استطاع بفضل مكانته وحنكته السياسية أن يحصل على توقيع اتفاقيات الاستقلال مع فرنسا
وإسبانيا وامتناع النظام الدولي بأرجاع مدينة طنجة في حظيرة الوطن الأم وذلك عام 09(1956.
وعلى ذلك أضفى المنفى هالة بطولية على شخصية محمد الخامس رغم أنها لم تكن تخلو
من جاذبية وبالتالي أصبح السلطان محور الاهتمام؛ فعندما عاد محمد الخامس إلى العرش
خافياً أن موقف القوى الوطنية التي جعلت من مبداً عودة السلطان الى العرش شرطاً مسبقاً لكل
حل سياسي للأزمة المغربية قد ساعدت على تعزيز قوة استقلال المغرب كقوة سياسية أساسية في
النظام السياسي المغوبي(29), ومن بداهة القول أن يتولى أبناء البلاد زمام الأمور في إدارة دفة
الحكم بعد الاستقلال عام 1955 ابتداء بالملك الذي كان رمزاً للنضال الوطني إلى جانب حزب
الاستقلال والشعب المغربي الذي خاض حرب التحرير ضد المستعمرين ويكل تأكيد كان للملك
(محمد الخامس) حصة الأسد في إمساك زمام الأمور في توزيع السلطات التي يسيطر على
معظمها في أطار ملكية دستورية ديمقراطية؛ وهذا ما نسعى لبحثه ولكننا نجد من المناسب أن
نبحث قبل ذلك في نشأة النظام الدستوري للمملكة المغربية.
6 والتي أخضعت المغرب للسيطرة الاقتصادية الأوروبية ردة عنيفة لدى الشعب المغربي؛ وقد
حاولت في البدء مجموعة (لسان المغرب) إصلاح الإدارة والقضاء على الفساد السياسي فتقدمت
إلى السلطان عبد العزيز بمشروع دستور يعدّ الأول من نوعه في المغرب نظراً لاحتوائه على
مبادئ دستورية من طبيعة أوروبية تعدل من نظام السلطة الذي كان قائماً؛ ونظراً لأهمية
المحاولة سنحاول التعرض لبعض الأحكام التي تضمنها في مواده ال92؛ إذ نص في المقدمة على
أن المغرب دولة شريفية مستقلة دينها الإسلام تكفل الحريات الفردية للمواطنين من حرية الكتابة
والتعبير شرط احترام النظام العام وتضمن حق الملكية وإلزامية التعليم الابتدائي ومنع خرق مقر
وفيما يخص هيئات السلطة نص الدستور المذكور على ان السلطان هو أمير المؤمنين
وقائد القوات المسلحة وصاحب الحق في تعيين الموظفين والموافقة على قرارات مجلس الوزراء
ويعينه السلطان؛ وخمسة وزراء للوزير الأكبر بموافقة المجنلس الاستشاري وقبول السلطان»
ويتألف المجلس الاستشاري من مجلسين: مجلس الأمة ومجلس الأعيان؛ يتم انتخاب أعضاء
الأول من قبل الشعب لمدة أربعة سنوات ويتم تعيين اعضاء الثاني من قبل السلطان ومجلس
الوزراء ومجلس الأمة ومجلس العلماء(!).
وبالرغم من أن هذه المحاولة الدستورية لم يكتب لها النجاح (إذ ثار الإشراف والعلماء
على السلطان وخلعوه لتوقيعه على مؤتمر الجزيرة الخضراء). يعد مشروع عام 1908 أول
محاولة مغربية للأخذ بالنظام الدستوري الديمقراطي (على الأقل من حيث الشكل) على أساس
الأسلوب العصري في وضع الدساتير الحديثة المعمول بها في الدول الكلاسيكية التقليدية مع بقائه
من حيث المضمون بالاستمساك بهدي القرآن الكريم وأحكام الشريعة الإسلامية(3.
