جد صملا الله نه ؛ ولقد أجاد فيها وأفاد وأبلغ فيها وأوجز ؛ وقد شملت هذه
الخطب العالية العظيمة ؛ الجوانب العديدة المهمة في حياة المسلم المادية والمعنوية
بأسلويه البلاغي الجذاب مع إلقائه إياها على أكبر وأعظم منبر عرفه التاريخ
الإسلامي الحافل ؛ ألا وهو منبر مسجد رسول الله له , وقد وضعت هذه
عدة عناصر قوية تتركز عليها حياة الفرد المؤمن والجماعة المؤمنة ؛ في كل زمان
ومكان بذاك الشمول والوفاء بعبارات فصيحة جزلة بليغة دعا فيها إلى الحق
والإنصاف والعدل والصواب وجمع كلمة المسلمين ؛ ووحدتهم في أنحاء المعمورة +
ويأمر بسد الخلل والحد من الفساد والاتحراف بجميع أنواعه وأشكاله ؛ ويقوي
عزائم المسلمين نحو السير الحثيث إلى التقدم ؛ والازدهار والأمن والاستقرار
والمحبة والوثام والحرية الحقيقية المستمدة من كتاب الله تعالى وسَّْة نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة المسلمة المرحومة في القرون المتقدمة ؛ نعم :
إنها خطب تتصل اتصالاً مباشراً بالضمائر الحية والقلوب الواعية ؛ والأرواج
المنورة فتزيدها قوةٌ وبهاء ونبراساً أصيلة وقواعد ثابتة لا تتزعزع ولا تضطرب
يشاهدها - إن شاء الله تعالى - مَنْ تعمق فيها أو قرأها أو نظر فيها ٠ وسوف
ينفع الله تعالى بها الأمم والخلائق فى أنحاء الدنيا لما فيها من معاني الحق
والإنصاف والعدل والخير والعزة والعزيمة والإخلاص والزهد والورع ؛ والخوف
والرجاء في النفس بجزالة الأسلوب ؛ وفصاحة الكلمة والكلام مع الاستدلال القوى
والاستتباط الأصيل من آيات القرآن الكريم إما نصاً أو إشارة أو اقتباساً ٠
وهكذا ثنى بِالسُنّة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام في جميع المشاكل
تحديات العصر .
ومن هنا جاز لي أن أقول - وأنا لست ممن يفصل أو يشرح أو يقوم بإبداء
ما ينبغى أن يظهر جلياً بما في هذه الخطب المنبرية على طول الزمن وكر
الدهر ؛ من منهج مبارك وبرنامج سامق ؛ يتصل بالإنسان وبحياته الفردية
والجماعية في هذه الدنيا والآخرة وحياته البرزخية بعد الموت ؛ فإن سماحة
الخطيب قد برع في بيانه فيها وإيضاحه وأظهر ودعا إلى الحقوق والواجبات
والفرائض ٠ التي افترض الله تعالى على عباده على لسان رسوله محمد نه ,
وقد مكث سماحة الخطيب عشرات سنين على هذا المنبر المبارك ؛ وهو يؤدي
واجبه الديني - ولا يزال - نحو إخوانه المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي
وغيره من بني الإنسان بصفة عامة ؛ وكنت أسمع إلى هذه الخطب أثناء تواجدي
بهذه البلدة الطيبة المباركة عندما كنت بجوار أم القرى ١ من عام 1788 ه إلى
نهاية عام 1744 ه ) ؛ وكنت أحرص أشد الحرص على سماعها والاستفادة
١ - لكون هذه الخطب البارعة مركزة ومنظمة تعتمدة على نصوص الكتاب
والسُنَّة وآثار الصحابة رضى الله عنهم والتابعين رحمهم الله ؛ فيطمئن السامع
والقارئ إلى صدق القول وصحة الأحكام .
