مقدمة
مهمة الخطيب مهمة شاقة ولا ريب مشقة تحتم عليه أن
يستعد الاستعداد الكافي في صواب الفكرء وحسن التعبير»
وطلاقة اللسانء ووجودة الإلقاء.
مطلوب من الخطيب أن يُحدْثَ الناس بما يمن حياتهم ولا
ينقطع عن ماضيهم» درشم إلى قواعد الدين ومبادثه» يبضّرهم
والدعوة إلى التجديد والتحديث والبعد عن المكرور لا تغير
من الحقيقة الثاءٍ ة شيناء وهي أن حياة الناس وأحوالهم في كل
زمان ومكان صورةٌ واحدة من تصارع الغرائز» واضطراب
النفوس» وغليان الأحقادء وفي مقابل ذلك تلقى أحوالاً من
الإخلاص والتعاون.
نعم إن حياة الناس صورة معادة» وتغيّراتٌ متناوبة؛ فأحداث
اليوم هي أحداث الأمسء والبواعث والمثيرات في الماضي هي
فإنسان الغابة وإنسان المدنيّة سواءء غير أن الأول يحارب
بحجر والثاني .يرمي بقنبلة» والأول قد يقتل واحداً أو اثنين»
والثاني يقتل عشرات ومئات؛ القوي في الغابة يستولي على مرعى
أو بثر» أما قوي المدنية فيستولي على قطر بأكمله»؛ ويأكل قوت
شعب بجملته بل شعوب برمتهاء ويستبدٌ بمصادر طاقة؛ وموارد
حياة مصيرية .
إذا كان ذلك كذلك فكيف يكون الحال لو نجح الدعاة
المصلحون في تهذيب الغرائز والتسامي بهاء
إِنَّ خطيبٌ المسجد وواعظً الجماعة قد يكون أشدٌ فاعلية في
نفوس الجماهير من كثير من أجهزة التوجيه في المجتمع. إن
الخطيب بلسانه ورقة جنانه وتجرده - بإذن الله - يقتلم جذور الشر
في نفس المجرم ويبعث في نفسه خشية الله؛ وحب الحق؛ وقبول
العدل» ومعاونة الناس» إن عمله إصلاح الضمائر؛ وجمع
الكلمة» وإيقاظ العواطف النبيلة في نفوس الأمة؛ وبناء الضمائر
الحية؛ وتربية النفوس العالية في عمل خالص وجهد متجرد؛
يرجو ثواب الله ويروم نفع الناس.
ولتعلم أن هذا ليس إطراءً ولا مديحاً؛ ولكنه تنبيه إلى شرف
استعداد وشعور صادق بالمسئولية.
وكيف لا يكون ذلك وهذه هي رسالة الأنبياء والصدّيقين
لا يقصد من الكتابة عن الخطابة وأسسها ومبادثها وآدابهاء أن
تكون مادة يَدَرْسُهَا الدارس لتجعل منه خطيباً مفوهاً ومتحدثاً
مصقعاًء؛ إن الكتابة والأبحاث والمناهج لا تجعل من المي فصيحاً»
ولا اللسان المعقود طليقاً؛ ولكن هذه الكتابات والدراسات
والبحوث نبراس ومنار يضيء لصاحب الموهبة والاستعداد» وَمِشْعَلٌ
يُنمي الموهبة» ومصباح ينير السبيل فلا يكون حاطب ليل .
هذه الكتابات والبحوث يتكون منها علم ينير الطريقء ولا
وأنت خبير بأن السراج المنير لا يستفيد منه غير البصير
ذو الرمد فغير منتفع» ويكفيك إشارة بأن الكاتب في علم
الاقتصاد والعَالِم في أسسه وقواعده قد يكون أقل الناس مالا
وأضعفهم مورداً.
ولكل إنسان خليقة؛ فالتمس من الأمور حقائقهاء وَأَجْرٍ الأزمنة
على طرائقهاء وعامل الناس على خلائقها».
