وهذا الكتاب أحد الكتب التي سبق أن أمر جلالة الملك عبد العزيز - يرحمة
الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بإعادة طبع هذا الكتاب مع مجموعة الكتب
التي سبق أن أمر بطبعها الملك عبد العزيز - رحمه الله - لنشرها ضمن فعالبّات
الاحتفال بهذه المناسبة المباركة ؛ ورأينا أن تكون هذه الطبعة مُشتملة على
ما استُِدُعلى بعض هذه الكتب من تحقيق أو تعليق أو تصحيع .
الهم إنا نشكرك ؛ ونتحدث بعظيم نعمتك علينا ؛ وقد وعدت الشاكرين
بالمزيد ؛ فأدمها نعمةٌ ؛ واحفظها من الزوال .
أمير منطقة الرياض
رئيس اللجنة العليا ورئيس اللجنة التحضيرية
للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة
سلمان بن عبد العزيز
عر شال حمن
طبع على ثقة صاحب الجلالة السعودية » وبحي السنة امحمدية ووو
لفق -
5 وليه مموعة الرسائل والسائل لشيع الاسلام 1
5 وى ثلاثة أقسام ا
وكونه فوق العالم كله ؛ ومعنى التوجه في الدعاء
إلى جهة العلو وبطلان ما قيل من أن العرش
هو الفلك التاسع عند علماء الهيئة اليونانية
تأليف
شيخ الإسلام ابن تيمية
بسم الله الرحمن الوحيم
( سئل ) شيخنا وسيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية أعاد
الله تعالى من بركته آمين: ما تقول في العرش ؛ هل هو كري أم لا ؟ فإذا كان
كرياً والله من ورائه محيط بائن عنه , فما فائدة أن العبد يتوجه إلى الله حين
دعائه وعبادته فيقصد العلو دون غيره ؟ فلا فرق حينئذ وقت الدعاء بين قصد
[ أجاب ] رضي الله عنه
( أحدها ) أن لقائل أن يقول : لم يثبت بدليل يعتمد عليه أن العرش فلك
من الأفلاك المستديرة الكرية الشكل لا بدليل شرعي ولا دليل عقلي , وإنما
ذكر طائفة من المتأخرين الذين نظروا في علم الهيئة وغيره من أجزاء
الفلسفة فرأوا أن الأفلاك تسعة وأن التاسع -وهو الأطلس- محيط بها
حركة تخصه غير هذه الحركة العامة , ثم سمعوا في أخبار الأنبياء ذكر
عرش الله وذكر كرسيه وذكر السموات السبع ؛ فقالوا بطريق الظن: إن
العرش هو الفلك التاسع ؛ لاعتقادهم أن ليس وراء ذلك التاسع شيء إما
يحرك الأفلاك كلها فجعلوه مبداً الحوادث . وزعموا أن الله تعالى يحدث فيه
وربما جعل بعضهم ذلك النفس هو اللوح المحفوظ كما جعل العقل هو العلم +
وتارة يجعلون اللوح هو العقل الفعال العاشر الذي لفلك القمر والنفس
المتعلقة به . وربما جعلوا ذلك بالنسبة إلى الحق كالدماغ بالنسبة إلى
الإنسان يقدر فيه ما يفعله قبل أن يكون , إلى غير ذلك من المقالات التي قد
شرتضفاها وَبِيئًً فسادها في غير هذا الموضع . ومنهم من يدعي أنه علم ذلك
بطريق الكشف والمشاهدة ويكون كاذباً فيما يدعيه ؛ وإنما أخذ ذلك عن
أصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم .
يخيل لما اعتقده'' وكثر من أرباب الاعتقادات الفاسدة إذا ارتاضوا صقلت
الرياضة نفوسهم فتتمثل لهم اعتقاداتهم فيظنونها كشفاً . وقد بسطنا الكلام
على هذا في غير هذا الموضع .
