بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل مجود القرآن مع السفرة الكرام ؛ وجعله من المتقين
الأخيار » ورزق العاملين به من علمه ؛ وأغدق عليهم من نعمه » وحباهم
منيا . وهداهم إليه صراطاً مستقيباً » فكانوا هداة مهتدين + ونوراً من الحق
المبين » وقوة ناسفة قاهرة على المبطلين المكذبين » فحفظوا كلامه , وجودوا
عن عالم ؛ عامل عن عامل » فلم يفرطوا فيه » ولا في أدنى شيء من مبانيه
ومعانيه ؛ وكيف هذا والذي يفرط في سماع السنه » وينقلها على غير ما قال
صاحب العصمة » تبوأ مقعده من النار » وكان في عداد الكافرين الفجار ؛ في
أسفل سافلين » مع الكافرين المنافقين + فما بال القرآن لو نقل على غير هيئته في
أول الزمان ؛ زمان سيد ولد عدنان عليه الصلاة وأزكي السلام » فيا بالك
بالعذاب ؛ وكيف تتصور العقاب ؛ وتتخيل الماب » فقد كذب على رب
الأرباب » جبار السموات والأرض العزيز الوهاب » الذي بيده مقاليد كل شي»
وإليه المرجع والمئاب » فكيف به إذا تطايرت الصحف » ووضع الميزان وقربت
وعند من يكون ملجثه » فالصراط الصراط إخواني العلماء ؛ والحق الحق إخواني
الفقهاء » والله الله إخواني الدعاه ؛ والصلاة والسلام على سيد القراء ومعلم
المجودين » ومرتل القرآن بأمر من رب العالمين » الذي تلقاه عن جبريل مرتل
الدين :
أما بعد
فأعلم أخي الكريم أنني لا أعتمد في تأليفي على حلاوة العبارة
الكلام » ونسق الجملة والإشادة » وحسن الترتيب الأجوف . دون طائل تحته
وحيدا في نسيجه » عزيزا في مقصوده ؛ قليل المبنى كثير المعنى ؛ ذا فوائد جمه 6
يريدها العالم قبل الطالب ؛ ويرحل إليها المنتهى فضلدٌ عن المبتدى ؛ تشنف
وذلك بفضل صاحب الفضل والمنه » والكبرياء والعظمة » رب الأرباب » خالق
الأكوان ؛ معلم الإنسان ؛ خالق كل شيء ومليكه ؛ فجاء بكرمه على غير ما
أولف ؛ لأنه ليس كل من ألف أجاد » ولا كل من صنف وفي بالمراد
الباعث على تأليف الكتاب
ولقد ساورتني فكرة التأليف منذ أكثر من سنتين وأنا في مصر » حرسها الله من
كل عدو أفاك ؛ وحماها من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ؛ للحاجة إلى ذلك +
وخاصة عندما علمت أن بعضاً من إخواننا يشيع بين الناس أن التجويد العملي
ليس فرض عين ولكنه على سبيل الإستحباب ؛ وليته يعرف قراءة القرآن بالعربية
فضلا عن أن يرتله بالقواعد المعروفة البدهية عند عامة الخلق وسائر البشر » حتى
إختلف الفقهاء في صحة صلاته ؛ فلذلك جاءتني الفكرة » وإستفزي المقام +
الأفاضل » الحريصين على قراءة القرآن كما جاء إليهم » بالتواتر عن رسول الله
فق ؛ ولصيانة كتاب الله من التحريف والتصحيف ٠ واللحن الجلي والخفي +
الغيورين على حرمة كلام الله .
