المقدمة
الحمد لله رب العالمين» والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله
فالتنصير فى مفهومه العام ظاهرة بدأت مع ظهور رسالة عيسى - عليه
الصلاة والسلام - وقد حصل لهذا المفهوم تطورات بحسب ما حصل للنصرانية
الأولى من تخريف بدأ على يد شاؤول أو بولس فى القرن الأول الميلادى.
خليطاً من الوحى الإلهى الذى أنزله الله - تعالى -على نبيه ورسوله عيسى 7
عليه السلام - وأفكار البشر الذين سبقوا فى وجودهم ظهور النصرانية.
أكثر المجتمعات تعّضاً للتنصير نظراً للمقاومة التى يلقاها المنصرون من المسلمين
أفراداً قبل المؤسسات والجماعات. ذلك أن المسلم يتربى على الفطرة وعلى
التوحيد؛ ويصعب حينغذ أن يتقيّل أئ أفكار فيها تعارض مع الفطرة أو فيها خلل
فى الجوانب العقدية وفى مخاطبة العقل مادام يملك البديل الواضح. ومع هذا
تستمر حملات التنصير على المجتمعات الإسلامية أخذة وسائل عديدة
ومفهومات متجدّدة تختلف عن المفهوم الأساسى» وهى محاولة إدخال غير
والتنصير ظاهرة متجدّدة ومتطورة فى آن واحد. وتطورها يأتى فى تعديل
الأهداف وفى توسيع الوسائل تبعاً لتعديل الأهداف؛ واتخاذ الأساليب العصرية
الحديثة فى مخقيق الأهداف المعدلة حسب البيئات والانتماءات التى يتوجه إليها
وقد تب المسلمون إلى هذه الحملات منذ القدم» ووقف لها العلماء والولاة
والمفكرون وعامة الناس بحسب قدراتهم العلمية والسلطانية؛ فقامت ردود علمية
لمجتمع المسلم بخاصة وفى العالم بعامة. ومن أجل ذلك ظهرت مجموعات غير
قليلة من الرسائل والدراسات والمقالات والأبحاث تصدر فى الكتب والمجلات
والصحف والدوريات العلمية كما تصدر فى الشريط» هذاً الوعاء الذى أخذ طابع
القبول فى الآونة الأخيرة مع بروز ظاهرة العودة إلى الإسلام ١ الصحوة ٠6
وانتشرت المعلومات فى هذا الإنتاج العلمى والفكرى المتنوع من حيث الآوعية
مع تنامى الوعى والشعور بوجود تيارات تتحدى الإسلام والمسلمين» وتعمل على
منافسته فى أذهان الناس وممارساتهم.
وبسبب تناثر المعلومات حول التنصير وتشتتها واختلاف البيانات الإحصائية
ها مع الزمن»؛ ومن خلال التجربة الذاتية مع الحملات التنصيرية من حيث
التعّض المحدود لها والاطلاع على نشاطاتهاء وحيث إن هذه الحملات متجددة
وهى بحق تهدّد المجتمع المسلم وجدت أنه من المفيد الوقوف مع الفكرة التنصيرية
هذه الظاهرة باللغة العربية؛ ومحاولة الخروج بوقفة علمية موضوعية تختصر
المسافة على المستفيد بوضعها فى مرجع واحد.
فى قصر المسافة على المستفيد بالوصول السريع إلى المعلومات عن التنصير من
حيث كونه ظاهرة قائمة لها آثارها على المجتمع المسلم. ولعل هذه الوقفة تفتح
الآفاق لمزيد من التوسع لمن أراد التوسٌع والإسهام فى هذا المجال عمدت إلى
رصد ما كتب عن التنصير فى الأدبيات « الكتابات 4 العربية؛ وبخاصة ما كتب
فى الكتب والدوريات والمجلات الثقافية. وجعلت هذه الوقفة مقدمة
للحصر
الوراقى الببليوجرافى. فإن ظهرت الوقفة مستقلة عن الحصر فإنما قصد
بذلك؛ أيضاً؛ اختصار المسافة على المستفيد؛ فإن أراد الاستزادة رجع إلى الحصر
ليده على مبتغاه من خلال تقسيم مواد الحصر إلى مجموعة من رعوس
وقد تعمدت فى هذه الوقفة الابتعاد عن البيانات والإحصائيات لأننى
لا تغطي جميع الجهود. وأقرب مثال على هذه المقولة أن ميزانية فى العالم كانت
عام 411 اه-0 14م حوالى مائة وأربعة وستين مليار دولار أمريكى
1 ,14] سنوياً؛ وقد أفادنى بهذا الدكتور عبد الرحمن
السميط أحد العاملين فى الساحة الأفريقية؛ ونشر هذا الرقم فى مجلة الدعوة
