8 فضائل القرآن
من الثلاث ما أظنه يذكر شيئًا ١ كالحلم » ولا أبعدَ من الحلم ولا أقرب .
فهو حين موت أبيه قد جاوز الثالثة - في أكبر ظني - ولذلك أرجّح أن
مولده كان في سنة 700 أو قبلها بقليل . وهو أقرب إلى الصحة من قول
الحافظ ابن حجر : « أو بعدها بقليل » . لأن الذي ١ بعدها » لا يكاد ييلغ
الثالثة عند موت أبيه .
وكان أبوه « الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير 6 من
العلماء الفقهاء الخطباء ولد - كما قال ابنه - في حدود سنة 346 2
وترجم له ابنه الحافظ في تاريخه الكبير ١ البداية والنهاية 4 6 ج ١4 ص 9١
؟*؟ . ومما قال في ترجمته : 3 اشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ييصرى .
فقرأ ” البداية * في مذهب أبي حيفة » وحفظ « جُجمّل الرْجّاجِي “6
وعُني بالنحو والعربية واللغة ؛ وحفظ أشعار العرب ؛ حتى كان يقول الشعر
الجيد الفائق الرائق في المدح والمراني وقليل من الهجاء . وقرر بمدارس بُصرى
والله أعلم بصحة ذلك . ثم انتقل إلى خطابة القرية شرق بصرى ؛ وتمذهب
للشافعي ؛ وأخذ عن النواوي والشيخ تقي الدين الفزاري - وكان يكرمه
مدة طويلة ؛ في خير وكفاية وتلاوة كثيرة . وكان يخطب جيدًا ؛ وله مقول
عند الناس » ولكلامة وقع ؛ لديانته وفصاحته وحلاوته . وكان يؤثر الإقامة
في البلادا" ؛ لما يرى فيا من الرفق ووجود الحلال له ولعياله . وقد ولد
)١( يريد هؤلاء الناس - فيما يزعمون - : مبرك ناقة صالح عليه السلام
+ يعني القرى )١(
فضائل القرآن 7
وإدريس . ثم من الوالدة : عبد الوهاب وعبد العزيز ؛ وأخوات عدة .
دمشق + فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده ؛ وقرأ مقدمة في النحو +
وحفظ اتبيه ؛ وشرحة عل العامة تاج الدين الفزاري » وحصّل المنتخب
في أصول الفقه . قاله لي شيخنا ابن الزملكاني . ثم إنه سقط من سطح
إسماعيل ؛ وأصغرهم وآخرهم : إ ماعيل . فرحم الله مّن سَلَف » وحم بخير
لمن نْ لقي . توفي والدي في شهر جمادى الأول سنة * ٠ في قرية محجدل +
دمشق صحبة '* كال الدين عبد الوهاب “ وقد كان لنا شقيقًا ؛ وبنا
وقد بدأ الاشتغال بالعلم على يدي أخيه عبد الوهاب - م قال آنا -
ثم اجتبد في تحصيل العلوم على العلماء الكبار في عصره . وحفظ القرآن
الكريم + وحم حفظه سنة 9011 » ما صرح بذلك في تار 214 11
وقرأ بالقراءات » حتى عد الداودي من القراء" » وترجم له في طبقاتهم
التي ألّفها". وسمع الحديث من كثير من أئمة الحفاظ في عصره . وعُني
)١( الداودي : هو شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي المصري ؛ مات سنة
8 . ولكن ابن الجزري لم يذكر ابن كثير في طبقات القراء +
() وما ينبغي التنبيه إليه: أن « ابن كثير » هذا الحافظ المفسر؛ غير ؛ ابن <
8 فضائل القرآن
بالسماع والإكثار مته . فمثًا ذكر في تاريخه 16 : 144 أنه سمع
صحيح مسلم في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين ابن العسقلاني +
بقراءة الوزير العالم أ؛ بي القاسم محمد بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي
الأندلسي » المتوفى بالقاهرة في 77 محرم سنة 730 - حين قدم دمشق
في جمادى الأولى سنة تف عازمًا على الحج .
