المظاهر» وظواهر الترف» وتشابك المصالح وتعقدهاء وخفاء أعمال القلوب تبعاً لهذا
التعقيد في وسائل العيش
أي إنه لم تكن هناك أمية في فقه أعمال القلوب ولا في أعمال الجوارح في عهد
رسول الله 85 حتى يحتاج الأمر إلى ظهور طائفة تفرد بدرس أعمال القلوب» وطائفة
بدرس أعمال الجوارح بل كان العلم فيهما مجتمعاً وصحيحاً ودقيقاًء لا يحتاج إلى مزيد
والمتتبع للسنة النبوية يستطيع أن بعد الحالات التي عرضت على رسول الله بي للاستفتاء
في أعمال القلوب» واغلبها كانت في خوالج تساور قلوب الغزاة والمجاهدين إذ هو الموقف
وإلى جانب هذه الدقة البالغة في تحديد مشاعر القلوب عند العمل حتى تتفق مع
من العمل؛ كانت هناك دقة بالغة كذلك في الجانب الشكلي للشريعة؛
ورأسها قوة التمسك بالسنة؛ وكراهة البدعة؛ حتى لقد قبض عمر بن الخطاب على رافع
عقب الصلاة؛ وذهب به إلى رسول الله ب لأنه سمعه يقرأ سورة الفرقان على حرف لم
يعرفه عمر عن رسول الله كم وخشية أن تكون البدعة قد أطلت برأسهاء لا سيما وأن
الرسول ب كان يحذر من البدعة وهو في حال من الإشفاق لا ينساها أحد من أهل عصره
ونظراً لارتباط البدعة بعبادة الهوى؛ وارتباط عبادة الهوى بالنفس ثم بالقلب؛ فقد
ارتبطت البدعة بفساد العقيدة في قوله في : «ما تحت ظل السماء من إله يعبد أعظم عند الله
تبقى إلا البدع التي أطلق العلماء على أصحابها اسم (أهل الأهواء).
بعد عصر الرسول ف
ومن دلائل نبوة رسول الله ئي. ودلائل عظمة الأمية في شخصه: أنه كان شامل
النظرة» بعيد مدى الرؤية للأحداث؛ صادق التقدير حينما بدأ بما ستكون عليه الأمة من
يصور مجتمع المبتدعين الذين يقودهم الهوى الباطن من بعده فقال فيما أخرجه أبوداود
وأحمد عن معاوية: «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة»
وإن هذه الأمة ستفرق على ثلاث وسبعين فرقة. اثنتان وسبعون منها في النار»ء وواحدة في
الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله».
ولم يحدث في عصر الرسول و8 خطأ في تطبيق السنة» أو جنوح نحو البدعة إلا في
حالات نادرة كانت عن حسن نية أهمها: ما أراد عثمان بن مظعون أن ينتهجه هو وعدد من
وبين لهم أنه ينام ويقوم» ويصوم ويفطر» ويتزوج النساء» وختم بيانه بقوله: «فمن رغب عن
ستي فليس مني»» ومنها ما حدث من عبد الله بن عمرو بن العاص من ترجيح جانب العادة
المعلم الاعظم والتلميذ الصالح.
أما بعد الرسول 8 فقد عاد الناس إلى الرغبة في الانقطاع للعبادة. وابتدعوا طرائق
ووسائل للأذكار الجماعية في المساجد عقب الصلوات وقد شهد الحالتين عبد الله بن
تخرجرا وقال للآخرين: «إن فعلتم فقد سبقتم سبقاً بعيداً؛ أو فقتم أصحاب محمد
ولكن قوة الأهواء كانت تابعة لقوة أهواء الحكام في الخروج عن السمت النبوي في
طريقة الحكم» ومعاملة الشعوب؛ حتى لقد جاروا على الأحكام الشرعية الثا؛
الحجاج الجزية من مسلمي خراسان بعد إسلامهم» ولم يرفعها إلا عمربن عبد العزيز
وحدث انحراف تمثل في بيع فضة بيعاً متفاضلا في عهد معاوية؛ وأرسل
عبد الملك بن مروان إلى غضيف الشالي فقال له: يا أبا سليمان إنا قد جمعنا الناس على
أمرين؛ فقال: وما هما؟ : رفع الأيدي على المنابر» والقصص بعد الصبح والعصرء
لم؟ قال: لاني سمعت رسول الله ل يقول: «ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة».
خير من إحداث بدعة.