وبعد أن خاض الشعب المغربي كفاحاً وطنياً بطولياً ومنذ أن فرض نظام الحماية عام
2 على البلاد بعد تقسيمها إلى مناطق نفوذ ثلاث؛ فرنسية وإسبانية ومنطقة طنجة التي
من الشعب المغربي!*؛ وقد طالب الوطنيون في المملكة بإقامة نظام الملكية الدستورية حتى أن
الملك نفسه كان قد صرح بذلك أثناء المعركة ضد الاستعمار؛ غير أن الملك محمد الخامس كان
يرى من الضروري في المرحلة الأولى إقامة جمعية استشارية ووعد الشعب المغربي بإنشاء نظام
نيابي حينما تتهياً الظروف الملائمة بحجة أن الدول الناشئة تحتاج إلى تطوير أجهزتها الإدارية
قبل أن تفكر في التطوير السياسي والمغرب بالذات كان بحاجة إلى سلطة فعالة لما تعرض له من
تمزق سياسي فضلاً عن اختلاف التركيب الاجتماعي4©.
وما أن أعلن استقلال المملكة المغربية عام 1955 بعد المعارك التي خاضها الشعب
المغربي توج هذا الاستقلال في آذار 1956 الذي استكمل فيه المغرب استقلاله السياسي من
الناحية القانونية وأصبح يعرف بالمملكة المغربية كدولة ذات سيادة وعضواً في الجامعة العربية
والمنظمة الدولية7.
لذا فقد ورت المملكة المغربية تركة ثقيلة جداً وقد عمل الملك محمد الخامس جاهداً
لإصلاح ما فسد؛ وواجهته مصاعب جمة في بناء الدولة الجديدة وكان عليه أن يتخلص من كل
تنظم شؤون الدولة الحديثة؛ وتأخذ على عاتقها مهمة البناء وإصلاح كل ما أفسده المستعمر.
وكان من متطلبات ذلك تأليف أول وزارة حربية بعد الاستقلال تلتها وزارات أخرى وكان من
الضروري جداً سن دستور للبلاد؛ ولاسيما بعد أن نال المغرب استقلاله ذلك لأن الدستور
والاستقلال توأمان يسيران جنباً إلى جنب حتى يقال أن الدستور هو الجسد والاستقلال هو
وقد كان من المفروض أن يسود نظام الملكية الدستورية طبقاً لمطالب الوطنيين
6 عضواً وفيه تمثّل مختلف الاتجاهات السياسية والمهيمنة والطوائف حتى الأقلية اليهودية؛
(الشرعية الملكية) وتتضمن الأسس العامة التي يقوم عليها النظام الذي بدى مع الملك محمد
الخامس يحد من سلطاته بنفسه بانتظار وضع الدستور؛ وفي هذه الشرعية تضمنت أيضاً إنشاء
جمهورية وطنية استشارية ذات صلاحيات أكبر من تلك التي قامت عام 1956 في إطار النظام
الديمقراطي وتنازل الملك عن بعض سلطاته7.
وفي تلك الأثناء نشطت القوى الوطنية (أحزاب ونقابات وقوى معارضة) وأخذت تطالب
الملك بإنهاء الوضع الاستثنائي في البلاد وذلك بسن دستور دائم ينظم أمور الدولة ومؤسساتها
وفق أسس ديمقراطية سليمة وكذلك يضمن للمواطنين حرياتهم وواجباتهم (". وفي أواخر عام
0 أعلن الملك عن إنشاء مجلس دستوري؛ وكان بمثابة مجلس تأسيسي؛ مهمته وضع
دستور للبلاد إلا أن الخلافات التي حدثت داخل المجلس من جهة والأحزاب السياسية من جهة
أخرى أدت إلى عدم نجاح هذا المجلس في مهمته الدستورية .
وبع أن تولى الحسن الثاني العرش بعد وفاة والده عام 1961 عهد إلى نخبة حكومية
منتخبة لوضع دستور المغرب عام 1962 وأعلن كل من حزب الاستقلال والحركة الشعبية وحزب
الأحرار المستقلين عن موافقتهم على هذا المشروع الدستوري؛ في حين عارضه حزب الاتحاد
الوطني للقوات الشعبية والحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الدستوري؛ وقد أجرى الاستفتاء
الشعبي على مسودة الدستور. وبعد التصويت على مشروع الدستور استكمل الدستور شرعيته
القانونية وبهذا يكون المغرب قد مر بتجربته الدستورية الأولى اعتبارات من يوم التصويت المعطن
عنه بتاريخ 24 كانون الأول 1962 وبذلك خطى خطوة جبارة في تاريخه الحديث لأنه أخرجها
لأول مرة من حكم لا دستوري إلى حكم دستوري!*©.
