5 الجزء الأول من كتاب فتح الملهم بشرح صحيح ملم
عن فهر اليتيم؛ والنهي عن نهر السائل» والأمر بتحديث النعمة. والأقرب إلى الذوق
السليم أن هذا الترتيب بطريق اللف والنشر المشوش؛ دون المرتب؛ كما زعمه بعضهم .
فتعطف على اليتيم؛ وترحم على الساثل» فقد ذقت اليتم والفقر. وقوله تعالى: «إمآنًا
هذه النعمة الجسيمة التي هي الهداية بعد الضلال (وكأن ليس ما سواها في جنبها نعمة)
ليس إلا أن تحدث بها عباد الله تعالى» وتشيعها فيهم» وتبين لهم ما تُوّل إليهم. وظاهر أن
أقواله وأفعاله 3 التي سميناها أحاديث إنما جلها شرح وتبيين لما هداه الله تعالى بهاء
وتحديث وتنويه لما أنعم الله عليه من صنوف الهداية؛ وفئون الإرشاد؛ والله تعالى أعلم
قال العلماء رحمهم الله تعالى: «الحديث: أقوال النبيّ كَيةِ وأفعاله». ويدخل في
وإن كانت غير اختيارية كالحلية لم تدخل فيه؛ إذ لا يتعلق بها حكم يتعلق بناء وهذا
التعريف هو المشهور عند علماء أصول الفقه؛ وهو الموافق لفنهم.
وذهب بعض العلماء إلى إدخال كل ما يضاف إلى النبيّ كي في الحديث؛ فقال في
تعريفه: «علم الحديث أقوال النبي جَيةِ وأفعاله وأحواله». وهذا التعريف هو المشهور عند
علماء الحديث» وهو الموافق لفنهم؛ فيدخل في ذلك أكثر ما يذكره في كتب السير:
وقد رأيت أن أذكر هنا فائدة تنفع المطالع في كثير من المواضع؛ وهي: أن مثل
شيء ما - سواء كان في تعريف أو تقسيم أو غير ذلك حكموا بأن هناك اختلافاً في
تحصى. وقد أشار إلى نحو ما ذكرنا الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية في
رسالته في قواعد التفسير فقال:
«الخلاف بين السلف في التفسير قليل؛ وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع
مقدمة 7
إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد».
ولنرجع إلى المقصود فنقول: قد عرفت أن الحديث ما أضيف إلى النبي
وقد أطلق بعض العلماء الحديث على المرفوع والموقوف؛ فيكون مرادفاً للخبر.
يسمون الموقوف بالأثرء والمرفوع بالخبر
تقرير فهي مرادفة للحديث عند علماء الأصول؛ وهي أعم منه عند من خص الحديث بما
وبما ذكرنا من أن بعض المحدثين قد يطلق الحديث على المرفوع والموقوف يزول
الإشكال الذي يعرض لكثير من الناس عند ما يحكى لهم أن فلاناً كان يحفظ سبعماثة
ألف حديث صحيح؛ فإنهم مع استبعادهم ذلك يقولون: أين ثلث الأحاديث؟ ولِمٌ لم
تصل إلينا؟ وهلا نقل الحافظ ولو مقدار عشرها؟ وكيف ساغ لهم أن يهملوا أكثر ما ثبت
عنه وَل مع أن ما اشتهروا به من فرط العناية بالحديث يقتضي أن لا يتركوا مع الإمكان
نقل عن الإمام أحمد أنه قال: «صح من الحديث سبعماثة ألف وكسرء وهذا الفتى
- يعني أبا زرعة قد حفظ سبعماثة ألف».
قال البيهقي ؛ «أرادما صح من الأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين».
وقال أبو بكر محمد بن عمر الرازي الحافظ : «كان أبو زرعة يحفظ سبعمائثة ألف
غير صحيح».
8 الجزء الأول من كتاب فتح الملهم بشرح صحيح مسلم
ونقل عن مسلم أنه قال: «صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثماثة ألف حديث
ومما يرفع استغرابك لما نقل عن أبي زرعة من أنه كا يحفظ ماثة وأربعين ألف
حديث في التفسير أن «النعيم» في قوله تعالى : فِتُرٌ ته عن اليب ليل (سورة
علم الحديث:
قال الشيخ عز الدين بن جماعة: «علم الحديث علم بقوانين يعرف بها أحوال السند
والمتن. وموضوعه: السند والمتن. وغايته: معرفة الصحيح من غير .
