أو ما شاكل ذلك ؛ فقد تحداهم القرآن الكريم أن يأتوا بمثله على لسان
محمد صلى الله عليه وسلم فعجزوا ولجوا فى العناد معارضين ء
الله أفواجا +
ولقد تأثر بسماعه كل من أتهم وأنجد ورجعوا اليه فى تنظيم
حياتهم ومعاملاتهم لأنهم رأوا فيه خير دستور وأقوم منهاج ؛ وأكثر
من هذا جعلوه سلوتهم الوحيدة اذا حزيهم أمر ؛ أو نابم مكروه
أو نزلت بهم نازلة أو مسهم طائف من الشيطان كما يقول ابن الخطيب
فى كتابه « الفرقان » وعلى آية حال فهذه كانت طريقة العرب فى بدء
حياتهم الاسلامية ؛ ولكن لما تعقدت الحياة بكثرة الحروب ودخلت
الاسلام شعوب مختلفة ؛ اختلفت أماكنهم وتباينت مناهجهم فى ثقافاتهم
المتعددة لم تلبث هذه الثقافات أن ظهرت فى تفكيرهم وفهمهم لممانى
القرآن الكريم ... ؛ ودخل قوم وجلهم من الأعاجم ففتحوا أبوايا
طائفة منهم طريقة خاصة فى النظرة للقرآن تختلف حسب مذهيها
الأعاجم بالعرب وتسامح الخلفاء فى آمر الدين وهب الناس يطلعون
على كتب غيرهم من الفرس واليونان والهند ؛ ونتج عن ذلك أعمال عقولهم
واطلاق تفكيرهم اطلاقا حرا لا يتقيد بقيد سوى الاجتهاد العقلى +
وفى نهاية القرن الثانى الهجرى ظهرت جماعة من الشعراء
والأدباء أمثال ابن المقفع وبشار بن برد وصالح بن عبد
القدوس وعبد الحميد الكاتب ووالبة بن الحباب ؛ وأخذوا يتدارسون
القرآن الكريم ويقلدون نظمه وأسلوبه ٠... ومن هنا ابتدا الكلام فى
اعجاز القرآن الكريم و اختلفوا فى وجه اعجازه ؛ وهذا يدعو الى الحديث
عن بعض الآراء ؛ والاطلاع على بعض الحجج فى ذلك حتى يتبين لنا
الوجه الحق +
وسوف أتكلم عن المعجزة وآراء السابقين فى وجه الاعجاز
مفندا رأيهم اما بالرفض واما بالقبول +
المعجزة لابد فيها من اعجاز المشكر فان كان ما أتى به المتحدى
صادرا عنه كالاخبار عن اليب أو ظاهرا على يده غير صادر عنه كالكلام
المنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام خارجا عن طوق البشر كما
هو المختار من جطة ما قيل فيه فالاعجاز فى اتيان المتحدى به +
وان لم يكن خارجا عن طوق البشر ؛ كما هو رأى أصحاب الصرفة
فى وصف القرآن الكريم فالاعجاز لا يخرج عن خرق العادة لأن الاعجاز
آن الكريم معجز لأنه عليه الصلاة
والسلام قد تحدى به ولم يعارض سواء كان عدم الممارضة مع
شبهة ؛ وآيات التحدى كثيرة منها قوله تعالى : « فليأتوا بحديث مثله »
فكان التحدى بجميع القرآن الكريم فى هذا الزمن » فلما ظهر
عجزهم عن ذلك نزل قوله تعالى : « قل فأتوا بعشر سور مثله » ثم
لما ظهر عجزهم عن هذا المقدار أيضا نزل قوله تعالى : « فأتوا بسورة
من مثله » حيث تحداهم بمقدار سورة منه فلما ظهر عجزهم عن الاتيان
بمثل أقصر سورة لزمتهم الحجة لزوما واضحا ؛ وانقطعوا ان
فاضا ؛ والضمير فى قوله تعالى : « مثله » يرجع فى كل الآيات الى
التنزل من الكل الى العشر ومن العشر الى الواحدة التوسيع فيه +