ولكن لكثرة أنشغالي ؛ وعدم تفرغي وترددي في هذا الأمر ء لأنني لا أريد أن
أؤلف كتاباً كمثله من الذين ألفوا في هذا السبيل + ينقل فحسب دون تحليل أو
دراسة » أو محاجة أو إقناع + وفي نفس الوقت ضاقت نفسي من البلاد والعباد »
فلا أستطيع أن أعطي درساً ؛ ولا القي خطبة ؛ ولا أفكر في مسألة فجاء النداء
الإشي العام » أن الله له بيت فحجوه ؛ وما كنت أفكر قبل في السفر أو الحج +
وما كنت أخرج ولو بعد عشر سنين لأنني أتلقى العلم على الشيوخ الأجلاء ولكن
نادى منادي الله فعل العبد الإجابة ؛ وكان الحج على غير ترتيب منى أو
إستعداد ؛ فقد جاء ولادخل لي فيه ؛ شأنه شأن جل حياتي لا تصريف لي فيها +
فحججت وكتب الله لي الإقامة في مكة المكرمة أنعم الله علّ ببيته الحرام ؛ ثم
تني الفكرة مرة ثانية » خاصة وقد رأيت تقصيراً شديداً في قراءة كتاب الله
تعالى مع الجهد الجبار الذي يبذل في تلاوته حق التلاوة ؛ والإمكانيات العظيمة
للقرآن الكريم في جماعة تحفيظ القرآن الكريم بالطائف . ودرست هناك
التجويد ؛ فألحٌ علي أخوة أفاضل حريصون كالأول لا أستطيع مالفتهم مع
معرفتي بالواقع الأليم في البلدان الإسلامية من قراءة القرآن الكريم باللحن الجل
والخفى بما يجعل الصدر يضيق » أو أن الإنسان يصع عندما يصلى وراء إمام
يلحن في صلاته ويقرأ بإشياء لو إعتقدها كفر والعياذ بالله تعالى » لذا فقد عزمت
على هذا وأنكبيت على تأليفه وإستجماع مادته فأقول وبالله التوفيق والقبول .
نشأة علم التجويد ومبادنه
إن علوم الشريعة كلها ؛ والكتب المدونة فيها جميعهاء وهذا التراث الضخم
العظيم ؛ وتلك المصنفات في الحديث والقديم + ل يكن ها أصل على أرض
الواقع اللحسوس إلا في عقول وصدور وأعمال الصحابة رضوان الله عليهم
خوفاً من الوقوع في أدني إثم ؛ فعقوهم حاوية لعلم الأصول والفقه ؛ وكيفية
النقل وصحة تفكبر العقل ؛ ويعرفون تطبيق ما أصطلح عليه من علوم العربية
وهم أهلها ؛ وعلوم القرآن وفيهم نبيها وعلوم الحديث ومنهم قائلها + 5
التفسير وهم أهل التأويل دون وضع مصطلحات لمعرفة هذه العلوم لأنهم
وكل علم خطر بال الأقدمين ؛ وسبح في فكر المحدثين إلى أن يي يوم الدين
فهم أعرف الناس بشرع الله عن رسول الله كي ؛ فهم لمقاصد الشريعة عارفون»
ومبادئها محققون » فلما كانت هذه العلوم عندهم وهذه الجبال الراسيات في
المفاهيم» ثم بعد وفاتهم رحمهم الله جيعاً. إختلط العرب بالعجم ؛ أصحاب
العجمة في اللسان . والعوج في الكلام » أثر ذلك في كلام العرب فظهر اللحن
وتفشى ؛ وبان التحريف وتجلى . وضعفت العقول عن فهم
كلام العرب » وبالتالي فهم القرآن الكريم والسنة المطهرة » فقام من في قلبه
سورة الإييان » والدفاع عن السنة والقرآن أولثك الذين إصطفاهم الله لحفظ
كتابه »+ وتبيين كلامه ؛ بتدوين العلوم ؛ وتصحيح الفهوم ؛ نقعدوا القواعد وحدوا
الحدود » في كل علم وفن أخذوه من ألسنة الصحابة رضى الله عنهم وأعيالهم
وما زال ذلك إلى أن أصبح كل علم من علوم الشريعة له أحباره وعلائه
العظام » والفحول العارفون الكبار » فيا من فن إلا وأصبحت التأليفات فيه
جبالاً شاخة ؛ مع تدقيق الكلام وقحيصه بدقة بالغه
ول يقصروا في تفهيمه » لأن فهم القرآن الكريم واجب ؛ وحفظ السنة المطهرة
أمر محتوم ؛ لذلك وجبت العلوم الخادمة » التي تكون سبباً في فهمهما وموصلة إلى
التأليفات في أوها لنثبت ما قلناه بها هو معروف لدى الجميع ؛ وندفع الشبه التى
إعترت المفاهيم وإنما هي ذكرى « وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين » .
