مدخل
بجانب العقائد الدينية؛ وبالتوازي معهاء؛ نبتت الخرافة. ونمت
ليظن المطلع عليها بأن الخرافة هي اصل من !صول الفكرة الدينية
أخروي حأن الجذور التاريخية والإجتماعية والعادات والطقوس
القديمة تعكس نفسها على كل فكرة جديدة, بل وتمتزج بها إمتزاجاً
ومواجهة الطبيعة بلا أسلحة فعالة. تعكس الضعف والطفولة
الإنسانية؛ وللتعالي على هذا الضعف والخوف والمجهول - كضرورة
للحياة إخترع الإنسان الأسطورة مستخدماً سلاحه القوي الوحيد
تحيط به بكلمة أو جملة أو طقس جماعي أو قصة ترتبط بأرضه ثم
تعلى الى سماء المجهول لتتحول الى واقع حي يمارس يومياً أو
شهرياً أو سنوياً.؛ وبفعل تقادمها تأخذ في الثبات ثم تتغلغل في
غير المعقولة لتاريخناء وكأن الإسلام لن يصمد إلا بتلك الإضافات أو
بتلك الزوائد
الإيمان الراسخ بالخرامات والإعتقاد فيهاء بل وتمتيلها تمثيلاً حياً في
بناء «المقامات» وتقبيل الحيطان, والتغني بالمعجزات مما لايستطيع
معها عقل مفكر إلا أن يتساءل. ٍ :ٍ
الأسطورية, حتى تجهد وأنت تبحث عن جزء من الحقيقة وسط ذلك
الركام الهائل غير الموضوعي.
وهؤلاء الذين نجَوًا بشكل أو بآخر من أحابيل الخرافة محاولين
تقديم الموضوعي في تاريخناء لم ينجوا بشكل كلّي منهاء ولاسيِّما
أن معضلة أخرى تضاف إلى هذه القضية؛ وهي أن التاريخ
به, وإخترعت بعض الأحداث إختراعاً, وإنتحلت القصص إنتحالا
سواء لأغراض دينية أو سياسية أو قومية.(')
منذ بدء الدعوة المحمدية؛ فما بال ذلك الباحث في تاريخ ماقبل
)١( يقول د . طه حسين عن العرب (هم مسلمون لم يظهروا على العالم إلا بالإسلام فهم
الظهور وهذا السلطان وهم في الوقت نفسه أهل عصيية وأصحاب مطامع ومنافع فهم
والأهواء. بالإضافة إلى ذلك فإن حركة التسجيل كانت محدودة
الاستقراء أكثر من اعتمادها على حقائق ثابتة موثوق فى ثبوتهاء أو
من المعلومات عن الحقائق التجريبيةأكثر مما تفيدنا في الظاهر.
فالحقائق مترابطة مع بعضها البعض على نحو معين, وليس بوسعها
النظرية موجودة بالفعل إلا من حيث أنها أكثر ترجيحا فلغة العلم
هي لغة الترجيح الإسة ستقرائي, فإذا لم تعرف الحقيقة بشأن
ماسيحدث أو بشأن ماهو موجود بالملاحظة فسوف نستعيض عنه
بأفضل ترجيحاتنا التي هي أداة الفصل حيث لاتتوافر الحقيقة.؛
وتبرير الإستقراء هو أنه أفضل أداة للفصل معروفة لدينا.(1)
فإن قرأت أي كتاب قديم أى حديث عن تاريخ العرب ماقبل
)١( ريشسباخ؛ نشأة الفلسمة العلمية. ترجمة د فؤاد زكريا
سائدة من مئات السنين وكأنها حقيقة موضوعية لاتقبل الجدل أو
«وفي الحق أن البحث الحديث قد أثبت خلافاً جوهرياً بين
اللغة التي كان يصطنعها الناس في جنوب البلاد العرسية؛ واللغة
ونصوص تمكننا من إثبات هذا الخلاف فى اللفظ وفى قواعد النحو
والتصريف ايضاً.... فالرواة يحدثوننا أن الشعر تنقل في قبائل
مابعد الإسلام.... ونحن لاتستطيع أن نقبل هذا النوع من الكلام إلا
صحيحة. أي لأننا ننكر أو نشك على أقل ت تقدير شكاً قوياً في قيمة
هذه الأسماء التي تسمى بها القبائل. وفي قيمة الأنساب التي تصل
بين الشعراء وبين أسماء هذه القبائّل؛, ونعتقد د أو نرجح أن هذا كله
أقرب إلى الأساطير منه إلى العلم اليقين.... فالبرهان القاطع قائم
على أن إختلاف اللغة واللهجة كان حقيقة واقعة بالقياس إلى عدنان
وقحطان يعترف القدماء أنفسهم بذلك. ويشته البحث
«... وكل مانعرفه هو أن هذه القبائل كانت تسمى قحطانية
وتنسب نفسها إلى قحطان. على أنها كانت تتردد فى ذلك أحياناً
القبائل كانت قحطانية حقاً أى عدنانية حقاً دون أن يأتي بالبرهان على
وأصحاب الأغراض والأهواء للذّة والمنفعة؟!..».
