وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
وراودته الجبال الشم من ذهب *خ عن فد تأراهاأماشسم
من غير تعنيف ؛ ولا تنفير ؛ يرحم الصغير ؛ ويوقر الكبير ٠
ومن عظمته تأنه كان لين العشرة في بيته ؛ فكان خير الناس
ومعاملته ودراسته أدرك نواحي من ذلك أكثر من غيره ؛ فالكامل أعلم
بالكامل .
وفي هذا الكتيب الصغير نعرض جوانب مهمة من عظمة الرسول عن
من خلال واقعه الحياتي في بيته وحجرات أزواجه المطهرة ؛ ومعاملته مع
في البساطة في المعاملة . وطرح التكلف مع الهيبة والوقار .
ونبدأ أولا يذكر بناء الحجرات ووصفها +
(١)أخرجه الحاكم في المستدرك ١77/6 ؛ وصححه ؛ وأقره الذهبي +
بناء الحجرات ونعتها
لما وصل النبي عن إلى المدينة المنورة ؛ استقبله أهلها فرحين
مسرورين بمقدمه الميمون ؛ وتنافسوا في استضافته تنه ؛ وبدا كل شيء في
المدينة فرحا مستبشرا بهذه الهجرة المباركة ؛ كيف لا يفرحون وقد شرفهم
الله تعالى بأفضل خلقه ؛ وأكرم رسله وخصهم بهذه المزية العظيمة +
نعم ؛ فرح الناس ؛ وطاب الهواء ؛ وأضاء كل شي .
وفي هذا يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : مارأيت يوما قط كان
أحسن ولا أضوء من يوم دخل علينا فيه رسول الله نه ؛ وما رأيت يوما
كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله عله ,"
المدينة أضاء منها كل شيء ؛ فلما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله
ين أظلم من المدينة كل شيء ومافرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوينا . "!
ونزل النبي غَنهُ في بني عمرو بن عوف بقباء ؛ وكان ذلك في يوم
الاثنين الموافق لشهر ربيع الأول ؛ فخرج الناس حين قدم المدينة في السكك
والطرق ؛ وعلى البيوت والمنازل وخرج الغلمان والخدم وهم يقولون : جاء
محمد رسول الله » الل أكير . جاء تند رسزَل اللة.
ويروي لنا أنس بن مالك استقبال الأنصار للنبي كه فيقول :
فخرجت جوار من بني النجار يضرين بالدف وهن يقلن ؛
)١( أخرجه أحمد 140/7 ؛ والدارمي 61/١ بسند صحيع
() أخرجه أحمد 171/7 ؛ والترمذي في الشمائل برقم 778 ؛ وابن ماجه برقم ١7١ في الجنائز ٠
نحن جوار من بني النجار * ياحبذا محمد من جار"
الخدور على الأجاجير '"' وهن ينشدن :
طلع البدرعلينا . *#. من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *# مادعا للدداع
أيها المبعوث فينا * جئت بالأمر المطاع "!
ثم لبث رسول الله تنه في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة +
وأسس المسجد الذي على التقوى من أول يوم ؛ وصلى فيه عه ؛ ثم ركب
راحلته ؛ فسار يمشي مع الناس . كلهم يتنافسون في أخذ خطام الناقة +
مسجد الرسول تن بالمدينة , وهو يصلي فيه يومشذ رجال من المسلمين ٠
وكان محل المسجد مريدا للتمر لسهيل وسهل ؛ وهما غلامان يتيمان في
حجر وكفالة سعد بن زرارة رضي الله عنه , فقال رسول الله تت حين بركت
به راحلته : هذا إن شاء الله المنزل .
لك يارسول الله .
فأبى الرسول نه- وهو الرموف الرحيم -أن يقبله من يتيمين فقيرين؛
)١( أخرجه الحاكم في المستدرك
. الأجاجير جمع إجار وهر سطع المنزك )١(
(©) أخرجه أبو سعيد في شرف المصطفى ؛ وقال الحافظ ابن حجر في فتع الباري 717/1 : وهو
سند معضل ٠ ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك ؛ وذكره السمهودي في الوقاء 177/1 +
وتسابق الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في تنفيذ أمر رسول الله
كه ؛ يريدون أن يجعلوه مسجدا حسن الصورة والبناء ؛ قوي الجدر
والأساس ؛ لكن رسول الله تن بادرهم وقال : ابنوا لي عريشا كعريش
موسى ؛ ثمامات وخشبات ؛ وظلة كظلة موسى ؛ والأمر أعجل من ذلك .
