وبذلك يتحد اتجاههم » ويسير أمرهم على خط واحد » وتكون عداوتهم واحدة ؛
وصداقتهم واحدة ؛ فتصبح قوتهم الصغيرة مع التضامن فيما بينهم قوة كبيرة +
وتأثيرهم مع وحدتهم تأثيراًكبيراً » ودام العز والسلطان ما دام فيهم الالتزام بوحدة
أطرافهم وعناصرهم المختلفة » وإن كان ذلك في نطاق محدود .
وبهذه القوة دام سلطان المسلمين في الأندلس نحو سبعة قرون » ولما تفرقوا
على الأسر والقبائل » بل تشتتوا لأغراضهم الشخصية تحطمت قوتهم ؛ وأجبرهم
عدوهم على التنازل عن السياسة » وتجرعوا المرارة في شبه الجزيرة الخضراء +
ولكن تفرقت القوة الإسلامية الجبارة على النعرات القومية : العربية والتركية
والكردية والبربرية وغيرها من النعرات الإقليمية والعنصرية » فصار المسلمون
دويلات حقيرة وأصبحوا كالريش في مهب الرياح . هذا من ناحية وضعهم بالنسبة
أما وضعهم الداخلي فهو مؤسف جداً أيضاً : القادة يتقاتلون فيما بينهم لإحراز
القيادة ؛ وأصحاب العلم يتهارشون فيما بينهم لإحراز المناصب » والعامة منهم
يتخاصمون لطلب المنافع الشخصية ؛ ثم قد يصبح كل واحد من هؤلاء
ن الهدف المادي أو تحقيق الهوى الفردي فريسة المكائد الخارجية
المسلمين من عداوة الأعداء وردع هجماتهم ٠» وفي صورة الأخوة الداخلية
لتعاونهم وتضامنهم مع أنفسهم ؛ فكان القليل منهم بهذه الأخوة كثيراً » وكان
وكان العاجر منهم مع هذه القوة قادراً .
يقومون بالمكائد ؛ ويحيكون المؤامرات لقمع هذه الخصوصية منهم » فيثيرون
خلافات داخلية في شعوب الإسلام » وخلافات شخصية بين قادة المسلمين +
يسهل لأعداء الإسلام الحصول على مكاسب » ويتيسر لهم الاستغلال من الوضع
العدائي بينهم ٠
نجد أمثلة لذلك واضحة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الغربية ٠ وفي مناطق
بل إنما توجد آثاره وتأثيراته في الأقليات المسلمة كذلك ؛ فإنهم مواجهون في كل
مكان لمؤامرات الأعداء الذين يستغلون هذا التفرق بين صفوف المسلمين ؛ وهذا
الفراغ من الأخوة الإسلامية .
ولقد تجاوز الأمر حدود مكائد العدو ومؤامراته حتى إن المسلمين هم أنفسهم
يلعبون هذا اللعب الخطير ؛ لعب تشتيت أخوة المسلمين وتفريق وحدتهم +
ويقومون بالخصومات الشخصية إلى حد القتل والسلب » وقد بلغ بهم الأمر إلى
حد أنهم لم يعودوا يستحيون من الذهاب إلى خصوم الإسلام وإلى المحاكم
الكافرة والمعاندة للإسلام ليدينوا بمساعدة خصومهم من أبناء أمتهم ؛ ويسعى
أنقاض قوة أخيه ؛ ويبني لنفسه عزة على أنقاض عزة أخيه ؛ ولا يبالي المسلمون
بأن القضاة في المحاكم هم محايدون أو معاندون للإسلام وأعداء له » وبأن
أعداءهم يضحكون عليهم ؛ وبسبب هذا الوضع المؤسف انتشرت الشحناء
والبغضاء في قلوب المسلمين بعضهم لبعض » إلى أن بلغ الأمر إلى حد الأسى
الشديد والرثاء المؤسف ١! .
