الفتوي الحموية الكبري
وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. من أولثك الذين استغوتهم الشياطين»؛
وفي زعمهم ان هذا هو الأسلوب الأمثل للوصول إلى اليقين الأكمل.
الله ظاهرة مشهورة؛ وصاحوا بهم في كل أصقاع المعمورة؛ فتهاوت مباني
الشبه المتحرفة التي بئها أفراخ المتفلسفة الصابئين ومن سار في ركبهم من
التكلمين بطوائفهم المختلفة؛ من طبل لأفكارم وغفل عن قصدهم
لكن كتائب الطائفة المنصورة كانت لهم بالمرصاد؛ فتنادت من كل قطر
لمواجهة هذا الخطر العظيم الذي يهدد أصل الدين وأساسه المتين؛ وعقدوا
البدع والضلالات. وهبّت رياح النصر بحمد الله فتُدَيِرُ كل كيم بتر َيه
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية بمن خاض هذه المعركة ؛ حيث تصدى
الجهل» وانتشرت البدع والأهواء؛ وكثر الاختلاف» وانطمست معالم العقيدة
الصحيحة؛ واندرس مذهب السلف, ولم يعد له وجود إلا على نطاق فردي
لأهل الباطل» واضحت الصولة والجولة لهم» يُفْرُخون بأفكارهم المنحرفة
الفتوى الحيوية الكبرى
وفي هذه الأثتاء ومن خلال هذه الأمواج المتلاطمة؛ رفع الأشاعرة
مظلتهاء وأطلق عليه أصحابه - زوراً وبهتاناً مذهب أهل السنة والجماعة
قد يتهم بالخروج والكفر.
وفي هذا الظلام الحالك؛ ومن خلال هذا العالم المتهالك لاح نورٌ في الأفق
ليبدد بشعاعه المتنائر هذا الظلام الغاسق؛ تلالاً هذا الكوكب الوهاج بين
واقتضت حكمته أن يكون الحفظ بأسباب» ولعل الشيخ أحد هذه الأسباب.
فتح شيخ الإسلام عينيه على هذا العالم فماذا يرى؟ وجد كل شيء فاسداً
ومتهلهلاً. وبحاجة إلى إصلاح وبناء متكامل. والسؤال الذي يطرح نفسه:
ماذا سيفعل فرد واحد في مواجهة ذلك كله؟ لكن لما كانت العاقية مضمونة
واحداء فلا يبالي بوحشة الطريق وقلة الرفيق؛ شمر عن ساعديه بجد
في ذلك كله الإيمان الراسخ والعزم الثابت» وذاد الئاس بعصا الكتاب
دلاء أهل الباطل وأهواء البشر.
فسا لبث غير قليل حتى بدأت قلاع الباطل تتهاوى على أصحابهاء
الواحدة تلو الأخرى» وخر عليهم السقف من فوقهم؛ وساخت الأرض من
تحت اقدامهم» وتنادوا بالويل والثبور ظَذَإذَاترَلَ
[الصافات ]1717:
هذه الظروف الحرجة ليجدد لها ما اندرس من معالم عقيدتهاء وصدق الشاعر :
وايم الله إنه لثالث ثلاثة كانت لهم مواقف متشابهة في مسار الأمة
الإسلامية عبر عصورها الغابرة؛ حيث وقف هؤلاء بعزيمة وصدق وفي وقت
كانت الأمة تمر بأخطر منعطفاتها وأسوأ ظروفهاء وهم : أبو بكر الصديق
تمن ؛ والإمام أحمد وشيخ الإسلام رحمهما الله .
الذي كان غريباً على زمنهم وبيئتهم» ليس لهم عهد بالصفات التي تحلى بها
والرسالة التي يحملها إلا من خلال صفحات التاريخ التي نحكي الرعيل
الترؤجم بالعمل» الزهد المحفوف بالورع؛ وبهذا لهجت الألسن بذكر ابن
وكان انتشار هذه « الفتوى » الحموية - في أيدي الناس إيذاناً ببداية
حاديهم في ذلك الظلم والحسد؛ وحجتهم ومستندهم الكذب والبهتان
وتحريف الكلم عن مواضعه؛ ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .
