تصدير
لم يُظلم أحد قط في تاريخ الفلسفة العربيا الإسلامية كما ظلم الرازي؛ أبو
بكر محمد بن زكريا (نحو ٠ 10ه/ 8714م - 116ه/ 5 57م). فشهرته كطبيب
سجل الفلسفة تصاعدت شدة وضراوة بعد وفاته. فزملاؤة التالون من الفلاسفة
«بلغ الغاية في المعالجات الطبية» ولكنه عندما «تجاوز قَذْره في بط الجراح والنظر
في الأبوال والبرازات» وتصدى لشرح الإلهيات؛ «تكلم بالعوراء والخبائث»»
وافضح نفسه وأبدى جهله فيما حاوله ورامه». وكان ذلك أيضاً موقف ابن ميمون
القرطبي الذي خصه في كتابه دلالة الحائرين بفقرة جاء فيها: اللرازي كتاب مشهور
ابن طبون» مترجم كتاب دلالة الحائرين إلى العبرية» أن «كتاب العلم الإلهي الذي
ولم يكن حظ الرازي مع كبار مصئفي تواريخ الفلسفة في المأثور العربي
الإسلامي بأحسن حالاً. فقد تناقلوا جميعهم» بدءاً بالقفطي وانتهاة بابن أبي
أصييعة» الحكم الصارم الذي كان أصدره عليه صاعد الأندلسي في كتاب طبقات
الأقصى» فاضطرب لذلك رأيه؛ وتقلّد آراء سخيفة وانتحل مذاهب خبيثة».
ويبدو أن أحد أسباب الحملة الفلسفية عليه؛ كانت نزعته الأفلاطونية التي لم
تتمتع بقدر مشروع من المصداقية في سياق الهيمنة الأرسطية شبه المطلقة على
إليه فلسفة اليونانيين وهو خاتم حكماتهم وسيّد علمائهم» فقطع سياق نصه عن
الرازي أحنقه على أرسطوطاليس وحداه على نقضه إل ما أباه أرسطوطاليس ودان
ذلك من كتبه الدالة على استحسانه لمذهب الثنوية في الإشراك ولآراء البراهمة في
إبطال النبوة ولاعتقاد عوام الصابئة في التناسخ + ولو أن الرازي وفقه الله للرشد
وحبّب إليه نصرة الحق لوصف أرسطوطاليس بأنه محض آراء الفلاسفة وفحص
مذاهب الحكماء؛ فتفى خبثها وأسقط غثهاء وانتقى لبابها واصطفى خيارها؛
فاعتقد منها ما توجبه العقول السليمة وتراه البصاثر النافذة وتدين به النفوس
الطيبة؛ فأصيح إمام الحكماء وجامع فضائل العلماء؛ وليس على الله بمُستتكّر أن
يجمع العلماء في واحد».
وكما هو واضح من الشاهد الأخيرء فإن جرم الانحراف عن أرسطو قد
اقترن» في حالة الرازي؛ بجرم أشد نكراً بعد: إبطال النبوة. فالنبوة هي النواة
الصلبة للإبستميه المركزية للثقافة العربية الإسلامية برمتها. والرازي؛ بإنكاره
اتصدير
النبوة؛ قد وضع نفسه هذا أقل ما يمكن أن يُقال - خارج النسق المعرفي
يمتنع المطهر بن طاهر المقدسي في كتابه الموسوم ب البدء والتاريخ - الذي وضعه
في منتصف القرن الرابع للهجرة في معرض تعليقه على كتاب الرازي مخاريق
المورث البغضٌ للأنبياء. صلوات الله عليهم»؟
البلخي؛ (ت. 114ه) رئيس معتزلة بغداد في حيثه؛ وأبو نصر الفارابي
(ات. 774ه)؛ وابن الهيشم البصري (ت. 478ه)ء؛ وابن حزم الأندلسي
ات. 407ه)؛ وابن رضوان المصري (ت. 478ه). ولكن عدا أن ردود هؤلاء
حاتم ما كان له أن يرد على أبي بكر في كتاب كامل ما لم يورد آراءه ومقتطفات
ومع أن الصفحة الأولى من النسخ المخطوطة قد سقطت وغاب بالتالي اسم
الشخص الذي يتصدى مؤلف أعلام النبوة للردذّ عليه؛ فلا داعي للشك - لأسباب
لا يتسع المجال هنا للخوض فيها في أن من يسميه أبو حاتم في سائر فصول
ومع أن مصنف أعلام النبوة يعقد فقرة مطولة ليشرح الأسباب التي دعته إلى
تلقيب خصمه ب«الملحد»؛ فلنا أن نلاحظ» من خلال استقراء كلام الرازي نفسه؛
لم ينكر الألوهة» بل جعل من الله كما هو واضح من مطلع الفصل الثاني - أل
القدماء الخمسة. ولكنه في الوقت الذي يسلم فيه بوجوده وقدّمه؛ فإنه يقيم مسافة
الثامن عشر الميلادي» يؤمن بالله ويجحد الدين والشرائع . فإلهه هو؛ كما سيقال
لاحقاً في عصر التنوير الأوروبي» إله الفلاسفة؛ لا إله أصحاب الشرائع وتابعيهم
عنوان كتابه: مخاريق الأنبياء؛ ومن هنا انفراده المنقطع النظير في إطار الثقافة
عينها على حدٌ تعبير الشاعر الجاهلي - «إفراد البعير المعبّد»؛ فضلاً عن إبادة
كتاب خصيمه وسميّه الرازي المتكلم يتمتع بأهمية ١