وعدم الصارف عنه ؛ والعلم بذلك قطعى كسائر القطعيات لا يقدح فيه
احتمال أنهم عارضوا ولم ينقل الينا لمانع كعدم المبالاة ؛ وقلة الالتفات
والاشتغال بمهام الأمور ؛ وأقول كما قال الفاضل التنفتازائى فى شرح
المقاصد : « ان الرسول صلى الله عليه وسلم تحدى بالقرآن
الكريم ودعا الى الاثيان بسورة من مثله ٠ مصاقع البلغاء والفصحاء
عن العرب وغيرهم مع كثرتهم كثرة حصى البطحاء وشهرتهم بغاية
العصبية والحمية الجاهلية ؛ وتيالكهم على المبالاة والمباراة وركوب
الشطط فى هذا الباب ؛ فعجزوا حتى آثروا المقارعة على المعارضة وبذلوا
المهج والأرواح دون الدافعة ؛ فلو قدروا على المعارضة لعارضوا ©
ولو عارضوا لنقل الينا لتوفر الدواعى وعدم الصارف ؛ ولتعلم أنالمسلمين
بعد أن اتفقوا على اعجاز القرآن الكريم اختلفوا فى وجه اعجازه قمنهم
من قال : ان اعجاز القرآن الكريم بما اشتمل عليه من النظم الغريب
والترتيب العجيب ؛ والأسلوب المخالف لما استنبط بلغاء العرب من
الأساليب فى مطالعه ومقاطعه ء والفاظه وفواصله وهذا هو مذهب بعض
ومنهم من قال : أنه معجز بها اشتمل عليه من البلاغة التى تقاصرت
عنها سار ضروب البلاغات وهذا هو قول الجاحظ من المعتزلة ٠٠ وعليه
الكريم متفق عليه ولا ينكره من له أدنى تمييز ومعرفة بصناعة الكلام
وانما الخلاف فى كونه فى الدرجة العليا غير المعتادة فالجاحظ ومن حذا
فى الدرجة العليا والغاية التصوى من البلاغة فلا حاجة للمثبتين اعجازه
القصوى من البلاغة التى لم يستطع الانسان الوصول اليها *
ومنهم من ذهب الى مجموع الأمرين : أى النظم الغريب ؛ وكوته
فى الدرجة القصوى من البلاغة الخارجة عن طوق البشرء وهذا القول
ومنهم من قال : « انه معجز باشتماله على الاخبار عن الغيب
مطابقا لما هو الواقع بعد ذلك ؛ كما فى قوله تعالى : 3 وهم هن بعد
غلبهم سيفظبون » وائما قيد بالواقع بعد ذلك لأن الاخبار عن الغيب
الواقع قبله يحتمل أن يكون بواسطة الجن فلا يصلح وجها للاعجاز +
قال الآمدى فى ابكار الأفكار : « ليس المعجز نفس الاخبار عن الغيب +
ولا نفسروقوع المخبر عنه اذا كان منالأمور العادية ؛ بل المعجز من ذلك
علمه بالغيب الذى دل عليه وقوع المخبر عنه » +
الطول والامتداد + وتمسكوا بقوله تعالى : « ولو كان من عند عي الله
بمقدار سورة منه ؛ أو جاهل بأن التحدى يستلزم أن يوجد الاعجاز فى
بعض منه مقداره مقدار سورة » ثم ان استدلاله على هذا بقوله :
« ولو كان من عند غير الله » يدل على أنه كلام الله تعالى لا كلام غيره
من المخلوقات ؛ والاعجاز آمر ؛ وكوته كلام الله تعالى أمر آخر +
ومنهم من قال : ان القرآن الكريم معجز « بالصرفة » بمعنى
أن العرب كان فى مقدورهم الاتيان بكلام مثل القرآن الكريم قبل البعثة
المحمدية ؛ ولكن الله تعالى صرفهم عن المعارضة ممع بقاء قدرتهم عليها
أو بدونها على اختلاف فى الرأيين ؛ قال الآمدى فى ابكار الأفكار : « وذهب