الفتوي الحموية الكبري لا
فتئوا يكيدون له ويمركون ويتتبعون السقطات والعثرات حتى دعوه للمناظرة
واستطوا صهرة المنهزم باستخدام ما أمكنهم الله من سلطة ونفوذ فاودعوه
فاعلين ولسان حاله يقول - رب السجن أحب إلي مما يدعوني إليه ٠
وقد حسب الناس أن السجن له نقمة؛ وعدّها هو نعمة؛ قال له الناس: هذا
موطن الصبرء فرد عليهم : بل هذا موطن الشكرء ويخاطب خصومه قائلاً :
الموت يجمعنا؛ والقيامة تضمناء والله يحكم بيئنا » .
ليس من مات فاستراح يميت إنما اليت ميت الأحياء
ورحم الله الحسن البصري حيث قال : الما رأيت الناس لا يرضون عن
احد على إبراز مصنفاته؛ بل إن وجود كتاب من كتبه عند أحد من الناس
تلامذة الشيخ على إخفائها والاحتفاظ بهاء وفي هذا الصدد يقول احد
معاصريه ومحبيه الشيخ شهاب الدين أحمد بن مري الحنبلي - في معرض
)١( رواء الحافظ ابن عساكر في « تبيين كذب المفتري ؟ ص47
الفتوى الحموية الكبرى
رسالة بعثها إلى تلامذة الشيخ في دمشق يوصيهم فيها بجمع تراثه والعناية به
قال رحمه الله : «والله إن شاء الله ليقيمن الله سبحانه لنصر هذا الكلام يعني
كلام ابن تيسية - ونشره وتدوينه وتفهمه؛ واستخراج مقاصده واستحسان
عدده غير الله تعالى..»اه" .
تأويل وعده؛ وتسابق العلماء والباحثون لإخراج كتبه ونشرها بين الناس
مكاناً بارزا» وجَسُّل العلماء والكتاب مؤلفاتهم بأقواله وفتاويه. وإن من
طريف ما يذكر أن اسم «ابن تيمية» على غلاف كتاب ما كفيل بانتشار هذا
الكتاب وسرعة اقتناء الناس له
واتسمت بردود فعل قوية وصدى واسع؛ وإني لأتشرف بتقديم هذا السفر
المبارك للقراء؛ بل إن خدمة هذا الإمام ونشر تراثه عبادة أتعبد بها وأعد
رما دعاني وشجعني إلى تحقيق هذا الكتاب بعد الاستخارة والاستشارة
أمور؛ منها على سبيل الإجمال :
أولاً: قيمة الكتاب العلسية؛ وذلك أنه يعتني بجانب عظيم من جوائب
العقيدة الإسلامية؛ وهو توحيد الأسماء والصفات؛ وخاصة فيما يتعلق بعلو
الله واستوائه على عرشه؛ وصفاته المسماة بالصفات الخبرية. ومع أن الكتاب
)١( قطعة من مكتوب الشيخ الإمام الزاهد شهاب الدين أحمد بن مري الحنبلي ص18
الفتوي الحموية الكبري نسا
ليس بالحجم الكبير بالنسبة إلى مؤلفات الشيخ الأخرى. إلا أنه ورد بأسلوب
تقريري ذي طابع تميز بالقوة في الرد والتاصيل.
ثانياً : فإن هذا الكتاب يعد من أقوى الردود على مذهب الأشاعرة؛
وهذا المذهب الذي عالجه شيخ الإسلام ورد عليه في هذه الفتوى هو نفسه
الموجود الآن بين أظهر المسلمين المنتشر في أرجاء العالم الإسلامي المعاصر
بأصوله وقواعده. إذن فهذا الكتاب يعالج انحرافاً عقدياً متغلغلاً بين الأمة
ثالغا : لقد تميز هذا الكتاب بالإضافة إلى قوة عبارته ومتانة رده أنه ذو
اسلوب سهل ويسير يفهمه العالم والمتعلم» ويعد من أمهات الكتب السلفية
التي لا يستغني عنها طالب علم.
رايعاً : مسيس الحاجة لإخراج هذا السفر العظيم محفْقاً موثقً. لما احتوى
عليه من قواعد وردود وفوائد جمة لا يمكن حصرها.
إضافة إلى كثرة النصوص والآثار والنقول التي أوردها الشيخ» والتي تفتقر
إلى التخريج والتوثيق وعزوها إلى مصادرهاء
لهذه الأسباب ولغيرها اخترت أن يكون موضوع بحثي هذه الفتوى القيمة
دراسة وتحقيقاً .
* خطة البحث :
المقدمة: فيها ذكرت بيان أهمية الموضوع وسبب اختياره وخطه العمل
التمهيد: عبارة عن ترجمة موجزة للمؤلف.
