الفصل الأول
أعلم أن هذا الحديث صحيح قد صححه عدد من العلماء منهم
أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وغيرهما كما سيأتي ذلك في التنبيه على
قال لما ساق إسناده وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين» ولكن له
أربع علل ذكر ابن خزيمة ثلاثة منها فقال أن الثوري قد خالف الأعمش
في إسناده فأرسله الشوري ولم يقل عن ابن عمرء والثانية أن الأعمش
مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت والشالثة أن حبيب بن
أبي ثابت أيضا مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء ثم ذكر العلة الرابعة
: نه وإن كان ثقة كا تدم ذكر الذهبي
يؤكد ذلك أنه رواه مرة عند ابن أبي عاصم رقم 018 بلفظ على صورته
لم يذكر الرحمن» وهذا الصحيح المحفوظ عن النبي قل .ه.
والجواب عن العلة الأولى وهي أن سفيان أرسله فهذا لا يضره
لان الأعمش ثقة حافظ وكان يسمي المصحف فلا يضره مخالفة الثوري
وأما تعليله لتدليس الأعمش فلا يضر لأنه من الطبقة الثانية من
إلى ذلك الحافظ بن حجر في كتابة تعريف أهل التقديس بمراتب
الموصوفين بالتدليس ص 17» والألباني قد صحح أحاديث كثيرة لم
يصرح فيها الأعمش بالتحديث كما هو مشهور في مؤلفاته فيا باله هنا
يورد مثل هذا ويسكت عليه وأيضا قد تابع الأعمش في روايته عن
حبيب سفيان الشؤري كما رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد وقد أشار إليه
الألباني في كتاب ظلال الجنة تخريج السنة إلا أنه مرسل .
يوثق به ويبهمه فان هذا يقدح في عدالته؛ إذ كيف يروي مثل هذا
الذي يوقع في التشبيه على زعم من تأول الحديث ويسكت عليه؛ فإن
قالوا أنه لا يوقع في التشبيه قلناهذا هو الحق فإن روابات الحديث يفسر
بعضها بعضاً وكلها دالة على إثبات هذه الصفة وعود الضمير عل الله
عل ما يليق بجلاله وعظمته كما هو قول أهل السنة والجماعةفذاد
الكلام بين إمرين إما أن يقال أن الحديث متصل قد سمعه النرواة
بعضهم من بعض وهذا هو الصحيح لتلقي العلماء له بالقبول وقولهم
بموجبه وإما أن يقال أن الحديث غير ثابت وهذا لا يظن بأئمة أهل السنة
أن يتواطوا على ذكره والقول بموجبه من غير نكير منهم له ول يشتهر عن
كما سيأتي ذكره إن شاء الله .
وأما ما ذكره من العلة الرابعة وهي أن جريراً نسب في آخر عمره
إلى سوء الحفظ فجوابه أن يقال أن هذا الحديث قد رواه عن جزير أئمة
حفاظ مثل إسحاق بن راهوية وقد جزم بصحة الحديث وأبي معمر
وإسماعيل بن موسى وهارون بن معروف ونحوهم» ولم يذكر أحد منهم
أنه أخطأ فيه بل روه قابلين له وتلقاه عنهم العلماء بالقبول» فهذا برهان
عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان الشوري عن حبيب عن عطاء إلا أنه
وكذلك له شاهد من حديث أبي هريرة وقد روى عنه من طريقين
سليم بن جبير عن أبي هريرة ولفظه من قاتل فليجتنب الوجه فان صورة
وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن والآخر ما رواه ابن أبي عاصم من
وجه آخر عن أبي هريرة بمعناه فقال ثنا محمد بن ثعلبة ب سواء حدثني
عمي محمد بن سواء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتا عن أبي رافع عن
أبي هريرة قال قال رسول الله كَيةِ إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن
الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه. فهذا إسناد صحيح رجاله رجال
الصحيح غير شيخ المؤلف وهو ثقة كما قاله المؤلف2'» ثم قال لكني في
شك من ثبوت قوله على صورة وجهه فان المحفوظ في الطرق الصحيحة
على صورته قلت: سعيد ثقة حافظ فلا يرد حديثه بمثل هذا التوهم
وهذه اللفظة لا تخالف ما ثبت من قوله على صورته لأن الضمير يعود
على الله كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الرازي وأبطل
قول من جعل الضمير يعود على آدم أوغيره من المخلوقين من وجوه
القول بخلافه قول أهل البدع كما قال أحمد وغيره أنه جهمي وأعلم أنه
لولم يك في هذا الباب إلا الحديث المرسل الذي تقدم أنه صحيح لكان
فيه كفاية كما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال بعد
كلام له وأيضا فمن المعلوم أن عطاء بن أي رباح إذا أرسل هذا
الحديث عن النبي بق فلابد أن يكون قد سمعه من أحد وإذا كان في