ريف
الخُطبة - بضم الخاء - كلام منثور مسجوع ومرسل أو مزدوج
بينهماء غايته التأثير والإقناع .
أي لا يجبر
ويقصد بها هنا الخُطَبٍ التي تلقّئ على المنابر يوم الجمعة
والعيدين» بقصد حمل الناس على الخيرء وترغيبهم فيه؛
حسب ما يقتضيه أمر الشرع.
والخطبة من جانب الخطيب مقدرة على التصرف في فنون
الكلم» مرماها التأثير في نفس السامع ومخاطبة وجدانه.
الدعوة إلى الصلاح والإصلاح؛ ونشر العقائد الصحيحة
وتثبيتها؛ء والاستمساك بأمور الشريعة؛ وإقامة الحتق والعدل»
ونشر الفضائل؛ وتسكين الفتن» وفضٌ المشكلات» وتهدئة
النفوس الثائرة» وإحياء النفوس الفاترة؛ ترفع الحقء وتخفض
الباطل» هي صوت المظلومين» وواعظ الظالمين؛ ولسان
والغرض هنا الإشارات إلى مجمل الأغراض؛ وسوف يزداد
الأمر بياناً من خلال الحديث عن أنواع الخطب وخصائص
الخطب المنبرية.
والفقرة التالية في أثر الخطبة تعطي مزيد بسط في المقصود.
إصلاح» إلا بالكلمة البليغة؛ والحجة الظاهرة» والخطبة الباهرة.
لا يكاد ينجح صاحب
الخطيب المفوّه يلحق بحجته؛ ويسبق إلى غايته؛ فيعلو
ولهذا فإنَّ القائد المحدّك في الجيش يتميز - فيما ب
خطباء الصحابة: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي»؛ ثم من بعدهم من
صالح سلف الأمة وأئمتها رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم قد
للمجد الشخصي»+ فإنها في نبل غايتها وعظيم أثرها طريق للنقع
العام والإصلاح الشامل .
والخطابة مظهر حضاري للمجتمع الراقي المستنير» يعلو
قدرهاء ويروج سوقها برقي المجتمع وانتشار الثقافة فيه» كما أنها
ونَعَةٌ جانب آخر في التأثير ينبغي مراعاته؛ وهو أن تأثير
الخطيب في سامعيه ليس بالإلزام أو بالإفحام» بل مره إلى إثارة
بالدلائل المنطقية تُساق جافَّة؛ ولا بالبراهين العقلية تقدم عارية؛
لكن بإثارة العاطفة واستجاشة الوجدان.
ومن هنا فإنَّ الخطيب قد يستغني عن الدلائل العقلية ولكنه
)١( المسارب: جمع مسرب وهي الطريق والمسلك.
لا يمكن أن يستغني عن المثيرات العاطفية» ولعلّك تدرك أن أكثر
ما يعتمد عليه الخطيب في حمل السامعين على المراد مخاطبة
وجدانهم والتأثير في عواطفهم .
إنَّ الخطيب المرموق - كما هو معلوم - يأخذ سامعيه
وهذا مَعين في التأثير لا ينضب ولا يُمَلُ.
أما البراهين العقلية وحدها فجافة تجلب السآمة.
وحينما يذكر خطاب العاطفة وأثرها فلا يخطر بالبال أن ذلك
يعنى دغدغة العواطف بالكذب والتزييف» ومخالفة الأقوال
للأفعال فهذا خَبْلَهٌ قصير بل ضعيف واو وها ما سبيبدو وَاضخاً
في صفات الخطيب إن شاء الله
أنواع الخطبة:
الناظر في أغراض الخطبة ومقاصدها ومتطلبات المجتمع من
-١ الخطب النيابية:
وهي الخطب التي تكون في دور النيابة والشورى عاكسة ما
يجري داخل هذه القاعات من مناقشات ومداولات وأسئلة
7 الخطب الانتخابية:
وهي خطب تعد وتلقى من أجل الترشيح والتزكية لشخص أو
الخطب الثقافية:
وهي ما يلقى في النوادي الثقافية والأنشطة العلمية والجامعية؛
وتعلو النبرة فيه بما يعرف بالمعارك الأدبية بين المنتدين حسب
خطاب لطبقة م
ة متأدبة ذات تميز ثقافي خاص.
