النقاية ولب اللباب التي تسعفها في إنقاذها من الأخطار العظيمة المحدقة بها
الجيب وعلى اليد وعلى العقل والقلبء ومع ذلك يقوى تغلغلها في أعماق
العقل وسويداء القلب.
وأقرب الكتب إلى ما وصفته ما كان نقاية النقاية لمثل كتابّي «منهاج
القاصدين» و «إحياء علوم الدين» ولباً للبابهما .
على النقاية واللب» وقد وفقني الله تعالى إلى اختصاره في نحو ربع حجمه
في قريب من أربعة أيام. وقد جاء بفضل الله وكرمه على ما يبتغى ويرام
ثم أضفت إليه إضافات ترفع من قدره صدرت غير الأحاديث منها بقولي
ولم أبق من الأحاديث الضعيفة إلا قلة قليلة لعلها لا تتجاوز عدد الأصابع
نبهت على ضعف معظمها وقدمت باب «النية والإخلاص والصدق».
ولقبته بلقب يكون سمة عليه؛ وعنواناً على فضله ويلفت الأنظار إليه
وهو «منهج القاصد» أي : قاصد طريق الله تعالى.
والله سبحانه وتعالى أسأل أن ينفع به كما نفع بأصوله.
الحسنى وزيادة.
والحمد لله رب العالمين+ والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله
محمد صالح بن أحمد الغرسي
قونية/ /ا ذي الحجة 147١ ه
الربع الأول من الكتاب
ربع العبادات
النية وحقيقتها وفضلها وما يتعلق بذلك
)١( أخرجه البخاري (1/1)» ومسلم (48/1) من حديث عمر بن الخطاب
(1) البخاري (16/4:47/1): مسلم (45/0)
واعلم أن الأعمال تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المعاصي» فلا تتغير عن موضعها بالنية؛.مثل من يبني
آخر
القسم الثاني: الطاعات؛ وهي مرتبطة بالنيات في أصل صحتهاء وفي
تضاعف فضلها. أما الأصل» فهو أن ينوي عبادة الله تعالى لا غير فإن نوى
الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة؛ فيكون له بكل نية ثواب» إذ
كل واحدة منها حسنة؛ ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها.
مثال ذلك القعود في المسجد؛ فإنه طاعة؛ ويمكن أن ينوي بها نيات
منها أن ينوي بدخوله انتظار الصلاة» ومنها الاعتكاف وكف الجوارح؛
فإن الاعتكاف كف؛ ومنها دفع الشواغل الصارفة عن الله تعالى بالانقطاع إلى
أو نيات؛ تصير بها قربات» وينال بها معالي الدرجات»؛ فما أعظم خسران من
يغفل عنها ويتعاطاها تعاطي البهائم المهملة .
مثال ما ينوي به القربة من المباحات أن يتطيب» وينوي بالطيب اتباع
)00 أخرجه مسلم (44/7) من حديث جابر والبخاري )3١/4( من حديث أنس .
وكذلك معالجة رأسه تزيد فطنته وذكاءه» فيسهل عليه إدراك مهمات
وقال بعض السلف: إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية؛ حتى
في أكلي وشربي ونومي ودخولي الخلاء»؛ وكل ذلك مما يمكن أن يقصد به
التقرب إلى الله تعالى» لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن وفراغ القلب من
مهمات الدين» فمن قصد من الأكل التقوي على العبادة؛ ومن النكاح تحصين
دينه؛ وتطييب قلب أهله؛ والتوصل إلى ولد يعبد الله بعده؛ أثيب على ذلك
واعلم: أن النية هي انبعاث النفس وميلها إلى ما ظهر لها أنه مصلحة
لهاء إما في الحال أو المآل؛ وربما سمع بعض الجهال ما أوصينا به من
مجرى الفتوح من الله تعالى» وليست النية داخلة تحت الاختيار» فقد تنيسر
في بعض الأوقاتء وقد تتعذر» وإنما تتيسر له في الغالب لمن قلبه يميل إلى
الدين دون الدنيا
والناس في النيات على أقسام.
منهم : من يكون عمله للطاعة إجابة لباعث الخوف
ومنهم: من يكون عمله إجابة لباعث الرجاء
وثمة مقام أرفع من هذين» وهو أن يعمل الطاعة على نية إجلال الله
تعالى لاستحقاقه الطاعة والعبودية؛ وهذه لا تتيسر لراغب في الدنياء وهي
أعز النيات وأعلاهاء وقليل من يفهمهاء فضلاً عن أن يتعاطاهاء وصاحب
هذا المقام لا يجاوز ذكر الله تعالى والفكر في جلاله حباً له.
وقد حكى أحمد بن خضرويه أنه رأى رب العزة في مثامه؛ فقال له:
كل الناس يطلبون مني» وأبو يزيد يطلبني.