القسم الأول ؛ الدراسة ؛ وتشتمل على أربعة فصول .
"- أسباب تاليفه وتاريخ ذلك.
ر الفتوي الحموية الكبرى
4- مجمل مباحث الكتاب؛ ومنهج المؤلف في تاليفه .
*- مصادر المؤلف في هذا الكتاب.
الفصل الثاني ؛ موقف المتكلمين في هذا الكتاب.
الفصل الثالث , دراسة بعض المسائل التي اشتمل عليها الكتاب
الفصل الرابع:
-١ النسخ الخطية للكتاب
-١ طبعات الكتاب .
القسم الثاني : الكتاب محققاً.
* متهجي في التحقيق:
-١ توثيق النص وضبطه. والمقابلة بين النسخ» واتبعت في ذلك ما يلي:
- إذا كانت هناك زيادات من النسخ الأخرى أو من أحد الكتب الي نقل
- إذا طال السقط أو الإضافة على ما في الأصل أضعه بين نجمتين هكذا
معكوفتين حتى لا أثقل الحواشي.
-٠ حرجت الأحاديث من مظانهاء فإن كان الحديث في الصحيحين
ذكر ما قاله العلماء في الحكم عليه إن وجد.
- إذا كان للحديث شواهد يتقوى بها فإني أذكرها مخرجة من مظانها
- في عزو الحديث أذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث ثم الكتاب
- إذا أشار الشيخ إلى الحديث إشارة؛ كقوله : «ثم إن الرسول قي أخبر
بان أمته ستفترق ...0 فإني أذكر في الهامش نص الحديث كاملاً.؛ أو
؛- اجتهدت في تخريج الآثار من المصادر الأصلية؛ إضافة على من
ذكرها من العلماء. خاصة الإمام ابن القيم في «اجتماع الجيوش» والإمام
الذهي في «العلو» مع ذكر حكم العلماء عليها إن وجد.
هه حاولت توثيق النقول وعزوها إلى مصادرها سواءً أكان المصدر
مطبوعاً أم خطوطاً؛ مع الحرص على مقابلة النص المنقول مع الكتاب
الأصلي إن وجد .
وجد من يرويه بالإسناد؛ مع الإشارة إلى المواضع الأخرى التي ذكره فيها
شيخ الإسلام من كتبه.
+- ترجت للأعلام الوارد ذكرهم في النص عدا الصحابة والمشهورين
من العلماء كالأثمة الأربعة .
- اقتصرت في الترجمة على اسم المترجم له وسنة وفاته وبعض مؤلفاته ؛
مع ذكر ما قاله العلماء فيه خاصة فيما يتعلق بمعتقده. وغالباً ما أقتصر
على قول واحد » وفي نهاية الترججمة اذكر بعض المراجع لمن أراد المزيد .
- أسهبت نوعاً ما في ترججة بعض الأعلام كأبي الحسن الأشعري »
8 الفتوى الحموية الكبرى
وأبي حامد الغزالي نظراً لكثرة الكلام حول هذه الشخصيات من ناحية
-١ أشرت إلى الكتب التي ذكرها المؤلف في الأصل مما يسر الله الاطلاع
من المسائل التي وقع الخلاف فيهاء فإني أذكر مذهب أهل ١|
من خالفهم» متوخياً الاختصار في هذا كله؛ ثم أذكر في نهابة التعليق +
المراجع التي تحدثت عن الموضوع بالجزء والصفحة لمن اراد التوسع في ذلك.
- ومن المعلوم أن شيخ الإسلام من العلماء الذين خدموا أنفسهم
إذا عرض لي مسألة في الأصل» وقد بسط الشيخ القول فيها في موضع أو
موضوع آخر فغالباً ما أنبه إلى ذلك.
- توسعت في التعليق على بعض المسائل كالتعليق على حديث «الصورة»
وذلك بسبب ما وقع من اللبس في هذه السألة لدى بعض أهل السنة
4- عرّفتُ بالفرق والأماكن الوارد ذكرها في النص.
-١ شرحت الكلمات الغريبة من خلال كتب غريب الحديث وكتب
اللغة؛ وقد حرصت أن أوضح ذلك بشاهد من القرآن أو من الحديث أو بيت
من الشعر لتقريب المعنى إلى ذهن القارئ» كما قمت بتشكيل بعض الكلما:
-١١ وضعت عناوين جانبية للكتاب» وحاولت أن تكون ختصرة قدر