دواياتُ ونس الجامع الصحيح للامام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري
وقد صنف الإمام الحافظ الناقد أبو علي الحسين بن محمد
الغسانيٌ الجّيَّانِي (ت448ه)؛ كتابه الشهير «تقييد المهمل وتمييز
المُشكل»؛ وجعل الجزء الخامس والسادس منه «التنبيه على الأوهام
الإمام جمال الدين يوسف بن عبد الهادي (ت404ه) في كتابه
«الاختلاف بين رواة البخاري عن الفربري» وروايات عن إبراهيم ابن
والكثير من معاجم الشيوخ والمشيخات والفهارس إلى روايات
تلك الروايات» وتحدثت كتب التراجم وتواريخ الرجال» وكتب
الطبقات المختلفة؛ وكتب الجرح والتعديل عن رواة البخاري؛
وقدمت لنا معطيات ليست بالقليلة عن أبعاد هذه الروايات ومدى
التراجم بالتعريف برواة السنن والمسانيد خاصة فقد صتف الإمام
أبو بكر محمد بن عبد الغني البغدادي الحنبلي المعروف بابن نُفْطَةَ
(ت174ه)ء؛ كتابه: «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» وألت
الإمام محب الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رُشَيدِ
الفهريٌ السبتيُ الأندلسي (ت1؟لاه)ء كتاب «إفادة النصيح في
التعريف بسند الجامع الصحيح»؛ وكتب الإمام تقي الدين أبو الطيب
محمد بن أحمد الفاسي المكي (ت877ه) كتاب «ذيل التقييد في
رواة السنن والمسانيد»؛ وهكذا فإن الحديث عن روايات ورواة
لن ينقطع ما تعاقب الليل والنهار .. وهذا يشير إلى أهمية الموضوع
وشرفه الكبير.
وقد أبدى الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلانيٌ
معظم المستعصيات التي لم تجد حلاً لدى الكثير من شراح «الجامع
الصحيح»؛ والتي كان سببها اختلاف الروايات» واستطاع يما وهبةُ الله
من علم وذكاء ومهارة فا ثم بوقوفه على كثير من نسخ الصحيح
توظيف اختلاف الروايات لصالح «الجامع الصحيح».
وبحثنا هذا حاول تفسير ظاهرة اختلاف الروايات لصحيح
البخاري» ودراسة أسبابهاء؛ وبيان دواعيها؛ والوقوف على العوامل
المشتركة بينهاء وكيفية الاستفادة منهاء إضافة إلى التعريف برواة
«الجامع الصحيح»؛ وأشهر نسخه.
- ويمكنني أن ألخص أهم عناصر البحث بالنقاط الآتية :
المحدثين» والنقاد به؛ وأشهر المصنفات التي يمكن الرجوع إليها
لمعرفة اختلاف روايات البخاري.
الباب الأول: الإمام البخاري وعنايته بمصتفاته.
واشتمل على فصلين :
الفصل الأول: التعريف بالإمام الحافظ أبي عبد الله البخاري
وتحذّث باقتضاب عن الإمام أبي عبد الله البخاري؛ وذكر بعض أقوال
العلماء فيه ثم محنته ووفاتة؛ وذلك كمدخل موجز بين يدي البحث.
الفصل الثاني: عناية الإمام البخاري ب «الجامع الصحيح»
روايات وتُتخ الجامع الصحيح للامام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري
الباب الثاني: روايات الجامع الصحيح؛ ونسخه.
واشتمل على فصلين :
الفصل الأول: روايات الجامع الصحيح للإمام البخاري.
الفصل الثاني: أشهر طبعات صحيح البخاري ونسخه
الباب الثالث: الاختلاف في روايات الجامع الصحيح؛ وتوجيهات
واشتمل على فصلين :
الفصل الأول: أنواع الاختلاف في روايات الجامع الصحيح.
الفصل الثاني: أهمية توجيهات الإمامين أبي علي الجياني وابن
والله الكريم أسال التوفيق والسداد؛ وأن يمنَّ علي بالعون بمنه
البحث قد ألقى الضوء على اختلاف روايات «الجامع الصحيح
ونسخه». وأن ينفع بهذه السطور دنيا وآخرة؛ وأن يجعل أعمالنا
خالصة لوجهه الكريم» إنه خير مسؤول؛ وأعظم مأمول؛ وصلى الله
د/ محمد بن عبد الكريم بن عُبيد
جامعة أمّ القرى مكة المكرمة
سداس عذج
الإمام البخاري وعنايته بمصنفاته
الفصل الأول : التعريف بالإمام الحافظ أبي عبد الله البخاري
ليس الهدف من هذه السطور محاولة صياغة ترجمة موسعة للإمام
أبي عبد الله البخاري؛ فقد صُنفت حول هذا الإمام المصنفات المطولة منذ
وقت مبكرء كما كُتب عنه العديد من الرسائل الجامعية؛ وإنما الغاية من
هذه الترجمة إبراز المنزلة المرموقة التي كان يحتلها هذا الإمام بين الأكمة
والحفاظ» كي تكون تذكرة للقارئ. ومدخلا لبحثنا هذا.
هو إمام المسلمين؛ وشيخ المحدثين؛ وأمير المؤمنين في
الحديث؛ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن
أبي الحسن.
وكان جدّه المغيرة مجوسياً؛ ثم أسلم على يدي اليمان الجعفئ
كان والده أبو الحسن إسماعيل بن إبراهيم من العلماء الورعين»
5 رواياتٌ ونُسَغ الجامع الصحيح للامام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخادي_]
سمع مالك بن أنسء وصافح ابن المبارك بكلتي يديه.
لا أعلم في جميع مالي درهماً من شبهة.
قال أحمد بن حفص : فتصاغرت إليّ نفسي عند ذلك!".
