أقول هذا بين يدي الحديث عن خلائق اليهود في القرآن والسنة ؛ لأن مما
يستوقف الباحث في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ؛ وسيرته
المطهرة عموماً » أنه كانت هنالك عنابة بالكشف عن حقيقة اليهود في
والقيم التي تحكمهم » سواء أكان في علاقتهم بربهم وأنبيائهم وله » أم
كان في علاقتهم بالناس الآخرين من غير أتباع ملتهم التي طرأ عليها ما
طرأ من التحريف والتبديل -.
وقد كان ذلك على مساحة واسعة تُعين على كشف خبايا هؤلاء الأناميق
أعداء الله والإنسان » وأبعاد سلوكهم وتصرفاتهم ماذا وراءها » بما يحتاج
المسلمون لمعرفته وهم على ثغور المواجهة للتحديات في السلم والحرب .
فالقرآن. مثلاً لم يعرض لهذه الأمور في مجموعة قليلة من النصوص ©
ولكنه جاء بفيض زاخر مبارك » يتداول الكليات والجزئيات والوقائع » حتى
بلغ الحديث عن بني إسرائيل أن كان من أكثر القضايا نصوصاً بعد العقائد
كل ذلك بوضوح لا تشوبه شائبة لبس أو غموض» وجزم قاطع لايقبل
الاحتمال . وعلى سبيل المثال نقرأ لتبين الوضوح والجزم اللذين نلمح إليهها ما
جاء في سورة النساء بشأن اليهود بدءاً من الآية الثالثة والخمسين بعد الماثة ؛
ذلكم قول الله تبارك وتعالى :
وكفرهم بآيات الله ؛ وقتلهم الأنبياء بغير حق » وقوشم قلوبنا غلفٌ بل طبع
الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً . وبكفرهم وقوهم على مريم بهتاناً
عظيباً» وقوم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله ؛ وما قتلوه وما
سبيل الله كثيراً. وأخذهم الربا وقد نبوا عنه ؛ وأكلهم أموال الناس بالباطل
السلام ؛ والواقع أنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شب لهم » وكشفت الآيتان
الأخيرتان عن أن الله حرم على اليهود طيّبات أحلّت هم » وذلك بسبب
ظلمهم وصدّهم عن سبيل الله كثراً ؛ وأخذهم الربا وقد حرم عليهم »
وأكلهم أموال الناس بالباطل » وختمت الآية الحادية والستون بالوعيد
الشديد بالعذاب الأليم في الآخرة » وذلك بسبب ما اجترحوه من الكفر
الظالم البواح الذي ينقض دعاواهم واحدة واحدة » والذي انعكس على
الله بن سلام رضي الله عنه وآخرين وهم قلة .
وما أنزل إلبنا وما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط
ونحن له مسلمون6 فلم ذكر عيسى عليه السلام قالوا : لا نعلم ديناً شرآمن
دينكم » فنزل قول الله تعالى في سورة المائدة وذلك فى الآية التاسعة
والخمسين : # قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل
إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ثم قال جل شأنه في كشف
عن جوانب من سمات اليهود ونقائصهم وما عوقبوا به من اللعن والغضب
وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً
قد خرجوا به » والله أعلم بما كانوا يكتمون . وترى كثيراً منهم يسارعون في
الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون .
أرأيت إلى هذه الدقة في تفصيل ذلك البعض من سماتهم ونقائصهم
لاينهونهم عن قوضم الإثم وأكلهم السحت ؛ وهم في صنيعهم هذا
مستحقون للمؤاخذة ؟ لبس ما كانو يصنعون .
