لايصح إذن الابتعاد عن طريق العقل» أشرف ما خلقه الله فيناء طريق النور
الذى يدفعنا إلى الأسام هذا أساس دعوة ابن رشد. فالعيب إذن ليس فى التراث؛
ولكن فى الفهم الخاطئ للتراث.
لدعوة ابن رشد الذى قال: فلنبحث عن كتب القدماء ونقوم بدراستها. أليست هذه
دعوة تراثية مشرقة وضاءة تقوم على الإيمان بالتوير والاعتقاد بأهميته الكبرى وأنه
نعم نجد فكر ابن رشد معبرا عن حس نقدى» والنقد من أخص خصائص
العقل والمعقول. نقد أفكار الصوفية وآراء الأشاعرة ووجهات نظر المقلدين والرجعيين
ورأى أن الواجب يقتضى الكشف عن أخطاء الذيين ذهبوا إلى القول بعدم وجود
علاقات ضرورية بين الأسباب والمسببات. وكان يؤمن بأن البرهان العقلى يعد أسمى
إليها عامة الناس وأشباه المثقفين.
بين لنا ابن رشد من خلال اهتماماته العلمية. والطب منها على وجه
على العكس من ذلك يعد معبرا عن التخلف والظلام والصعود إلى الهاوية. وواجب
علينا الاستفادة من دعوة ابن رشد وخاصة بعد انتشار الدعوات الظلامية الرجعية
وانتشار الجهل اللامعقول بيننا. إنه من المنطقى أن نطلب من المتأخر أن يسعى بكل
قوته لكى يلحق بالمتقدم. ومن غير المنطقى أن نطلب من المتقدم أن يقف فى مكانه

إنما يقبل التأويل على قانون التأويل العربى» وإن هذا الرأى يجب أن يتسك به
أقام ابن رشد دراسته لمشكلة المعرفة؛ على أساس العقل أساساء بين لنا أن
التمييز بين الخير :"*.؛ إئما يقوم على العقل وحده؛ درس ابن رشد مشكلة حرية
ومن المؤسف أننا نبحث اليوم عن حلول للكثير من المشكلات فى الوقت الذى
قدم لنا فيه ابن رشد منذ ثمانية قرون؛ الفتاح أو المنهج الذى يساعدثا على حل هذه
لقد سخرثا من ابن رشد حين أخذنا نتحدث عن قضايا وهمية زائفة كقضية
الغزو الثقافى» والهجوم على الحضارة الأوروبية. نعم سخرنا وأهملنا فيلسوفنا ابن
رشد الذى فتح الطريق أمام الفكر العلمى العقلانى» والذى نحن فى أمسى الحاجة
التقليد والظلام دكا.. لن نسلك طريق الصواب إلا إذا اعتقدنا بأن الخير كل الخير
هو النظرة المتفتحة؛ النظرة التى تقوم على تقديس العقل بحيث نجعله معيارا
نعم يجب علينا فى حياتنا المعاصرة الاستفادة من دعوة ابن رشد النقدية
كأنه كان يتوق ما سيجىء عند أناس من أشباه المثقفين ومن المتخلفين عقليا حين