- إن هذه الخطب مع قصرها وجزالة لفظها ؛ وفصاحة معانيها منقولة
مرتبطة برباط وثيق بمعاني كتاب الله تعالى ووس رسوله الكريم كه ؛ إما نصاً
© - إن طريقة الأداء والإيصال إلى أسماع الناس بتلك الكيفية التي سمعها
العالم الإسلامي هنا وهناك عن طريق الإذاعة أو شاهدها اهدها هنا وهناك
عن طريق البث المباشر التلقازي كان أروع صورة حية أثرت في النفوس وحركت
الضمائر والقلوب . إلى الحق والصواب والعدل والإنصاف في جميع حركات
النصوص التي أوردها سماحة الخطيب في خطبه استدلالاً بها أو استشهاداً لم
سماحة الخطيب مع إيراد نص آخر صحيع بمعناه ؛ ومن هنا نرى أن كثيراً من
الخطباء في العالم الإسلامي ؛ لا يهتمون بهذا الموضوع البتة إلا نادراً ؛ والنادر
لا حكم له إلا ما شاء الله تعالى ٠
ه - ولقد اهتم سماحة الخطيب فيها اهتماماً بالغاً بأمر العقيدة الإسلامية
يكن مملاً ولا مخلاً ؛ وإما كان جذاباً بارعا بالحكمة المثالية والموعظة الحسنة
والمجادلة الطيبة مع سلامة الألفاظ من الشدة والغلظة , وكأنه - حفظه الله
في سورة آل عمران : ( َمَارَحْمَوَيَنَ آ
ذا هو المنهج المبارك الذي أمر الله تعالى نبيه له بالسير عليه في السراء
الواضح المبارك ٠ وهذا هو سر نجاح الخطيب والداعى والموجه والمربي في جميع
تصرفاته . وقد لاحظت هذا المعنى وهو عنصر أساسي أثناء عملي في تخريج
نصوص هذه الخطب رغبة مني في الخير لأستفيد أولاً ثم الآخرون ممن كتب الله
تعالى لهم الهداية والرشاد والسداد والتوفيق من هذه الآثار الحقة . وقرأ في
هذه الخطب .
» ولقد جاءت هذه الخطب المنبرية في أوقات مناسبة بمقتضى الحال والطلب - ٠
لها صلة قوية بالمشاكل الاجتماعية والأخلاق والضمائر ؛ فلا بد من دراستها
دراسة جدية وأسباب وجودها ؛ ثم يتكلم الخطيب في هذه الأسباب ثم في
المسيبات ؛ ومن هنا كانت هذه الخطب موضع إعجاب وتقدير لدى كل مَّن له صلة
بالعلم والعلماء والحكمة والحكماء ؛ وإن هناك ميزات كثيرة أخرى سوف يجدها
القاريء أثناء دراسته ونظرته في هذه الخطب ولو في أوقات فراغه ؛ لكي
يتسنى له المتعة الروحية بعد أن يستيقظ من نومه المبكر ؛ ويستشعر بالمعاني
بهذا الشرف وطلب إليّ لرغبة أكيدة سابقة في نفسي نحو تحقق هذا الحلم ؛ مع
أن كل كلمة صافية نقية تصدر اليوم للدفاع عن الحق ورفع الظلم وبث الخير
والنور ورد الظلم والعدوان ودفع الفساد والبغي ؛ لفيها خير عظيم ونفع عميم
لجميع الكائنات على وجه الأرض فضلاً عن ٠ ١ فكيف وقد صدرت هذه
الكلمات المباركات التي حملت الخير والرشاد من في رجل حافظة لكتاب الله
تعالى وعامل به إن شاء الله وهو واقف على أعظم وأكبر مثبر عرق التاريخ
الإسلامي الحافل , يدعو إلى الخير والعلم والتواضع والمحبة والنور والهداية
تقيِّل الله تعالى منه هذا الجهد الجيد المبارك وجعله خالصاً لوجهه الكريم ويتقبل
منه مع رفع درجاته في الأولى والآخرة ؛ إنه سميع مجيب ؛ وبالإجابة جدير +
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وعملي المتواضع في تحقيق هذه المادة العلمية المنقولة كما يلي +
. قراءة مادة الخطبة الواحدة بالإمعان والتمحيص - ١
- وضع الفواصل بين الكلمات والجمل حسب المنهج المعروف في الكتابة