في المواطن الأنتحر من كتاب الله عز وجل : مما سوف نأتي على بيان مدلولاتها
المستطاع » ولكني أوردتها هنا لتكون أنموذجاً للوضيح في الكلام على بني
إسرائيل والجزم بها أطلق عليهم الكتاب الكريم من أحكام ؛ كبا يكون
المسلمون على بينة من أمرهم ويدركوا الحقيقة التي يحول إدراكها بينهم
وإذا كان الأمر كذلك : فالحقيقة التي لا معدى عنها والله أعلم والتي
لم تزدها التجارب الآيسة إلا رسوخاً » هي : أن الخطوة الأولى على طريق
المواجهة بين أمتنا وبين اليهود ومن على شاكلتهم : الإدراك الواعي لما جاء في
القرآن الكريم وبيانه من حديث النبي عليه الصلاة والسلام » وسيرته المطهرة
عن خلائقهم ؛ وطبيعة الصراع بيننا وبينهم على الصعيدين العقدي
والحضاري » وكم في تاريجنا معهم بدءاً من عصر الرسالة » وحتى يوم الناس
جهلها أو تجاهلها الم والعلقم !!!
أحاديث» دمت في إذاعة القرآن الكريم بالرياض» وبعدها في البرنامج
العام » وبدأ ذلك عام ثلاث وأربعائة وألف للهجرة .
وسلم وبارك على نبينا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء » في الموالاة
التحايل على أحكام الله
الكلام على اليهود كشفاً عن سماتهم في الضلال والمكر ومحارية الله ووسله
والعداء للإنسان » والسلوك الذي يتجافى مع الحق والاستقامة » قد أخذ
مساحة واسعة مباركة في كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام »
وكان الكلام كما أسلفت من قبل شديد الوضوح لا تشوبه شائبة لبس أو
غموض» جازماً لا يقبل أيَّ لون من ألوان الاحتمال . وقد ضربت من
قريب مثالاً للوضوح والجزم بآيات من سورتي النساء والمائدة
ونحن الآن على موعد مع بعض النماذج من السنة المطهرة ؛ حيث كان
النبي يل يق ود المجتمع الوليد بالإسلام » وهو عل ذُكر تام من عدوان
اليهود على الحق » وعبثهم بالأحكام التي أنزلها الله على موسى عليه السلام
في التوراة أخرج مسلم وأبو داودعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال :
لمر عل النبي يل بيهودي ححمَّاًمجلوداً ندعاهم َل فقال : هكذا تجدون
حد الزاني في كتابكم؟ قالوا : نعم . فدعا رجلا من علمائهم » فقال :
أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حدٍّ الزاني في
فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم » فقال كل اللهم إني أول من أحيا
أمرك إذ أماتوه» فأمر به فيُجم » فأنزل الله عز وجل : ياأيها الرسول لا
يحرفون الكلم من بعد مواضعه » يقولون : إن أوتيتم هذا فخذوه» وإنلم
لله أن يطهّر قلوبهم » هم في الدنيا خزي وهم في الآخرة عذاب عظيم »
بالرجم فاحذروا » فأنزل الله تعالى ومن لم يحكم با أنزل الله فأولئك هم
الفاسقون 6 في الكفار كلّها . هذه إحدى روايات مسلم وأخرجه البخاري
عن ابن عم وفي رواية أبي داود مشل ذلك وقال في آخرها : فأنزل الله عز
وجل ل ياأيها الرسول لا يجزنك الذين يسارعون في الكفر 6 - إلى قوله - م
إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا # إلى قوله - # ومن لم بحكم با
فأولتك هم الفاسقون 6 قال : هي للكفار كلّها يعني هذه الآية .
والأربعين » وهي قول الله جل شأنه : #ياأيها الرسول لايجزنك الذين
الذين هادوا سيّاعون للكذب سّاعون لقوم آخرين لم يأتوك ..6 الآية ٠
والتحميم : تسويد الوجه ؛ من الحميم جمع حممة وهي الفحمة . وأخرج
الحديث النسائي وابن ماجه بنحوه .
