إن أصح مصنّْف في الحديث - بل في العلم مطلقاً - الصحيحان للإمامين
القدوتين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (-701ه) ؛ وأبي الحسين ملم بن
الحجاج القشيري (-311ه) - رحمها الله تعالى - . ولم يوجد ليا نظير في
المؤلفات .
الجامع الصحيح :
ولقد رزق الله عزّ وجل صحيح البخاري بحسن نيّة صاحبه ما لم يرزق غيره
من القبول !" » فصار أصبجّ كتاب بعد كناب الله عزّ وجل ؛ تلقته الأمة عبر
(-7ه) : « ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري » 9 .
عبد الله البخاري » فرأيته جامعاً - 6 مقي - لكثير من السنن الصحيحة ؛ ودالاً
على جل من العاني الحسنة المستنبطة التي لا يكل لثلها إلا من جع إلى معرفة
الحديث وتقلته » والعلم بالروايات وعللها علساً بالفقه واللغة . وجمع إلى ذلك
حسن النيّة والقصد للخير | .. قتفعه الله » ونقع به +
وقد نحا نحوه في التصنيف جاعة ؛ منهم :
© الحسن بن علي الحلواني (-707ه) » ولكنه اقتصر على السئن .
© وأبو داود السجستاني (-776ه) ؛ وكان في عصر أبي عبد الله البخاري »
)١( راجع فضائل الجامع الصحيح في * هدى الساري » للحافظ ابن حجر (ص488 - طبعة السلفية)
() مقدمة شرح مل للنووي (8/1» 14 - طبعة دار إحياء التراث - المثنى ببيروت) + والمدى (ص١٠»
فلك فيا سماء سنناً » ذكر ما روى في الشيء وإن كان في السند ضعف + إذا لم
يجد في الباب غيره .
© ومسام بن الحجاج (-171ه) ؛ وكان يقاربه في العصر » قرام مرامه +
وروى عن جماعة كثيرة لم يتعرّض أبو عبد الله للرواية عنهم » وكلّ قصد الخير ء
غير أن أحداً منهم لم يبلغ من التشدّد مبلغ أبي عبد الله » ولا تسب إلى استنباط
المعاني . واستخراج لطائف فقه الحديث » وتراجم الأبواب الدالة على ما له وصلة
بالحديث المروي فيه تَسَبُبَه . ولله الفضل يختصٌّ به من يشاء "١ .
وقال الحا أبو أحمد النيسابوري (-08©ه) : « رحم الله محمد بن إسماعيل +
فإنه ألف الأصول - يعني أصول الأحكام - من الأحاديث ؛ وبيّن للناس . وكلّ
قال الحافظ : « والكلام في ثقل كلام الأئمة في تفضيله كثير. ويكفي منه
اتفاقهم على أنه كان أعلم بهذا الفن من مل » وأن مسلا كان يشهد له بالتقدم في
ذلك والإمامة فيه ؛ والتفرد بمعرفة ذلك في عصره +
فهذا من حيث الجلة , أما من حيث التفصيل فقد قرّرنا أن مدار الحديث
الصحيح على الاتصال الرجال وعدم العلل . وعند التأمل يظهر أن كتاب
الهدى (ص 19
() المصدر السايق (ص )11١ +
(©) المصدر السابق (ص 13 +
فقه البخاري في تراجمه :
يكفي لتفضيل هذا السفر العظيم على غيره من المؤلفات ما ذكر في أقوال
الجهابذة التقاد العارفين بهذا الفن من وجوه التفضيل +
غيره من مصنفي دواوين السنّة هو تراجم أبوابه التي أودع فيها عظم فقهه +
وندرة فهمه + وذقّة استتباطه ؛ وروعة بيانه .
العظمى الموجبة لتقدييه وهي ما ضنه أبوابه من التراجم التي حيّرت الأفكار
وأدهشت العقول والأبصار . وإنما بلغت هذه الرتبة » وفازت بهذه الحظوة لسبب
عظيم أوجب عظمها ؛ وهو ما رواه أبو أحمد بن عدي عن عبد القدوس بن همام
قال : شهدت عدة مشايخ يقولون.: ٠ حوّل البخاري تراجم جامعه -يعني
-١ بين قب الني عَم ومنبره ؛ وكان يصلّي لكل ترجمة ركعتين » .