وإذا تتبعنا جهاد المعمرين من الصحابة كان عمرء وجابر» وسعد بن أبي وقاص+
وأنس بن مالك» وغيرهم ضد البدع في كتب التراق» كالنفاق للفريابي » والزهد لابن حنبل+
والزهد لأبي سعيد بن الأعرابي+ والزهد لابن المبارك وغيرها مما جاء في المراجع متناثرا»
وخطيرة على الإسلام ومسار دعوته
في عصر بني العباس سباً رئيسياً في جذب الكثير من العلماء نحو الأضواء؛ وفي ظهور
الطامعين في حكم دولة الإسلام من الحاقدين وتحكم هؤلاء الطامعون في الخليفة؛
وأجبروه على إذكاء نيران فتنة القول بخلق القرآن» وامتحان العلماء فيها. وجلد إمام أهل
السنة أحمد بن حنبل. وأعلنت المحرمات» وعطلت الحدود إلا في الحالات التي نخدم
السلطة الحاكمة وأصبحت أعمال الآخرة تقصد للدنيا. حتى لقد وضع بعض العلماء
أحاديث مكذوبة على الرسول كَةِ خدمة لهوى السلطان.
وكان العصر عصر استكشاف لأبعاد الشريعة وأعماقها في صورة اجتهاد من أهلٍ
الاجتهاد لتقنين الشريعة حسب تطور الحياة؛ ولوضع الأصول الفقهية الني تصبح أساساً
للأحكام المستقبلية التي تواجه الحياة في مراحل تطورهاء واجتذاب هذا العمل الضخم
طائفة من كبار العلماء العاملين السائرين على محجة الرسول 485؛ والجامعين لصحة العمل
وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وأمثالهما. . ولهذا لم يكن هناك متسع أمام هؤلاء
العلماء ليدونوا فقه أعمال القلوب إلى جانب فقه أعمال الجوادح
الجامعة نطق بها الزهاد الأوائل مثل داود الطائي + والفضيل بن عياض. ووكيع بن الجراح+
وأبي إسحاق ١١ زاري » وأمثالهم من أهل التقى والورع» كان هذا الفراغ إلى جانب الشهوات
المبذولة سبباً في تدهور وعي القلوب. حتى شاع الجهل بأعمال القلوب» لولا ظهور طوائف
من الزهاد اتخذوا لأنفسهم مدارس لنشر وعي القلوب؛ ولكنهم تكلموا في المقامات؛
وتشددوا في الزهد في مواجهة الترف. حتى خلف من بعدهم خلف بذلوا جهدهم في أعمال
القلوب. وأهملوا أعمال الجوارح» وعالج الخلف هذا الإهمال بمخالفات صريحة للإسلام
تركزت حول أداء هؤلاء الفرائض في الكعبة وهم يقيمون في بغداد» أو أن مخاطبة الملائكة
والمكاشفات السرية بين العلماء وبين الله تشغلهم عما تعارف عليه العامة من عمل
الجوارح» أو من التدقيق في استيفائها من الناحية الشكلية.
وباختصار: غلب على الناس الكذب في العمل والقول الأمر الذي دفع المحاسبي
إلى وضع الحق في نصابه في أعمال القلوب وأعمال الجوارح على السواء لأول مرة في
تاريخ الفكر الإسلامي الفسيح. فكان مدرسة متميزة تعني باستكشاف النفس الإنسانية
ودراسة حركاتهاء ووصف أمراضها وتحديد عناصر علاجها إلى جانب نشاطه في الفقه
الإسلامي والحديث وعلم الكلام» والرد على المعتزلة وغيرهم من الفرق في عصره من
حيث كانت المدرسة الثانية للسنة بزعامة الإمام أحمد بن حنبل لا تعني بتدوين الدراسات
النفسية؛ بل عنيت بالفقه والحديث والسلوك العملي دون زيادة على ذلك.