وواحد وثمانين مليار دولار أمريكى [
,1141 . وقد أفاد بهذا
سبعة عشر مليار دولا 1 ١ ] وهو الزيادة فى غضون
سنتين فقط . ومثل هذا التفاوت فى الأرقام يطبق على أعداد المنصرين والمنصرات
والمتنصرين والمتنصرات والمعاهد التنصيرية والجمعيات القديمة والحديثة واللقاءات
الإسلامى جاء فيها أن عدد النصارى فى العالم يبلغ ملياراً وسبعمائة وعشرين
مليوناً (6 ٠ +٠ ) نسمة؛ وبلغ عدد المنظمات التنصيرية فى العالم
العاملة فى مجالات الخدمة يزيد على عشرين ألفاً وسبعمائة 75,7000
التنصير والإغاثة ثلاثة آلاف وثمانمائة وثمانين (7,/7:0) منظمة؛ ويزيد عدد
المعاهد التنصيرية على ثمانية وتسعين ألفاً وسبعمائة وعشرين (4/4170) معهداً
تنصيرياً» وييلغ عدد المنصرين المتفرغين للعمل خارج إطار المجتمع النصرانى أكثر
أن هذا الرقم الأخير متواضع جداً؛ ويزيد عدد الكتب المؤلفة لأغراض التنصير
نشرة ومجلة توزع منها ملايين النسخ بلغات مختلفة؛ ويزيد عدد محطات
)٠٠١( دولة وبلغاتها. وذكرت النشرة أن مجموع التبرعات التى حصل عليها
من محاضرة الداعية الشيخ سلمان بن فهد العودة بثلاثين مليار
».00 »0 ,© دولاره ويقلّ عن الرقم الذى أفاد به الدكتور عبد
الرحمن السميط بثلاثة عشر مليار (*
عجيبة نظراً لتطوّر صناعة التنصير وأساليبه فى نشر التنصير بين الناس بعامة.
ومن منهجى أيضاً الإصرارعلى مصطلحى النصرانية والتنصير فى مقايل
المسيحية و التبشير » إلا مااضطررت إليه مما يأى ضمن نص منقول اقتباساً؛ فلا
أملك علميآ التصرّف فى الكلمات الواردة فيه. ولم أشاً التدخل فى النص بوضع
البديل المختار بين معقوفتين؛ مع إمكان ذلك فلم أر داعياً لذلك ؛ ويكفى هنا
تبيان المنهج وأنى إنما أنقل نصًاً ولا يعنى نقلى له إقرارى لاستخدام المصطلحات
الواردة فيه.
وينبغى - فى رأبى المستمد من المنهج- أن تعالج ظاهرة التنصير معالجة
موضوعية بعيدة عن الإفراط فى الحساسية مجاه النصارى بعامة. فليس بالضرورة
فى المججمعات المسلمة وغير المسلمة لم يأنوا بغياب المنصرين. وينبغى ألا نأخذ
منهج ندعو الناس إليه. وأحيل هنا إلى خبر وفد جران إلى الرسول -صلى الله
عليه وسلم- وما فعلوه بالمسجد النبوى وموقف الرسول -عليه السلام- من هذا
أحيل إلى موقفه -رضى الله عنه - من المحاسب النصرانى عند أحد الولاة؛ وذلك
لتكتمل الصورة فى مسألة النظر إلى الآخرين. على أن النظر إلى الآخرين من غير
المسلمين فى المجتمع المسلم محكمه تعاليم الشرع الحنيف» ولم يترك مجال
لسيطرة الشعور الذاتى؛ كما هى الحال مع جميع الأحكام الشرعية التى تعلق
وريما أكون قد قصُرت فى عدم الرجوع إلى الإسهامات الأجنبية مع القدرة
سوى عدم توافر المصادر والمراجع الأجنبية عند إعداد هذه الوقفة. ولعل مدى
الحصول على المعلومات التى قد ينظر إليها على أنها حديثة فهى تنهل من المنبع +
وقد كانت نواة هذه الوقفة مجموعة من المحاضرات حول التنصير ألقيت فى
بعض مساجد مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية؛ وألقيت كذلك فى
عاصمة السودان. وقد لقيت خلال هذه المحاضرات دعوات من بعض الحضور
الموضوع نفسه . والمأمول أن تؤدى هذه الوقفة ما أريد منها » وأن يكون فيها نفع
لمن أراد الإفادة. ولعلها تفتح آفاقاً جديدة فى أذهان المستفيدين من القرّاء حول ما
التنصير المستمرة. وتظل على أية حال جهد المقل؛ كما تظل من كلام البشر
وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد» كما أسأله العون والمغفرة عن التقصير.