هكذا : مراعاة لذوي الشرف والمكانة فيهم » بدَّلوا حكم الله وحكموا في
هذه الجريمة بغير ما أنزل الله ؛ فبدلاً عن الرجم اخترعوا من عند أنفسهم
التحميم وهو تسويد وجه مرتكب الجريمة بالفحم . ولذلك جاءت
الآيات تعلن بصراحة ووضوح أن من لم يكم با أنزل الله فأولتئك هم
بهم جهنم يوم القبامة عندما يحشرون في زمرة من قال الله فيهم : يوم
وفي رواية أخرى لمسلم عن نافع أن عبدالله بن عمر أخبره «أن رسول الله
أن بيهودي ردب قد زنيا ؛ فانطلق رسول الله كَِةٍ حتى جاء يهود »؛
ونخالف بين وجوههما ويُطاف بها » قال : فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين »
الرجم » وقرأما بين يديها وما وراءها » فقال له عبدالله بن سلام - وهو مع
يقرأ » يده على آية الرجم»؛ حتى كشف الحيلة عبدالله بن سلام رضي الله عنه ٠
وفي خطوة أخرى .بعد أن رأينا احتيالهم مراعاة للطبقية نتجه إلى ما
كشفت السئة المطهّرة عن احتيالهم للهروب من حكم الله طمعاً في الكسب
أجل ذلك . وفي هذا الموقف من رسول الله كَل ما فيه من التنبيه على عدم
الوقوع فيا وقع فيه اليهود من العبث بالدين واللجوء إلى التحايل على أحكام
الشريعة طلباً للدنيا ورغبة عن الآخرة . فقد أخرج البخاري ومسلم وأبوداود
والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
سمعت رسول الله يل يقول عام الفتح بمكة : (إن الله حزم بيع الخمر
والميتة والختزير والأصنام . فقيل : يارسول الله » أرأيت شحوم الميتة ؟ فإنها
تُطل بها السفن » وتدهن بها الجدلود» ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا»
هو حرام » ثم قال رسول الله يل عند ذلك : « قاتل الله اليهود » إن الله لما
حرم عليهم شحومها أجلوه » ثم باعوه » فأكلوا ثمنه » وفي رواية للبخاري
عن ابن عباس «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها ».
وعند أب داود في رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال :
«رأيت رسول الله كَل جالساً عند الركن فرفع بصره إلى السماء فضحك وقال:
لعن الله اليهود ثلاثاً- إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها»
باب ( ثمن الخمر والميتة ) من كتاب ( الإجارة ) وإسناده صحيح . ومعنى
يتحلَّب من اللحم والشحم من الاسم . تقول : جملت الشحم وأجملته :
إذا أذبته » وجَمَلٌ أفصح من أجل ٠
هكذا كان الاحتيال على الحكم الشرعي بالقيام بعملية إذابة الشحم
والسلام بهم فقال : 3 لعن الله اليهود - أو قاتل الله اليهود. إن الله لما حرم
شحومها - أي الميتة أجلوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه » .
وفي استنباط للأحكام من هذا الحديث قال الإمام الخطابي المتوفى سنة ثيان
وثمانين وثلاثماثة للهجرة ؛ وصاحب كتاب«معالم السنن » الذي شرح فيه
سنن أب داود » قال رحمه الله : وفي هذا بيان بطلان كل حيلة بجتال بها
للتوصل إلى محر » وأنه لا يتغير حكمه بتغيير هيئته وتبديل اسمه .
ولقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم أن في تنديد رسول الله باليهود بسبب
احتياهم تنبيهاً للمسلمين أن لا يقعوا فيها وقع فيه المغضوب عليهم ؛ فقد
أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بلغ
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن فلاناً باع مراً فقال : قاتل الله فلاناً ألم
يعلم أن رسول الله كَل قال : « لعن الله اليهود. حرّمت عليهم الشحوم
رزقنا الله الاستقامة في القول والعمل » وباعد بيننا وبين الوقوع في تقليد
من غضب الله عليهم ولعنهم وأعدٌ لهم جهنم وساءت مصياً . وهدانا
للانتفاع بهدي النبي كَل في شأن احتيالهم على أحكام الله » وتلاعبهم
بمدلولات النصوص والحمد لله رب العالمين .