الى ذلك النظام وأبو اسحاق الاسفرابينى ٠ وبعض الشيعة وغيرهم من
العرب ذهبوا الى أن العرب كانت قادرة على مثل كلام القرآن الكريم
قبل البعثة » وانه لا اعجاز فى القرآن الكريم وائما المعجز صرف بلغاء
واما بسلبهم العلوم التى لابد منها فىالمعارضة كما قاله الشريف المرتخى
النظام حيث قال فى شرحه للمفتاح » « بالجملة فى الكلام اشارة الى أن
وجه الاعجاز فى القرآن الكريم أمر من جنس الفصاحة وهو كونه فى
الطبقة العليا منها لا كما ذهب اليه النظام وجمع من المعتزلة من أن
يعارضوه الا أن الله تعالى صرفهم عن ذلك وسلب علومهم به وقدرتهم
عليه » :سا علمت أن الصرفة مذهب الشريف المرتضى لا مذهب النظام +
أولا : أن فصحاء العرب انما كانوا يتعجبون من حسن نظمه
وبلاغته وسلامته فى جزالته ؛ ويرقصون رعوسهم عند سماع قوله
وقفى الأمر » +
الثانى : قوله تعالى : « قل لثن اجتمعت الانس والجن على أن
فان ذكر الاجتماع والاستظهار بالغير فى مقام التحدى انما يحسن فيما
لا يكون مقدورا للبعض ويتوهم كونه مقدورا للكل فيقصد نفى ذلك ++
الثالث : انه لو قصد الاعجاز بالصرفة لكان المناسب ترك الاعجاز
ببلاغة القرآن الكريم وعلو طبقته لأنه كلما كان آنزل فى البلاغة وأدخل
فى الركاكة كان عدم تيسر المعارضة فى خرق العادة +
وان حديثىيعد هذا عناعجاز القرآر تنظمه العغريب وأسلوبه
ضمنالبحث فى اعجاز القرآن الكريم البيانى؛ الرأى القائل بأن اعجاز مباشتماله
على الصور !! التى تقاصرت عنها بلاغة الفصحاء ؛ كما ستكون هذه
الدراسة موسومة بالصفة التاريخية التى أتتبع فيها العلماء مع ترتييهم
التاريخى ما أمكن +
ولكى أضع البذور الأولى لاثبات ما أنا بصدده أقول : لقد ظهرت
الممتزلة بجانب الأدباء ووجد بظهورهم أول كلام منظم عن اعجاز
القرآن الكريم ؛ وظهر بجانبهم طائفة من المفسرين كان لهم فى تنمية
البلاغة والكشف عن أسرارها وخاصة بلاغة القرآن الكريم وبيانه
الكريم من أهر ونهى واشارة وغيرها » ولم تطل هذه المرحلة بل انتهت
عليها فى الدراسة » ثم بدأت مرحلة ثانية ببداية القرن الثالث وتنوعت
وابراز نكته التى تضمنت شيا من جمال أسراره ووجوه بيانه ؛ فاضطلع
مؤلف الا ويجد اسعه ينم عن ممناه فنجد مجاز القرآن ومشكل القرآن
الكريم 9" » وكان بجانب الأدباء والمفسرين المتكلمون الذين نظروا الى
الكريم نظرة سمو فى البلاغة وعلو فى الفصاحة ؛ وعرفوا أن
تأليفه فى أعلى درجات الأسلوب ؛ وعرفوا أيضا أن ما انقطع
العرب عن متارضة القران الكريم وآذعنوا له الا لمزايا ظهرت فى نظمه »
وصورة كل عظة واعلام وتفكير وترغيب وترهيب » ومع كل حجة
وبرهان » وأنهم تأملوا سوره سورة سورة » وعشرا وعشرا » وآية أآية
+ 98 - 5١ انظر فهرست ابن الثديم بين )١(
فلم يجدوا فى الجميع قل أو كثر كلمة تنبو مكانها أو
أو يرى أن غيرها أصلح_منها او آشبه أو أحرى وأخلق ؛ بل وجدوا
اتساقا بهر العقول وأعجز الخمول) +