© - تخريج الآيات القرآنية التي أوردها سماحة الخطيب يوضع العزو في
هامش الخطبة بالوضوح ثم ذكر اسم السورة ورقم الآية +
مخرجة لدى الشيخين « البخاري » و « مسلم » أو في أحدهما عزوتها في
الهامش مع ذكر رقم الحديث والباب وعنواته .. وإذا كانت في غير هذين
المصدرين مثل الستن الأربعة أو مسند الإمام أحمد ؛ أو المعاجم الثلاث للإمام
أبي القاسم الطبراني أو الحاكم في المستدرك أو البيهقي في السئن الكبرى
أو ابن حبان أو غيرهم . عزوت الحديث إليهم مع ذكر اسم الصحابي ودرجة
الإسناد وذلك نقلاً عن أئمة الحديث ونقاده ؛ وإذا وجد - لا سمح الله - حديث
ضعيف الإستاد فأورد له شاهداً صحيحاً أو حسناً حسب القدرة والإمكان ٠
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
العبد الفقير إلى مولاه
عبد القادر بن حبيب الله
أحد علماء المدينة المنورة
موجز عن حياة سماحة الشيخ عبد الله بن
محمد بن زاحم « أمدٌ الله في عمره المديد »
هو الشيخ عبد الله ؛ بن محمد ؛ بن عبد الوهاب ؛ بن عثمان ؛ بن محمد بن
عبد الوهاب ؛ بن زاحم . من آل فضل ؛ من المرازيق من قبيلة البقوم ٠ من الأرد
من قحطان .
فإنه ولد - حفظه الله - في قرية القصب من قرى اليمامة بنجد في
الوشم ؛ فى عام 138 ه » ونشاً فيها عند والديه ؛ على التقوى ؛ والصلاح +
وكان والده الشيخ « محمد بن عبد الوهاب » - رحمه الله - حافظاً للقرآن
الكريم » وإماماً لمسجد في القصب .
فدرس على والده ؛ في دروس بعد العصر ٠ وبعد المغرب . يقرأ القرآن
الكريم ؛ وقد بدأ بالحفظ ؛ من قصار المفصل ؛ إلى آخر سورة طه ؛ وكما أنه
قرأ ودرس ؛ على المقريء في القصب « الشيخ عبد العزيز بن محمد المحارب » +
وعلى المقريء « الشيخ عبد العزيز بن علي بن عوجان » .
وما توفي والده الشيخ « محمد بن عبد الوهاب » في عام 1707 ه في
القصب ؛ وقد بلغ سن الشيخ « عبد الله بن محمد » ؛ اثني عشر عاماً , انتقل
إلى عمه الشيخ « عبد الله بن عبد الوهاب بن عثمان بن محمد بن زاحم » في
الرياض ؛ وكان عمه رئيساً للمحكمة الكبرى الشرعية هناك ؛ وفى عام 1977 ه
انتقل عمه الشيخ « عبد الله بن عبد الوهاب » رحمه الله تعالى إلى المديئة
المنورة » عن طريق مكة المكرمة ؛ فانتقل معه ؛ وقد أدوا فريضة الحج في العام
نفسه ؛ ويقول الشيخ عبد الله - صاحب هذه الترجمة - : وتلك أول مرة في
حياته يرى فيها مكة المكرمة ؛ والكعبة المشرئة , والبقاع المطهرة ؛ قلت : لا شك
أنها لحظة مباركة ؛ يتمناها كل مسلم ؛ وموقف عجيب ؛ وهو محبب للنفس +
ووقت نفيس لا يمكن نسيانه ؛ بل هو ثابت في الذاكرة ٠
وبعد أداء فريضة الحج ؛ توجه مع عمه والأسرة إلى المدينة المنورة ؛ فوصلوا
في 1364/1/١ ه ؛ ثم التحق بالمدرسة الناصرية الابتدائية ؛ بالسنة الرابعة +
وقد بلغ سنه - آنذاك - ثلاث عشرة سنة ؛ وكان يدرس فيها علم الفرائض
بالسنة الرابعة ٠ وهذا دليل قوي على مستواه التعليمي الجيد ؛ وهكذا أنهى
دراسته الابتدائية بالمدينة المنورة ؛ ثم التحق بوظيفة في المحكمة الكبرى بالمدينة
المنورة لظروف الحياا التي قد تتعرض للإنسان ؛ فعين مساعداً لكاتب ضبط +
وفى هذه الأثناء كان يأخذ العلم مساءً على كل من مشايخ المدينة المثورة :
1- جمد الشيخ و عبد الل ين زاح زحته الله .
