الله في وزمن الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر» وكان مقتل عثمان رضي الله
أ حتى كان ظهور الجهم بن صفوان
الترمذي في نهاية المئة الأولى للهجرة النبوية؛ فحمل لواء التعطيل» وأصَّل مذهب
النفي وتولى كبر المكابرة والجحود والإنكار. فعطل صفات الله تعالى؛ وحارب
تعاليم الإسلام وانتشرت المذاهب الكلامية بعد ذلك» وتوزعت تركته بين أربابها؛
فتصدى أئمة السلف لهؤلاء الدخلاء» فألفوا الكتب في الرد عليهم» وإبطال
مذاهبهم ودحضهاء وبيان زيفها ومصادمتها للإسلام الصحيح » واتبعوا في ذلك
طريقة كانت في غاية الحيطة والحذر» لأن القوم أرادوا أن يجروا السلف للنزول
إلى ميدانهم البغيض» الذي امتاز بالجدل والسقسطة والكلام البعيد عن روح
الإسلام» إلا أن أئمة السلف سلكوا الطريق الأمشل والأحكم» فردوا عليهم
بنصوص الوحي التي تنطق صراحة بما يخالف مذهب أولشك الأدعياء» فألفوا
أفردوا بعض المسائل بالتأليف نظراً لخطورتها؛ ولكثرة جدل القوم حولهاء ومن
تلك المسائل مسألة العلو فهي من أخطر المسائل التي تعرض لها القوم» فنفوا أن
يكون الله تعالى في العلومستوعلى العرش بائن من جميع المخلوقات» فمن قائل
بما يشتمل عليه من نفي لوجود الله عند بعضهم» ومن جعله حالاً في كل مكان دون
استثناء عند بعضهم الآخر تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً . ولاشك
أن مثل هذه المقالات الظالمة القبيحة؛ سوف يكون لها الأثر المؤلم في نفوس
علماء الأمة وأثمتهاء لذلك أشرعوا أقلامهم في التصدي لها وتفنيدهاء وتقرير
الإيمان بها واعتقاد ما فيها وعدم تجاوزها إلى ما يخالفها.
الذين هم قدوتنا في التعامل مع نصوص الوحي » والإلتزام بتعاليم الإسلام. وقد
رأيت أن إخراج كتاب صفة العلو للإمام ابن قدامة. مصحوباً بالدراسة اللازمة»
والتعليقات الضرورية» إضافة طيبة للمكتبة السلفية سوف تسهم إن شاء الله في
ترسيخ الإعتقاد الصحيح » وإنارة الطريق أمام طلاب العلم» ليكونوا على بصيرة
الإعتقاد. فاستعنت بالله تعالى» وشرعت في والتعليق عليه بما يتناسب مع
مطبوعاً محققاً» قام بخدمته الشيخ بدر عبد الله البدر» وطبع بمطابع دار السياسة
في الكويت سنة 1407 ه؛ إلا أنني بعد المقار: عمله وبين عملي في
التحقيق والتعليق. وجدت أن عمله جيد في بابه؛ مستوف تقريباً لما يتعلق
بالصناعة الحديثية أما عملي فقد طرقت فيه جوانب أساسية مهمة؛ لم يتعرض لها
علقتها على المواضع التي تستلزم ذلك؛ وكانت تدور في جملتها حول المواضيع
العقدية التي حوتها الأحاديث والآثار» بالإضافة إلى تعليقات أخرى مفيدة؛ مع ما
تيسر لي من النسخ التي لم يطلع عليهاء وعددها نسختان» وهما نسختا المكتبة
السعودية بالرياض» فصممت على إنجاز عملي وفق المنهج الذي رسمته له. وما
سواء السبيل.
المدينة المنورة في 1467/7/17 ه
هو عبد الله ب بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله
الم ا 0 ويلقب بموفق الدين؛ وينسب إلى جماعيل!" وإلى
مشق ثم إلى الصالحية" فيقال الجماعيلي» ثم الدمشقي الصالحي. وقد
اختلاف إلا من حيث الزيادة أو النقصانا")» وكان مولده في شعبان سنة إحدى
وأربعين وخسمائة .