المسلمين للعودة إلى وحدتهم وأخوتهم التي هي من واجبات دينهم وأمتهم +
والتي هي من أوامر ربهم وشريعتهم + ومن توجيه نبيهم وأئمة دينهم » فإنه من
أوجب الواجبات في هذا العهد الذي أصبح فيه المسلمون كالقصعة التي تداعى
عليها الأكلة ؛ وكغثاء السيل ؛ كما أخبر به الصادق المصدوق رسول الإسلام
محمد بن عبد الله كل ٠
ولا يزال المسلمون يمتازون - رغم تهاونهم في الدين وتكاسلهم في اختيار
أسباب الوحدة والأخوة بشيء من التآخي ؛ وهذا التآخي القليل ينفعهم في بقاء
صورة من العز والقوة فيهم يحسدهم عليها الكفار ويسعون لتفتيتها ٠ فعلى
بتطبيقه » وقد قام الرسول كي بتطبيقه في مجتمع المدينة المنورة حيث جعل
المهاجرين والأنصار إخوة فيما بينهم ؛ فكان كل مهاجري أخاً لأنصاريّ ؛ وقد قام
كل أخوين لهذا الارتباط بأخوة أشد من أخوة الدم والنسب » وكما جعل الله تعالى
أخوة الإسلام من أجزاء الإيمان حيث قال رسوله كَل : « لا يؤمن أحدكم حتى
وهذه الأخوة حينما تبلغ درجتها العالي تصبح قوة هائلة تتحطم عليها
مكائد الأعداء » وتسري هذه الأخوة في كافة جوانب الحياة الاجتماعية وتربطها
برباط واحد ؛ وتنحل كثير من قضاياهم بدون المرافعة إلى القاضي بهذه الأخوة +
وهذه الأخوة نعمة اجتماعية عظيمة للمسلمين » فكلما ضعفت وهانت فيهم
خسروا خسراناً كبيراً ؛ والتاريخ شاهد على ذلك ؛ والقرآن الكريم وحديث رسول
أحكاماً واضحة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم ٠
وإنه لمن بواعث سرورنا أن نرى عالماً خبيراًبنظرة الإسلام إلى الوحدة ؛ وباحثاً
إسلامياً وهو سعادة لواء متقاعد الشيخ عبد العزيز عبد الرحمن قارة يؤلف كتاباً
جليلاً في هذا الموضوع بعنوان « الأخوة الإ تضمن تذكيراً وإيضاحاً لما
أوجبه الإسلام على المسلمين من الالتزام بالأخوة الإسلامية لأنها أمر شريعتهم +
ووجدوا التأكيد به مراراً وتكراراً في كتاب الله عز وجل » وفي حديث رسوله محمد
يي ؛ ولقد ساق أمثلة مؤثرة » وشرح جوانب مهمة لهذه الأخوة ؛ وكل ذلك مستند
أن تأتي على منواله كتب أخرى ؛ وأن تعمم في المسلمين هذه الجهود » فيعم بها
النفع ؛ والله هو الموفق ؛ وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى اله وصحيه +
السيد
كردي
بين يدي الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين » والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين +
محمد بن عبد الله ؛ وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته وهديه أجعين .
وبعد : فهذه هي الطبعة الثانية من كتابي « الأخوة الإيمانية » باسمه
الجديد « الإسلام والعنصرية » مع مزيد من الإضافات وقفت عليها أثناء
مطالعاتي » ومزيد من التعديلات استجابة وبياناً لما اشتبه على بعض قراء
الكتاب » جزاهم الله خياً ٠
ولا بد من التنبيه في مقدمة هذه الطبعة إلى أمر ما كنت أظن أنه يخفى على
ذلكم أن ما أنعاه على القَبليَّةِ والقَبَلين ؛ والعنصرية والعنصريين إنما هو
تحزيهم لذلك ؛ دون التفات منهم إلى شرع الله الحنيف ! فالمقياس عندهم
نعرتهم وعنصريتهم » وتعاليهم بها على عباد الله الآخرين ! فالأخوة عندهم
لها يتعصبون » ومن أجلها يعملون » وفي سبيلها يقاتلون !! +
أما أني أذمٌ القبائل والشعوب ؛ وأقدح في الأعراق والأنساب + وما إلى
ولست بغافل - والحمد لله - عن فضائل العرب عامة 6 وعن بعض
قبائلهم وأفخاذهم خاصة + كقريش + وبني هاشم + وآل بيت النبوة
الأطهار » وفضائل المهاجرين والأنصار ؛ وبني أسلم وغفار ؛ وبني تميم
وعبد القيس وغيرهم ممن صحت فيهم الأخبار - ما اتقوا واستقاموا - .
