فالإخلاص: تصفية الأفعال والنوايا من الشوائب والمكدرات, ألا لله الدين
من أجل ذلك. وخدمة للعلم, قمت بهذا العمل لأتقرب به إلى الله عز
وجل. وأنال رضاه؛ وأحشر في زمرة العلماء؛ فهم مصابيح الأمة ومشكاتهاء
ووفاء لأولائك العلماء الأشاوش. قادة الفكر. للرعيل الأول. واعترافا بما
خلفوه من تراث كبير للأجيال المتعاقبة. عقدت العزم على تحقيق كتاب : «التنبيه
على الأوهام الواقعة في المسند الصحيح؛ لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل
البخاري؛ تصنيف أبي على الغساني» فهو يمثل قمة التراث الإسلامي؛ في
الغرب الإسلامي؛ وإخراج : هذا التراث إلى النورء واجب محتوم؛ وفرض معلوم
على رجال الفكر؛ والباحثين. من أبناء هذا الوطن العزيز. وبإخراجه أكون قد
أعناق العلماء والحفاظ والمحدثين.
على أربعة كتب : قمت بتحقيق ثلاثة منها :
"شيوخ البخاري المهملون". نلنا به درجة علمية : دكتوراة الدولة؛
و"كتاب الألقاب" طبع؛ وكتاب "التثبيه على الأوهام الواقعة في المسند
في كتاب "التنبيه على الأوهام الواقعة في المسند الصحيح لمسلم"
الأول المتعلق باللغة سائلا الله تعالى أن يعينني على إقامه؛ وبذلك أكون قد
استوفيت تحقيق كتاب "تقييد المهمل ومييز المشكل" إن شاء الله.
العمل الذي نهجته في التحقيق ينقسم إلى قسمين :
1. تحقيق النص؛ وضبطه؛ وتوضيح معالمه؛ ثم توثيقه.
2. دراسة النص دراسة علمية قائمة على منهج علمي موحد ونظام دقيق
وأسس فنية.
1. تحقيق النص :
في المرحلة الأولى من التحقيق قمت بدراسة النسخ الأربع لأتعرف على
نسخة الأم؛ أو ما ينزل منزلتها لأعتمدها أصلا في التحقيق مراعيا في ذلك
القواعد الآنية :
1. الأصل أن تكون النسخة التي كتبها المؤلف هي النسخة الأصلية وهي
الأم إن وجدت. فالمؤلف كثيرا ما يعيد كتابة النص؛ فيزيد أو ينقص
منه؛ أو يعدل في ألفاظه وعباراته. وفي هذه الحال يتعين على المحقق أن
يبين ذلك.
5. ثم النسخة التي كتبها عالم مثقف ضابط.
6. إن لم تتوفر للمحقق نسخة مما سبق أن يستفيد من النسخ التي اجتمعت
لديه. إذ الغاية من دراسة النسخ تهدف إلى شيئين إثنين :
أ. تحقيق نسبة النص إلى صاحبه :
ب. إن النص الموجود بين يدي المحقق هو نفس نص المؤلف من غير زيادة
أو نقصان ولا يتم ذلك إلا من خلال درس الكتاب ونصوصه ونما
وبناء على ذلك. فقد اعتمدت نسخة الأم وجعلتها الأصل في التحقيق؛
لأنها تمثل الرتبة الثالثة في قواعد التحقيق حيث يوجد عليها سماع بتاريخ
8ه وهي فترة قريبة من وفاة أبي علي الفساني تقدر بخمسين عاما.
فقد توفرت فيها القاعدة الأساسية في منهاج التحقيق في نسبة التص إلى
وسلكت في ذلك المنهاج المتبع والطريق المطروق في هذا العمل الجاد؛ الذي
قارثا وياحثا ومنقبا تارة. ومستنبطا وناقلا ومقارنا أخرى ويمكن تلخيص ذلك في
النقاط العالية :
أ. ضبط النص :
بدأت التحقيق بنسخ المخطوط على ورق صقيل حتى أنهيته كاملاء ثم
وإن كان في إحدى النسخ نقص أو خلل أو غموض في الكلام أو تشويش في
العبارة أشرت إلى ذلك في الهامش مع كتابة رمز النسخة.
رجعت إلى الجامع الصحيح أطلب الصواب فيه وقد اعتمدت النسخة اليونانية
بتحقيق العالم الجليل أحمد محمد شاكر وهي نسخة صحيحة سليمة معتمدة لدى
الحفاظ والرواة.
