الأسرار
والمعارف اللدنية » وليس ذلك ببعيد عقا ولا شرعاا'؟ على رجال استقاموا في
-77 ؛ بلاسيوس 144 / ١ يروي ابن عربي أنه تلقى الخرقة من الخضر ثلاث مرات را : الفتوحات )١٠(
(1) يتشبث الامام الغزالي بالرؤيا كبرهان ودليل على أن هناك آلة للمعرفة غير الحس والعقل » ويردد ذلك في
كثير من كتبه . . . يقول في المتقذ د ووراء العقل طورآ: فيه عين أخرى » يبصر بها الغيب + العقل
معزول عنها + كعزل قوة الس عن مدركات التمييز . . . وقد قرب اله تعال ذلك إلى خلقه بأن أعطاهم
امموذجاً من خاصية النبوة وهو النوم » ( المنقذ من الضلال . ص 133 . نشر عبد الحليم محمود . داز