منهاء ريما لم يتيسر له العدول إلى غيرهاء ومن حضرت له نية في المباح»
ولم تحضر في فضيلة؛ فالمباح أولى» وانتقلت الفضيلة إليه.
مثال ذلك : أن تحضره نية في الأكل والنوم ليتقوى بذلك على العبادة
ويريح بدنه» ولمٍ تنبعث نيته في الحال إلى الصلاة والصوم» فالأكل والنوم
أفضل» بل لو مل العبادة لكثرة مواظبته عليها» وعلم أنه لو ترفه ساعة بمباح
عاد نشاطه» فذلك أفضل من التعبد
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى
إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم .
حقيقة الإخلاص ودرجاته ودوائه
اعلم: أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره؛ فإذا صفا عن شوبه وخلص
فالإخلاص في التوحيد يضاده الشرك في الإلهية؛ وهو الشرك الأكبر
والشرك الجلي.
وخفي
فالرياء الجلي هو الذي يبعث على أصل العمل ويحمل عليه؛ ولولا
قصد الرياء لم يعمل العامل وهو الرياء بأصل العبادة وهذا مفسد للعمل
المكدرة للإخلاص متفاوتة بعضها أخفى من بعض» وبعضها أخفى من دبيب
فمنها: أن لا يكون اطلاع الناس باعثاً على أصل العبادة ولكن يكون
منشطاً أو مقوياً للنشاط فيهاء أو يكون مؤثراً في وصف العبادة كتطويل
الصلاة وتحسينها لأجل الناس ففي هذا العمل يئاب العبد على قصده الصحيح
ويعاقب على قصده الفاسد بحسب قوة الباعث.
ومنها: وهو أخفى ما لا يكون كذلك ولكن يسر باطلاع الناس على
ومنها: - وهو أخفى أن لا يسر بذلك ولكن يكون راغباً في توقير
ينقصان من أجر العمل ولا يوجبان إحباطاً.
والحاصل: أنه ما دام العامل يفرق بين مشاهدة الإنسان والبهيمة في
حال العمل؛ ولم يكن وجود العبادة كعدمها فيما يتعلق بالخلق فهو خارج عن
فيه التفصيل المذكور .
بعصمة الله وتأبيده.
وقد قيل : ركعتان من عالم أفضل من سبعين ركعة من جاهل؛ وأريد به
العالم بدقائق آفات الأعمال حتى يخلص منهاء والجاهل ينظر إلى ظاهر
العبادة؛ وقيراط من الذهب الذي يرتضبه الناقد خير من دينار يرتضيه الغر
الغبي
ومن الدواء النافع في الإخلاص والتخلص من الرياء: إخفاء الأعمال»
وإغلاق الأبواب دونها كما تغلق دون الفواحش» فإنه لا دواء لداء الرياء مثل
إخفاء الأعمال
أعمالهم الصالحة أعظم مما يحرص الناس على إخفاء فواحشهم؛ كل ذلك
رجاء أن يخلص عملهم ليجازيهم الله تعالى يوم القيامة بإخلاصهم .
وبرتكب ما يجلب سخط الله تعالى ويفؤت رضاه
وأنجع دواء لتحصيل الإخلاص والتخلص من الرياء ومن سائر
الأمراض القلبية هو المواظبة على الأذكار واستعمال أحاديث التسبيح
والتهليل ونحوها من الأذكار والدعوات وسائر الأداب الشرعية؛ وأنفع كتاب
في هذا هو «الأذكاره للإمام النووي رحمه الله فقد قالوا: «بع الدار واشتر
الأذكار» فإنه حلية الأبرار وشعار الأخيار.
كان أجدى وأنفع .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
إلى الجنة» وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله
)١( رواه البخاري ومسلم
وقال بشر الحافي : من عامل الله بالصدق استوحش من الناس .
واعلم أن لفظ الصدق قد يستعمل في معان
يتكلم إلا بالصدق. والصدق باللسان هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها.
ينبغي أن يحترز عن المعاريض» فإنها تجانس الكذب إلا أن تمس
الحاجة إليهاء وتقتضيها المصلحة في بعض الأحوال» وقد كان ابي صلى
الله عليه وآله وسلم إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها لثلا ينتهي الخبر إلى الأعداء
فيتهيؤوا للقتال» وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «ليس بكاذب من أصلح بين
وينبغي أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه؛ كقوله:
مشغولاً بالدنيا فهو كاذب
مازج عمله شوب من حظوظ النفسء بطل صدق النية؛ وصاحبه يجوز أن
الثالث: الصدق في العزم والوفاء به.
العزيمة قد تكون صادقة؛ وقد يكون فيها تردد.
وأما الثاني : فبأن يصدق في العزم؛ وتسخو النفس بإنجاز الوعد لأنه لا
الخامس: الصدق في مقامات الدين - وهو أعلى الدرجات - كالصدق
فالصادق المحقق من نال حقائقهاء وتجاوز طرف الضعف إلى طرف القوة