غبار عليه ولا إشكال فيه؛ فإن وجدت مشكلة في النص أسرعت إلى حلها بما
يلائم النص. وبعد ذلك شرعت في العمل أنقل النص في دفتر على رأس الصفحة
بقواعد رسم الكتابة المتفق علهيا؛ قدييا إلا في أشياء كالحارث وإسحاق فقد درج
المعاصرون على رسمها بزيادة الألف. ونقط الياء المتطرفة للتفريق بينها وبين
الألف المقصورة.
أما الأعداد المركبة وإن كان المعاصرون يفصلون بينها؛ مثل : ثلاث مئة»
وأربع مثة فقد اتبعت المنهاج القديم في عدم فصلها فأكتبها مثلا غير مفصولة
ب . توضيح معالم النص :
أكتب النص بحسب معانيه وذلك بإيقاف الكتابة عند انتهاء المعنى أو
النقل ثم أبدأ بسطر منفصل مستقل عنه إلى آخر النص؛ مع مراعاة الدوال التي
الكتاية؛ إذ بها يصبح المعنى واضحاء ويدرك القارئ بسهولة المعنى المقصود من
غير عناء في التفكير.
ثم كتبت الأرقام أمام النص المراد تحقيقه برقم متسلسل حتى يتسنى للقارئ"
فهم النص المشروح بسهولة فهو بمثابة الهادي والدليل إلى الخير.
وجعلت الآيات القرآنية بين قوسين للتمييز بينها وبين كلام البشر؛ كما
في الكلمة وجوه الضبط قيدت الضبط بالكتابة وهكذا دواليك.
والنسخ التي اعتمدتها في التحقيق يمكن وصفها كالآتي :
المخطوطة الأولى : صورت هذه المخطوطة من مكتبة حكمت عرفت
بالمدينة النيوية. عليها ختم مديرية الأوقاف ببغداد. حبسها أحد
المحبين عليها اسمه وخاتمه وتاريخ التحبيس؛ جعلتها الأم في التحقيق
لجودة خطها؛ وقلة أخطائها. وخطها شرقي مقروء عدد قطعها ثمانية
وعشرون قطعة؛ كل قطعة تحتوي على واحد وعشرين سطرا. كل سطر
عدد كلماته ستة وعشرون كلمة؛ وتبتديء باسم الله الرحمان الرحيم
وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم تسليما.
المخطوطة الثانية : كتبت بخط شرقي جميل عام 799 وهي ملك
للخواص تحتوي على أربعة عشر صفحة؛ وتشتمل كل صفحة علي
في بعض الصفحات ونقص في الكلمات وغير مجزأة كما هو الحال
في المخطوطة الأولى ومجموعها 132 صفحة.؛ وختمت بقول المؤلف :
قلت : وهذه جملة قد أتى عليها التفسير كما تقدم في كتابنا هذا
والحمد لله.
مكتبة الجامع الكبير بمكناس نسخة رقم 1/237 مكتوبة بخط مغربي
مقروء معجمة حروفها خلافا للمخطوطة الثانية التي حروفها غير
منقوطة على طريقة أهل الأندلس حبسها الملك العلوي سيدي محمد
المخطوطة الرابعة : وهي مصورة من المخطوطة الأصلية الموجودة
في حلب الشهباء؛ والتي صورت صورة منها ووضعت في مكتبة
دمشق. وقد نقلها الأمير عبد القادر الجزائري إلى الشام.
عليها سماعات وخطها أندلسي جميل ؛ وهي قريبة عهد بالمؤلف
الأولى فهي مشكولة ومعجمة. وقد حصلت عليها مؤخرا. وكان
عملي فيها استثتاساء ومقابلة وما لا يدرك كله؛ لا يترك جله.
والحمد لله.
منزلة الحديث في الإسلام
ولقد أجمع المسلمون سلفا وخلفا على أن الحديث متى ثبت وصح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان حجة في الدين؛ ودليلا من أدلة الأحكام ووجب
اتباعه والرجوع إليه والعمل بمقتضاه.
وقد نطق القرآن الكريم بذلك في كثير من آياته فقال :«وما آتاكم
ورسوله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنويكم.والله غفور رحيم».
