1 دراسة الكتاب
ونافحوا ودافعوا عن آراء أثمتهم؛ حتى كتب للمذاهب الفقهية الأربعة البقاء منفردة
بالاهتمام الكبير» وقلّ الاهتمام بسواها من المذاهب الأخرى.
فالفقهاء اشتغلوا بدراسة النصوص؛ وفحص معانيها؛ واستخراج عللها ومراميها»
والجمع بينها أو الترجيح؛ ومعرفة ناسخها ومنسوخهاء ووضعوا الأصول والقواعد التي
فأكثروا منهاء وتعرضوا للقياس والتفريع فتوسعوا فيهماء فصارت لهم بذلك مذاهب
متكاملة؛ ومناهج متمايزة؛ واشتهرت منها المذاهب الأربعة؛ التي تعتبر كل واحدة منها
مدرسة مكتملة المنهج بأصولها وقواعدها وفروعها.
في الغالب مقلين فيهاء وقلما نجد إماما جمع بين التوسع والتبحر في مجالي الرواية
وفي القرن المحامس بدأت تظهر بدايات علم المحلاف؛ هذا العلم الذي تبلور
واشتهر بين مقلدي الأئمة الفقهاء وتابعيهم انتصاراً من كل أتباع لإمامتهم؛ واظهاراً لقوة
وأول من ألف في علم المحلاف تأليفآ كاملا مع أصوله هو: الإمام أبو زيد
ثم تطور علم المحلاف؛ حتى أصبح علما مستقلا له كتبه ومؤلفاته؛ وقواعده
رؤوس المسائل الخلافية للعكبري 7
وقد وصفه ابن خلدون بقوله: «وهو لعمري علم جليل الفائدة في معرفة مآخذ
الأئمة وأدلتهم ومران المطالعين له على الاستدلال فيما يرومون الاستدلال عليه».
هو علم يعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية؛ ودفع الشبه» وقوادح الأدلة
بالمقاصد الدينية.
وهو علم متولد من علم المنطق والجدل وعلم الفقه؛ فهو يأخذ من المنطق ميادئه
وقواعده وكلياته وقطعياته؛ ثم ينطلق بها ليستخدمها فى الفقه ومسائله؛ وبيان قواعد
الأئمة وأصول اجتهاداتهم ؛ ودفع الشكوك والشبه التي ترد على مذاهبهم.
وقد يعرّف بأنه علم يقتدر به على حفظ أي وضع؛ وهدم أي وضع كان بقدر
الإمكان. ولهذا قيل الجدلي إما مجيب يحفظ وضع ؛ أو سائل يهدم وضع ؛ وقد سبق
في علم الجدل.
يقول ابن خلدون في ذلك: «فاعلم أن هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية كثر
. ثم لما انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار وكانوا بمكان من حسن الظن
بهم؛ اقتصر الناس على تقليدهم ومنعوا من تقليد سواهم لذهاب الاجتهاد لصعوبته
وتشعب العلوم التي هي مواده ؛ باتصال الزمان ؛ وافتقاد من يقوم على سوى هذه
المذاهب الأربعة.
4 دراسة الكتاب
إذن فعلم الحلاف علم باحث عن وجوه الاستتباطات المختلفة من الأدلة الإجمالية
نعمان بن ثابت الكوفي (16:0-80ه)؛ ومن أصحابه أبو يوسف؛ يعقوب بن إبراهيم
الكوفي 181-110ه) ومحمد بن الحسن الشيباني (188-177ه) والإمام
الشافعي؛ محمد بن إدريس (» 4-18 ٠1ه)؛ والإمام مالك بن أنس (1174-47ه)؛
والإمام أحمد بن حنبل الشيباني )141-174ه) رحمهم الله جميعا.
كما يتناول الأحكام والمسائل الفقهية التي اختلف فيها العلماء؛ وأسباب وأدلة
ذلك» مع إيراد بعض المقارنات والترجيحات والاعتراضات والردود والأجوبة عنها؛ وغير
ذلك. وهو يرسخ معاني السعة واليسر والرحمة والتخفيف في الدين الإسلامي الحنيف.
فوائد علم الخلاف»
حدد ابن خلدون فوائد علم المحلاف بقوله: «وكان في هذه المناظرات بان مآخذ
هؤلاء الأئمة؛ ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم؛ وكان هذا الصنف من العلم يسمى
بالمحلافيات؛ ولابد لصاحبه من معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى استتباط الأحكام كما
يحتاج المجتهد»
وعلم المحلاف له استمداد من العلوم العربية الشرعية ؛ وغرضه تحصيل ملكة
الإبرام والنقض؛ كما يدفع الشكوك عن المذاهب؛ وإيقاعها في المذهب المخالف.