وتستطيع أن تفتح كتب السيرة وكتب التاريخ الإسلامي
الشكل, وتبدو معظم المجهودات في هذا المجال منصبة على تجميع
المعلومات غنها وثمينها دون نظرة نقدية فاحصة؛ وتحكمها في
النهاية إعتبارات عصبية أو دينيةل') أو سياسية أكثر مما تحكمها
إعتبارات التفكير العلمي الناقد .
الإشكالية الأولى | في غربلة كل ذلك الركام من الأحداث غير
المنطقية, وربط المنطقي منها ربطاً متتابعاً وعلى نحو متسق وشامل
تحمله من نظرة مسبقة للأحداث ومن عدم الإلمام الكلي بالصغيرة
وهي لم تحدث؛ فنصل إلى نتيجة مبنية على فراغ . واتجثي هذا الأمر
قدر المستطاع - فنحن لانستطيع تجنبه تماماً - سنعتمد على
)١( (رّوي أن عمر بن الخطاب بلعه أنه ظهر هي أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها
على أمر لايكون فيه إحتلاف, فأتوه بكتبهم؛, فأحرقها بالنار.) أنظر ناصر الدين
الأسد مصادر الشعر الحاهلي ص ٠١5-١١8
الخطوط الرئيسية في الموضوع دون أن نغض النظر عن إرتباطها
بما قبلها أو بما بعدها من أحداث أقرب للمنطق, ويبقى في النهاية
ذلك النص المكتوب الثابت وهو القرآن باعتباره ناصية الحكم - ولو
بشكل عام عندما تتد اخل الزوايا أو تتوه
الإشكالية الثانية القصور الحاد في المسيرة التاريخية.
فعندما نبدأ بحثنا عن نقطة ما في الموضوع ونجري وراء الأحداث
لإستكشافها, نجد خانة فارغة, أو فجوة أو إنقطاعاً شاذاً. أو بعض
أن نفعل؟! فعلى سبيل المثال تروي كتب السيرة النبوية أن محمداً
كان يناضل أهل مكة ويجادلهم ويعييهم بالحجة ويسخرون منه وسلك
في سبيل ذلك كل مسلك ليكونوا في صفه؛ لكن إستجابتهم كانت
فردي 8 الشبيع غلم يقبعه سجوم اربعين في فترة تجساوزت الثلاث
التالية ليصل حوالي المائة قبل الهجرة مباشرة"). تم يقال بأن
الرسول إلتقى بنفر من أهل يشرب؛ وعلى الرغم من أن هذا النفرلم
قابل النبي وفداً آخر من الخزرج وشرح لهم تعاليم دعوته؛ حتى إذا
ماوافى موسم الحج التالي حضر وفد من أهل يثرب يضم إثنا عشر
شخصاً فبايعوه على الإسلام؛ ٠ ثم بعث النبي مع هذا الوفد مصعب
بن عمير ليفقههم في الدين, ثم عاد مصعب في العام التالي إلى مكة
ومعه وفد من ثلاثة وسبعين رجلا وإمرأتين. وبويع الرسول بيعة
.7١1+ انظر. د . جواد علي. تاريخ العرب في الإسلام ص )١(
أنظر. هادي العلوي,؛ نصوص منسية من التراث مجلة «دراسات عربية» مايو 7
وهي موطنه؛ فلم تتبعه سوى قلة قليلة. يأتيه مرة واحدة عدد كبير
معهم مجهوداً كبيراً وخاصة والأمر يتعلق بمسألة العقيدة والدين؛
نواجه المشكلة, فترك أهل يترب لدينهم ودخولهم بهذه السرعة وبهذا
العدد فى دين محمد أمر مثير للتساؤل والحيرة, هذه الحيرة وذلك
التساؤل الذي لاتجيب عنه كتب التاريخ إجابة شافية والإجابة
الجاهزة دائماً أن الله قد فتح قلوبهم وعقولهم فاعتقدوا في محمد
لاتكفينا. أما أن قصة البيعة فهي غير مشكوك فيها بحكم التطورات
التي إستتبعتها وبحكم إشارة القرآن لمناصرة يثرب لمحمد في
مواضع كثيرة, وأما حجم الداخلين في الدين الجديد وبهذه السرعة
إعتماداً على السماع من محمد أو مصعب بن عمير في لقاء بسوق