وعلى أثر ذلك جرت الانتخابات النيابية في العام الثاني وجرت انتخابات أخرى منظمة لتقوم
بانتخابات المجلس العلوي الذي يدعى (مجلس المستشارين) والانتخابات الجماعية (المجالس
البلدية والقروية) وانتخابات الغرف التجارية والصناعية وانتخابات المجلس الإقليمية ومجالس
العمالات؛ وقد اجتمع البرلمان لأول مرة في 18 تشرين الثاني 1963 واستمرت أعماله حتى 23
مارس (آذار) 1965 حينما أعلنت حالة الطواريء في البلاد. وذلك بسبب حوادث الدار البيضاء
وبعد خمسة سنوات عاشها الشعب المغربي في ظل دستور معلق وفي ظل حالة الطواريء
أعلن الملك الحسن الثاني عن رغبته بإنهاء حالة الطواريء وعن سن دستور جديد للبلاد وذلك
في 8 آذار 1970 وقد عوض هذا الدستور ومجلس المستشارين بمجلس واحد يضم 90 عضواً
ينتخبون بالاقتراع العام المباشضر و90 بالاقتراع العام غير المباشر عن الجماعات المهنية وفي
4 آذار عرض مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي ونال الأغلبية الساحقة؛ وبرغم ذلك فأن هذا
الدستور كان أقل نضهجاً من دستور 1962 وجاء خالياً من الشعبية لذا فقد قاطعت كثير من
الأحزاب والقوى الوطنية الاستفتاء والانتخابات التشريعية التي جرت في أجواء يشوبها التشضكك
للشعب المغربي ما كان من حكم سليم مبني على قواعد الديمقراطية الحقة ؛ ولكن على
الرغم_ من ذلك كله فقد كانت تجربة لها دور كبير في تعميق وعي المواطن المغربي والتعريف
بأسس الديمقاطية الحديثةل61.
وبعد فشل التجربة الدستورية الثانية عزم الملك على فتح باب المفاوضات مع الأحزاب
الدستورية التي تمر بها البلاد وقد ساعد ذلك في التعجيل ببداية وضع جديد للحالة الاستثنائية
حتى سن دستور عام 1972؛ فقد أظهر فيه الحكم مرونة تجاه المعارضة إذ أنيح لها أن تعبر
وتنتقد سياسة الحكومة بحرية أكثر من السابق.
وقد كان أهم حدث عرفته المغرب آنذاك هو استرجاعها لأقاليمها الصحراوية التي كانت
تستعمرها أسبانياء وكان من نتائج هذا الحدث أن عبر الملك عن رغبته في إقامة المؤسسات التي
هو التأكيد من طرف السلطة على مبداً حياد الإدارة وقد تجلى ذلك بإنشاء مجلس لمراقبة
الانتخابات والذي ضم تمثيل جميع الأحزاب السياسية.
وفي حزيران 1977 خاض الشعب المغربي بواقعية وموضوعية تجربة الانتخابات النيابية
ولأول مرة في تاريخ حياة التجارب الدستورية المغربية اشتركت جميع الأحزاب السياسية في هذه
لكنها تعد بداية المسيرة الديمقراطية وتجربة فريدة من نوعها والوسيلة التي ارتفع فيها صوت
الشعب عالياً داخل البرلمان وتعدّ أيضاً وسيلة لمشاركة فعالة في مراقبة الحكم؛ وبالتالي كان
البرلمان واجهة نضال وأداة انتاج وإنجاز لمسيرة جديدة لصالح الشعب*6.
وعلى الرغم مما وجهته التجربة الديمقراطية الدستورية في المملكة المغربية من عقبات
ومشاكل فأنه يمكن القول أنها كانت تعبر عن الروح الديمقراطية العالية التي تحلى بها الملك
الديمقراطية وما يخفف من وطأة المآخذ التي تسجل على تعثرهذه التجربة ؛ هو حداثة الدولة
ومؤسساتها المستقلة كما أن كل تجربة تبقى بحاجة إلى الوقت الكافي لكي تصبح ممارسة ناجحة
لاسيما وأن الديمقراطية تبقى ممارسة قبل كل شيء.