)١( المقدسي+ بفتح الميم؛ وسكون القاف» وكسر الدال المهملة» وفي آخرها سين مهملة»
هذه النسبة إلى بيت المقدمس. وينسب إليه كثير من العلماء . انظر اللباب 147/7 +
)١( جماعيل. الفتح وتشديد الميم؛ وألف وعين مهملة ومكسورة» وياء ساكنة ولام © قرية من
جبل نابلس من أرض فلسطين+؛ ل 1
لقرب جماعيل منهاء ولان نابلس وأعمالها جميعاً من مضافات بيت المقدس؛ و؛
مسيرة يوم واحلد معجم البلدان 194/17 - 115
ات أسواق وجامع في جبل قاسيون من غوطة دمشق + كان أكثر
سكانها من | ازحين من بيت المقدس» ممن هم على مذهب الإمام أحمد بن حتبل + ,. انظر
معجم البلدان 745/7
(؟) انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 136/77 - 177 . والأعلام للزركلي 74 َ
7 . وشذرات الذهب د/هد/ -47. والعير 8٠-180 /٠ . والبداية والنهاية 44/17 -
»٠١١ وذيل طبقات الحنابلة / 144-1373
ل ابن قدامة في أحضان أسرة تضع العلم في أول اهتماماتهاء فوالده كان
محمد»؛ وهو أكبر منه؛ إذ كانت ولادته سنة ثمان وعشرين وخمسمائة» وقد تتلمذ
وقد تزوج ابن قدامة ابنة عمته وانجبت له من الأبناء خمسة ثلاثة ذكور»
وانقطع عقبه.
1/77 سير أعلام النبلاء )١(
ولكن انقطاع عقبة من الذرية لم يمح ذكره وأثره؛ بل بقي أثره من العلم
شامخا يشهد بجليل أعماله؛ وحميد خصاله.
وعن مصير أبنائه وسيرتهم العلمية يقول ابن رجب رحمه الله - :
أما أبو الفضل محمد فولد في ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائه؛
وكان شاباً ظريفاً فقيهاً. تفقه على والده» وسافر إلى بغداد؛ واشتغل بالخلاف على
الفخر اسماعيل» وسمع الحديث» وتوفي في جمادي الأولى سنة تسع وتسعين
وخمسمائة بهمدان» وقد أكمل ستاً وعشرين سنة رحمه الله .
وأما أبو المجد عيسى فيلقب مجد الدين؛ تفقه وسمع الحديث الكثير
اسماعيل بن ياسين والبوصيري. . . . وغيرهم» وحدث . ذكره المنذري وقال:
ولي الخطابة والإمامة بالجامع المظفري بسفح قاسيون؛ قال: واجتمعت معه
بدمشق؛ وسمعت معه من والذه . وتوفي في جمادى الآخرة في خامسه أو
سادسه؛ سنة خمس عشرة وستمائة» رحمهم الله 0
147/7 ذيل طبقات الحنابلة )١(
الرحلة في طلب الحديث من السنن المتبعة منذ صدر الإسلام» إذ كان
الصحابة رضوان الله عليهم أول من سن هذه الطريقة لطلب العلم» فقد رحل
جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنهماء وقد كان بالشام لديه
حديث واحد في القصاصء لم يسمعه جابر من رسول الله كَل وسمعه أنئيس
فشد جابر الرحال إليه حتى جاءه بالشام؛ بعد عناء شديد من أجل حديث واحدء
وهذا شاهد واحد من شواهد كثيرة حفلت بها كتب التاريخ والسير» تتابعت بعد
ذلك الرحلات من طلاب العلم معلمين ومتعلمين» لأن الرحلة من أبرز العوامل
التي تساعد على تحصيل العلم وتنويع مصادره.