وذكر في ترجمة شيخه الكبير المعمّر الرحلة شهاب الدين الحجار
المعروف بابن الشحنة : أنه سمع عليه « بدار الحديث الأشرفية في أيام
عاش مائة سنة محققًا ؛ وزاد عليها » . وتوفي سنة 70 . ( التاريخ
وتففّه على الشيخين برهان الدين الفزاري وكمال الدين ابن قاضي
شهبة . وحفظ التنبيه للشيرازي في فروع الشافعية ؛ ومختصر ابن الحاجب
في الأصول ٠ وارم الحافظ الكبير أبا الحجاج المي » وقرأ عليه مؤلفه
العظيم في الرجال « تهذيب الكمال ؛ ؛ وصاهره على ابنته زينب"". وكان
من أعظم تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية © ولازمه وتخّج على يديه +
يفتي برأيه في مسألة الطلاق”" » واصّحن بسبب ذلك وأوذي .
- كثير » أحد القراء السبعة . فذاك اسمه « عبد الله بن كثير المكني 8 » إمام أهل
مكة في القراءة » وهو قديم من التابعين » روى عن ابن الزبير وأنس بن مالك ٠
ولد سنة 46 © ومات سنة 178
1 14 ذكرها باسمها في ترجمة شيخه الحافظ المزي » المتوفى سنة 147 . ( التاريج )١(
أي وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة ؛ كا هو الحق الذي -
فضائل القرآن 4
وكان من أفذاذ العلماء في عصرة .
فذكره الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ 4 : 14 مع أن الذهبي
يكاد يكون من طبقة شيوخه ؛ لأنه مات سنة 748 » قبل ابن كثير ب7؟
سنة . فقال في طبقات الحْفاظ : ١ وسمعتُ مع الفقيه المفتي المحدّث +
ذي الفضائل ؛ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البُصْرَوي الشافعي ...
سمع من ابن الشّحنة وابن الرداد وطائفة . له عناية بالرجال والمتون والفقه +
خرّج وناظر وصنّف وير وتقدّم » . وقال الذهبي في المعجم المختص -
فيما نقل ابن حجر وغيره : ١ الإمام المفتي المحدّث البارع ؛ فقيه متفتّن +
محدّث متقن » مفسّر نقال +
وقال تلميذه شهاب الدين بن حجي : ١ كان أَحْفّظ من أدركناه لمتون
الأحاديث ؛ وأغْرّفهم بتخريجها ورجالها ؛ وصحيحها وسقيمها . وكان
أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك . وكان يستحضر كثيرًا من التفسير
والتاريخ » قليل النسيان . وكان فقيهًا جيد الفهم صحيح الذهن ؛ ويحفظ
التنبيه إلى آخر وقت . ويشارك في العربية مشاركة جيدة ؛ وينظم الشعر .
( عن التعيمي في كتاب الدارس ) .
وقال تلميذه الحافظ أبو المحاسن الحسيني في ذيل تذكرة الحفاظ
(ص 88 ) : ١ وصاهر شيخنا أبا الحجاج المي فأكثر عنه . وأفتى
ودرّس وناظر » وبرع في الفقه والتفسير والنحو . وأمعن النظر في الرجال
والعلل 6 .
- تدل عليه الدلائل الصحاح .
إفضائل القرآن
وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة : ١ ولازم المرّي ؛ وقرأ عليه
تهذيب الكمال ؛ وصاهره على ابنته . وأخذ عن أبن تي
واشّحن بسب . وكان كثير الاستحضار ؛ حسن المفاكهة . سارت تصائيفه
في البلاد في حياته » وانتفع بها الناس بعد وفاته . ولم يكن على طريقة
المحدّثين في تحصيل العوالي ؛ وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من
فنونهم . وإنما هو من محدّثي الفقهاء . وقد اختصر مع ذلك كتاب ابن
الصلاح'" © وله فيه فوائد +
ونقل السبوطي في ذيل طبقات الحفاظ كلام الحافظ ابن حجر في
أنه ١ لم يكن على طريقة المحدثين .. ثم تعقبه بقوله : ١ العمدة في
لا من الأصول المهمة » . وهذا حق .