وللحديث فيما عدا ما تقدم؛ أهمية كبرى في فهم معاني القرآن. والكشف
عن الأحكام المنطوية في نصوصه العامة وقواعده الكلية. والإرشاد إلى الكثير
ستة آلافء يصل المتعلق منها بالأحكام نحو ماثتين آية,.أما مجموع أحاديث
الأحكام فيقرب من نحو أربعة آلاف حديث. قال الأوزاعي : الكتاب أحوج إلى
وتوضيح المشكل. وتخصيص العام؛ وتقييد المطلق. وإما عن طريق النظر إلى
مجال الاجتهاد فيما بين الطرفين الواضحين. أو النظر إلى مجال القياس الداثر بين
الأصول والفروع؛ وإما عن طريق التفريع على القواعد العامة المستنبطة من أدلة
القرآن المختلفة. فالقرآن أوجب الطهارة للدخول في الصلاة؛ والسنة فصلت ما في
القرآن من إجمال وبينت الطهارة بنوعيها : المائية والترابية قولا وعملا. إلا أنهم
اشترطوا لقبول العمل بالحديث والاحتجاج به أن يكون متواترا أو صحيحا أو
وكتاب التنبيه على الأوهام الواقعة في المستد الصحيح؛ غاية المؤلف من
تصنيفه الكشف على العلل القادحة في المتن أو السند ليصبح الحديث صحيحا
صالحا للاحتجاج به قال أبو علي الغساني رحمه الله تعالى :
هذا كتاب يتضمن التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندين الصحيحين
البخاري ومسلم رحمهما الله ؛ وبيان الصواب في ذلك.
ذلك في كتاب الإيمان قال البخار: ثنا عمرو بن خالد قال : حدثنا زهير قال :
حدثنا أبو إسحاق عن البراء وذكر شأن تحويل القبلة.
قال الإمام أو علي رحمه الله تعالى : كان في نسخة أبي زيد المروزي :
والصواب عمرو بفتح العين. وسكون الميم : هو عمرو بن خالد الحراني
الجزري؛ وليس في شيوخ البخاري من يقال له : عمر بن خالد.
يتبين من خلال هذا النص أن أبا علي يذكر ما قاله الحفاظ وما هو موجود
في النسخ المعتمدة في نسخ الجامع الصحيح كنسخة أبي الحسن وأبي الفرج؛ ثم
ينبه على الوهم الواقع في السند فيصويه؛ وأحيانا يذكر أقوال أهل العلم في
وعملي في التحقيق زيادة على ما ذكرت سالفا أذكر الاختلاف الوارد في
النسخ ثم أضوب ما يتبين لي أنه حق مستعملا المقاييس اللغوية والقواعد
فأذكر الكتاب والباب والمصدر. كما ترجمت لجميع شيوخ البخاري ترجمة وافية
وقد بلغ عددهم حوالي سبعين شيخا. فإذا كان مهملا بينته ونقلت كلام الحفاظ
كما ترجمت للأعلام الواردة في السند ترجمة مقتضبة ذاكرا أقوال علماء
التعديل والتجريح كقولهم : ثقة. ثقة» ثقة؛ لا بأس به. تجاوز القنطرة. وما إلى
ذلك من ألفاظ التعديل والتجريح. وقد بلغ عدد أسماء الأعلام المترجم لهم نحو
ماثة وخمسين علما وأوثق كذلك كلام أبي علي بذكر من نقل عنه من الحفاظ
وشراح البخاري؛ فأصحح النقل ثم أضيف فأقول : وهكذا نجد أبا علي يبحث عن
الأسباب الخفية القادحة فيه وأذكر مواطن العلة. إما في السند وهذا هو الأكثر
وأحيانا يكون تصحيف وتحريف في السند فيذكره أبو علي وينبه عليه.
فالمصحف هو ما كانت المخالفة فيه بتغيير حرف فأكثر بالنسبة إلى النقط مع بقاء
صورة الخط؛ قال البخاري : حدثنا حفص بن عمر الحوضي؛ قال : حدثنا هشام عن
قتادة؛ وفي نسخة أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد حدثنا حفص بن عمر؛ حدثنا
فصحفت الشين إلى ميم؛ وكتب أبو محمد الأصيلي في حاشية كتابه : في
فالعلة إذن هي سبب غامض يقدح في الحديث مع ظهور السلامة منه.
وعلم علل الحديث هو العلم الذي يبحث عن الأسباب الخفية الغامضة من
أو الزاق سند بمتن؛ أو غير ذلك؛ ومن هذا التعريف الدقيق تتبين أهمية هذا العلم
ومكانته في علوم الحديث.