المبحث الثالت:
الملكالمغربي يسود ويحكم
ولكن نظماً أخرى تنازلت عن بعض سلطاتها المذكورة إلى مؤسسات دستورية معينة أو منتخبة
ووصل الحال إلى أن جردت (في بعض الدول مثل بريطانيا) الملكية من معظم السلطات وأصبح
الملك رمزاً للسيادة والوحدة الوطنية وطبقت عليه قاعدة (أن الملك يسود ولا يحكم).
ولا تنطبق هذه القاعدة على الملك المغربي؛ بل أن موقعه يتراوح بين الحيادية الواعية
بعيداً عن الخلافات الدائرة بين القوى السياسية وبين الهيمنة الكاملة على الحياة السياسية
بالمغوب؛ وقد كان محمد الخامس يتمتع بنفوذ شخصي قوي؛ إذ قدم نفسه كحامل للسيادة الوطنية
ولم تكن أية مجموعة قادرة على أن تجادله في ذلك وتصرف كرمز وحيد للأمة وللسيادة الوطنية؛
اللجنة المغربية أنه لا مشروعية ولا منفذ إلى الحكم بدون القصر؛ إذ أصبح الأخير محرك الحياة
السياسية ومنظمها ولا يستطيع أحد أن يقوم بمبادرة ما دون أن يأخذ ردود فعل القصر بعين
ومن جانب آخر كان السلطان الذي استبدل بصفة الملك في عام 1957 يمارس سلطة
مطلقة*"؛ لذا يصر الملك المغربي على أن يكون موجوداً في جميع قطاعات الحياة الاجتماعية
سواء في مجال السياسة أو الاقتصاد أو حتى الدين؛ فهناك مراقبة مستمرة لجميع الحالات التي
مر بها من تشكل مراكز للنفوذ المستقل؛ بل وإرادة مستميتة لمنع تبلور أية كتلة متميزة للملك إذ
قد يكون مصدر كل مبادرة؛ فإن لم يستطع ذلك فعلى الأقل الوسيط الضروري لجميع التحركات7.
وعلى هذا الأساس كان النظام الملكي يسعى جاهداً إلى تجنب إنشاء مثل هذه القوة؛ لأنه
يخشى أن يصبح سجيناً أو ضحية لها بأسرع ما يكون؛ بعدما كان سيداً للموقف, لذا فضل أن
يضطع بدور الحَكَدمْ وخضع سلوكه هذا لبعض المبادئ البسيطة منها:
1. عدم السماح لأية جماعة أن تتقوى أكثر من اللازم.
2. تشجيع كل المنافسات الممكنة للحيلولة ضد هيمنة واحدة منهاء
3. من جهة أخرى عدم قبول اعتراض أية جماعة مهما كانت بما في ذلك أحزاب المعارضة إذ
يمكن أن يعطل مؤقتاً وأحياؤها عند الضرورة.
4. يرتكز سلوك العرش على عدم ربط مصيره بمصير الجماعات التي يساعدها على الظهور
وعدم تبني مواقفها أو برامجهاء
وتحيط الملك مجموعات من الاتباع المخلصين لكنه يسعى إلى جلب النخبة بكاملها إلى
داخل شبكة أنصاره؛ ورغم أن بعض الجماعات ربطت مصيرها ومصالحها بمصالح القصر أكثر من
حول مبداً التفوق المطلق للوش(36).
إن القاعدة الوحيدة من قواعد اللعبة السياسية التي لا يشوبها أي تمحض ويؤدي خرقها
إلى عقاب مباشر هي القاعدة التي تنص على أن شخص الملك ومؤسسة العرش لا يمكن بأية
حال من الأحوال أن تهاجم أو تتعرض للنقد بصورة مباشرة وعلنية؛ لذا يتجنب الجميع بعناية
مسألة السيادة الملكية.