وقال شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر: «أولى التعاريف له أن يقال: معرفة
القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي؛ وإن شثت حذفت لفظة «معرفة» فقلت: القواعد
قال الجلال السيوطي في ألفيته:
علمالحديثذوقوانينتحد | ينرىبهاأحوالدمتنوسند
فذلك الموضيع والمقصود أن يعرف المقبول والمردود
وقال الجزائري: «قد قسموا علم الحديث إلى قسمين: قسم يتعلق بروايته وقسم
يتعلق بدرايته».
وأما علم رواية الحديث فقال ابن الأكفاني في إرشاد القاصد: «هو علم بنقل أقوال
وأما علم دراية الحديث فهو علم يتعرف منه أنواع الرواية؛ وأحكامهاء وشروط
الرواة؛ وأصناف المرويات؛ واستخراج معانيها». والأولى تسمية هذا القسم أي: علم
دراية الحديث باسمه المشهور: أعني مصطلح أهل الأثر؛ فإنه أدل على المقصود؛
وليس فيه شيء من الإبهام والإيهام؛ وقد جرى على ذلك الحافظ ابن حجر فسمى رسالته
المشهورة فيه نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر. و«الفكر» بتثكسر الفاء وفتح الكاف؛
المحدث والحافظ:
قال السيوطي : «قد كان السلف يطلقون المحدث والحافظ بمعنى».
والحق أن الحافظ أخص؛ قال الشيخ أبو الفتح بن سيد الناس: «أما المحدث في
والروايات في عصره؛ وتميز في ذلك حتى عرف حظه؛ واشتهر فيه ضبطه» فإن توسع
حتى عرف شيوخه وشيخ شيوخه طبقة بعد طبقة؛ بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر
وقال بعض الأعلام: إن هذا التحديد يرجم إلى أهل العُرزف؛ ويختلف باختلاف
غلبة الظن ببلوغ بعضهم للحفظ في وقت دون وقت.
وقال علي القاري في شرح النخبة: «إن «الحافظ» هو من أحاط علمه بماثة ألف
أشرف علوم الحديث+
قال الإمام الحافظ أبو شامة: «علوم الحديث الآن ثلاثة: أشرفها حفظ مئونه؛
ومعرفة غريبها أي : غريب لغتها - وفقهها» .
والثاني: حفظ أسانيده؛ ومعرفة رجالها؛ وتمييز صحيحها من سقيمها . وهذا كان
مهماً؛ وقد كفيه المشتغل بالعلم بما صنف فيه وألف فيه من الكتب؛ فلا فائدة إلى
تحصيل ما هو حاصل.
هو المطلوب الأصليء إلا أنه لا بأس به لأهل البطالة؛ لما فيه من بقاء سلسلة الإستاد؛
المتصلة بأشرف البشر.
والجاهل والعالم.
الساكنة. والقدم من الناس: العبي عن الحجة والكلام مع ثقل ورخاوة وقلة فهم وهر أيضاً الغليظ السمين
الأحمق الجافي. كذا في اللسان لابن منظور (17: 48
1 الجزء الأول من كتاب فتح الملهم بشرح صحيح ملم
وقد قال الأعمش: «حديث يتداوله الفقهاء خير من حديث يتداوله الشيوخ».
ولام إنسان أحمد في حضور مجلس الشافعي وتركه مجلس مفيان بن 3
الفتى أخاف أن لا تجده»
وهذا الكلام وإن نظر في بعضه الحافظ» إلا أنه أقرب إلى ما هو الواقع في زماننا .
والله الموفق.