فقالوا له : وماظلة موسى ؟
فقال نه : كان إذا قام فيه أصاب رأس السقف .
على المضمون أكثر من الصورة ؛ ولا يريد أن يفرخ طاقة أصحابه في أمور
قليلة الفائدة ؛ عديمة الجدوى .
وبادر الصحابة الكرام بالتشمير عن ساعد الجد ؛ والعمل بنشاط
وهمة في بناء هذا المسجد العظيم ؛ ليكون متارة خير وهدى تضيء على
البشرية كلها إلى قيام الساعة ؛ ومشعل حضارة وتيقظ يبعث البشرية من
جديد من سباتها العميق ٠
وطفق الرسول تنه ينقل مع أصحابه الكرام اللبن في ثيابه ترغيبا
لهم؛ وعونا في عملهم ؛ وهو يعطيهم الدرس العملي في التتعاون
والمساواة؛ وهذا هو التوجيه العالي ؛ والتربية الحقيقية للناس ؛ إذ التربية
الصحيحة التي تؤثر في الناس هي التي تكون بالأفعال لا بالأقوال , وقديا
ويشارك الرسول كن في هذا البناء العظيم ؛ وهو ينشد ويقول :
وتارة أخرى يقول :
اللهم إن الأجر أجر الآخرة * فارحم الأنصار والمهاجرة
وإنشاد الشعر في العمل يساعد على بعث الهمة وزيادة النشاط +
واستغراق الإنسان في عمله حتى لايشعر بثقله ؛ ولا بطول زماته
قال قائلهم : بخ
لثن قعدنا والنبي يعمل * . ذاك إذا للعمل المضلل
وعلي بن أبي طالب يعمل معهم فرحا مسرورا وهو يقول :
لايستوي من يعمر المساجدا. * يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن الغبار حائدا
وفي أثناء عملهم قدم رجل من اليمامة يسمى طلق بن علي من بني
حنيفة ؛ فوجد النبي 2 يبني مسجده ؛ والمسلمون فيه معه ؛ وكان طلق
صاحب علاج وخلط طين ؛ فقال عن نفسه رضي الله عنه : فأخذت المسحاة
أخلط الطين والنبي ثن ينظر إلي ويقول : إن هذا الحنفي لصاحب طين .
فأعجب النبي تي به لأنه صاحب خبرة في هذا المجال ؛ وجاء في
الوقت المناسب . وقال لأصحابه : قريوا اليمامي من الطين ؛ فإنه أحستكم
وهكذا توالى العمل بجد وهمة ؛ حتى اكتمل هذا البناء العظيم +
البسيط الصورة ؛ الكبير الفائدة والمضمون .
وكانت مساحة المسجد النبوي سبعين ذراعا في ستين ذراعا +
وجعلت سواريه من الخشب ؛ وجعل في وسطه رحبة -
ولا تم بناء المسجد النبوي الشريف قام النبي ننه ببناء بيتين لزوجتيه؛
زمعة ؛ وكانت السيدة سودة بنت زمعة القرشية أول من تزوج بها النبي عَيته
بعد خديجة ؛ وانفردت به نحوا من ثلاث سنين أو أكثر . حتى دخل
وذكر الواقدي عن ابن أخي الزهري عن أبيه قال :
تزوج رسول الله ته بسودة في رمضان سنة عشر من الن
بها ٠ وماتت بالمديئة في شوال سنة أربع وخمسين .""
الهجرة ببضعة عشر شهرا ."' وهاجر بها أبواها ؛ ثم دخل بها رسول الله
ته في شوال سنة اثنتين منصرفه عليه الصلاة والسلام من غزوة بدر ؛ وهي
ابنة تسع +
فبنى لهما بيتين على غرار بناء المسجد ؛ وعلى نعته من لبن وجريد
النخل ٠ مستورين بمسوح الشعر ؛ وكان لبيت عائشة رضي الله عنها
مصراع واحد من عرعر أو ساج ؛ وهما نوعان من الخشب ؛ ثم صار له
فصلوا عليه ؛ وخرجوا من الباب الآخر .©
والبيت في عرفهم يطلق على الغرفة في عرفنا ؛ فلم يكن البيت
النبوي يتكون من الغرف الواسعة ومنافعها ؛ بل مما تقدم وصفه -
وزخرفها ؛ بعيدا عن فرش الملوك والسلاطين ؛ لأنه تن لم يكن صاحب
ملك ؛ بل كان عبدا لله يحمل رسالة هداية ونور للعالمين , يضرب لهم المثل
118/1 انظر سير أعلام النبلاء )١(
137//7 انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 87/8 ؛ وسير أعلام الثبلاء )١(
178/7 سير أعلام النبلاء )7١
(ء) وفاء الوقا 847/1
الأعلى في الزهد والتقلل من الدنيا ؛ ليكون تنه قدوة حسنة
لأصحابه وأمته ؛ يقتدون به ؛ ويهتدون بهداه .