بالضرورة أن تكون هناك أسباب قوية وأحداث سابقة على لقاء
معنى المناصرة وكيفيتها وما علاقتها بالاعتقاد فى دين محمد؟!. إلا
وتستطيع آن نسوق مثلاً آخر يتعلق بهت النقطة فى بعض
جوانبهاء فقد يهم بسهولة دخول أبي سفيان الإسلام آخر لحظة قبل
فتح مكة كتعبير عن هزيمة نهائية لايملك لها رداً ولا صداً؛ وقد يهم
بسهولة دخول علي بن أبي طالب الإسلام؛ فهو في الحقيقة قد تربّى
ابن عوف, وسعد بن أبي وقاص؛ وطلحة بن عبيد الله بن عثمان, وقد
كانوا من أصدقاء أبي بكر وخاصته وتجاراً في مكة ٠ نقول بأن
دخولهم الجماعي في الإسلام يحتاج لتوضيح أكثرء حيث لم تقل كتب
وحده والإعتقاد بصدق محمد تمي ركاف سن تجار المفروضص في
طبيعتهم المفاوضة والمساومة والأخذ والرد سالب الربح
والخسارة. قد يُقال بأنهم الفئة الأكثر إستنارة في مكة لأن التجارة
تعني الإتصال بالعالم, ولأن التجارة تعني مصدر الحياة الأساسي
لناسهاء وبها إرتبط الحج والدين والعقائد الوثنية, وبالتالي الوعي
الأكبر بدورها فى الإنعكاس على سلطة الأفكار الدينية والسياسية
والإجتماعية. وقد يُقال بأنهم الفئة الأكثر جرأة بحكم تميزها الطبقي
والفتوي. وبحكم ثرائها كسبب كاف للحماية من ردة فعل سادة مكة.
وقد يُقال بأنهم الفئة الأكثر ثورية بحكم أحلامها في السيطرة على
جزءاً من التركيبة الارستقراطية القرشية من شيوخ وسادة مكة؛
وبحكم مزاحمتها والمنافسة غير المتكافثة المضروبة عليها من هذه
وبالطبع فإن هذه الإستنتاجات تخضع لباب الترجيح أكثر من
خضوعها لأحداث واضحة جلية؛ وخاصة وقد تشوه التاريخ الخاص
لكل منهم على حدة بحكم ماأدخل عليه من إضافات وقد لاتخلو من
هوى أو منفعة؛ فلا نستطيع أن نظفر ببغية أو حادثة إلا وينتابنا
وما سقناه هنا ليس إلا متلين من أمثلة كتيرة تؤكد هذه
الإشكالية الثالتة . في عدم دقة التواريخ وترتيب أحداثهاء بل
وإهمالها أو تناقضها في أغلب الأحوال فلترتيب الأحداث ترتيبا
زمثياً متتابغاً قاشدة قصوى في إستفراء مسيرة القوة الاسلامية
وإثباتاً لتتابعها المنطقي؛ فالروايات قد تتناقض وقد تتفق عن زمن ماء
متها مجعلنا لقف بحائرين أماء هذا الخلط وتجن تحايل تحليل أمرما
من الأمور, فالبعض يقول متا بأن النبي صفقى بني النضير في يثرب
قبل بني قينقاع, والبعض يقول العكس. والبعض يقول بأن صحيفة
المعاهدة بين محمد وأهل يترب بكل عشائرهاء جاءت بعد الهجرة
يستطيع أحد أن يملك له رداً بسبب إعتماد التدوين على الذاكرة
وندّعي أن الترتيب الزمني في تعاقبه بهم جدًا في عملية فرز
حوادث التاريخ, وفي غربلة الغث من الثمين, بل وفي إلقاء بعض
الروايات في سلة المهملات إن تناقضت مع الصيرورة الموضوعية
التي ستحكم ترتيبنا في الحكم على حدث بوضعه في إطار لحظته
وبناءً عليه وأيَا كان الأمر فإننا لن ننجو بشكل كامل من إعمال
العقل لنقص الوثائق وتناقض الروايات مما قد يحمل معه من مخاطر
الشطط أى التعميمات أو الاطلاقات والتي تحتاج إلى لجام يلجمها
ورادع يردعها.
الإشكالية الرابعة | محاولة تنقية التاريخ الإسلامي من شوائب
الخرافات والأساطير وهوى التقديس المضر بعملية التأريخ وخاصة