ولد أبو عبد الله يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة
خلت من شوال سنة أربع وتسعين وماثة ببخاري”""» وتوفى أبوه وهو
قال كلك تعالى: ألهمتٌ حفظ الحديث وأنا في الكُتَّابٍ ولي عشر
كتب ابن المبارك؛ ووكيع+؛ وعرفت كلام هؤلاء-يعني أصحاب الرأي-
)١( سير أعلام النبلاء: 747-841/17؛ طبقات الشافعية الكبرى: 117/9
() مدينة في واحة كبيرة بجمهورية أزبكستان على المجرى الأسفل لنهر زرافشان» وترتفع
على سطح البحر 77:4١متراً؛ وهي من أعظم مدن ما وراء النهر؛ بينها وبين سمرقتد
© تاريخ بغداد: 3/7؛ طبقات الحتابلة: 7/ 187-118 تهذيب الكمال: 838/74
وتخلفت في طلب الحديث؛ فلما طعنت في ثماني عشرة جعلت
أصنف فضائل الصحابة والتابعين وأقاويلهم. وصنفت كتاب «التاريخ»
إذ ذاك عند قبر رسول الله كي في الليالي المقمرة؛ وقال: قل اسم في
«التاريخ» إلا وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب"".
وبالشام» وبواسط . ..وقال: دخلتُ بلخ» فسألوني أن أملي عليهم لكل
وقال: لقيت أكثر من ألف رجل من أهل الحجازء والعراق؛
والشام» ومصرء لقيتهم كُرّات؛ أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين+
وأهل البصرة أربع مرات؛ وبالحجاز ستة أعوام؛ ولا أحصي كم
* أقوال العلماء وثناؤهم عليه :
أكثر من انتفاعي به.
يب الكمال: 478/14 سير أعلام النبلاء: 744/17-
() انظر: سير أعلام النبلاء: 740-344/17» فتح الباري: 44/1
(©) سير أعلام النبلاء: 401//17.
أ رواياتُ ونُسَخ الجامع الصحيح للامام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري
وقال أبو الأزهر: كان بسمرقند أربع مائة ممن يطلبون الحديث؛
فاجتمعوا سبعة أيام؛ وأحبوا مغالطة محمد بن إسماعيل» فأدخلوا
حديث غير صحيح.
وقال مشايخ البصرة: كان لا يتقدمه أحدٌ؛ وكان أهل المعرفة من
يكتب عنه؛ وكان شاباً لم يخرج وجهه”""؛ ولما دخل البصرة قال
محمد بن بشار: دخل اليوم سيد الفقهاء؛ وقال: حفاظ الدنيا أربعة:
أبو زرعة بالرَّي: ومسلم بن الحجاج بنيسابور؛ وعبد الله بن
عبد الرحمن الذّارمي بسمرقند» ومحمد بن إسماعيل البخاري ببخارى.
وقال محمود بن النضر الشافعي: دخلت البصرة والشام والحجاز
والكوفة ورأيت علماءها فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه
على أنفسهم.
)١( تهذيب الأسماء واللغات: 0170/١ سير أعلام النبلاء: 416-411/17؛ طبقات
الباب الأول: الإمام البخاري وعنايته بمصتفاته
وقال عمرو بن عليّ الفلاس: حديتٌ لا يعرفه محمد ابن
إسماعيل ليس بحديث.
وقال محمد بن سلَام البِيكَنْدِيّ للبخاري: انظر في كتبي» فما
وقال قتيبة بن سعيد: جالست الفقهاء والزهاد والعُبّاد؛ فما رأيت
وقال أيضاً: لو كان محمد بن إسماعيل في الصحابة؛ لكان
وقال رجاء بن رجاء: فَضْلُ محمد بن إسماعيل على العلماء؛
كفضل الرجال على النساء.
وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدّرامي: قد رأيتٌ العلماء
بالحرمين والحجاز والشام والعراق؛ فما رأيت منهم أجمع من
وقال عبد الله بن سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بمصر يقولون:
اق التاريزل محا بع امواميل فياالبة والسنااج ».زم قال
وقال موسى بن هارون الحافظ: عندي لو أن أهل الإسلام
اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل لما قدروا عليه.
وقال أحمد بن حنبل: لم يجئنا من خراسان مثل محمد ابن
وقال له مسلم بن الحجاج: أشهد أنه ليس في الدنيا مثلك»
وجاء إليه فقبله بين عينيه؛ وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ
روايات ونَمُعُ الجامع الصحيح اللامام أبي عبد الله محمد ابن إسماميل البخاري.
وقال أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي: لم أرّ أعلم بالعلل
والأسانيد من محمد بن إسماعيل البخاري.
وقال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما تحت أديم السماء
أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري”".
هذا وإن ثناء الأثئمة الحفاظ على الإمام البخاري يطول سرده
بهذه المقتطفات من بحر فضله.
بعد رحلة شاقة وطويلة قضاها الإمام أبو عبد الله في الرواية
والسماع؛ قرر أن يعود إلى بلده لتسكن نفسه؛ وتهدأ روحه فلما
وصل إلى بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله
مذ يُحدْنهم؛ فبعث إليه الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخاري
فامتنع أبو عبد الله عن الحضور عنده. فراسله أن يعقد مجلاً
أن أخص بالسماع قوماً دون قوم؛ فاستعان خالد بن أحمد بحريث بن
ما قصدوني به في أنفسهم وأولادهم وأهاليهم» فأما خالد فلم يأت
)01 ينظر: تاريخ بغداد: 1-7 تهذيب الأسماء واللغات: :17/١ تهذيب الكمال
64 وما بعدهاء سير أعلام النبلاء: 408/17 وما بعدهاء طبقات