يحمد عليه. وهو كما قال صاحب كشف الظنون كالبحر العباب؛ حوى
كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالقرآن وعلومه.
ثم إن الموضوع الأصلي للكتاب - «وهو: بيان مقاصد سور القرآن» -
موضوع بكرء وعلى جانب كبير من الأهمية بالنسبة لعلم التفسير» ولم نجد
أحداً من القدماء بمن
محاولات ينقصها الاستيعاب والشمول. بخلاف كابنا هذا الذي استقصى
ولقد ظهرت اتجاهات حديثة في التفسير ترمي إلى إبراز محتوى السورة؛
وتلخيص ما فيها من موضوعات؛ وربط كل موضوع بالآخرء مما يجسد
الموضوع الأصلي الذي تدور السورة في فلكه. ومن هؤلاء الذين ييتمون
ببيانذ مقصاد سور القرآان:
المرحوم الشيخ محمود شلتوت في تفسيره.
والشهيد سيد قطب في كتابه وظلال القرآن».
والأستاذ الصابوني في كتابه «صفوة التفاسيره مستعيناً بكتاب الأستاذ
سيد قطب آنف الذكر. .
والدكتور عبدالله شحاته في كتابه «أهداف كل سورة ومقصادها». . .
الثاني: خلو المكتبات العربية والإسلامية من تراث العلامة برهان الدين
وها أنا أقدم الكتاب للمسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربهاء وقد
قدمت له ممقدمة حوت دزاسة مفصلة عن المؤلف وعصره» وحديثاً قصيراً عن
مع العلم بأنني لم أبخل بشيء من الوقت والجهد في تحقيق مسائل
الكتاب وأقواله. وفحص كلماته وأعلامه؛ وتخريج أحاديثه وآثاره؛. يعلم ذلك
الله العزيز» والإسهام في نشر تراث أمتنا المجيد. والحمد لله الذي بنعمته تتم
المحقق: دكتور/ عبد السميع محمد أحمد حسنين
الرياض: في غرة محرم لعام 1466 ه
أكتوبر (تشرين أول) لسنة 1484م
الفصل الأول
التعريف بالبقاعي وعصره
المبحث الأول : عصر البقاعي .
المبحث الثاني : نشأته وطلبه العلم.
المبحث الثالث : التعريف ببعض شيوخه وتلاميذه.
المبحث الرابع : آثاره ومنزلته العلمية.
المبحث الخامس : خصومه.
البحث الأول
عصر البقاعي
الحالة السياسية.
عصر البقاعي
يعنى بالعصر:
حقبة من الزمن معلومة البدء والانتهاء» ترتبط بها عوامل وأحداث
منذ انتهاء دولة الأيوبيين اسنة 148 هه ويتتهي بفتح
وقد داب المؤرخون على تقسيم دولة المماليك إلى دولتين:
الأولى: دولة المماليك البحرية:
التي أسسها الأمير عز الدين أبيك أحد مالي السلطان نجم الدين
أيوب» واستمر حكمها للبلاد نحواً من مائتين وثلاثين سنة؛ تنحصر فيا بين
سني 8 04ا8» وعرف أتراك هذه الدولة بالمماليك البحرية. لأن الملك
الصالح أسكتهم قلعة الروضة بجوار نهر النيل.
دولة المماليك الجراكسة
وأصل المماليك من الرقيق الذين كانوا بجلبون إلى البلاد العربية من
بلاد آسيا وغيرها بواسطة السرقة والخطف. أو في ظروف حروب وغارات
يحدث من جرائها الأسر والسبي؛ وقد يكون الحصول عليهم في ظروف قحط
ويرجع ظهور المماليك في العالم الإسلامي وبخاصة العالم العر
ما قبل قيام دولتهم بأمد طويل» وكان أول من استخدمهم هو المأمون الخليفة
أخوه الخليفة المعتصم باللهء فقد أكثر من استقدام المماليك لتدعيم سلطاته
وانصرافاً عن العنصر الفارسي .
من المماليك عدتهم وجندهم؛ وجعلوهم السند القوي في تدعيم سلطائهم»
وبهذا الأسلوب أخذ سلاطين مصر وأمراؤهاء وكان أول من أحضر الماليك
إلى مصر الأمير أحمد بن طولون كما ذكر القلقشندي في «صبح الأعشى:
فقد أكثر من شراء مماليك الديلم الذين يقيمون جنوب بحر قزوين» وبلغت
عدة من أحضرهم أربعة وعشرين ألف مملوك!"» ويرجع السبب في ذلك
إلى أن والد الأمير أحمد بن طولون كان من الترك الذين يقيمون بين سيييريا
وتركستان» وقد أسر في بعض الحروب فوقع مع جملة من الرقيق في يد نوح
474/7 صبح الأعشى )١(
17/١ عصر سلاطين المماليك )1(
حتى لمع نجمه؛ وصار من كبار قواده !©
وفي إبَان الدولة الأخشيدية جعل الأمير محمد بن طغج الاخشيدي كل
شراء المماليك من شبه جزيرة القرم وبلاد القوقاز. وفارس» وآسيا الصغرىء
بالإضافة إلى أقلية من البلاد الأوروبية.
