ابن خلدون فإننا نلاحظ النقلة الكبيرة التي أحدثها الفكر الخلدوني سواء من حيث المنهج أو
المحتوى؛ لقد كانت الطرائق البحثية المتبعة عادة لاتخرج إما عن مجرد الوصف الخالص
للظاهرة دون تعرض لتحليلها وتفسيرها واستخلاص ماهي عليه من روابط وعلاقات؛ أو
الدعوة إلى ماينبغي أن تكون عليه هذه الظواهر!'؟ لكن الفكر الخلدوني أعتمد أو بعبارة أدق
على محليل الظواهر كما هي(18 88) واستخراج مامحتويه من علاقات وروابط وأهمية هذه
الطريقة لاتخفى على أحد؛ ويكفي أن نشير إلى أن افتتان العلماء بها وصل إلى حد ربط
إنشاء العلوم بوجودها!") ولايقلل من ذلك مالنا من مخفظ على هذه المقولة.
فإذا ماجمنا إلى المحتوى فإن القارىء لمقدمة ابن خلدون يجدها قد احتوت على كم ضخم
من الآراء الاقتصادية في قضايا تعد القضايا الأم في الدراسات الاقتصادية من استهلاك
لإنتاج لقيمة لتبادل لتوزيع لاقتصاد عام لنمو اقتصادي لسياسة اقتصادية لغير ذلك
() الاعتبار الثاني وراء أهمية هذا البحث يتمثل في عدم توفر دراسات اقتصادية معاصرة
للمقدمة على مستوى مافيها من فكر. وهنا مدر الإشارة إلى بعض الملاحظات :
أ إن الفكر الخلدوني خدم خدمة جليلة على مستوى علم الاجتماع وكذلك على
مستوى علم التاريخ وفلسفته؛ حيث قدمت أبحاث وقامت دراسات علمية رصينة تتجاوز
الحصر تتناول ما في المقدمة من معلومات علمية اجتماعية وتاريخية؛ وقد استطاع هؤلاء
©١( لقد أشار ابن خلدون نفسه إلى ذلك في مقدمته. الناشر المكتبة التجارية د. على عبدالواحد وافي ابن خلدون
أول مؤسس لعلم الاجتماع أعمال مهرجان ابن خلدون. القاهرة نشر المركز القومي للبحوث الاجتماعية
7 ص 13 ومابعدها د. حسن الساعاتي المنهج العلمي في مقدمة ابن خلدون من أعمال المهرجان ص
د. علي أحمد عيسى نهج البحث العلمي عند ابن خلدون على أعمال المهرجان ص 101 مابعدها د. أحمد
الخشاب التفكير الاجتماعي القاهرة دار المعارف 14170 ص ؟/ ومابعدهاء
د. صلاح قنصوة؛ فلسفة العلم» القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر» ص 4 * ومابعدها.
د. أحمد الخشاب علم الاجتماع ومدارسه؛ الكتاب الثاني القاهرة مكتبة الأمجلورص 17 . د. محمد عبدالمنعم
نوره ابن خلدون كمفكر اجتماعي عربي من أعمال المهرجان ص ١١ ابن عمار الصغير التفكير العلمي عند
ابن خلدون مرجع سابق ص */ا+
العلماء من خلال هذا الكم الهائل من الدراسات أن يتوصلوا إلى قناعة علمية من أن ابن
خلدون هو مؤسس علم الاجتماع كما أنه مؤسس علم فلسفة التاريخ» أما أنه رجل اقتصاد
ناهيك عن كونه منشيء علم الاقتصاد فقلما يرد ذلك على ذهن القارىء؛ رغم أن مخليل
المقدمة يين أن مافيها من عطاء اقتصادي لايقل بحال ماعما فيها من عطاء اجتماعي أو
ب إن المقدمة لم تغفل كلية من دراسات اقتصادية؛ فهناك في هذا الصدد دراسات
لاترقى من حيث الكم ولا من حيث الكيف إلى نظائرها الاجتماعية.