وقال العامة العيني - فيما نقل عنه ابن تغري بردي في النجوم
الزاهرة - : ١ كان قدوة العلماء والحفاظ » وعُمدةً أهل المعاني والألفاظ +
في الحديث والتفسير والتاريخ » واشتهر بالضبط والتحرير » وانتهى إليه
)١( كتابه هذا هو ١ اختصار علوم الحديث » . طبع أول مرة في مكة المكرمة بالمطبعة
الماجدية سنة 1787 ؛ بتصحيح أخينا العلامة الكبير الشيخ محمد عبد الرزاق
وطبع في مصر في شهر ذي القعدة سنة 17805 . ثم أعدت طبعه مرة أخرى
مع زيادات وتتقيح في الشرح ؛ في شهر ذي الحجة سنة 17970 2
فضائل القرآن ١
علم التاريخ والحديث والتفسير . وله مصنفات عديدة مفيدة 6 .
ووصفه الحافظ العامة شمس الدين بن ناصر » في كتاب « الرد
الوافر » - بأنه ١ الشيخ الإمام العلامة الحافظ » عماد الدين » ثقة المحدّثين ؛
عمدة المؤرخين ؛ عَلَمْ المفسّرين + .
وقال فيه ابن حبيب - فيما نقل الداودي في طبقات الْرَاء وابن العماد
في الشذرات : « إمام ذوي التسبيح والتهليل » وزعيم أرباب التأويل . سمع
فتاويه إلى البلاد ؛ واشتهر بالضبط والتحرير +“ وانتهت إليه رياسة العلم في
التاريخ والحديث والتفسير ١ .
وروى له الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر » وابن العماد في الشذرات -
لبينين المشهورين + الذائعين على الألسنة :
وصْحتَه وملازمُه لشيخ الإسلام ابن تيمية أفادثه أعظم الفوائد ؛ في
فهو مستقلٌ الرأي » يدور مع الدليل حيث دار ء لا يتعصب لمذهبه
ولا لغيره . وكتبه العظيمة » وخاصة هذا التفسير الجليل - فيها الدلائل
الوافرة . وتَجِدُه - مع أنه شافعي المذهب - يفتي في مسألة الطلاق الثلاث
بلفظ واحد ؛ بما رجّحْته الدلائل الثابتة الصحاح ؛ أنه يقع طلقة واحدة . ثم
يُسّحن ويلقى الأذى ؛ فيئبت على قوله ؛ ويصبر على ما يلقى في سبيل الله .
ون وهو المي ميخ الإمتلاب رقن عام أتمتان يعرف ما كان
بين شيخْهِ شيخ الإسلام ؛ وبين قاضي القضاة تن تقي الدين السبكي - ومع
"6" فضائل القرآن
عنه المحنة . فيذكر في التاريخ - في حوادث سنة 147 (014 :704 )
أنه أرجف الناس كثيرًا بقاضي اله 3 - في دمشق - ١ واشتهر أنه سينعقد
لهم أحد فيها غير القاضي جلال الا الدين الحنفي » رأيت
خطّه عليها وحده بعد الصلاة . في الإفتاء عليها فامتن ؛ لما
فهذا حُلّْى أهل العلم النبلاء الأتقياء
وقد طار ذكره في الأقطار الإسلامية ؛ حتى إنه ليذكر في حوادث
سنة 157 ( 14 : 194 - 1855 ) أن شابًا عجميًا حضر من بلاد تبريز
للرمخشري وغير ذلك » » وأنه امتحنه بقراءة مجالس من البخاري وغيره
بحضرة قاضي القضاة الشافعي وجماعة من الفضلاء ؛ ثم قال : ١ وفرح
وهذا الخبر يدل على أن كتابه ١ جامع المسانيد » وصل إلى أقصى الشرق +
في بلاد تبريز وخراسان ؛ حتى يحفظه هذا الشاب الأعجمي أو يحفظ شئًا
منه . في حين أن الحافظ ابن كثير لم يتم تأليف ١ جامع المسانيد + كما هو
معروف . فكأن العلماء وطلاب العلم كانوا ينسخون ما يخرج منه ؛ ويتداولونه
ووراءها ألاعيب سياسية » أو أغراض شخصية غير سليمة ؛ وإن كان المستفتي
من الأمراء أو ممن يخشى بأسه . فهو يقول في حوادث اسنة 7567 :
١ وجاءتني فتيا صورتها : ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلامًا
فأحسن إليه وأعطاه وقدّمه . ثم إنه وثب على سيده فقتله وأخذ ماله ومتع
ورثته منه ؟ وتصرّف في المملكة » وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدم
يُقتل يكون شهيدًا ؟ وهل اب السّاعي في خلاص حت ورثة الملك المقتوا نعول
من القصاص والمال ؟ أفتونا مأجورين ؟ 6 .