وقد وضع قوانين هذه اللعبة الملك نفسه وقرر أنواع المكافآت والعقاب بجانب ذلك يستعمل
كل ما لديه من وسائل الضغط لدفع النخبة إلى الدخول في مخططاته وإثارة شعور جماعي لديها
شعور الجماعة المحظوظة التي تعرف أنها تدين له بكل ما تملكه من امتيازات؛ وبعد إعلان
جماعات النخبة عن خضوعها لقواعد اللعبة يرخص لها بالتسابق لتوزيع منافع النظام بينهاء
ويظل الجيش قوة احتياطية ضد كل من يريد إنكار حق الملك في تسيير اللعبة حسب رغبته.
وأخيراً لا ينقطع عن تذكير جميع المشاركين
وعلى هذا الأساس تسعى الملكية جاهدة للحفاظ على التوازن بين جميع التشكيلات
السياسية؛ إذ يجب أن لا تتقوى أي منها أكثر من اللازم؛ ويجب أن لا تختفي أي منها بصفة
وتتمثل الحكمة عند الملك في تشجيع الانشقاق حتى بين الجماعات التي لا يشك في ولأئها
للقصر 69
وبسبب هذا الوضع لا يحتاج الملك للتدخل باستمرار؛ وحين يتدخل يكون ذلك بطريقة
أحد؛ وفي المقابل فهو يستعمل جميع وسائله كلها أو جميعها في الإغراء وبطريقة فعالة؛ وهو
يعرف بصفة شخصية كل الذين لهم شأن في المغرب؛ ولا يجهل شيئاً من خصائصهم وصراعاتهم؛
ويساعد هذا على تنشيط الانقسام ضمن فصائل النخبة ومراقبة التنافس بينها(69.
على ذلك يمكن القول أن اختيار الملك المغربي (سواء محمد الخامس أو الحسن الثاني)
لهذا الموقع يجلب له منافع جمة؛ من أهمها هو الاحتفاظ بموقع الحكم الذي يفصل في كل
المنازعات وبين كل الأطرف؛ ويالتالي تبقى المؤسسة الملكية في قمة الهرم السياسي؛ والاحتفاظ
بإمساك خيوط اللعبة السياسية باقتدارء وتقريب؛ وأبعاد أي من العناصر أو القوى إلى القصرء
فضلاً عن الاحتفاظ بالشرعية الدينية والتاريخية والسياسية التي تؤهل الملك للتمتع بصلاحيات
وسلطات واسعة تجعل منه (أي الملك) يحكم ويسود بل ويتحكم في المسيرة الديمقراطية في البلاد
إن لم نقل يهيمن على كل شيء فيهاء
هيئته الدينية تمده بسند شعبي يجعله فوق كل
المبحث الرابع:
سلطات وصلاحيات الملك بعد الاستقلال
يحمل الملك المغربي لقب (أمير المؤمنين) وذلك لكونه يجمع بين المهام الدينية والدنيوية؛
وكان إيمان محمد الخامس يؤهله لهذا الدورء فلقد ترعرع في جو ديني جعله يستقي قوته الروحية
لذا يشكل الملك أباً للعائلة الروحية التي يتجاوز اتساعها حدود النخبة ويعمل على توسيع
شبكات نفوذه داخلها كما يعمل على الزيادة من عدد تخالفاته داخل أسرته الدنيوية؛ وتتحرك هاتان
الأسرتان تحت قيادة شخصين متميزين يجسدهما فرد واحد: الملك ورئيس الدولة المغربية وأمير
وعلى هذا يمسك الملك بشرعية دينية تؤكدهما النصوص وتعمقها التجربة اليومية؛ فحتى
الجماعات الإسلامية لا تطعن في شرعية الملك إلى حدود معينة ؛ أن هذا الصنف من الشرعية
ذات المصادر المختلفة يلي الملك مكانة لا تعادلها مكانة أخرى ليس داخل المؤسسات فحسب
بل فوقها أيضاً؛ فهو يستند إلى هذا الجهاز الآيديولوجي الذي يؤكد الوحدة والإجماع والالتحام بين
الشعب والملك من ناحية ويعتمد على جهاز إداري وعسكري أنشأه الاستعمار وتم تدعيمه فيما بعد
من ناحية أخرى؛ فالملك قادر إذاً في هذا الإطار أن يحدد مؤسسته (كملكية حاكمة) (أن تاريخنا
يصرخ بهذه الحقيقة؛ فلا وجود للمغرب بدون ملكية شعبية؛ فالشعب المغربي في حاجة أكثر من
أي وقت مضى إلى ملكية شعبية إسلامية حاكمة.... ولهذا فالملك هو الذي يحكم في المغرب ولا
يفهم الشعب أن لا يحكم الملك)2).