ثم ذكر ضابطاً يشل على بيان أنواع التراجم !"' فيه ؛ وقال بعد ذكره :
« .. ولهذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء : فقه البخاري في تراه » ٠
© « وأكثر ما يفعل البخاري ذلك إذا ل يجد حديثاً على شرطه في الباب
ظاهر العنى في المقصد الذي ترجم به ويستنبط الفقه م:
)١( راجع أيضاً أنواع التراجم في
مناسبات تراجم البخاري لابن جماعة (صة؟-1©) طبعة الدار السلفية - بومباي - الهند +
وإرشاد الساري للقسطلاني (38/1) طبعة دار إحباء التراث العربي ببيروت +
وشرح تراجم البخاري لولي الله الدهلوي (ص١-0) طبعة دائرة امعارف - حيدر آياد 1455م +
ومقدمة لامع الدراري (3-141/1©) طبعة المكتبة الإمدادية بمكة المكرمة 1906م
© وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان في إظهار مضره واستخراج
خبيئه . وكثيراً ما يفعل ذلك - أي هذا الأخير - حيث يذكر الحديث المفسّر
لذلك في موضع آخر متقدماً أو متأخراً ؛ فكأنه بحيل إليه ؛ ويومىء بالرمز
والإشارة إليه .
© وكثيراً ما يترجم بلفظ الاستفهام , كقوله : « باب هل يكون كذا ؛ أو
© وكثيراً ما يترجم بأمر ظاهزه قليل الجدوى ؛ ولكنه إذا حققه التأمل
© وكثيراً ما يترجم بأمر مختص ببعض الوقائع لا يظهر في بادىء الرأي -
© وكثيراً ما يترجم بلفظ يومىء إلى معنى حديث لم يصح على شرطه ؛ أو
يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصحّ على شرطه صرياً في الترجمة . ويورد في الباب
ما يؤدي معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفي . ورييا اكتفى أحياناً بلفظ
الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصّ على شرطه ؛ وأورد معها أثرً أو آية ؛ فكأنه
يقول : ل يصع في الباب شيء على شرطي ».
وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب
بلا تبييض » ومن تأمل ظفر » ومن جد وجد » 0 .
وقال أبو الفضل حمد بن طاهر المقسي (-07ه) : « إن البخاري - رحمه
الله - كان يذكر الحديث في كتابه في مواضع ؛ ويستدلٌ به في كل باب بإسناد
)14-19( الهدى ص )١(
آخر ء ويستخرج منه بحسن استنباطه وغزارة فقهه مع يقتضيه الباب الذي
الوجوه المختلفة في أبواب متفرّقة متباعدة ؛ وكثير منها يذكره في غير بابه الذي
يسبق إلى الفهم أنه أولى به . وذلك لدقيقة يفهمها البخاري منه فيصعب على
الطالب جع طرقه ؛ وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا
الحديث .
وقال بدر الدين بن جاعة (-3*»ه) ؛ « فإن الإمام أبا عبد الله ممد بن
إماعيل البخاري سبق بوضع كتاب الجامع الصحيح الذي أججع على صحته الأئمة
من أهل التعديل والجرّح ؛ وضحمن تراجم بعض الأبواب ما يبعد فهمه من حديث
ذلك الباب ؛ ووقع في ذلك بعض التباس على كثير من النأس ؛ فبعضهم مصوباً
أنصفوه لأنهم لم يعرفوه »!"
وقال مد بن يوسف الكرماني (-187ه) في أول شرحه : ٠ وببّنت مناسبة
وهو قسم عجز عنه الفحول البوازل في الأعصار ؛ والعلياء الأفاضل من الأمصار »
فتركوها واعتذروا عنها بأعذار ... » !0 .
() المصدر السابق (ص١١)
() مقدمة شرج ملم للنووي (19/1)
(©) مناسبات تراجم البخاري لابن جماعة (ص"؟) +
() مقدمة لامع الدراري (398/1) نقلاً عن الكرماني .