وقد كان يدرس في المدارس العلمية القديمة أكثر من ستين علما؛ ذكرها الفخر
الرازي في كتابه «جامع العلوم» على نحو موجز وذكر منها (علم المحلاف» ويطلق عليه
رؤوس المسائل الخلافية للعكبري 15
أو (التفسير المقارن).
هذا يعني إن أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة كان يعرض البعض استباطاته
على البعض الآخر ؛ وبهذا ترتفع كثير من التوهمات ؛ وعندما يسمع الفقهاء أدلة
الآخرين يدركون أن لكل واحد منهم مبادئ خاصة يعتمد عليها في فهمه واستتباطه»
فكان علم المحلاف من العلوم التي استوجبت ازدهار الفقه آنذاك» وذلك من
خلال المنافسة السليمة بين الفقهاء.
أسباب اختلاف الطقهاء؛
لقد أجمع علماء الأئمة على هناك قضايا شرعية وقواعد دينية انقطع فيها
المحلاف. ووجب التسليم بها؛ وهي الأمور التي ثبتت ثبوتا قطعياً : كأركان الإسلام
المحمسة؛ وأركان الإيمان؛ والصلوات المحمسة؛ وعدد ركعاتها؛ وتحريم الزناء والرياء
والمحمر؛ وقتل النفس التي حرم الله ؛ وكذلك ما أجمع عليه العلماء من قواعد الشرع
المعتبرة في أحكامه مثل : لا ضرر ولا ضرار » والحدود تدرأ بالشبهات؛ ورفع الحرج»
فهذه كلها لا اجتهاد فيها ولا مجال للرأي وامحلاف ؛ بل هي أسس وقواعد لهذا
الشرع العظيم؛ لا تتغير بتغير الزمان» ولا بتغير المكان ومن تردد في التسليم بهاء أو
شك في أمرهاء فقد خرج عن الإسلام
٠ دراسة الكتاب
تنوع فيها الأفهام وتختلف الآراء؛ وقد دعا الشرع إلى إعمال الفكر واستعمال العقل في
إدراك معانيها واستخراج أحكامها وعللها وأوجهها ومراميها؛ وفتح الباب لأهل النظر وفي
الفكر وذوي العقول والألباب ليجتهد كل حسب ما أوتي من علم.
فإن الشرع الحنيف جاء لتحرير العقل من الأغلال التي يرزح تحتهاء؛ فلا يبغي
لأصحاب العقول أن يعسموا بالجمود والمقايد ؛ قال الله عر وجل: ظِلَهُم فوب لأ
أضل (الأعراف: 174).
قال الشيخ يوس ف القرضاوي: «هناك أمران؛ الأول: شريعة منزلة من السماء»
رؤوس المسائل الخلافية للعكبري ١
الشريعة المنزلة لا اختلاف فيه؛ وأما في المسائل الاختلافية الفقهية التي هي ليست نصاً
صريحاً؛ يأتي هنا دور الاجتهاد المجاز.
فلذلك أقامت المذاهب الأربعة أصول الملة؛ وأجرى المحلاف بين المتمسكين بهاء
والآخذين بأحكامها مجرى المحلاف في النصوص الشرعية والأصول الفقهية.
فبالرغم من أن الاختلاف ضد الاتفاق, إلا أن اختلاف أئمة الفقه الإسلامي
اختلاف محمود؛ فاختلافهم يقع في فهم واقع الحياة وأسلوب التطبيق؛ وحتى مسألة
فهم المصوص؛ والمحلاف يُستعمل في قول بي على دليل
قال الإمام الشافعي: «رأينا صواب محتمل اغطاء ورأي غيرنا خطا محتمل
فالحلاف إنما للوصول إلى الأفضل وليس مجرد المخلاف؛ ولا للتفرقة والضعف.