)١( لعل أصله : يخيل إليه ما اعتقده ؛ وأن بعض النصارى يرون في المنام وفي حال
تغلب الخيال عند أولي المزاج العصبي في اليقظة السيد المسيح أو السيدة مريم
والمقصود هنا أن ما ذكروه من أن العرش هو الفلك التاسع قد يقال : إنه
ليس لهم عليه دليل لا عقلي ولا شرعي ؛ أما العقلي فإن أئمة الفلسفة مصرحون
بأنه لم يقم عندهم دليل على أن الأفلاك هي تسعة فقط , بل يجوز أن تكون
أكثر من ذلك , ولكن دلتهم الحركات المختلفة والكسوفات وتحو ذلك على ما
القائل إن حركة التاسع مبدأ الحوادث خطأ وضلال على أصولهم , فإنهم
قطبان غير قطبي التاسع , وكذلك السابع والسادس ٠
وإذا كان لكل فلك حركة تخصه والحركات المختلفة هي سبب الأشكال
الحادثة المختلفة الفلكية . وتلك الأشكال سبب الحوادث السفلية ؛ كانت حركة
التاسع جزء السبب كحركته , فالأشكال الحادثة في الفلك كمقارنة الكوكب
للكوكب في درجة واحدة ومقابلته له إذا كان بينهما نصف الفلك , وهو مائة
سدس الفلك ستون درجة وأمثال ذلك من الأشكال إنما حدثت بحركات
عن حركة التاسع وإن كان تابعاً له في الحركة الكلية كالإنسان المتحرك في
السفينة إلى خلاف حركتها , وكذلك حركة السابع ١
التاسع ولا عن الثامن , وكذلك سائر الأفلاك فإن حركة كل واحد التي
تخصه ليست عما فوقه من الأفلاك . فكيف يجوز أن يجعل مبدأ الحوادث
كلها مجرد حركة التاسع كما زعمه من ظن أنه العرش ؟ كيف والفلك التاسع
عندهم بسيط متشابه الأجزاء لا اختلاف فيه أصلا ؛ فكيف يكون سبباً لأمور
مختلفة لا باعتبار القوابل وأسباب أخر ؟ ولكن هم قوم ضالون يجعلونه مع
هذا ثلثمائة وستين درجة , ويجعلون لكل درجة من الأثر ما يخالف الأخرى
لا باختلاف القوابل . كمن يجيء إلى ماء واحد فيجعل لبعض أجزائه من
الأثر ما يخالف الآخر ؛ لا بحسب القوابل بل يجعل أحد جزئيه مسخناً ٠
عاقل أنه باطل وضلال ؛ وإذا كان هؤلاء ليس عندهم ما ينفي وجود شيء
آخر فوق الأفلاك التسعة كان يجزم أن ما أخبرت به الرسل من العرش هو
الفلك التاسع رجماً بالغيب وقولاً بلا علم
هذا كله على تقدير ثبوت الأفلاك التسعة على المشهور عند أهل الهيئة ؛
نتكلم على هذا التقدير أيضاً فالأفلاك في أشكالها وإحاطة بعضها ببعض
من جنس واحد ؛ فنسبة السابع إلى السادس كنسبة السادس إلى الخامس .
وإذا كان هناك فلك تاسع فنسبته إلى الثامن كنسبة الثامن إلى السابع .
مكراد
وأما العرش فالأخبار تدل على مباينته لغيره من المخلوقات , وإنه ليس
نسبته إلى بعضها كنسبة بعضها إلى بعض قال الله تعالي الذي
ابا لح جه را وقال تعالى : ف( وَيَحْملَ عرش رَبك فَوَْهُمْ
يود ثمانَةٌ 6232 [السانة 1] . فأخبر أن للعرش حملةً اليوم ويوم القيامة .
وأن حملته ومن حوله يسبحون ويستغفرون للمؤمنين . والمعلوم أن قيام فلك
من الأقلاك الله تعالى كقيام سائر الأفلاك لا فرق في ذلك بين كرة
وكرة , وإن قدر أن لبعضها في نفس الأمر ملائكة تحملها فحكمه حكم
قال الله تعالي وترى الملا فين من حول الع بَحُونَ بحَمْدِ
فذكر هنا أن الملائكة تحف من حوله وذكر في موضع آخر أن له حملة
وجمع في موضع ثالث بين حملته ومن حوله » . فقال : ف الّذ يَحْلُونَ
لْعَرّش وَمَنْ حَوْلَهُ [غافر »] وأيضاً فقد أخبر أن عرشه كان على الماء قبل
أن يخلق السموات والأرض كما قال تعالى : ؤوَهُو الذي خَلَق السمَوَات
وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حصين عن النبي
في الذكر كل شيء , وخلق السموات والأرض» ؛ وفي رواية له :8 كان الله
ولم يكن شيء قبله , وكان عرشه على الماء , ثم خلق السموات والأرض +
وكتب في الذكر كل شيء » ٠ وفي رواية لغيره صحيحة ٠: كان الله ولم يكن
شيء معه ؛ وكان عرشه على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء ٠»
وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي نه أنه قال : «إن
الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة »
وكان عرشه على الماء» فهذا التقدير بعد وجود العرش وقبل خلق السموات
والأرض بخمسين ألف سنة وفو سبحانه وتعالى يتمدح يانه ذو العرش
[الجددةكعوله سيتطا: قل لَوْ كان مع
رح اس 1 ] . وقوله تعالى
[غافر ف1-1ا] .
فَقَالَ لم يُِيدُ 22> » [لبروع 18 :13] . وقد قرئ ١ المجيد » بالرفع صفة لله +
وقرئ بالخفض صفة للعرش . وقال تعالى : ف( قُلْ من زب السموات السبّع
ورب اعرش الْعظيم 22> سَقوُون لله فل أفلا تقُون 22 [لممنون 141:45
فوصف العرش بأنه مجيد وأنه عظيم +
وقال تعالى : ف قعَالَى اللَهُ اك الْحق لا إِله إلا هو رب اعرش الكريم
+03 » [لمزمنون 117 . فوصفه بأنه كريم أيضاً , وكذلك في الصحيحين عن
ابن عباس رضي الله عنه أن النبي نه كان يقول عند الكرب : « لا إله