ونقل أحمد بن محمد القسطلاني (-472ه) عن الحافظابن حجر ما تقثم »
وزاد فقال ؛ « لقد أجاد القائل :
أعيا فحول العم حل رموزها أبداء في الأبواب من أبرار ")"
ونظم شيخ الإسلام سراج الدين ١
البخاري فقال :
(-8:0ه) مناسبات ترتيب تراجم
أق في البخاري حكة في التراجم ماسبة في الكتب مثل البراجم !"'
الكتب المؤلّفة في مناسبات تراجم البخاري :
القد حظي هذا السقر العظم - الذي يعتبر أمح كاب بعد كناب الله عز
وجل في الحديث ؛ بل في العلم مطلقاً - بالإعجاب والقبول لدى جاهير
نيه السعادة فها جمع من الأحاديث » والتوفيق لما أراد أن يضمن تراجم أبواب
. إرشاد الساري (8/1؟) ١
() المصدر السابق )48/1(
كشف الظنون (40/1ه)
(فائدة) : ذكر الدكتور عبد الغني عبد الخالق في كتابه ؛ الإمام البخاري وصحيحه +
(ص7١83-7؟ - طبعة دار المنارة بجدة 1180م من شروح وتعليقات ومختصرات الجامع الصحيح
مطبوع ومخطوط . ومنها (17) مختصراً من مقتصراته وما يجري مجراها بين مخطوط ومطبوع +
لصحيح من دقة الاستنباط ؛ وإبراز المعاني الغامضة الكثيرة ؛ بحيث لا يصل إلى
غورها إلا المهرة في هذا الفن الذين يجمعون بين الرواية والدراية ٠
بنحو ثلاثة آلاف وثماغائة وتسع وثانين ترجمة . وتزيد على ذلك في بعض
ولأهمية هذه التراجم في الصحيح , وصعوبة فهمها على من لم يمارس منهج
الإمام البخاري اعتنى شرّاح صحيحه ببيان مناسياتها للأحاديث الواردة فيها عناية
فائقة . كا لا يخفى على من اطلع على فتح الباري لابن حجر ؛ وعمدة القارى»ء
للعيني , وإرشاد الساري للقسطلاني وغيرها من شروح الصحيح ٠
وزد إلى ذلك أن بعض العلماء قاموا بخدمة الصحيح من هذا الجانب في
تآليفهم المستقلّة ؛ التي تثبت قدرة الإمام على دقّة الاستنباط , وتؤكّد على كفاءته
لفهم الأحاديث فهاً دقيقاً ٠ وإبراز معانيها بكل جدارة ٠
)١( العلامة ناصر الدين أبو العباس أحمد بن حمد بن الْنَيْرِ خطيب الإسكندرية
)١(' راجع « الإمام البخاري وصحيحهه للدكتور عبد الغني عبد الخالق (ص14) وشرح كتاب التوحيد
من صحيح البخاري لعبد الله الغنهان (1/" - المقدمة) طبعة مكتبة الدار بالدينة الطيبة.
0 ذكر له هذا الكتاب : ابن فرحون في الديباج (ص؟ا) » وابن حجر في هدى الساري (ص؟١)
والسيوطي في بفية الوعاة (084/1) ٠ والكتي في فوات الوفيات (108/1) ؛ والتنبكتي في نيل
الابتهاج (ص»١؟) » والبغدادي في هدية المارفين (49/1) » والمراغي في الفتح المبين (88/9)
وفؤاد سزكين في تأريخ التراث العربي (1/ف11 ) (179/1/1)
وسيأتي تفصيل ذلك في « تحقيق نسبة الكتاب إلى المؤلف » ٠ وفي » تحقيق اسم الكتاب » إن
غاء الله .
() زين الدين أبو الحسن علي بن محمد بن المنيّر (-148ه) أخو ناصر الدين +
() أبو عبد الله مد بن عمر بن رشيد السبتي (-1011ه) . وسقى كتابه «ترجان
(9) أبو عبد الله بدر الدين مد بن إبراهم بن جاعة ) +
وكتابه ٠ مناسبات تراجم البخاري » مطبوع '"' وهو تلخيص كتابنا هذا .