وتقول السيدة عائشة في ذكر السرير كما أخرجه أحمد في مستده
بينه وبين القبلة ؛ فتكون لي الحاجة ؛ فأنسل من قبل رجل السرير كراهية
أن أستقبله بوجهي +
قصتها فتقول : كانت لنا حصيرة نبسطها بالنهار ؛ ونتحجرها بالليل ١.
أمرها النبي عن بنزعها ؛ لأن فيها صورا , فقد أخرج أحمد في المسند
دخل استقبله ؛ فقال لي رسول الله كن : ياعائشة ؛ حولي هذا ؛ فإئي كلما
دخلت فرأيته ذكرت الدنيا . وكانت له قطيفة . كنا نقول : كلها من حرير ٠
فلم يكن رسول الله كن يرضى أن يكون في بيته أية تصاوير ؛ لأن
بإزالته ٠ وفي ذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : لم يكن رسول الله
20/1 الحديث أخرجه أحمد في المسند )١(
وتقول أيضا رضي الله عنها :
أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله . ١
عائشة فتقول : كان ضجاع رسول الله كن من أدم حشوه من ليف .
وكا حجرة عائشة كنيف يقضي به النبي تنه حاجته . وقد قالت
الأرض تبتلع مايخرج من الأنبياء من الأذى فلا يرى منه شى. . ")
هذا هو حال بيت أكرم خلق الله ؛ وهذه معيشته فيه ؛ فأين نحن
ثم كان النبي عن كلما أحدث زوجة بنى لها حجرة ؛ وأسكنها فيها +
في المسجد .
ويصف لنا عمران بن أبي أنس رضي الله عنه الحجرات الشريفة
فيقول " :
من جريد مطينة لاحجر لها ؛ على أبوابها مسوح الشعر ؛ وذرعت الستر
فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع ٠
(١)أخرجه أحمد في المسند 87/7
177/1 وفاء الوفا )١(
تاريخ المدينة لاين النجار 8ه )©(
وجاءت رواية أخرى تصف مساحة هذه الحجرات الشريفة ؛ وهي
ماأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن داود بن قيس قال :
رأيت الحجرات من جريد النخل مغشى من خارج ببسوح الشعر »
وأظن عرض البيت من باب الحجرة إلى باب البيت نحوا من ستة أو سبعة
أذرع ؛ وأحزر البيت الداخل عشرة أذرع ؛ وأظن سمكه بين الشمان
أم سلمة زوج النبي تنه - فيقول :
كنت أدخل بيوت رسول الله عن وأنا غلام مراهق ٠ وأنال السقف
بيدي ؛ وكان لكل بيت حجرة ؛ وكانت حجره من أكسية من خشب عرعر +
وأما باب هذه الحجرات فقد كان يقرع بالأظفار ؛ إذ لم يكن له حلق ٠
فهذه هي أوصاف بيوت أزواج النبي عَنّه مع عظيم رفعتهن
ومكانتهن. ونجد أن اقل إنسان في زماننا يملك بيتا يعد قصرا من القصور
الشاهقة إذا ماقيس بحجر أزواج رسول الله نه ؛ وليته يرضى بذلك ؛ بل
نجد بعض الناس يتأفف منه ويتضجر ؛ ويكثر الشكوى من ضيقه وصغره +
فأين نحن من بيوت أشرف الخلق ؟ ولو كان شرف المؤمن في مسكنه ومنزله
لاتخذ النبي ننه أعظم البيوت وأفخمها .
ولو كان شرف الإنسان في طعامه وشرابه لأكل النبي ته أطيب
الطيبات , ولشرب أطيب الشراب .
884/17 انظر الدر المنشور في التفسير بالمأثور للسيوطي )١(