والدراسات أحدهما يضم أعمال مهرجان ابن خلدون والثاني يضم أعمال ندوة «ابن خلدون
والفكر العربي المعاصر»!'؟ لانكاد نعشر فيهما مما على شيء ذي بال في المجال الاقتصادي»
حتى أن الكتاب الفذ «دراسات عن ابن خلدون»”"؟ للأستاذ ساطع الحصري لم يتضمن -
على ضخامته إلا النزّر اليسير من الفكر الاقتصادي الخلدوني الذي لم يتجاوز مجرد
إشارات كلية سريعة إلى نظريته في السكان وفي النشاط الاقتصادي للدولة. كما يلاحظ
مت عناوين غير اقتصادية. ومع تقديرنا الكامل لها وإيماننا بأهمية مثل تلك الدراسات إلا
اقتصادية جادة لبعض الجوانب الاقتصادية في المقدمة منها على سبيل المثال لا الحصر بحث
الدكتور عبدالرحمن يسري «مساهمة ابن خلدون في الفكر الاقتصادي»”"؟ وبحث للدكتور
حسين جم الدين «مساهمة ابن خلدون في نظريتي الأثمان والتجارة الدولية؛*؟ وماقدمه
١و نظمت هذه الندوة المنظمة العربية للتربية ١
() نشر مكتبة الضاجي بالقاهرة 143 .
(©» منشور بمجلة كلية التجارة جامعة الأسكندرية العدد الثاني السنة الخاسة عشر 1498
(4) منشور بمجلة كلية الشريعة جامعة الإمام بالرياض **187 +
والعلوم في تونس عام 14/0 ونشرت أعمالها الدار العرية.
(©) الاعتبار الثالث وراء أهمية هذا البحث أننا منذ سنوات عديدة نحث الخطى نحو بناء
وتشييد علم اقتصاد إسلامي» ولاشك أن من أهم مقومات ذلك ومتطلباته قيام العديد من
الدراسات العلمية الناقدة لما خلفه سلفنا من العلماء في المجال الاقتصادي إذ إن ذلك يمثل
القواعد والأدوار الأولية في البنيان الفكري الاقتصادي؛ وهل قام علم الاقتصاد في الغرب إلا
على أكتاف العديد من رجالاته عبر العصور الماضية؟؟ إضافة إلى ذلك ماهو معروف من أنه
في الكثير الغالب من الحالات يمكن لنا أن نستفيد عملياً في مواجهة بعض مشكلاتنا من
خلال ماقدمه سلفناء
هذه بعض الاعتبارات التي لمثل هذا البحث أهمية تستحق مايبذل فيه من عناء
ونحن من وراء ذلك نستهدف محقيق بعض الأهداف والتي منها توضيح وتفصيل ما أجملة
التقويم والمراجعة؛ ثم اكتشاف واستخراج آراء ومسائل اقتصادية في المقدمة لم يشر إليها من
قبل فيما اطلعت عليه ولتحقيق تلك الأهداف فإن على البحث أن يجيب على هذه
الاقتصادية على مستوى التحليل والنظرية وعلى مستوى المذهب والسياسة؟ وماذا عن منهجه
العلمي وخصائص فكره ومصادره؟ وماهو الجديد الذي أضافه على الفكر الاقتصادي
أ التأكد ما عليه كتاب تاريخ الفكر الاقتصادي الوضعي من مميز وتعصب ذميم.