فأقول وبالله التوفيق والقبول
من العلوم التي تخدم القرآن الكريم علم التجويد » لأنه سبب في حفظ تلاوته
وقراءته ومبانيه » بل حفظ معانيه وفهم ما فيه » لأن الألفاظ قوالب المعاني وإن ل
يحفظ اللفظ فأين الفهم » وإن لم يحفظ المبنى فأين المعنى » لذلك كان فرضاً
قام الشاهد والدليل وضح المنبج والسبيل + ومن عرف أنس ومن جهل
فالتجويد مثل العلوم الأخرى كان في أذهان وعقول وعمل الصحابه رضي الله
عنهم أجمعين ؛ مثاله مثال علم الأصول والفقه وغير ذلك من العلوم » وكيا أن
علم الأصول كان في ذهن الصحابة وأعمالهم وفي ذهن أمثال عبدالله بن مسعود
الصحابي الفقيه الأصولي عندما كان يقول : إن الحامل المتوفي عنها زوجها تنقفضي
عدتها بوضع حلها لقوله تعال وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن
فالتدوين كاشف عن وجوده لا منشىء له كما في علم النحو والفقه وغير ذلك
فا زالت العرب ترفع الفاعل وتنصب المفعول في كلامها ؛ وتجري على هذه
القاعدة وغيرها من قواعد النحو قبل تدوين علم النحو وهكذا في جميع
العلومرم . أ.ه بتصرف يسير.
وعلم التجويد كانت الصحابة تنطق به دون أن يقعدوه فكان على السنتهم
لأنهم يقرأون به القرآن الكريم » فهم يخرجون كل حرف من مخرجه ؛ ويعطونه
لواقع نطقهم وطريقة تلاوتهم .
وكذلك لقوه للتابعين رضي الله عنهم أجمعين ؛ فلم إختلط العرب بالعجم جاء
اللحن وعدم إقامة الحروف على وجهها المعروف لدى العرب الافتحاح . أهل
الفصاحة والبيان » فاضطر علماء العربية والقراءة المعتنون بتلاوة القرأن » أن
السلام عن رب العزة والملكوت ؛ فهيا بنا نعرف نبل صغيرة عن هذا العلم
الشريف .
ولكي نعرف أي علم من العلوم أو فن من الفنون يجب علينا أن ندرس مبادى»
له عشره ليحدث في الذهن إدراكه ؛ ويسهل تصوره ؛ ويحصل يزه ؛ فقد جعها
بعضهم في قوله :
إن مبادى. كل فن عشره الحد والموضيع ثم الثمره
وفضله ونسبة والواضع والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسال والبعض بالبعض اكتفى .. ومن درى الجميع حاز الشرفا
(1) الوجيز تي أصول الفقه ص 88
وجد ثم يدون +
فالحد وهو التعريف وفائدته توصيل المعرف إلى ذهن السامع من أقرب طريق
بلفظ جامع لفروعه مائع لدخول غيرها .
فتعريف علم التجويد في اللغة هو التحسين ؛ من أجاد فلان قراءة القرآن
أي أحسن قراءته .
ولعل المعنى اللغوي بين الترتيل والتجويد الذي سيأتي توضيحه وبيان معناء
في المعاجم والقواميس مشترك فهذا تحسين وذاك تحسين فعبر العلماء عن الترتيل
الموجود في الآية والتجويد بمعنى واحد وهو التحسين .
وفي الاصطلاح : هو إخراج كل حرف من مخرجه مع عطائه حقه ومستحقه
ومعنى المخرج أي المكان الذي يخرج منه كل حرف بحسبه من أعضاء النطق
للحرف عنها ؛ والمستحق هو صفاته العرضية التي تضبط الكلام وتزينه حتى لا يوجد
فيه لحن مذموم ولا خطأ فاحش مكروه ؛ فالحرف مثل الانسان له منشأً يصدر عنه وله
كل في كتابه ؛ ونظمها ابن الجزري المحدث المقرىء في مقدمته في باب مارج
الحروف .