4 الخطب القضائية:
ويظهر هذا النوع في دور القضاء وقاعات المحاكم حين ينبري
المدّعون بإلقاء حججهم والسعي في إثبات دعواهم» فيقابلهم
المحامون بالدفاع عن موكليهم بأسلوب خطابي بليغ مؤثر؛ ذي
ألفاظ منتقاة» وإلقاء متميزء وحركات مدروسة.
*- الخطب العسكرية:
وهي ما يلقيه قائد العسكر في جنده وزملائه بغرض بث الروح
وشرح خططه العسكرية والميدانية بأسلوب انفعالي مؤثر.
+- خطب المنبر والمواعظ :
وهذا هو محل البحث والنظر والتفصيل هناء وذلك النوع
يتجلى في أبهى صورته وكامل هيثته وانتظام شكله في خطب
وترمي إلى مقاصد متنوعة. نشير في هذا التعريف إلى نماذج
المعلوم أن هذه المقاصد والأغراض تتجدد وتتنوع حسب حاجات
الناس» وتغير الأحوال وتقلب الظروف» ودواعي التذكير.
أ- تثبيت العقيدة وتقوية الإيمان.
الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه وبيان مزاياه.
ج خطب الإصلاح ومحاربة المنكرات.
د خطب ذات موضوع خاص أو مسألة مفردة من مسائثل الإسلام
كالصلاة. والصوم» وحقوق الوالدين. والجوار» وحرمة الزناء
والخمرء والسرقة؛ ونحو ذلك مما مقصده التذكير والوعظ
والتعليم ونحو ذلك .
ها معالجة القضايا المستجدة بنظرة شرعية؛ وأسلوب وعظي
ل أنواع أخرى:
أخرى غير شهيرة ذات موضوعات ومقاصد أخرى؛ كخطب
الاجتماعية؛ والمحافل الشعبية.
إعداد الخطبة وبناؤها:
بعد ما سبق من مقدمات وممهدات في تعريف الخطبة وغرضها
وأنواعها وأثرها فإنه يتبع هذا دخول في جزء مهم من مقاصد هذا
البحث» ذلكم هو جزء الإعداد والبناء؛. وسوف ينتظم ذلك
الحديث عن: عناصر البناء وطريقة البناء.
لا يتوهم متوهم أن إعداد الخطبة وتحضيرها مما يعيب القدرة
أو يشكك في الأهلية؛ فإنه بدون الإعداد يتفوه المتصدر للخطابة
وحديث الناس بكلام مبتذلٍ لا قيمة له» هزيلٍ في معناه» متهدم
فعلى الخطيب أن يعلم أنه كالخائض غمار معركة» عليه أن
يكون ذلك إلا بالاستعداد والتهيؤ وأخذ العدة لكل موقف.
إن ذا الاطلاع الواسع والعلم الغزير إن لم يراجع نفسه حيناً
قرطاسه من الألفاظ والعبارات المناسبة - سوف يهتز موقفه
ويضعف أسلوبه ويتراخى أداؤه؛ ويتناقص عطاؤه؛ وينحدر في
منجرف الابتذال السحيق» وتكون معالجاته سطحية تفقذ تأثيرهاء
وتخسر جمهورها.
عناصر البناء:
من المعلوم مما سبق ويتأكد فيما سيأتي أن الخطبة وسائر
الأعمال العلمية والأدبية تعتمد على أسس ثلاثة:
قلب مفكرء وبيان مصورء؛ ولسان معبر.
فالأول يكون به إيجاد الموضوع وابتكاره وتوليده» وبالثاني
تنسيقه وترتيبه ورضّهء وبالثالث عرضه والتعبير به.
9 اللأمة: هي درع الحرب