وقد جرت بين الأئمة مناظرات في تصحيح كل منهم مذهب إمامه؛ أجروها على
أصول صحيحة؛ وطرائق قويمة, احتج بها كل على مذهبه الذي قلده وتمسك به»
وأجريت في مسائل الشريعة كلها وفي كل باب من أبواب الفقه؛ فتارة يكون المحلاف
والمفروض في الحلافي ألا يكون باحثا عن أحوال أدلة الفقه؛ بل حسبه أن يكون
متمسكا بقول إمامه؛ لوجود مقتضيات الحكم عند إمامه؛ كما يظن هو وهذا يكفي
عنده لإثبات الحكم ؛ كما يكون قول إمامه حجة لديه لنفي الحكم المخالف لما توصل إليه
"1 دراسة الكتاب
الحلافيات فيحتاج إليه لحفظ تلك المسائل المستنبطة من أن يهدمها ا مخالف بأدلعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الأئمة المقبولون المجمع على إمامتهم من الأمة لا
يقولون في مسألة إلا عن دليل ظهر لهم وإن تبادر إلى ذهن المبتدئ أنهم في اختلافهم
وقد عدد الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي أهم أسباب الاختلاف بين الفقهاء»
-١ الاختلاف في الأمور الجبليّة: إذ أن الأئمة والعلماء يتفاوتون في ملكاتهم وطبائعهم
وعقولهم؛ وهذا أمر طبيعي ينتج عنه في بعض الأحايين اختلاف الأحكام المستنبطة
من الأدلة الشرعية.
"- الاختلاف في اللغة العربية: وهي لغة القرآن ؛ ولغة الحديث النبوي الشريف»
ولاشك أن علماء اللغة أنفسهم يختلفون في وضع الألفاظ ودلالتها؛ والأسلوب
والصيغ؛ والمشترك والمترادف؛ والحقيقة والمجازء وهذا ما انتقل بدوره إلى علماء
*- اختلاف البيدات والعصور والمصالح: لا شك في أن لذلك أثرا كبيرآ في أحكام
وأزمانهم؛ في فرعياتها بشكل خاص » وفيما يتعلق بالمصالح الدنيوية على وجه
الأسباب يسميه الفقهاء اختلاف عصر وزمان وليس اختلاف حجة وبرهان. وبناء
على ذلك وضعت القاعدة الفقهية القائلة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
رؤوس المسائل الخلافية للعكبري ,
؛- الاختلاف في فهم المراد من النص الظني: إذ أن المعنى ربما كان خافياً أو محتملاً
#- الاختلاف في حجية بعض مصادر التشريع: وذلك عند عدم وجود النص القاطع
من كتاب الله أو حديث رسول الة.
>- الاختلاف في بعض فروع علم الحديث: وذلك كالاختلاف حول تضعيف حديث
أو تقويته أو وضع شروط لقبول مراسيل التابعين أو خبر الآحاد ونحو ذلك.
-١ الاختلاف في القواعد والمبادئ الأصولية: وهذا وارد حيث إن تلك القواعد من
وضع العلماء » ولهم فيها اجتهادات علمية وأسباب موضوعية؛ ينتج عنها تعدد
آرائهم فيهاء مما يستدعي اختلاف النتائج المبنية عليها.
كتب علمالخلاف:
الكتب في هذا العلم كثيرة» وفي بدأ الأمر كانت ملحقة بعلم الفقه:
-١ ككتاب (اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى).
"- وكتاب (الرد على سير الأوزاعي).
*- وكتاب (اختلاف الشافعي مع محمد بن الحسن).
4- وكتاب (اختلاف الشافعي مع مالك)؛ وهو إمام بارع في المناظرة
واستخراج المسائل والرأي وإيراد الحجج ؛ ويعتبر مؤسس هذا العلم »
فكتب فيه:
8- كتابه (تأسيس النظر ).
دراسة الكتاب
8- و«تذكرة المحلاف) لأبي إسحاق الشيرازي
4- ولأحيلة العلماء في اختلاف الفقهاء)
-١ وكتاب (التجريد» للقدوري الحنفي.
- و(عيون الأدلة)لأبي الحسن بن القصار المالكي؛ وهو من شيوخ المالكية.
-١ و(التعليق» للقاضي عبدالوهاب المالكي.
-١١ و(الإشراف على مذاهب الأشراف).
-١١7 و(الإفصاح عن معاني الصحاح)؛ وهما للوزير إبن هبيرة النبلي
-١8 ولالمآخذ» للإمام أبي حامد الغزالي.
-١ و(مغيث المحلق في اختيار الأحق).
-١ وقد جمع ابن الساعاتي في مختصره في أصول الفقه جميع ما ييتني
عليها من الفقه المحلافي, مدرجا في كل مسألة ما ييتني عليها من