أقسام الحديث:
اعلم أن بعض العلماء قد سلك في بيان هذا الفن وحصر أقسامه المشهورة
وتعريفها : مسلكاً صار به قريب المدرك فقال
الخبر إما أن يرويه جماعة بب ن في الكثرة
فيه أولاء فالأول: المتواترء والثاني: خبر الآحاد
والمتواتر ليس من مباحث علم الإسناد؛ لأن علم الإسناد علم يبحث فيه عن صحة
الحديث أو ضعفه من حيث صفات رواته وصيغ أدائهم؛ ليعمل به أو يترك؛ والمتواتر
صحيح قطعاً؛ فيجب الأخذ به من غير توقف؛ وهو يفيد العلم بطريق البقين؛ والمتواتر
يندر أن يكون له إسناد مخصوص كما يكون لأخبار الآحاد؛ لاستغنائه بالتواتر عن ذلك؛
وإذا وجد له إسناد معيّن لم يبحث عن أحوال رجاله؛ بخلاف خبر الآحاد فإن فيه
الصحيح وغير الصحيح؛ والصحيح منه لا يحكم له بالصحة على طريق اليقين. نعم؛ قد
ولا بد في خبر الآحاد أن يكون له إسناد معيّن يبحث فيه عن أحوال رجاله وصِيّمْ
أدائهم ونحو ذلك؛ ليعلم المقبول منه من غيره؛ فانحصر البحث هنا في خبر الآحاد.
وخبر الآحاد إن كانت رواته في كل
آ تحيل العادة تواطثهم على الكذب
وإن انفرد في بعض الطبقات أو كلها رارٍ واحد: يسمى غرياً.
والمشهور عندهم أنه لا يشترط في «المشهور» و«العزيز» التعدد في الطبقة الأولى؛
فيسمون الحديث مشهوراً إذا رواء في كل طبقة ثلاثة فأكثرء وإن كان من رواه من الصحابة
أقل من ثلاثة. ويسمون الحديث عزيزاً إذا رواه في بعض الطبقات اثنان ولم تنقص رواته
مقدمة ن
والغريب إن كانت الغرابة فيه في أصل السند يسمى «الفرد المطلق» ويقال له أيضاً :
«الغريب المطلق». وإن كانت الغرابة فيه في غير أصل السند يسمى «الفرد اليسْبيّ ويقال
له أيضاً: «الغريب النسبي». والمراد بأصل السند أوله. وقد عرفت آنفاً أن «الغريب» ما
ينفرد بروايته شخص في أيّ موضع كان من مواضع السند؛ وإن انفرد الصحابي فقط
بالحديث لا يوجب الحكم له بالغرابة.
كحديث النهي عن بيع الولاء؛ فإنه تفرد به عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر؛ وقد
أبي هريرة؛ وتفرد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح؛ وقد يستمر التفرّد في جميع رواته
أو أكثرهم»؛ وفي مسند البزار والمعجم الاوسط للطيراني أمثلة كثيرة لذلك.
الصحابي أكثر من واحد؛ ثم ينفرد بالرواية عن واحد منهم أو أكثر من واحد. ويقل
إطلاق اسم «الفرد» على «الفرد النسبي» وإنما يطلق عليه في الغالب اسم «الغريب».
قال الحافظ ابن حجر: «إن أهل الاصطلاح قد غايروا بين «الفرد» و«الغريب» من
ب الإستعمال وقلته؛ «فالفرد» أكثر ما يطلقونه على «الفرد المطلق»؛ و«الغريب»
أكثر ما يطلقونه على «الفرد النسبي». وهذا من حيث إطلاق الاسم عليها+ وأما من حيث
استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون؛ فيقولون في المطلق والنسبي: تفرد به فلان؛ أو
أغرب به فلان».
ولا يسوغ الحكم بالتفرد إلا بعد الاعتبار.
والاعتبار هو: تتبع الطرق من الجوامع والمسانيد والأجزاء لذلك الحديث الذي
يظن أنه فرد؛ ليعلم: هل لراويه متابع؟ أو هل له شاهد أم لا؟ ومظنة معرفة الطرق التي
قال العراقي: «الاعتبار أن تأتي إلى حديث لبعض الرواة؛ فتعتبره بروايات غيره من
للاعتبار به والاستشهاد به سمي حديث هذا الذي شاركه «تابعاً»؛ وسيأتي بيان من يعتبر
17 الجزء الأول من كتاب فتح الملهم بشرح صحيح مسلم
آخر الاسناد حتى في الصحابي» فكل من وجد له متابع قسم حديث الذي شاركه «تابعاً»
قال ابن حبان: «وطريق الاعتبار في الأخبار مثاله: أن يروي حماد بن سلمة حديثاً
روى ذلك ثقة غير أيورب عن ابن سيرين؟ فإن وجد علم أن للخبر أصلاً يرجع إليه؛ وإن لم
أيوب؛ عن ابن سيرين؛ عن أبي هريرة أراه رفعه: «أحبب
من رواية حماد بن سنلمة» عن
قلت: أي: من وجه يثبت؛ وقد رواه الحسن بن دينار - وهو متروك الحديث عن
ابن سيرين عن أبي هريرة.