الرياض : فى رجب 613١ه-1447م على بن إيراهيم النملة
مفهوم التنحصير
التنصير فى مفهومه اللفظى اللغوى : هو الدعوة إلى اعتناق النصرانية؛ أو
إدخال غير النصارى فى النصرانية. وفى الصحيحين ؛ واللفظ للبخارى عن أبى
قول الفيروزآبادى فى (القاموس ال محيط) ٠: ...والتصرانية والنصرانة واحدة النصارى+*
والنصرانية أيضاً دينهم» ويقال نصرانى وأنصار. وتنصر دخل فى دينهم» ونصره
وقد حصل للمفهوم اللفظى شىء من التطوير مع تطوير الك إلى التنصير
منذ بعئة عيسى - عليه السلام - فلم يكن هذا المفهوم حديث الإطلاق» وليس
به الإنجيل لنشر الدين النصرانى - وليس المسيحى -.81] وقد هاجرت طائفة
مدرستهم فيها (مدرسة الرها) على يد زينون [/] سنة 4179م فهاجرت الطائفة
تخت قيادة (بارسوم9[0] سنة /481م إلى (فارس) ؛ وأنشأت فيها مدرسة
(نصيبين)؛ ]٠١[ وانتشرت من هذه المدرسة حملات التنصير على الطريقة
النسطورية إلى جوف آسيا وبلاد العرب. وقد استعانت هذه الحملات التنصيريا
بالفلسفة اليونانية [الإغريقية] لنشر التعاليم الخاصة حول طبيعة المسيح عيسى بن
مريم - غنيه السلام -111] +
درت من الديانة الوثنية التقى كانت سائدة قبل ظهور المسيح - عليه السلام -+؛
أو فى أيامه. وقد نقلها المؤمنون الجدد من ديانتهم الوثنية ؛ فأقرتهم عليها الكنيسة»
النصرانية على طريقته بعد أن زعم أن المسيح - عليه السلام - قد جاءه وهوفى
طريقه إلى دمشق الشام؛ وطلب منه ترك اضطهاد النصارى والسير فى ركب
الدعوة إلى النصرانية (التنصير) ؛ وقد كان من أُشْدٌ الناس نكاية بالتصارى. ]١4[
وبهذا يعد بولس لمن الأول» وواضع أسس التنصير العالمى. يقول محمد أمير
يكن: «الايعتبر بولس المبشر المسيحى الأول فقط بل يعتبر واضع أسس التبشير
معلمهم الأول بولس. فهو بحق مؤسس علم التبشير وقد تجح فى هذا المضمار
أيّما جاح .1516]
لم تعاقيت حملات التنصير وتزعمها فى الجهة الغربية من فلسطين اليعاقبة
1 الذين اختلفوا مع النساطرة حول طبيعة المسيح - عليه السلام
ولعل أول علاقة بين المسلمين والتصارى» أو الإسلام والنصرانية؛ كانت
على عهد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلّم- حينما أرسل وفداً من
المهاجرين إلى ملك صالح فى الحبشة يقال له النجاشى181] وما حصل من
سبق قريش ومحاولتهم إثناء الملك عن إيواء المسلمين؛ وقد صاحب هذه المحاولة
نقاش وحجاج حول طبيعة المسيح -عليه السلام - ونظرة الإسلام له. 191]
ثم أرسل الرسول محمد - صلَى الله عليه وسلّم- وفوداً إلى الأباطرة فى
شمال الجزيرة العربية وشمالها الغربى مثل هرقل الروم و مقوقس مصر
وغيرهما. وكان هناك أيضاً حوار ونقاش حول نظرة الإسلام والمسلمين للنصرانية
وقد قدم على الرسول محمد - صل الله عليه وسلّم - فى المدينة النبوية
وفد من جران بين اربعة عشر وستين فرداً - حسب الروايات -» ومنهم العاقب
وأبو الحارث و السيّد؛ فدار بين النبى محمد - صلى الله عليه وسلّم- وبينهم
حوار ولجاج حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم - عليهما السلام-. ثم عاد
الوفد إلى جران؛ وكان بيتهم حوار طويل حول مادار بينهم وبين الرسول محمد
- صلّى الله عليه وسلّم- ورجع بعده بعض أعضاء الوفد كالعاقب والسيّد إلى
المدينة النبوية » وأعلنا الشهادتين ونزلا فى بيت أبى أبُوب الأنصارى[1١ ]١ -رضى
الله عنه- قرب مسجد الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلم-771],
وعصر الخلفاء الراشدين -رضى الله عنهم- كان حافلاً بالعلاقات مع
النصارى نتيجة لامتداد الفتح الإسلامى فى الشام ومصر وما وراءهما. وكان
يتخلل هذه الفتوح وقفات علمية تكون فيها مناقشات وحوارات حول موقف
الإسلام من النصرانية والنصارى. وأبرز مثال على هذه الوقفات وقفة الخليفة
عمرين الخطاب -رضى الله عنه- فى (بيت المقدس) وموقفه من كنيسة
القيامة وتجنبه الصلاة فيها.[ 17] .
وكذا الحال فى العصر الأموى مع الزيادة المردة فى العلاقة من خلال
الاستعانة بالتصارى فى بعض مقومات بناء المجتمع المسلم الناهض؛ وبخاصة فيما
يتعلق بالعلوم التطبيقية والبحتة.(74) ٠
وتصبح العلاقة أكثر وضوحاً فى العُصر العبَّاسى الذى شهد ازدهاراً علمياً