(9) محمد ين منصور بن حمامة السجاماني .
كتاب « فك أغراض البخاري المبهمة في لجع بين الحديث والترجة » 90 .
(9) أبو عبد الله بدر الدين مد بن أبي بكر الدماميني (-4فه)
وكتابه « تعليق المصابيح على أبواب الجامع الصحيح » !©"
() الشيخ مد زكر ياالكاندلوي (- 1003 ه ) له أيضاً كتاب في تراجم الأبوا
ذكر له هذا الكتاب : ابن مخلوف في شجرة النور الزكية (صهها) ؛ والبغدادي في هدية السارفين
)14/١( ؛ وعمر رضا كحاله في معجم المؤلفين (75/0؟) -
ذكر له هذا الكتاب : الحافظ في الهدى (ص9١ - وقال : وصل فيه إلى كتاب الصيام ولو تم لكان
في غاية الإفادة ؛ وإنه لكثير الفائدة مع تقصه) ؛ والقسطلاني في الإرشاد (8/1) ؛ وحاجي +
في كشف الظنون (241/1) ؛ والسيوطي في طبقات الحفاظ (صة؟) +
طبعته الدار السلفية + بومباي الند . والكتاب يحتاج إلى طبعة أخرى محقفة ؛ لكثرة ما يحتوي
عليه من أخطاء مطبعية » وأوهام في التحقيق ؛ ك لا يخفى على من تصفح الكتاب +
وهو تلخيص كتاب ناصر الدين بن المنيّر صرّح به الحافظ في الهدى (ص١ا) . وسيأقٍ في
تعليقات الكتاب التنبيه على ذلك + إن شاء الله .
ذكر له هذا الكتاب : الحافظ في الهدى (ص6١) ؛ والقسطلاني في الإرشاد (40/1) ٠ وحاجي
خليفة في الكشف )601/1(
() ذكر له هذا الكتاب : الشاه عبد العزيز الدهلوي في * بستان المحدثين » كا في مقدمة لامع
الكشف . فيظهر أن الأول في التراجم . قاله في مقدمة لامع الدراري (181/1)
هذا . وللشاه وليّ الله المحدّث الدهلوي (-1171ه) رسالة « شرح تراجم
أبواب صحيح البخاري » " وهي في شرحها ؛ ولييت في بيان مناسبتها
للأحاديث ا هو ظاهر من اسمها !"0 .
تحقيق امم الكتاب :
الصغير زين الدين بن المنيّر » شرح على البخاري » » وله أيضاً كتاب مستقلٌ في
المناسبات على تراجم البخاري .
وهذان أخوان معروفان بالعلم والفضل » ولا يلتبس أمر أحدهما بالآخر عند
العلماء المدققين . وترجتها توجبد في كتب التراجم ؛ وخاصة في كتب طبقات
المالكية 09 ,
ولا كان كل منها يعرف ب « ابن المنيّر » » فوقع كثير من العلماء في الخلط
وركبه مع ادم أخيه الصغير . ا فعله حاجي خليفة - وهو في صدد ذكر شروح
البخاري - فقال : « وشرح الإمام ناصر الدين علي بن حمد بن المنيّر » وله حواش
على شرح ابن بطال , وله أيضاً كلام على التراجم ماه « المتوارى »!ا .
: وهي مطبوعة في دائرة )١(
© كذلك هناك رسالة في التراجم باللغة الأردية ألفها الشيخ ممود حسن الديوبندي (-4؟11ه) +
وصل فيها إلى (باب من أجاب السائل بأكثرمما سأله) من كتاب العم . قاله في مقدمة لامع
تقدم في التعليق (17) » وستأتي زيادة التحقيق في « نسبة الكتاب إلى المؤلف +
(8) ترجمة ناص الدين ستأتقي مفصلّة . وراجع ترجمة زين الدين في « شجرة النور الزكيّة » لابن
مخلوف (صها) ؛ والديباج لابن فرحون )14( ونيل الابتهاج للتنبكتي (ص؟*؟)
(د) كشف الظنون )05/1(