فهذا استفتاء صِيعٌ في صورة تُوجي بالجواب . وباطئه أن ذاك الأمير
المُّلك ؛ كعادة الأمراء من المماليك في ذلك العهد . ولكن ابن كثير يجيبه
جوابًا حكيمًا يكشف عن بعض مقصده ؛ ويُضْمن جوابّه النصيحة الواجبة
في مثل هذه الحال ؛ فيقول : ١ فقلت للذي جاءني بها من جهة الأمير :
إن كان مراده خلاصّ ذمته فيما بينه وبين الله تعالى - فهو أعلم بنيته في
بهذا الاستفتاء أن يتقوّى بها في جمع الدولة ؛ والأمراء عليه - فلا بدّ أن
يكتب عليها كبارٌ القضاة والمشايخ أولًا » ثم بعد ذلك بقية المفتين بطريقه 6 +
( التاريخ ١4 : 7481 : 87 )
منها . وعاثوا في أهلها فسادًا ؛ يقتلون الرجال » ويا خذون الأموال » ويأسرون
النساء والأطفال » فالحكم لله العليّ الكبير المتعال . وأقاموا يوم الجمعة
والسبت والأحد والإثنين والثلاثاء . فلما كان صبيحة الأربعاء قدم الشاليش
يقاربون الأربعة آلاف » وأخذوا من الأموال ذهيًا وحريرًا ًا وغير
ذلك » ما لا يُحدّ ولا يُوصف . وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر
يومئذٍ وقد تفارط الحال ؛ وتحوات الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحرء
فسُمع للأسارى من العويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله ؛ والاستغاثة
به وبالمسلمين - ما قط الأكباد ؛ وذرف له العيون وأصمٌ الأسماع .
فإنا لله وإنًا إليه راجعون . ولما بلغت الأخبار إلى أهل دمشق شق عليهم
ذلك دا ؛ وذكر ذلك الخطيبٌُ يوم الجمعة على المنبر » فتباكى الناس
فهذه وقعة شنيعة غادرة من الإفرنج - كعادتهم - والنفوس تتقزّز من
مثلها » وتثور من أجلها . والملوك والأمراء الظالمون ينتهزون فرصة تعبئة
الرأي العام الإسلامي - وتورثه من أجل هذا الغدر ؛ وغضبًا لهذه الفظائع -
ليأكلوا أموال الناس بالباطل » وظاهر أمرهم الانتقام وباطنه السلب والنهب .
)١( في النجوم الزاهرة ( ١١ : 394 طبعة دار الكتب المصرية ) : « فلما وصل
السلطان إلى الطرانة أرسل جاليثًا من الأمراء أمامه في ء + 2 وكتب
مصححه الأستاذ محمد البرهامي منصور ؛ بهامشه : « الجاليش : مقدمة الجيش +
والراية العظيمة في رأسها خصلة من الشعر » . وهي كلمة أعجمية - لعلها”
تركية أو فارسية - وفي مثلها الجيم شديدةالتعطيش - بين الجيم والشين, - فيجوز