الأحكام الشرعية التي المسلم من أكل الحرام بعد أن قارف المحرمات الأخرى؛ وقد
تدوين قواعد السلوك الصحيح؛ ويقول المحاسبي في هذا الصدد: «وقد تكلم طوائف من
الفرق بمذاهب في المجانبة» وصفاء المطعم والملبس» يختلفون ويتقاربون؛ فمنهم من
اختار العزلة عن الأئمة والسلطان وأعوانهم بأعيانهم» وفرقة جانبت كل من اتصل بهم؛ وهذه
القوت» وقال أبو وائل: إن أهل بيت بالكوفة على مائدتهم رغيف حلال لأهل بيت غرباء؛
وطائفة اختارت المباح من الجبال والأودية والرمال من ورق الأثل. ولقط البذرء والحشائش
الرياح؛ وما ظهر من الحشيش والكلا على وجه الأرض من كلأ الصحراء إذا اشتد بهم
ضرب السيف (وعلى رأسهم إبراهيم بن أدهم). وطائفة اختارت الرباط ؛ وهم مجمعون
على القتال مع كل أمير بر أو فاجر». . (المكاسب .)11١
وكان المحاسبي واسع الأفق. شامل النظرة؛ لأنه كا يربط بين منهجه في الإصلاح
النفسي والشرعي القائم على الكتاب والسنة وبين استعادة دولة الإسلام مجدها الحق» فقال
الإقبال عليهاء وأوضحت لهم سبل الرشاد فيهاء فلم يريدوا بما أدركت أيدي الظفر منهم
بدلاً. . واصبحوا في ذلك توفيقاً من سيدهم» ومعونة قائمة بالكفاية لهم؛ وخفي لطيف غير
مطالباء أمات العلم بالله أهواءهم» وغلب لهم أعداءهم» وجمع شملهم» وأحكم أمرهم؛
وكان التوفيق لهم مصاجاًء وخفي اللطف من الله داثماء والتأييد من سيدهم مرشدأم
كان الخطر الوافد على صميم الإسلام في أعمال القلوب وأعمال الجوارح أقوى من
جهود المدارس السلوكية التي ظهرت في مختلف الأقطار. ولهذا دون المحاسبي آراءة في
كتب؛ وكأنه كان يدرك أن التبار سوف يجترف العالم الإسلامي فيفرقه بين موجات الضلال
كان يدرك أن العالم الإسلامي سوف يحتاج إلى كتب مدونة في أعمال القلوب؛ ولن
كان لا ينشط لأن يطلب علمه حتى بجمعه . وليس من تفرد بكتاب يق با فيه لا
لقد اشتغلت جماعات الصوفية من بعد المحاسبي في طريق امتدادها بالقول في
المقامات والمواجيد والكرامات. ثم تطور الحال إلى ظهور أهل الفتوة واختلطوا بالشطار
قطب الدين حيدر التوني المتوفى عام 118 ه. ويقال: أنه أباح لأتباعه تناول الحشيش؛
من الوجه كله وعدم التقيد بالآداب الاجتماعية المعروفة وإهمال الواجبات الشرعية؛ ولبس
0 الضأن مما جعل التصوف ينزع نحو شكليات غامضة لمجرد جذب النفوس.
ثم كان تسلط التصوف النظري الذي كان هدفه في الحقيقة هو احتواء الفلسفات
جني" في نطاق الفكر الإسلامي» ولكن سطوة القول في الحقائق لا سيما الحقيقة
المحمدية كانت هي الأخرى مصدراً لمتاعب فكرية هائلة إذ احتقر الصوفية من هذا النوع
علماء الشريعة. وسموهم «علماء الأوراق» أو «علماء السطوره. وأطلقوا على أنفسهم
كل فريق صاحبه بالعظائم» ومضى كل في طريقه؛ حتى ظهر الغزالي» فحاول الربط بين
فقه أعمال القلوب وفقه أعمال الجوارح في كتابه «إحياء علوم الدين» الذي يعتبر امتداداً
لمؤلفات المحاسبي؛ وإحياء لها بعد توسيع مفاهيمها وتعميقها.
ومضى العالم الإسلامي في تجربته المريرة بعد تدهور سلطان دولته؛ وتغير الكثير من
المفاهيم والمصطلحات الإسلامية؛ وراح الكثيرون من المسلمين يتلمسون علاج نفوسهم
الممزقة في ظلال علم النفس المستورد» ونسوا أن تراث المحاسبي يشكل مدرسة هائلة
للتحليل النفسي الناجح والدقيق لا نجد منهجها في أي مدرسة من مدارس علم النفس
الحديث. الأمر الذي يجعل هذا التراث ضرورة للعالم الإسلامي في بعثه الجديد. ويقظته
التي شمات أقطار العالم في العصر الحديث.
عبد القادر أحمد عطا
مقدمة الطبعة الأولى
الإمام المحاسبي ومدرسته
والفارسية أو التركية فعلااء وأما المكان فهو ما بين البصرة وبغداد. وأما خليفة المسلمين
فكان الأمين ثم المأمون» ثم المتوكل فالوائق. وأما مولده فكان بالبصرة في النصف الثامن
من القرن الأول الهجري .