والشاهد إن كان يشبه متن الحديث الفرد في اللفظ والمعنى فهو «الشاهد باللفظ»+
وإن كان يشبه في المعنى فقط فهو: «الشاهد بالمعنى»
والشاهد: متن يروى عن صحابي آخر يشبه متن الحديث الفرد. وقد أورد الحافظ
مقدمة 1
اللفظ قد تفرد به الشافعي عن مالك؛ فعدوه في غرائبه؛ لأن أصحاب مالك رووه عنه بهذا
أحدهما : ما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة؛ عن عبيد الله بن عمر» عن نافع
والثاني : ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد؛ عن
وله شاهدان:
أحدهما: من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم؛ عن شعبة؛ عن محمد بن
زياد عن أبي هريرة بلفظ : «فإن غمى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاث
وثانيهما : من حديث ابن عباس أخرجه النسائي من رواية عمرو بن دينار عن
محمد بن حنين عن ابن عباس بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر سواء» وهو: «فأكملوا
وهذا التقسيم إنما كان بالنظر إلى عدد الرواة؛ ولما كان كل قسم من هذه الأقسام
إن خبر الآحاد ينقسم إلى قسمين: مقبول ومردود.
فالمقبول هو: ما دل دليل على رجحان ثبوته في نفس الأمرء
والمردود: ما لم يدل دليل على رجحان ثبوته في نفس الأمرء
فإن قلت: يدخل في تعريف المردود الخبر الذي لا يترجح ثبوته ولا عدم ثبوته؛ بل
يتساوى فيه الأمران.
قلت: نعم؛ واعتذر عن ذلك من أدخله فيه بإن موجبه لما كان التوقف صار
كالمردود؛ فألحق به؛ لا لوجود ما يوجب الرد؛ بل لعدم وجود ما يوجب القبول
ومن جعله قسماً مستقلاً عرف المردود بأنه: الخبر الذي دل دليل على رجحان عدم
1 الجزء الأول من كتاب فتح الملهم بشرح صحيح مسلم
ثبوته في نفس الأمر. وعرف الخبر المتوقف فيه بأنه: الخبر الذي لم يدل دليل على
رجحان ثبوته ولا على رجحان عدم ثبوته. وهذا هو الخبر المشكوك فيه؛ وهو كثير جداً
تكاد تكون أفراده أكثر من أفراد القسمين الآخرين» وحكم هذا القسم: التوقف فيه البتة
إلى أن يوجد ما يلحقه بأحد القسمين المذكورين
والمقبول ينقسم إلى أربعة أقسام: الأول: صحيح لذاته. والثاني: صحيح لغيره.
وذلك: لأن الحديث إن اشتمل من صفات القبول على أعلى مراتبها فهو
«الصحيح لذاته».
وإن لم يشتمل على أعلى مراتبهاء فإن وجد فيه ما يجبر ذلك القصور الواقع فيه فهو
«الصحيح لا لذاته» بل «لغيره» وهو العاضد. وقد مثل ذلك ابن الصلاح بحديث محمد بن
أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» فإن محمد بن عمرو من المشهورين بالصدق
تخشاه من جهة سوء حفظه»؛ وانجبر به ذلك النقص اليسير؛ فالتحق الإسناد بدرجة
وإن لم يوجد فيه ما يجبر ذلك القصور الواقع فيه فهو «الحسن لذاته».
وإن كان في الحديث ما يقتضي التوقف فيه؛ لكن وجد ما يرجح جانب قبوله فهو
«الحسن لا لذاته» بل الغيره» وهو العاضد. وذلك نحو أن يكون في الإسناد مستور الحال
العدالة. فإذا ورد من طريق آخر زال التوقف فيه: حكم بحسنه لا لذاته؛ بل للعاضد.
ومن الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول: الجيدء والقوي؛
قال في الطب: «هذا حديث جيد حسن».
بلوغه درجة «الصحيح» فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح. وكذا القوي