المنكر هو فى دائرة البرانى ؛ أنكر حالى حين لم
يرانى وبالزندقة سمّانى وبالسوء رمانى .
وصاحب لدائرة الثانية ظنتّى العام الربانى .
والذى وصل الى دائرة الحقيقة سّانى ؛ وغاب عن
على .
الغياب ؛ إذن ؛ هو منتهى السير فى طريق المعرفة ؛ وغاية السلوك فى غمار
لم يكن الحلاج مترّداً فى إقدامه على الغوص فى بحار التحقيق الصوفى +
لكنه مالبث أن احتار -هو نفسه - بعدما لاحت له اللآلئ فى قيعان تلك البحار .
اشتهى الخروج من الدنيا وصرّح برغبته فى الموت ؛ يعود يوم نطقوا بإعدامه
بعد المحاكمة (الهزلية) التى عقدت له؛ ليقول لقضاته : ظهرى حمى ؛ ودمى
حرام ؛ ولايحق لكم أن تتأوّلوا عل بما يُبيحه. واعتقادى الإسلام ؛ ومذهبى
ثم يعود ؛ بعدما تيقّن من موته ؛ ليناجى ربه فى آخر أيام مقتله ؛ فيقول ضمن
وهو يصرح فى شعره بألفاظ : الحلول ؛ والمزج .. فيخاطب رب بقوله :
أت بين التّعَافِ والقتب تجرى
مثل جَرى النُمُوع من أجانى
كحلول الأرواح فى الأَبّدَان»
وبقوله :
تمزج الخمرةٌ بإلماء لزلال»
لكنه لايلبث بعدها أن ينقض ما أقامه ؛ ويمحو ما أثبته ؛ فيقول بعبارة لاتحتمل
التأويل: من ظننٌ أن الألوهية تمتزج بالبشرية ؛ فقد كفر» .. ويقول : إن معرفة
وقد لفتت حيرةٌ الحلاج انتباه كبار الصوفية الذين أتوا من بعده ؛ أعنى أصحاب
رسالته .. وتعاطف بعضهم مع حيرته ؛ وتفهّمها ؛ وتبنّى الدفاع عن الحلاج ؛
وهو مائراه فى كلام عبد القادر الجيلانى ©.. وبعضهم اعتبره من أهل البدايات
القلقة ؛ وهو ما نراه فى كتاب التجليات لمحيى الدين ابن عربى الذى استدعى
فيه الصوفية السابقين عليه ؛ ومنهم الحلاج الذى وج له ابن عربى لوماً شديدا
فى حوار تخييلىٌ منه قول ابن عربى للحلاج : لِمَ تركت بيتك يخرب ؟!
بثلاثة قرون ؛ صوفياً شهيراً وشاعراً بديعاً هو ابن الفارض سيقول فى مطلع
إحدى قصائده الصوفية المشهورات:
زدٌى بفرط
وارحم حشا بلظى هواك ترا
(0112600/.600م.لمملقلا 165100 لان 010 لماعة آم اثلا 0168160 ]0ط
(ج) المجاهد
كان الجهاد بمعنييه المباشر والمجازى ؛ تجلياً من تجلّيات الحلاج الكثير:
فقد جاهد الحلاج فى مراحل من حياته ؛ وفقاً للمعنى المباشر لمفهوم الجهاد إذِ
ارتحل فى شبابه إلى الأطراف الشرقية للعالم الإسلامى ؛ ورابط هناك فى
رابط الحلاج فى ثغور الإسلام المتاخمة للهند .. كما كان له تجلا جهادئ آخر»
مناوئة للحكم العباسى فى بغداد .
وعلى المستوى الأعمق للجهاد ؛ أو ما يعرف فى الآداب الإسلامية والتقاليد
الصوفية بجهاد النفس (وهو الجهاد الأكبر) كان الحلاج مبالغاً فى جهاده .
ولنتأمل ما رواه عنه الصوفى الشهير أبو يعقّوب النهرجورى :
دخل الحسين بن منصور الحلاج مكة؛ فجلس فى
صحن المسجد لايبرح من موضعه إلا للطهارة
أو الطواف؛ لايبالى بالشمس ولا بالمطر ؛ فكان
جوائبه أربع عات ويشرب»* .