يهاجمون العلم؛ يهاجمون الحضارة الأوروبية؛ يتحدثون عن غزو فكرى كما تصوره
لهم أحلامهم الفاسدة وعقولهم الضيقة وأفهاميم القاصرة وكأنهم مثل الدون كيشوت
فى محاربة طواحين الهواء.
فهمها فى العصر الحديث أناس تحسبهم أساتذة وما هم بأساتذة.. أناس حشروا
نجد عربياً فى العصر الحديث يفهم آراء ابن رشد ومغزى دعوته حق الفهم» فى
الوقت الذى نجد فيه الستشرقين وقد فهموا ابن رشد ومنهج ابن رشد. أليس هذا من
مصائب الزمان؟ وان كان ابن رشد قد ولد فى بلدة أوروبية لأقاموا له التماثيل فى
العرب بالإساءة إليه واهمال فلسفته؛ حيث أصبحنا فى حالة من الجفاف الفكرى+
هذا الجفاف لا يكون القضاء عليه عن طريق استخدام محلول معالجة الجقاف؛ بل
يكون عن طريق السعى بكل قوة نحو التنسك بالروح العقلية؛ الروح التنويرية ؛
الرؤية النقدية. ٍ
فلنحتفل إذن بأفكار أعظم فلاستتنا؛ ابن رشد؛ حتى نضع فى اعتبارنا أن
واجبنا القدس هو الدفاع عن التنوير: التمسك بالعقل» غرس الروح النقدية؛ وكلها
دروس استفدثاها من ابن رشد.
إننى أكاد أقطع بأن روح ابن رشد ترفرف الآن فى سعادة وذلك حين تدرك
أن وصل ما انقطع لا يمكن أن يتم إلا من خلال الفلسفة الرشدية. فلنتجه إذن إلى
دراسة آراء هذا الفيلسوف وبا أعظمها وما أعمقها؛ وإن كان أهل التقليد؛ وأنصار
الظلام لا يعلمون ولا يدركون. ولكن ماذا نفعل أمام محاولات أشباه الباحثين وأنصار
الظلمة والظلام.
نعم يجب علينا الاستفادة من دروس الفلسفة الرشدية حتى تتحقق لنا حياة
فكرية فى مستقبلنا أفضل من حالتها فى ماضينا وحافرنا.

إنها دعوة من جائبنا؛ فهل يا ترى ستجد صداها فى نفوس وعقول أبناء أمتثا
العربى؛ صاحب الروح الغربية؟؟!!
عاطف العراقى
القاهرة - مدينة نصر
فى العاشر من ديسمبر عام اليد

التصل الأول
الحياة الفكرية لفيلسوف عربى كان معبّرا عن روح غربى
دعوة إلي منهج جديد لدراسة أفكاره

‎-١‏ حياته العقلية وأسباب نكيتفة
‏نشأ ابن رشد فى بيئة عقلية ؛ فجده كان من كبار الفقهاء. وكذلك كان أبوه
حيث إن ابن رشد قد استظهر على أبيه الموطأ حفظا. ولم يأخذ ابن رشد الفقه عن
أبيه فحسب» بل أخذ عن أبى القاسم بن بشكوال وأبى مروان بن مسرة وأبى بكر
بن سمحون وأبى جعقر بن عبد العزيز وأبى عبد الله المازرى.
‏والدليل على تعمقه فى دراسة الفقه؛ وضعه لكتابه " بداية اليجتهد ونهاية
المقتصد فى الفقه ”. وأصبح بذلك أوحد عصره فى علم الفقه والخلاف. بل إن من
‏نا من الفقه إلى الميادين الأخرى؛ وجدنا تعمقا لا حد له من جائب
فيلسوفنا. فبالنسبة لعلم الكلام؛ نجد سن جاذبه نقدا وتفنيدا لآراء علماء الكلام
الخالد بين هذه الميادين العديدة بعد دراسته الطويلة طيلة حياته. يقول ابن الآبار؛
سود فيما صنف وقيد وألف وهذب واختصر نحوا من عشرة آلاف ورقة. هذا ما يقوله
بروكلمان ورينان وجدنا فيلسوفنا قد تعمق فى دراسة ميادين عديدة تكاد تشمل كل
العلوم والمعارف الموجودة فى عصره.
ومن المناسب فى هذا المجال» أن نشير بإيجاز إلى سبب نكبته.
‏(1) يمكن الرجوع إلى القائمة التى وضعناها للموجود فعلا من مؤلفات وشروح ابن رشد» وذلك
‏فى كتابنا: «النزعة العقلية فى فلسغة ابن رشد»؛ ص 115 وما بعدها. (طبعة دار المعارف