+148 ضمن كتابة «نظريات النمو والتدمية» مطيعة جامعة الملك سعود الرياض ١
منهج البحث :
ابن خلدون من الشخصيات الإسلامية القليلة لقي أثارت الفكر حولها أبلغ الإثا,
فهناك في الماضي والحاضر المعجبون إلى حد الافتتان والانبهار» وهناك الناقدون
الساخطون إلى أقصى درجات النقد وألوان السخط”'؟ وأعتقد أنه قد لحق بهذه المواقف
عناصر عديدة من الإفراط والتفريط . ولا أخفي أنني أكن لابن خلدون رحمه الله كل تقدير
وإعجاب» وتعتبر مقدمته من أكثر كتب التراث الاقتصادية التي لا أمل من مداومة الرجوع
والملاحظ أن مقدمة ابن خلدون تتسم بسمة قلما يقسم بها كتاب بشري آخرء وهي أن
قيمتها العلمية تزداد ولاتنقص كلما ارتقى فكر القارىء لها وتعمقت حصيلته العلمية؛ وقد
عايشت ذلك بنفسي ويشاركني هذا الاعتقاد الكثير من الباحثين الذين درسوا المقدمة ومنهم
ولاشك أن موقفاً مثل هذا مشحون بالعواطف المشبوبة يحتاج إلى منهج بحثي صارم وإلى
قدر هائل من الضوابط التي محقق الموضوعية في البحث ولانتركه في مهب هذه العواطف
بالفكر الاقتصادي المعاصر كأساس للتقويم» فالفجوة الزمنية جد متسعة والفجوة العلمية أكثر
ارة ونزعم
)١( د. محمد عبدالمنعم نور مرجع سايق ص ١١١ وبابعدها ساطع الحصري مرجع سايق ص 531 ومابعدماء
د. علي عبدالواحد وافي في دراسته التمهيدية لتحقيق المقدمة القاهرة لجنة البيان العربي سنة 1438 +
د. محمد الطالبي منهجية ابن خلدون. التاريخية من أعمال الندوة مرجع سابق ص 44 عبدالله عنان»
ابن خلدون حياته وترئه الفكري» القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر الطيعة الثلثة 1938 من 1/8
ومابعدها
() نقلاً من د. عبدالله شريط؛ الفكر الأخلاقي عند ابن خلدون؛ الجزائر: الشركة الوطنية للنشر 14776 +
حيث نحاكم ابن خلدون في محكمة عصرية وليس هو من أبناء هذا العصر حتى يحاكم
في محكمته. وإنما أن يكون أساس الدراسة والتقويم هو النظر إلى آرائه من خلال سياقها
ومن الخطأ العلمي أن يقال إن ابن خلدون أخفق في كذا وكذا مما قد عرفه أخيراً أو
حالياً الفكر الاقتصادي؛ ونفس الخطأ أن يدعي أن ابن خلدون قد كشف عن كل جوانب
الظاهرة الاقتصادية مثلما هو معهود لنا الآن -
والرأي عندي أن ابن خلدون كانت له عقلية علمية فذة هيأت له ومدته ة في
الظواهر الاقتصادية؛ استطاع في بعضها أن يتعرف على مختلف جوانبها كما تعرف عليها
الفكر اللاحق له وربما أكثر وفي بعضها الثاني اقتصر إدراكه على بعض جوانبها. وفي
بعضها الثالث لم يتمكن من التعرف الصحيح عليها وفي بعضها الأخير لم يتطرق لها ولم
«فإن كنت قد استوفيت مسائله وميزت عن سائر الصنائع أنظاره وأنحاءه فتوفيق من الله
وهداية وإن فاتني شيء في إحصائه وأشتبهت بغيره فللناظر الحقق إصلاحه ولي الفضل لأني
نهجت له السبيل وأوضحت له الطريق ( ص * 4 ) ويقول أيضاً: «وقد استوفينا من مسائله
ماحسبناه كفاية؛ ولعل من يأني بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين يغخوص من
مسائله على أكثر مما كتبناة ( ص 6//8).
وهكذا مجده في بعض أعماله لم يقف عند الجذور والبذور بل قدم نبتة كاملة؛ وفي
بعضها قدم بذرة؛ وترك للاحق أن يكمل عملية الغرس والرعاية وإذن فمن الصبيانية العلمية
أن نتصور أو ندعي أن ابن خلدون قد قال كل شيء في علم الاقتصاد المعهود لنا.
ومن الجهالة الاقتصادية أن نزعم أنه لم يقل شيعا ذا بال في هذا المجال وفي ضوء فهمنا
الحالي للمعلومة الاقتصادية نستعرض ماقدمه ابن خلدون ومن الواضح أن نوعية ومستوى
مانقدمه ماهو إلا دالة في كم ونوعية معرفنا الاقتصادية من جهة» وفي مقدار تمرينا وحرصنا
على الموضوعية والبعد عن التحيز من جهة ثانية
خلدون نفسه من جهة ثالثة.