بإعدادهم إعداداً عسكرياً؛ وبنوا لهم الشكنات بجزيرة الروضة بجوار النيل.
وعن طريق الأيوبيين انتقلت السلطة المباشرة إلى المماليك» وذلك بعد
مقتل توران شاه آخر سلاطين الأيوبيين في المحرم سنة 148 ه؛ واعتلت شجرة
الدر عرش البلاد وقد كانت زوجة لأبيه السلطان نجم الدين أيوب؛ وهي
هدية إلى السلطان نجم الدين أيوب» ثم تزوج بهاء وفذه المرأة دور كبير في
إنقاذ البلاد بعد موت السلطان إبّان الحرب التي كانت داثرة بين المسلمين
والصليبيين» فأخفت موته وكانت الأوامر تصدر تباعاً من القصر بإدارة المعركة
وتصريف أمور البلاد» وأعلنت أن السلطان مريض» وأرسلت إلى ولده توران
شاه الذي كان في حصن كيفا بالموصل» فليا جاء أعلن موتُ أبيه ونودي به
سلطاناً على البلاد» وقاد الحرب ضد الصلييين في دمياط» وأحرز عليهم
74 تاريخ الماليك البحرية ص )١(
المرجع السابق )(
نصراً عظياً؛ ولكنه سرعان ما تنكر لشجرة الدر» فعمل على إذلالها وإيذائهاء
واتهمها بسرقة أموال أبيه؛ ولكنها كانت أسرع منه في الخلاص من الخصم؛
فدبرت خطة لقتله .وتم قتله في شهر المحرم سنة148 ه . وبقتله التهى حكم
الأيوبيين» ووجدت شجرة الدر الفرصة سائحة فأعلنت نفسها سلطانة على
البلاد. ولكن ظهرت معارضة من صفوف الشعب تنادي بِعُدُولها عن هذا
الأمرء إذ لا يتولى أمر المسلمين امرأة. وكان على رأس المعارضين المعز ابن
عبد السلام سلطان العلماء» ولما علم بذلك الخليفة المستعصم بالله أرسل
الدين أييك وهو من أمراء المماليك المقربين للسلطان قبل موته؛ ولما تزوجته
تنازلت له عن السلطة؛ وكان ذلك في شهر ربيع الثاني سنة 148 ه.
وبذلك يكون عز الدين أبيك الذي كان مملوكاً للسلطان نجم الدين
أيوب أول 'سلطان مملوكي حكم مصر وما جاورها من بلاد الشام؛ وأصبحت
السلطة الفعلية في البلاد للمماليك الذين استمر حكمهم إلى أن جاء الأتراك
العثمانيون سنة 877 أي نحواً من 1718 سنة!).
والمقصود من هذه الدراسة في أعماق تاريخ البلاد: التعرف على أحولها
من ثلاث جهات تهم الباحث في كشف شخصية من يدرسه من علماء ذلك
المراد بالحالة السياسية: علاقة دولة ما بغيرها من الدول سلا أو حرباء
وما يترتب على ذلك في داخل البلاد.
وقد تعرضت دولة المماليك إلى كثير من هجمات الدول الطامعة في
)١( راجع ذلك مفصلاً في: عصر سلاطين المماليك ١91/1؛ تاريخ الماليك البحرية ص
ويكمن هذا الخطر في الهجمات التترية الوافدة من بلاد آسيا والشرق
والتتار أمم وثنية جاهلة من الجنس المغولي الأصفر تسكن الأطراف
الشمالية لبلاد الصينء زحفت هذه الجماعات في جيش كالجراد على أواسط
وأبادوا مَنْ فيهاء وقتلوا الخليفة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين؛ ونبوا
والقضاء على الخلافة العباسية لكي يستعيد الخلافة الفاطمية.
مدينة بعد أخرى» ثم أرسلوا رسلهم وكتبهم إلى السلطان قطز حاكم البلاد
يأبه بوعيدهم ولم يخف تهديدهم. فأعدم رسل هولاكوء وأجمع أمره على
مواجهة الجيش التتري الزاحف من الشام؛ وجع الرجال والعتاد. وسار
الفريقان في حرب هاثلة انجاب غبارها عن نصر حاسم للمسلمين بقيادة
رمضان في الخامس والعشرين من سنة 688 .
ولم تقف مطامع التتار نحو الشرق الإسلامي عند هذا الحدء فعمدوا
إلى الإغارة على أطراف البلاد» المرة تلو المرة» والفينة بعد الفيئة, وذلك في