فإذا رجعنا إلى كتب التراجم سواء القديمة منها والحديثة وجدنا الكثير منها
جملة أسباب ويحاول ترجيح واحد منهاء
من هذه الأسباب ما ذكره لنا عبد الواحد المراكشى فى كتابه: المعجب فى
تلخيص أحبار الغرب» قائلا
فى شرح كتاب الحيوان لأرسطو قال فيه عند ذكر الزرافة: وقد رأيتها عند ملك
من أهم أسباب نكبته. أن ابن رشد حين أخذ
والمهم عندنا أن جمهرة المؤرخين قد اتفقوا على أن بداية الثكبة كانت عندما
قدم قوم ممن يثاوثونه من أهل قرطبة إلى المنصور - وهو الذى حدثت فى عهده نكبة
يقول: فقد ظهر أن الزهرة إحدى الآلهة؛ وأوقفها أبا يوسف المنصور على هذه
الكلمة. ونجم عن ذلك أن استدعاه المنصور فى جمع من الرؤساء والأعيان؛ ولعنه
وأمر بطرده من المجلس.
وقد انتهى الأمر بنفى ابن رشد إلى أليسانة وهى على مقربة من قره
استدعاه النصور إلى حضرة مراكش فى أخريات أيامه للإحسان إليه والعفوعنه
اقتطاع هذا الحادث المؤسف فى حق أعظم فلاسفة العرب على وجه الإطلاق؛ عن
بعض الفقهاء الأخذ بناحية الفكر؛ محاولين من جانبهم توجيه الاتهام إلى كل من

إنما يكمن فى تهويلات الغلاة من الفقباء الذين حاولوا تصوير الدين وكأنه يتنافى
وهكذا كان تصوير مبادئ ابن رشد على أنها كفر وزندقة آتيا فى جائب بعض
الفكرى والنظر إلى علوم الأوائل على أنها علوم يجب هجرها.
قلنا إن ابن رشد قد تعسق فى دراسة جوانب عديدة من المعرفة الإنسانية.
ولكننا لم نتحدث بعد عن أهم وأعظم عمل قام به. عمل كان سببا فى تلك اللكانة
هذا العمل - كما قلنا - هو شرحه لأرسطو وتقديم فلسفة خالية من الشوائب
والمتناقضات والتأويلات الفاسدة التى طالما وجدثاها عند أسلافه من الشراح
والفلاسفة. ولكن ما الأسباب التى دفعته إلى ذلك؟.
يجدر بنا أن نتحدث عن اتصاله بالخليفة؛ إذ إن هذا الاتصال كان من أهم
الأسباب التى دفعت به إلى القيام بهذا الشرح. يقول ابن رشد: لما دخلت على أمير
أول ما فاتحنى فيه أمير ا بعد أن سألنى عن اسمى واسم أبى ونسبى» أن
قال لى: مارأيهم فى السماء - يعنى الفلاسغة- أقديمة هى ل حادثة؟ فأدركنى

الحياء والخوف وأخذت أتعلل وأنكر اشتغالى بعلم الفلسفة» ولم أكن أدرى ما قرر
معه ابن طفيل. ففهم أمير المؤمنين منى الروع والحياء؛ فالتفت إلى ابن طفيل وجعل
يتكلم على المسألة التى سألنى عنها ويذكر ما قاله أرسطو وأفلاطون وجميع
الفلاسفة؛ ويورد مع ذلك احتجاج أهل الإسلام عليهم. فرأيت منه غزارة حفظ لم
تكلمت؛ فعرف ما عندى من ذلك".
هذه هى القابلة التى كانت بداية لقيام فيلسوفنا ابن رشد بشرح أرسطو.
فكتب التاريخ والتراجم تخبرنا أن أمير المؤمنين قد أراد قراءة أرسطو؛ بيد أنه كان
؟- إعجابه بأرسطوء والدعوة منهج جديد فى دراسة فلسفة ابن رشدة
المنهج الجديد الذى ندعو إليه هو ضرورة الرجوع إلى شروحه على أرسطو.
ويجب علينا معشر المشتغلين بالفكر الفلسغى العربى عدم الاقتصار على مؤلفات ابن
رشد التى لا تمثل عندنا غير جائب تقليدى من فلسفته. أما إذا أردنا الغوص وراء
ذلك أن المتتبع لهذه الشروح يجد أنها قد تمضئت أهم وأكثر عناصر فلسغته, فطامنا
() العجب فى تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشسى ص 142-147 وأيضا:
©) عبد الواحد المراكشى: المعجب ص 142