وكانت البصرة والكوفة كما هو معلوم - مر
الفكر الأخرى» ولكل منهما مذهب تدافع عنه؛ و
وكانت حضارة الإسلام في خلافة بني العباس قد تطورت إلى «مدنية؛ تعني بالمظاهر
الشكلية للتقدم وأسلوب الحياة المترف. ويسير فيها الانحلال الأخلاقي جناً إلى جنب مع
النهضة الثقافية. وحركة الترجمة» ومدارس العلم وجهود المؤلفين الجبارة؛ وإن كان
الالتزام العملي بالعلم قد أصبح قاصراً على فئة قليلة من العلماء والتلاميذ. حيث اجترفت
المدينة الساحرة جمهور الباقين منهم؛ ممن أطلق عليهم المحاسبي اسم «علماء السوء».
لقد بلغ الانحلال الخلقي؛ والاستهانة بالكرامة الإنسائية مداه المتسفل في هذا
ملابس الغلمان. وبعثت بهن إليه؛ فأبرزهن للناس من الخاصة والعامة. وأطلق عليهن اسم
«الغلاميات» كما يقول المسعودي في كتابه «مروج الذهب؛
وكان الفسق يتطور تطوراً خطيراً حتى انتهى الأمر بالمحتسب في اللاذقية؛ وهو والي
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن يجمع القحاب والغرباء من الفساق في حلقة كما
بن متنافسين في العلم وشتى مجالات
به؛ حتى في مسائل الزهد والورع
يقول القفطي في أخبار الحكماء؛ وينادي على كل واحدة منهن+؛ » ويتزايد الفسقة فيهن لليلة
«خاتم المطران» ليكون حجة بيدها من تعقب الوالي لهاء وإذا وجد خاطىء مع خاطئة دون
«خاتم المطران» عوقب
ويذكر الجاحظ في كتاب «المعلمين» أن الأمويين كانوا يسمحون بخروج النساء مع
الجندء ولكن الخراسانيين وعلى رأسهم أبومسلم منع هذه العادة. وخرج الأجناد مع
العربي على الرغم من مظاهر الأبهة والجلال المحيطة به كان في حقيقة أمره أداة في يد
الفرس الذين جاءوا بالعباسيين بعد انقلاب قام به أبو مسلم الخراساني . وعلى الرغم من
المذبحة التي وجهها الرشيد نحو أعيان الفرس المتسلطين فقد بقي نفوذهم قبا وإن كان
قد اتخذ طريقاً آخر ضد عقيدة الإسلام ذاتهاء حيث تسلطت فلسفاتهم الإلحادية؛ وأرغموا
المأمون على استفتاء العلماء على القول بخلق القرآن. ولكنه كان ا رياني تور
القول بخلق القرآن ومن ثم ينطلق المخطط نحو هدم قدسية القرآن» وإخضاعه للمشيئة
الإنسانية شأنه شن كل شيء خلى من أجل الإنسان.
لقد اشتدت هجمة الفرس على عقيدة الإسلام بقيادة قاضي القضاة أحمد بن أبي
دؤاد؛ وأرغموا الخليفة المتوكل بعد المأمون على ضرب المعارضين من العلماء اء للقول
بخلى القرآنة وكان ةذ اضرب الإمام أحمد بن حنبل في الحقيقة انتصاراً معجزاً للإسلام
الشامخ العتيد من جهتين
أولاهما: أن ا الفكري الذي احتج به الفرس لخلق القرآن واهياً لا ينبت أمام
النقاش والفحص. ولذلك كان الضرب في مجال الفكر دون الحجة والبرهان إفلاساً واضحاً
وهزيمة فكرية ظاهرة.
صمود الإسلام الذي تغلغل في كيان أحمد بن حنيل فتكلم بلسانه؛ أو منحه من القوة ما
يصمد به أمام الجلد والتعذيب فكان صمود الإسلام باسم أحمد بن حنبل وهزيمته لجبابرة
السلطان موازياً في المسيرة لصمود الإسلام وهزيمته لمعاول 0 الساحرة التي تعمل في
ضراوة لإسقاط أصلب عقيدة عرفها التاريخ الديني والسياسي جميعاء ولكن الهزيمة الثانية
كانت لقوى الإلحاد في العالم كله وعلى المستوى الشعبي لدولة بني العباس بصفة خاصةء
بقيادة كبار العلماء وأطهرعم سجية وسريرة
وكان الهجوم على المستوى الشعبي ممثلاً كما يروي حنبل بن إسحاق في كتابه
المخطوط «محنة أبي عبد الله بن حنبل» في أن أحمد بن أبي دؤاد بعد هزيعته أمام العلماء
يطانية يو قيدة خلق القرآن من جيل آخر من المسلمين» فأصدر
منشوراً يلزم معلمي القرآن في «الكتاتيب» أن يقرروا على الصبيان حفظ عقيدة القول بخلق
القرآن إلى جانب حفظ آيات القرأ
ولكن صف أهل السنة كان قوياً لا تقوى عليه هذه الأوهام الوافدة على صورة ثقافات
ومذاهب ومترجمات وبدع وأهواء تلقن مشافهة؛ أو تملى على طامع من القراصنة
وزاد من قوة أهل الس انحياز المدرسة الجديدة التي تمزج بين نص السنة وروحه في
أعمّ مراتبها وهم العلماء الزهاد الأوائل الأبرياء من كل دخيل من التظريات أو الأقوال
الموهمة المتشابهة. وكان رأس هذه المدرسة الحقيقي هو الحارث بن أسد المحاسي الذي
سابقاً في منهجه لم نعرف له نظيراً سبق عليه؛ ولا لحق به في مضماره كمنهج عميق من
التحليل النفسي لأول مرة في التاريخ» واستخدام هذا التحليل النفسي في خدمة شريعة
الإسلام لأول مرة في الفكر الديني على الإطلاق.