» وكذلك في مقدار ونوعية ماقدمه ابن
هذه كلمة عن الموضوعية في دراسة المقدمة وهي - كما هو واضح - تدور حول أفضل
منهج لقراءة اللقدمة يحقق مبداً الموضوعية وقد آمنا بأنه المنهج الذي يقرؤها من خلال
كذلك من الأمور الجوهرية في المنهج مايتعلق بالمصطلحات الاقتصادية التي استخدمها
وخاصة أن الكثير منها لم يعد له وجود في القاموس الاقتصادي الحديث؛ وقد رأينا ضرورة
استخدام هذه المصطلحات الخلدونية مع بيان مايرادفها أو يقاربها من مصطلحات اقتصادية
معاصرة وحرصاً منا على محقيق أكبر استفادة ممكنة في هذا الصدد وضعنا ملحقاً بهذه
المصطلحات. كذلك من المسائل ذات الأهمية قضية النصوص وماهي عليه في الكثير الغالب
من طول من جهة وتكرار من جهة أخرى الأمر الذي يمثل صعوية أمام الباحث فهل يذكر
النص كله وإن طال؟ أم يكتفي بفقرة منه؟ وهل يعاد كلما تطلب الأمر ذلك أم يكتفي
ومشاركة له في الفهم والاستفادة؛ وقد يكون له من وجوه الفهم والاستفادة مايخالف
الباحث ولا حرج في ذلك* .
وأخيراً مايتعلق بأسلوب الدراسة وقد رأينا أن نستعرض أولاً ماقدمه ابن خلدون من آراء في
كل قضية من القضايا بقدر مالدينا من طاقة على الدراسة والتحليل ثم نشير إلى ماقد يكون
يقوّم بنفسه إسهام وعطاء ابن خلدون وأن يضعه الموضع الذي يراه
* اعتمدنا في بحثنا هذا على مقدمة ابن خلدون طبع المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة مع الرجوع في حالات
كثيرة إلى طبعات أخرى للتأكد من سلامة كلمة أو عبارة أو فقرة +
خطة البحث :
لا أكتم القارىء سراً من أنني وجدت صعوبة كبيرة في وضع خطة لدراسة الفكر
الاقتصاد عند ابن خلدون؛ ومرجع ذلك طبيعة المقدمة من جهة وطبيعة الدراسة الاقتصادية
من جهة أخرى. ومن نافلة القول أن نشير إلى ماهنالك من مداخل متنوعة عديدة للدراسة
الاقتصادية منها مايسير على النهج الجزئي والكلي ومنها مايسير على النهج التحليلي
والسياسي والمذهبي ومنها مايتبع النهج الموضوعي مثل الاستهلاك و الإنتاج والتوزيع
وقد وجدت أن أفضل مدخل للدراسة هو المدخل الموضوعي» وفي داخل كل موضوع
نتعرف على مافيه من مخليل نظري أو سياسي مع إضافة مبحث عن المنهج عند ابن خلدون
ومبحث عن المقابلة بينه وبين رواد علم الاقتصاد الغربي.
وبذلك تقوم خطة البحث على المحاور التالية :
)١( البعد المعرفي: و يشمل الإنسان وحاجاته والاستهلاك ثم الإنتاج ومجالاته ثم القيمة
والتوزيع لم الدخل القومي والتنمو الاقتصادي ثم الاقتصاد العام
)١( البعد المنهجي: ويتناول منهج البحث عند ابن خلدون وخصائص فكره ومصادره.
(7) البعد المذهبي : ويتناول محديد هوية ومذهبية الفكر الاقتصادي لاين خلدون رهل هو
إسلامي أم رأسمالي أم اشتراكي.
(4) البعد المقارن : ويتناول مركز ابن خلدون بين رواد الفكر الاقتصادي الوضعي+
(5» وقبل ذلك كله رأينا أن نعرّف بابن خلدون وبواقعه بإيجاز دون توسع مع إدراكنا
لأهميته لكن عذرنا في ذلك أن له مواطن أخرى لدى علماء التاريخ والتراجم.
مع عنوان البحث :
لقد ترددت طويلاً أمام العنوان المختار للبحث؛ وقد تزاحمت على الخاطر عناوين عديدة
ومبعث تلك الأفضلية مافيه من قدر كبير من الإثارة الفكرية إضافة إلى مايقوم عليه من
موضوعية كأكمل ماتكون ثم مافيه من دلالة قاطعة على مايود البحث أن يثبته والباحث
يدرك تماماً موقف المهتمين من هذا العنوان والأبعاد التي يتراوح بينها من تأبيد مطلق
لاستخفاف يصل إلى حد السخرية.