لذلك حرص الشيخ الموفق» على الأخذ بهذه السنة التي تعد من الوسائل
المهمة لمن أراد أن يبلغ العلم» وينال مراتب العلماء؛ فضرب أكباد الإبل لذلك؛
فكانت أولى تحركاته انتقاله من فلسطين مسقط رأسه إلى دمشق بصحبة أصرته سئة
علماء دمشق . وكانت مرحلة تلقيه في دمشق الجسر الأول الذي عبر عليه إلى
آفاق المعرفة, وفنون العلم» تطلع بعدها إلى آفاق أرحب وأوسع ؛ لأنه رحمهة
الله كان عالي الهمة؛ ماضي العزيمة؛ فاتجه صوب بغداد حاضرة العلم والعلماء
آنذاك» وكان ذلك سنة إحدى وستين وخمسماثة؛ وهوابن عشرين سنة؛ بصحبة
ابن خالته الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي» وكان ميله إلى الفقه وميل
ابن خالته إلى الحديث» وتفقه بها على مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه؛ وسمع
بها من مشاهير علماثها؛ وكان أول من تلقاه وأحسن إليه الشيخ عبد القادر
حيث كانت وفاة الشيخ الجيلي » تنقل بعد ذلك من جهبذ إلى جهبذ ينهل من معين
وكانت له رحلة ثانية إلى بغداد سنة سبع وستين وخمسمائة؛ وكان لتلقيه
على علماء بغداد أثره البالغ على تحول مسار حياته العلمية؛ من تلميذ لامع إلى
عالم جهبذ برع في فنون شتى من العلم» وخاصة في مسائل الفقه والخلاف»؛
فتصدر للفتياء وناظر وتبحر في فنون كثيرة؛ حتى لمع نجمه وهولا يزال في بغداد؛
ابن المنى له: «أسكن هناء فإن بغداد إليك» وأنت تخرج من بغداد ولا
تخلف فيها مثلك» هذه مقالة شيخه له مع ما في بغداد من أئمة وعلماء لم يتوافروا
في غيرها من الحواضر الأخرى. وهذا من أكبر الشواهد على نبوغ الشيخ
كما تذكر المصادر التاريخية رحلتين أخريين للشيخ الموفق» إحداهما إلى
مكة؛ حيث رحل إليها سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة؛ لأداء فريضة الحج ؛ واهتبل
الفرصة للسماع من علمائهاء وعاد إلى بغداد مع وفد العراق» أما الرحلة الأخرى
فكانت إلى الموصل» إلا أن المصادر التاريخية لم تذكر تاريخ هذه الرحلة!" .
+177 انظر عن رحلاته العلمية: سير أعلام النبلاء 117/77 وذيل طبقات الحنابلة ؟/ )١(
1٠١/17 والبداية والنهاية ٠١٠7/13 والتكملة للمنذري
وبحرا من بحور العلم؛ ووعاءً من أوسع أوعيته؛ قفل بعدها راجعاً إلى دمشق»
واشتغل بالتأليف والتدريس» وكان من أبرز إنجازاته أعظم كتاب جادت به أقلام
العلماء في تاريخ الفقه الإسلامي ؛ ألا وهو كتاب المغني في الفقه؛ مع ما ألفه من
كتب أخرى ستأتي الإشارة إليها فيما بعد إن شاء الله .
لقد كان الإكثار من الشيوخ» ظاهرة طبيعية بين علماء ذلك العصر» فما من
عنهم؛ وابن قدامة معروف بغزارة علمه وسعة اطلاعه» وموفور انتاجه» ومن أبرز
الأسباب التي أوصلته إلى هذه المكانة السامقة؛ تتبعه لعلماء عصره» وتتلمذه على
المبرزين منهم؛ حتى كان له من الشيوخ العدد الكبير.
سنين . وسبق أن ذكرنا أن رحلته الأولى كانت إلى دمشق» حيث بدأ تأسيس حياته
العلمية؛ وفي أثناء إقامته بها إثر انتقاله إليهاء سمع من والده ومن أبي المكارم
عبد الواحد بن محمد بن هلال الأزدي» وأبي المعالي بن صابر وغيرهم. وفي
هذه الأثناء حفظ القرآن الكريم؛ وحفظ مختصر الخرقي وسمع الحديث الكثير»
أمافي بغداد حيث كان يتوافر جهابذة العلماء؛ فقد كان له من المشايخ كثيرون»
إلا أن من أشهرهم شيخه نصر بن فتيان المشهور بابن المنى » وأبا الفتح محمد بن
عبد الباقي بن أحمد» وأبا الحسن علي بن عبد الرحمن الطوسي» وأبا القاسم
يحتى بن ثابت بن بندار البقال» وأبا زرعة طاهر بن محمد بن طاهرء وأبا
الحسن سعد الله بن نصر بن الدجاجي» وأبا طالب المبارك بن محمد بن