من حظ البلاغة العربية وتطورها اذ كانتا تعملان على بحثها وبذل
الجهود فى دراستها ظنا منهما أن كل واحدة تنير العقول بصنيعها وتهدى
القلوب الى اعجاز القرآن الكريم» هذا الى ما كان للأدباء بجانب ذلك من
البحوث القيمة » وأقصد بالأدباء ما كان لهم بجانب دراستهم الأدبية
دراسات قرآنية ممم
ومن الذين قالوا باعجاز القرآن الكريم ابن حزم وبتدار الفارسى
ومنهم من قال: انه معجز لاحتوائه علىمبادى» العلوم؛ وعلىرأاس
هذا الفريق الامام الغزالى فى « احياء العلوم » ؛ والقاضى عياض فى كتابه
« الشفا »+
وانى سوف أقصر كلامى فى هذا البحث عمن قال : ان القرآن
معجز ببيانه وبلاغته ؛ وساتتبعهم عبر الأزمنة والأمكتة ملتقيا معهم +
ومناقشا اياهم ؛ وناقلا رأيهم بامانة واخلاص +
وسوف أجملهم على وجه التقريب لوهم : أبو عبيدة معمر بن
المثنى ؛ والفراء ؛ والجاحظ » وابن قتيبةوالرمانى » والخطابى والعسكرىق
والخفاجى وعبد القاهر الجرجانى والزمخشرى والباقلانى + وابن
+ 3 انظر دلائل الاعجاز للجرجانى )١(
+ دلائل الاعجاز ه318 )©
عطية وفخر الدين الرازى ء وابن الأثير ضياء الدين والسكاكى +
الكريم الخطيب وغيرهم» أرجو أن أوضح رأى كل من هؤلاء ؛ وأكشفعن
مدى ت ان كان له تجديد » منبها على من لم يخصص لبيان القرآن
بحثا مستفيضا وخاصا ؛ كما سأبين الدافع "الى التعرض الى هذه الفكرة +
وهل هو دينى أو فنى يبحث فيه جمال اللفظ وسلامة النظم وبلاغة
المعنى ؟ +
والله حسبى وهو ولى التوفيق 66+
حفنى محمد شرف
ان أسبق هذه الدراسة البيانية فى القرآن ظهورا هو كتاب « مجازات
القرآن لأبى عبيدة مممر بن المثنى المتوفى سنة 2٠١ ه ء والذى يرجم
الى ١8+ « ء ولم يكن هذا الكتاب وحده هو نتاج الفكر
القرن الثانى فى هذا الباب بل كان هناك كتاب آخر بهذا الاسم
ب معاصر أبى عبيدة والمتوى سنة 0؟ م ١! ولكن لم يسعدنا الحظ
بالوقوف عليه ؛ أو معرفة من نقل عنه حتى نعرف موقفه من الفكرة +
وسبب تأليف كتاب « مجازات القرآن » يرجع الى اشتباء ابراهيم
ابن اسماعيل الكاتب فى قول الله تعالى : (« طلعها كآنه رعوس الشياطين »
وكان ذلك فى مجلس للفضل بن الربيع سنة ها م ء وبحضور أبى
لايوجد منه الا قطعة يسيرة تبدآ بمقدمة حوت كثيرا من الأساليب التى
تبدو غير مالوفة الظاهر ؛ والذى اختار أبو عبيدة لكتابه ما أشبهها +
وأطلق على كل واحد منها كلمة « مجاز » وأنا ارجح أنه يقصد بكلمة
مجاز : الطريق فى تأدية المعنى لا ما يقابل ١ فى عرف البلاغين +
ولذلك نراه تكلم عن التكرار للتوكيد فى قوله تعالى : « قصيام ثلاثة
آيام فى الحج وسبعة اذا رجعتم » وقوله تعالى :. « انى رأيت أحد
عشر كوكبا » » ويتكلم عن التقديم فى قوله تعالى : « فاذا أنزلنا عليه
الماء اهتزت وربت » وتكلم عن الكتناية فى قوله تعالى : « فظلت
اعناقهم لها خاضمين » وتكلم عن الالتفات » أو تلوين الخطاب فى قوله
+ 111: 9 انظر معجم الادياء )١(
١ 124 16١ (؟) نزهة الالباء