ويضاف إلى ذلك فأن الملك المغربي يتمتع بشرعية تاريخية نضالية؛ إذ أن السلطة الملكية
تتنزل داخل الاستمرارية التاريخية للمجتمع المغربي؛ فالعاهل المغربي ينحدر من عائلة قد تماثل
في تاريخها مع تاريخ المغرب منذ أرزبعة قرون على الأقل؛ ولقد قام العلويون بدور أساسي في
الدفاع عن الاستقلال الوطني وعن القيم الأساسية للمجتمع ومن الطبيعي أن يكون التركيز على
الحقبة الجديدة التي تحلت فيها اللجنة الشعبية مع محمد الخامس؛ وأدت إلى طرد المستعمر
وتحقيق الاستقلال.
لذا يعد استقلال المغرب انتصارً لفائدة الملكية بدون منازع؛ هذه الملكية التي وظفت
السلفية في خدمة الركيزة السياسية والحفاظ على الدولة!"""؛ وبالتالي أصبح الملك يحتل مكاناً
فريداً في النظام السياسي المغربي وكل شيء فيه مرتبط بالمؤسسة الملكية.
وعلى أساس هذه الشرعية التي يمتلكها الملك المغربي دينية أو تاريخية أو نضالية؛ أصبح
يتمتع بسلطات وصلاحيات دستورية وسياسية هائلة؛ وبالتالي فهو فوق كل مؤسسات وأشخاص
النظام السياسي المغربي؛ وقد تكرس ذلك دستورياً في كل النصوص الدستورية التي صدرت في
وشكل نظام الحكم للملكة المغربية التي نص عليها دستور عام 1972؛ هي أنه نظام ملكي
وراني؛ أي أن رئيس الدولة في هذا النظام يتولى سلطاته عن طريق الوراثة؛ دون أن يكون
للشعب رأي فيه؛ فقد نص المشرع المغربي في الفصل التاسع عشر من الباب الثاني من الدستور
المذكور بأن : (الملك؛ أمير المؤمنين؛ ورمز وحدة الأمة؛ وضامن دوام الدولة واستمرارهاء وهو
حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات
والهيئات وهو الضامن لاستقلال البلاد؛ وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة وشخصية مصونة
أما فيما يخص العرش وكيفية انتقاله؛ فقد نصت المادة (20) من دستور عام 1962
على أن (عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة..)47).
وقد اشترطت الدساتير المغربية الثلاث (62؛ 70؛ 1972) على من يتولى العرش أن
يكون بالغاً لسن الرشد؛ وإن لم يكن بالغاً يمارس من اختصاصات العرش وحقوقه الدستورية
مجلس الوصاية وفقاً لما نصت عليه الدساتير المذكورة؛ ويرأس هذا المجلس أقرب الأقارب إلى
الملك وأكبرهم سناً؛ كما يتركب مجلس الوصاية فضلاً عن الرئيس من رئيس المجلس الأعلى؛
ومن رؤساء الجامعات ورئيس مجلس النواب والمستشارين؛ ورغم أن دستور عام 1972 كان قد
تّجه نقداً أو تهاجم المؤسسة الملكية لأي سبب كان. وبالمقابل فإن الملك طبقاً لأحكام الدستورية
سلطة فعلية بالرغم من أن (ذاته لا تمس)؛ وبناء على ذلك يكون غير مسؤول ويبدو أن هذا لا
يؤثر في فكرة النظام البرلماني الذي أخذ به المغرب لأنه لم يعد ألا حيثما بدأً. وإنما تطور فاتخذ
عدة صور تتفق في لجوهر وتختلف في بعض النواحي بالنسبة لبعض المواد التي قام عليها
النظام البرلماني المغربي49).