محقين أو مبطلين » وينسى إسلامه وقول الله تعالى :لإ مويو عو »
فهذا الذي أوجه إليه كتابي وكلّ ما فيه من لوم وعتب ! لأنه نسي الانتصار
لمحمد كل والكتاب الذي أنزل عليه ؛ وراح يتعصب لزيد وعمرو !.
لأنه نسي تشريع محمد كل الذي أكرم قبيلته بالثناء عليها !.
لأنه نسي اتباع محمد قل وهو الذي شرف آل بيت النبوة بانتمائهم إليه !+
مليار ونصف مليار من المسلمين على وجه هذه المعمورة ٠
وما أجل قوله وتشبيهه 8 - بأبي هو وأمي - حين سمع منادياً ينادي :
وأي مسلم عاقل يرى هذا التجمع الرهيب من كفار الشرق والغرب +
على المسلمين ؛ ثم لا يرضى عن دعوتنا إلى « الأخوة الإيمانية » !1 .
اللهم فاشهد !.
وصل الله على سيدنا محمد » وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
المديئة المنورة 1516/1/7ه عبد العزيز قارة
التقدمة :
إن الحمد لله نحمده ؛ ونستعينه ونستغفره ؛ ونستهديه ؛ ونعوذ بالله من
يضلل فلا هادي له » وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له » وأشهد أن
الحمد لله الذي ألف بين قلوب المؤمنين وجعلهم كالجسد الواحد » وكالبنيان
المرصوص ؛ بعد أن كانوا قبل إسلامهم أعداءً لبعضهم + يقتل بعضهم
بعضاً ؛ ويسفكون دماءهم لأتفه الأسباب .
ويعفو بعضهم عن بعض » أذلة على المؤمنين ؛ أعزة على الكافرين ؛ مما
ألم ليكونوا سادة العالم وقادته وهداته » نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد
وبعد : فإن هذا البحث قد كتب لإخوان لنا في الإسلام » موزّعين في
أنحاء العالم الإسلامي وأرجائه المترامية + تراهم متمسكين بالإسلام جداً
غيورين عليه ؛ مستعدين للمرت في سبيله كل لحظة ! لكن لبعدهم عن
بلاد الإسلام الآهلة بالعلم والعلماء تسيطر عليهم أفكار ناشئة عن عادات
قبلية تكونت لديهم © فأبعدتهم عن تعقّل هذا الإسلام تماماً وفهم روحه
بحيث أصبحت توازي غيرتُم عليها غيرتهم على دينهم وإسلامهم أو
تزيد !! .
الأخرى سواء كانوا كافرين أو مسلمين !.
أدت إلى إزهاق أرواح كثيرة من البشر مما دفعني لكتابة هذا البحث الموجز
لهؤلاء الإخوة على أمل أن يقوم علماؤهم بترجته للغاتهم بعد أن يتم توزيعه
على علمائهم وطلبة العلم منهم باللغة العربية +
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم + وأن ينفع به
الفصل الأول
كيف عالج القرآن الكريم العنصرية بأنواعها
كلكم لآدم فلا تفاوت
البشر كلهم لآدم عليه السلام » هذه حقيقة أثبتها القرآن الكريم وأحاديث
خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه .
إنها حقيقة يؤمن بها كل من آمن بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً
أفضل ؛ أو أن جنسه أرقى .
إن الله سبحانه وتعالى فاضل بين الناس في أمور كثيرة في الإيمان والكفر
في العلم والجهل ؛ في الغنى والفقر + في الجمال والقبح ؛ في القوة
والضعف + في الذكاء والغباء ؛ ولكن ليس في الأصل والنلسب + وهذه
الصفات التي يتفاضل الناس بها من علم ورزق وجمال وقوة وغيرهاء
موجودة في كل شعب » وفي كل قبيلة » وفي كل مدينة وبلد وقرية في العالم
كله » وهي من آيات الله سبحانه وتعال . حتى بين الأنبياء صلوات الله
وسلامه عليهم جميعآً » قال تعالى : ف( يبك الُسل كد ينهم
م كمال َع هر تج(
(1) سورة البقرة © الآية 0969 +