إسمع كلامى في الصفات مجملاً . حتى تكون عالاً لا جاهلا
فعارض الصفات فيالكلام تدور في الإظهار والادغام
والقلب والاخفاء والتفخيم وبعده التترقيق يا عليم
والسكت والسكون ثم امد والقصر يا فتى وتم ١
والموضوع : وموضوع علم التجويد هو القرآن الكريم » وقيل السنة النبوية
المطهرة .
وثمرته : هي قراءة القرآن دون خطأ فيه ولا لحن ؛ أي عصمة اللسان عن
اللحن في القرآن .
فضله : من أشرف العلوم وأفضلها لتعلقه بكلام خالق الاكوان
نسبته : هو من علوم الآلة كبقية علوم العربية » التي تنتسب إلى اللغة
شرعياً دون تقعيد منذ نطق به رسول الله ل بعد أن أنزل الله تبارك وتعالى القرآن
أول مثبت له عملياً في الدنيا بدون مصطلحات هو رسول الله ل » وهذا الوضع
لم يطلق عليه علم التجويد بقواعده العروفة الاصطلاحية ؛ ولك. , كان معمولة
به في النطق بالقرآن الكريم ثم اختلف في أول من ألف فيه؛ فقيل لعل أول من
ألف فيه وجمع فيه كتاباً . وجعل هذا العلم يولد وضعه بعد أن كان موجوداً
أصلة فجعله علما يتدارس ويحفظ بقواعد ويحد بحدود هو الإمام العظيم
والجهبذ المنين أبو عبيد القاسم بن سم أدخلنا الله وإياه والمسلمين في دار
السلام ؛ في القرن الثالث الهجري فقد ألف «كتاب القراءات» الذي قال عنه
الحافظ الذهبي ولأبي عبيد كتاب في القراءات ليس لأحد من الكوفيين قبله
وقيل إن أول من وضعه علاً وجمع القراءات هو الإمام المتقن حفص بن عمر
الدوري الذي توفى رحمه الله تعالى في سنة 1145 ه .
وفي القرن الرابع اهجري وضع الحافظ أبو بكر بن مجاهد البغدادي كتابه
القراءات السبعة المشهورة في كتاب وتوفى رحمه الله سنة 74 7ه .
وفي القرن الخامس إشتهر الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني » وهذا
العلم له دان فقطف منه الكثير وسمى كتابه التي التيسير في القراءات السبع » والذي
صار بتيسير الله تعالى عمدة القراء بعده » فهم يدورون حوله شرحاً ونظاًوقراءة
: والتأليف فقد قال عنه الحافظ الذهبي : بلغني أن له ماثة
توفى رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته سئة 4ه .
وأشتهر في هذا القرن أيضاً الإمام العلامة مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني
فقد كان له تأليف كثيرة ؛ وله في هذا العلم وغيره اليد الطويلة » وذكر ابن
معاني القراءات والرعاية في التجويد .
وفي القرن السادس الهجري أشتهر الفحل الكبير . العالم التحرير » التقي
الأمين الذي تسابق الناس على حرزه » وأنكبوا على وجه تهانيه ؛ فقد نظم في
«حرز الأماني ووجه التهاني»
وهذا الإمام هو أبو القاسم بن في بن خلف بن أحمد الرعينى الشاطبي
الأندلسي 6 صاحب القلب الرقيق . والنظم الرقيق والكلام الحلو» والوعظ
توفى رحمه الله تعال » وطيب ثراه وجعل الجنة مثواه سئة + 04ه .
وبعد الإمام الشاطبي العظيم + ما زالت العلماء تترى حاملين لواء القرآن +
القرآن العظيم + وهبوا أعمارهم الخدمته ؛ وحياتهم للتصنيف فيه والتأليف لكي