وللحلاج تجلياتٌ أخرى ؛ فهو يظهر أحياناً فى التراث القديم بمسوح الرافضى
أو بثياب الرافض للسلطة .. ويظهر لدارسى التراث والأذب الصوفى
باعتباره علامة فارقة فى تاريخ التصوف ؛ وحلقة مهمة فى تطؤر النصٌ
الصوفى» .. بل يبدو أحياناً كعنوان للزندقة والكفر ؛ إذ نُظر إليه بعين بعض
فى المسرحية التى استلهم فيها صلاح عبد الصبور شخصية الحلاج ؛ أو
بالأحرى : أعاد بعثه فى الأدب المعاصر ؛ مستحضراً إياه من خلف القرون ..
يتجلّى لنا الحلاج فى صورة شديدة الخصوصية ؛ ترجع خصوصيتها لصلاح
عبد الصبور بأكثر مما ترجع للحلاج نفسه ! فقد عاصر صلاح عبد الصبور
السياسية بأردية متفاوتة الألوان ؛ أشأّها وضوحاً لون الكبت .
وفى زمن الكبت ؛ يلجاً الأدباء دوماً للرمز والاستخفاء وراء منارات المجاز
المراوغة ؛ والقول عبر الآخر ؛ والتصريح التخيلى بمكنون الذات .. وذلك ما
فعله صلاح عبد الصبور حين كتب مأساة الحلاج التى هى فى واقع الأمر تعبينٌ
عن أزمة صلاح عبد الصبور ومأساته الخاصة ؛ أكثر من كونها تعبيراً عن
رأى صلاح عبد الصبور فى الحلاج شاعرا ؛ لأنه كان يعتقد بشكلٍ خاصً أن
الخلاص قد يكون بالثتّعر .. والتتعرّ هو طريق صلاح عبد الصبور ؛ فليكن
الحلاج -إذن- معادلا للشاعر ؛ ومعبّرآً عن صوته الشعرى المضطر للتخقى .
تمام الرضا .. وهى إشكالية دفينة فى طيَّات نفسه ؛ جعلته يرى فى الحلاج -
وفق الصور التعريفية التى أوردها فى تذييل المسرحية - هو الذى :
عاد إلى بغداد ليعظ ؛ ويتحدث عن مواجده .. يبث الآراء
الإصلاحية ؛ ويتّصل ببعض وجوه الدولة .. وهو : المجاهد
الروحى العظيم .
ويجتهد صلاح عبد الصبور فى إثبات الصورة الإصلاحية - التى يتمناها هو -
للحلاج؛ فيقول فى تذييله للمسرحية :
وفى مقال ماسينيون © إشارةٌ إلى الدور الاجتماعى للحلاج فى
محاولته إصلاح وقع عصره .. والإشارة للدور الاجتماعى
للحلاج نجدها فى المراجع العربية القديمة .. الحلاج كان
ولكى تتأ صورة المصلح الاجتماعى التى يتمازج فيها صلاح عبد الصبور
مع الحلاج؛ ويتداخلان ؛ كان لابد من إلباس الحلاج ثوباً سقراطياً يعكس مزاج
لاح عبد الصبور وصورة الشاعر / البطل ؛ عنده .. فسقراط الذى أقبل عذ
الأخير -وهو ما عبِّر عنه أفلاطون ؛ بروعةٍ ؛ فى محاورة : فيدون -هو الذى
يفرض نفسه على الصورة الحلاجية المتجلية على مرآة صلاح عبد الصبور ..
فالحلاج عند عبد الصبور ؛ يقول :
- مثلى لا يحمل سيفاً .
لا الى حمل البنيف وَلكَنَى
أخشى أن أمشى به +
والعامة ؛ تقول على لسان صلاح عبد الصبور فى ابتداء المسرحية :
- قل لى ؛ ماذا كانت تصبح كلماته
ولايستثنى صلاح عبد الصبور المجتمع من جريرة مقتل الحلاج ونهايته
المفجعة ؛ فيقول تأكيداً للصورة الاجتماعية ؛ على لسان المجموعة :
الأجهرّ صوتاً والأطول
صحنا : زنديق .. كافر
الأجهر صوتاً والأطول
يمضى فى اص الأول
ذو الصوت الخافت والمتوانى
وكان من الطبيعى لإثبات هذه الصورة (الإصلاحية) للحلاج ؛ أن يِحقَدُ
صلاح عبد الصبور من التجِلّى الصوفى للحلاج .. فيورد فى مسرحيته ؛ على
لسان أحد الصوفية ؛ القول الآتى:
< فل نوه من لبيك حديث الحب #
لا ؛ بل من أجل حديث القحط