نش الحارث في ب بيت علم وثراء . فأبوه كان وا. اسع الثراء وكان معنياً بالفكر الديني »
فتح عينيه على الحياة فرأى أباه من رجال الفكر» مما كان له بالتأكيد أثره على اتجاه الحارث
نحو الفكر هو الآخرء ولكن لا على وجه التقليد الأعمى» وإنما كان اتجاهه يكشف عن
شخصية مستقلة» وعقل يأبى إل العمل والدوران في أفلاكه حتى يرسم معالم طريقه بنفسهء
وانتقل الأب بأسرته وفيهم الحارث إلى بغداد وبين مدارسهاء ولفظها الجدلي» ودار
حكمتهاء وحركتها الثقافية التي لا تهداء والتي كانت مدأ قوياً لفتوة الإسلام في الحقيقة؛
وفجأة تبدأ أول البوادر اله شخصية الحارث المحاسبي الفريد هو الآخر. فلقد اختار
الولد طريق السنة معارضاً قوب لابيه. وظهرت تلك المعارضة علانية عند «باب الطاق» في
بغداد. إذ أمسك الحارث بأبيه هناك وجمع حوله الناس+ وقال له على مسمع منهم : طلق
كفر القدرية
لم تمنعه حشمة الأبوه عن إعلان رأيه؛ وإنذار أبيه؛ ما دام الأمر يتصل بالإسلام الذي
بدأ يسري في أوصال الحارث؛ ليجعل منه هو الآخر صورة متحركة مجاهدة قويمة قوية
الحركة والكلمة. صادقة صدق الإسلام » ونقية نقاءه. ومنصورة بنصر الله القاهر.
ملام شخصيتة:
حينما حدد الحارث الفتى اتجاهه السني الإسلامي» كان يمكن أن يكون
كغيره من أهل السنة من العلماء: يعني بالرواية والدراية في الحديث؛ وينسلك ف
مذهب من المذاهب الأربعة؛ وغاية ما يصل إليه أن تكون له اجتهادات مقيدة بمذهبه؛ أي
اجتهادات في الترجيح» وليست مطلقة لا تتقيد بأفكار إمام بعينه. وكان يمكن أن يلجأ إلى
حلقات بغداد فيحدد الفرع الذي يتخصص في دراسته بتوسع من بين فروع العلم السني
المعروف؛ من الحديث أو التفسير أو الأصول أوغيرهاء ثم لا شيء وراء ذلك
بخلاف العلماء في كفر القدرية فيلتمس لأبيه وجهاً من وجوه الإسلام على أساسه؛ هذا
الفتى ليس هو الذي يندفع مع صف الطلاب حتى يختار مكانه من الصف دون بحث ولا
فحص ولا تدقيق .
يجد مكانه في صف أهل السئة بشروط محدودة هي :
١ - أن يكون متفقاً تمام الاتفاق مع أفاعيل الصحابة ومسالكهم .
. أن ترتبط تعاليمه ودراساته وسلوكه بعالم الآخرة» فلا تتفصل البداية عن النهاية ٠
وبحث طويلً. وانتهى به البحث إلى أن حلقات الحديث يسيطر على أهلها الإعجاب
علماء الآخرة من أهل السلوك ليسوا كما يريد: من الأخفياء الأتقياء الذين يرجحون الآخرة
على الأولى.
مطلباً عزيز المنال. طال به الزمان في البحث عنه؛ حتى أصيب بما يشبه أن يكون أزمة