المناظرات الذي ازدهر في القرن الرابع الهجري» القرن الذهبي للثقافة العربية
الإسلامية قبل أن تشرع بمسيرتها الانحدارية نحو الانغلاق الدوغمائي في القرون
التوالي + وليس يقلل من أهمية هذه المناظرة بين الرازيين كونها مروية بتمامها من
وجهة نظرة الرازي الثاني. فالمائل في قفص الاتهام يتمتع هنا بقوّة حضور غريبة
في نوعها بحكم الطابع الرجيم للتهم الموجهة إليه. ومع أن الغلبة اللفظية هنا هي
للراة على المردود عليه؛ إل أن الغلبة الفكرية أدنى إلى أن تكون معكوسة
الاتجاه. فالمناظرة بين الرازيين تقدم لثاء من داخل الثقافة العربية الإسلامية» مثالاً
عينياً على ما يمكن أن يكونه الصراع بين الميتوس واللوغوس: الأول من حيث
إنه أكثر ارتباطاً بقوة الألفاظ + والثاني من حيث إنه أكثر ارتباطاً بقوة الأفكار»
فعدا ما تضمنه من
تصدير
الأول إلأ بقوة الألفاظ وحدها. فهو يتقن فن السُجال ويعرف؛ في غالب من
الفصول الأخيرة من كتابه» أن يواجه «منطق العقل» كما يداوره خصمه ب «منطق
المعجزة». والحتى» أن مثل هذه المواجهة بين الم تكاد تكون ثابتاً دائماً من
ثوابت الصراع بين الميتوس واللوغوس في الإطار الخاص بالثقافة العربية
أعلام ١| فالأعلام تعني ها هنا الدلائل والآيا
وهناء لا بذ من كلمة عن المصثف . فالمصادر القديمة والحديثة؛ على حدّ
سواء» تُجمع على أن مؤلف أعلام النبوة هو أبو حاتم أحمد بن حمدان الورسناني
المتوفى سنة 777ه. كما تُجمع هذه المصادر على أن أبا حاتم هذا كان من كبار
الأولى من النسخ المخطوطة»؛ التي يُفترض بها أن تتضمّن اسم الكتاب واسم
مؤلفه واسم من يرد عليه» يقي باب الشك مفتوحاً. . فقد يكون مؤلّف أعلام النبوة
في عداد «المصثفين لكتب الإسماعيلية»» لا يستي من كتبه كتابٌ أعلام اك
كما أن عبد القادر البغدادي؛ إذ يتكلم في الفرق بين الفهرق عن داعية إسماعيلي
وهذه الشكوك لا تدع من باب مفتوح آخر للحسم سوى باب «القراءة الداخلية»
والحال» أن أقصى ما يمكن استنتاجه من قرا لنص أعلام النبوة؛ أن
مؤلفه ينتمي إلى فرقة من فرق الشيعة؛ من دون أن تتوفر أي قريئة من داخل النص
على أنه كان إسماعيلياً .
يبقى أن نقول إن هذا النص» الذي نعيد نشره هناء كان صدر في طبعة أولى
نادرة؛ ومسحوبة اليوم من التداول» عن «الجمعية الفلسفية الإيرانية الملكية». وقد
صدرت تلك الطبعة الأولى في طهران في: مجموعة آثار الفكر الإسماعيلي سنة
سمي
7 ه؛ بتحقيق الأستاذين صلاح الصاوي وغلام رضا أعواني» وذلك نقلاً عن
ثلاث نسخ حديثة الاستتساخ؛ اثتان منها موجودتان في المكتبة المركزية ب «جامعة
الجامع الكبير بصنعاء المحرّرة سنة 84١١1ه. هذاء ويتحدث كل من و. إيفانوف
وب. كراوس وف. سزكين عن وجود نسخ أخرى للكتاب في مكتبة البهرة
الفصل الأول
فيما جرى بيني وبين الملحد
ذكرناه فقال: ل“ َ
من أين أوجبتم أن الله اختصٌ قوماً بالنبوة دون قوم وفضّلهم على
الناس وجعلهم أدلة لهم وأحوج الناس إليهم» ومن أين أجزتم في حكمة
العداوات ويُكثر المحاربات ويُهلك بذلك الناس؟
قلت: فكيف يجوز عندك في حكمته أن يفعل؟!
الأولى بحكمة الحكيم ورحمة الرحيم أن يُلهم عباده أجمعين معرفة
ولا يكون بينهم تنازع ولا اختلاف فيهلكوا؛ وذلك أحوط لهم من أن
يجعل بعضهم أئمة لبعض؛ فتصدق كل فرقة إمامها وتكذّب غيره؛
ويضرب بعضهم وجوه بعض بالسّيف؛ ويعمٌ البلاء ويهلكون بالتّعادي
والمجاذبات؛ وقد هلك بذلك كثير من الناس كما نرى .
أعلام النبوة
فهل ترى الحكيم فعل بخلقه هذا الذي تزعم أنه أولى بحكمته
ليستغني الناس بعضهم عن بعض + وترتفع عنهم الحاجة؛ إذ كان ذلك
أولى بحكمته ورحمته؟
وعالماً ومتعلماً في جميع الملل والأديان والمقالات من أهل الشرائع
وأصحاب الفلسفة التي هي أصل مقالتك؛ ولا نرى النّاس يستغني
إليك» وأوجبت عليهم التعلّم منك والاقتداء بك.
لأدرك ما أدركثٌ.