؟ - الشيخ « محمد الخيال » رحمه الله ٠
© - الشيخ « عبد العزيز بن صالح » » بارك الله في حياته ٠
وكان يأخذ على هؤلاء الأجلاء العقائد والفرائض ؛ واللغة العربية ؛ والفقه ٠
- وكان يأخذ الحديث وعلومه على « الشيخ عبد الرحمن بن يوسف
الأفريقي » ؛ رحمه الله !١( . ولما فتح المعهد العلمي في عام ١7/١ ه في
الرياض ؛ ترك الوظيفة ؛ فالتحق به للدراسة ؛ وكان يحضر دروس سماحة الشيخ
« محمد بن إبراهيم » ٠ والشيخ « عبد اللطيف بن إبراهيم » في المسجد !"+
والشيخ « عبد اللطيف سرحان » والشيخ « حمد الجاسر » والشيخ « عبد الرحمن
ابن عودان » والشيخ « عبد العزير بن رشيد » - جزاهم الله خيرا !" ؛ وكان
)١( وأ التفسير وعلومه عن العلامه الشيخ محمد الأمين
٠ ون عنهم في المعهد والكلبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بار الله فى حياته )١(
والشيخ عبد الرزاق العفيفي
يعود إلى المدينة المنورة خلال العطلات الصيفية لملازمة علمائها المذكورين للأخذ
عنهم ؛ وكان من أساتذته 0١١ .
٠ - في هذه الأثناء كان يقرأ على الشيخ « محمد بن الأمين الشنقيطي »
رحمه الله للأخذ عنه في التفسير +
وبعد تخرجه من المعهد العلمي بالرياض التحق بكلية الشريعة بالرياض +
وفى عام ٠374 ه تخرج من الكلية وأتم دراسته الجامعية +
وفى 1174/4/1١ ه عين مساعداً لرئيس محكمة حائل ؛ وبعد إحالة رئيس
المحكمة للتقاعد عين « الشيخ عبد الله » رئيساً لها بتاريخ 18:/2/6 ه .
ثم عين رئيس محكمة ( ب ) في ١348/1/1 ه ؛ ثم رئيس محكمة ( أ )
وفي عام ١79٠ ه عاد إلى المدينة المنورة وكلف بعمل مساعداً لرئيس
المحكمة بالمدينة المنورة .
وفي آخر عام 134١ ه عين إماما وخطيباً للمسجد النبوي الشريف .
وفي 1347/17/17 ه عين على وظيفة قاضي تمييز ؛ ولا يزال على هذه
الوظيفة ويعمل مساعداًٌ لرئيس محاكم منطقة المدينة المنورة وإماماً وخطيباً
للمسجد النبوي ؛ ولم يرغب الخروج من المدينة المنورة طوال هذه المدة ؛ وأحب
البقاء في المدينة النبوية الشريفة والموت فيها +
أمد الله تعالى في عمره بالعمل الصالح وأجزل له مثويعه !١ .
عبد القادر حبيب الله
أحد علماء المدينة المنورة
+ في التجويد الشيخ قاري عبد الرؤوف . والشيخ خليل عيد الرحمن )١(
+ أكثر هذه المعلومات التقيت من بعض الإخرة القريبين من الشيخ عبد الله )(
مقدمة المؤلف
الحمد لله رب العالمين . أوجب الموعظة في كل أسبوع على المؤمنين +
وأوجب السعى إليها عند النداء , وترك البيع والشراء .. والصلاة والسلام على
رسول الله القدوة الحسنة .
فإن خطبة الجمعة واجبه بنص الكتاب والسُئّة قال تعالى : ( يأَيْهَاآلَذَِ
مسلم ) "0
وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : « كان النبى 4# يخطب
خطبتين . كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ آذان المزذن ثم يقوم فيخطب ثم
يجلس ولا يتكلم ثم يقوم فيخطب » ( رواه أبو داود ) !"0
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : « كان النبى ه يخطب قائماً ثم
يجلس ثم يقوم ويخطب قائماً » ( زواه مسلم ) 1١ ,