ونحب أن نسجل هنا بعض الملاحظات وهي :
)١( أننا سبقنا إلى هذا العنوان أو مرادفه من أحد كبار الاقتصاديين المصربين المعاصرين
وهو الدكتور / محمد حلمي مراد حيث قدم بحثاً في المهرجان
خلدون» كما أن أخواننا علماء الاجتماع قد سبقونا على كثرة منهم في القول بأن ابن
خلدون هو مؤسس علم الاجتماع قاصدين به مضمونه العام الذي يندرج فيه علم الاقتصاد.
هذا بالإضافة إلى ماسبق أن قدمه في رسالته د/ محمد نشأت بعنوان «رائد الاقتصاد ابن
يعنوان «أبو الاقتصاد ابن
)١( علينا أن نستحضر جلياً في الذهن معنى ومضمون مصطلح «مؤسس» وأن نفرق بينه
وبين مصطلح «بان» أو «محلل» أو «مشيد» أو «مطور» . نحن ندعي أن ابن خلدون مؤمس
لعلم الاقتصاد وعلينا إثبات هذه الدعوى بالإسلوب العلمي السليم. أما عمليات التحليل
والبراعة فيها والبناء النظري واستكمال المسائل والاستطراد في تعقبها وتطوير الأدوات
ينقص ذلك من كونه مؤسساً للعلم شيئاً. وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون بشكل صريح
لله بفكر صحيح وعلم مبين يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا. فليس على مستنيط
الفن إحصاء مسائله؛ وإنما عليه تعيين موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه» والمتأخرون
تلك المقولة العلماء المعاصرون حيث نادوا بأنه يكفي في تأسيس العلم أن يكون هناك تصور
واضح لموضوع العلم؛ وإيمان بوجود قوانين حاكمة لموضوعه؛ ثم اكتشاف بعض هذه
القواتين ا .
(©) علينا أن نعي إمكانية الاشتراك في تأسيس العلوم» بل إننا نجد في الكثير الغالب أن
تأسيس العلم قام به عدة أشخاص كل شخص قام بتأسيس جانب أو ركن أو أكثر من أركان
العلم؛ ويحدث التفاضل عندئذ بالسبق الزمني من جهة وبمقدار الإسهام وأهميته من جهة
أخرى. وفي ضوء ذلك فليس لدينا مائع من قبول مقولة اشتراك أكثر من شخص في تأميس
علم الاقتصاد.
(4) وإمتداداً لما ذكر فى الفقرة السابقة علينا أن نعي الحقيقة الكبرى في نشأة العلوم
وظهورها والتي تتمثل في كونها الاتظهر فجأة» وإنما تمر بفترة مخاض ومعاناة فكرية حتى
تتبلور معانيها فتتضح في الأذمان معالمها وتتهياً الأسباب لتدوينهاء ثم هي بعد ذلك في
نموها وازدهارها خاضعة لقانون التطور والتدرج؛" .
وفي النهاية مجدر الإشارة إلى ما يكتنف الكتابة في تاريخ الفكر_ أي فكر- من صعوبات
تصل في ضخامتها إلى الحد الذي يجعل الكثير من الكتاب يعزف عن الكتابة في هذا
الفرع. ومن هذه الصعوبات ما يرجع إلى تغاير الواقع بتطاول الزمن» ومنها ما يرجع إلى تغاير
اللغات والمشاهيم» ثم صعوبة استجلاء مقصود المؤلفء. ورحم الله من قال : «والماريخ
الفكري مركب صعب وطريق وعرة ملتوية؛ لأن المؤرخ لهذا الجانب فوق أنه يعبر القرون»
ويثب وثبات فسيحات في أحشاء الماضي السحيق باحثاً عن فكرة والأفكار والنوايا محلها
الشقة واستطال الزمن»!".
)١( ساطع الحصري» مرجع سابق ص 178 د. محمد دويداره تاريخ الفكر الاقتصادي؛ الأسكتدرية: دار الجاممات
(7) د. عبدالوهاب أبو سليمان» الفكر الأصولي دراسة مليلية نقدية؛ جدة: دار الشروق؛ الطبعة الثانية مص *7+
(©) هذه العبارة لأخي المرحوم الدكتورا سليمان دنيا من كتايه «الحقيقة في نظر الغزالي» القاهرة ؛ دار المعارف
الطبعة الثالثة ص ١ +