قدر أن عطاء م يذكره إلا مرسال عن النبي قن . فمن المعلوم أن عطاء
من أجل التابعين قدراً فانه هو وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي
والحسن البصري أئمة التابعين في زمائهم وقد ذكر المصنف لهذا الحديث
كابن خزيمة أن الأخبار في مثل هذا الجنس التي توجب العلم هي أعظم
من الأخبار التي توجب العمل ومعلوم أن مثل عطاء لو أفنى في مسألة
فقه بموجب خبر أرسله لكان ذلك يقتضي ثبوته عنده ولهذا يجعل الفقهاء
قد جزم بهذا الخبر العلمي عن النبي يه في مشل هذا البباب العظيم!'؟
مجهول؟؟ يعرف أو كذاب أوسيء الحفظ» وأيضا فاتفاق السلف على
رواية هذا الخبر ونحوه مشل عطاء بن أبي رباح والحبيب بن أبي ثابت
والأعمش والثوري وأصحابهم من غير نكير سمع من أحد لمثل ذلك في
(7) قوله قد سمعه من مجهول لا يعرف كذا في المخطوطة ولعله قد سمعه فيه لامن
مجهول لا يعرف
ذلك العصر مع أن هذه الروايات المتنوعة في مظنة الاشتهار ودليل')
على أن علماء الأمة تنكرا") إطلاق القول بأن الله خلق آدم على صورة
الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس وأنها تأمر بالمعروف وتنبى عن
المنكر» فمن الممتنع أن يكون في عصر التابعين يتكلم أئمة ذلك العصر
بما هو كفر وضلال ولا ينكر عليهم أحد فلو كان قوله خلق آدم على
وأيضا فقد روى بهذا اللفظ من طريق أبي هريرة والحديث المروي
من طريقين مختلفين لم يتواطأ رواتهما يؤيد أحدهما الآخر ويشهد له ويعتبر
به بل قد يفيد ذلك العلم إذ الخوف في الرواية من تعمد الكذب أو من
سوء الحفظ فإذا كان الرواة ممن علم أنهم لا يتعمدون الكذب أو كان
الحديث ممن لا يتواطأ في العادة على اتفاق الكذب على لفظه لم ببق إلا
آخر ولهذا يجعل الترمذي وغيره الحديث حسن ما روي من وجهين وم
يكن في طريقه متهم بالكذب ولا كان مخالفا للأخبار المشهورة وأدن
أحوال هذا اللفظ أن يكون بهذه المنزلة. وأيضا فقد ثبت عن الصحابة
أنهم تكلموا بمعناه كما في قول ابن عباس تعمذ إلى خلق من خلقي على
)١( قوله ودليل
(1) قوله تنكر كذا في المخطوطة ولعله ! تنكر
والمرسل إذا اعتضد به قول الصاحب احتج به من لا يحتج
بالمرسل كالشافعي وغيره وأيضا فثبت بقول الصحابة ذلك ورواية التابعين
فعلم ذلك لا يؤخذ بالرأي وإنما يقال توقيفا ولا يجوز أن يكون مستند
ابن عباس أخبار أهل الكتاب الذي هو أحد الناهين لنا عن سؤالهم ٠
ومع نبي النبي قل عن تصديقهم أو تكذييهم فعلم أن ابن عباس إنما
قاله توقيفا من النبي جل ففي صحيح البخاري عن ابن شهاب عن
عبيدالله بن عبدالله أن ابن عباس قال كيف تسألون أهل الكتاب عن
شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله جَلةِ أحدث تقرأوته محضالم
ماجاءكم من العلم عن مسألتهم لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن
الذي أنزل عليكم .
فمعلوم مع هذا أن ابن عباس لا يكون مستندا فيا يذكره. من
أنها مبطلة لقول من يعيد الضمير في قوله إلى آدم فهي أدلة مستقلة في
الإخبار بأن الله خلق آدم على صورة نفسه»؛ وبهذا حصل الجواب عما
يذكره من كون الأعمش مدلسا حيث يقدم على رواية مثل هذا الحديث
ويتلقاه عنه العلماء ويوافقه الثوري والعلماء على روايته عن ذلك الشيخ
بعينه وكذلك قوله حبيب مدلس فقد أخذه عنه هؤلاء الأئمة.
وأيضا فهذا المعنى عند أهل الكتاب من الكتب المأثورة عن
الأنبياء كالتوراة فإن في السفر الأول منها سنخلق بشرا على صورتنا
لات
يشبهها. وقد قدمنا أنه يجوز الاستشهاد بما عند أهل الكتاب إذا وافق ما
افترائه على الأنبياء بل المعروف من حالهم كراهة وجود ذلك في كتبهم
يمتنع أن يكذبوا كلاما يثبتونه في ضمن التوراة وغيرها وهم يكرهون
وجوده عندهم . وأن قبل إنكاره لذلك غير الكاتب له فيقال هو موجود
في جميع النسخ الموجودة في الزمان القديم في جميع الأعصار والأمصار
من عهد النبي كل .
وأيضا فمن المعلوم أن هذه النسخ الموجودة اليوم بالتوراة ونحوها
كذبا وافتراء ووصفا لله بما يجب تنزيهه عنه كالشركاء والأولاد لكان إنكار
ذلك عليهم موجودا في كلام النبي كل أو الصحابة أو التابعين كما
انتهى من عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن مع
بعض الاختصار ص 2 إلى 197