تصدير
بقلم: د. عاطف العراقى
أستاذ الفلسفة العربية
يحتل المعتزلة فى تاريخ الفكر الفلسفى الإسلامى مكانة كبيرة؛ فهم
أفضل فرقة كلامية. وقد كثرت البحوث والدراسات حول المعتزلة؛ تاريخها ,
الحركة الفلسفية العربية... إلى آخر البحوث والدراسات التى تتعلق بالفكر
الفكرة أو تلك من الأفكار التى يتصدى للبحث
فيها؛ بالإضافة إلى أن كثرة البحوث حول موضوع من موضوعات الفكر بوجه
عام؛ إنما تؤدى إلى إثراء الحركة الفكرية الفلسفية.
من أصول المعتزلة. موضوعاً لبحشها لدرجة الماجستير معهد الدراسات
إن أصل العدل عند المعتزلة يعد من أهم الأصول التى قالت بها الممتزلة,
فكلنا يعلم أن المعتزلة قالوا بخمسة أصول؛ هى: التوحيد والعدل والوعد
والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وإذا كان
الأصول؛ إلا أن أصل العدل, بالإضافة إلى أصل التوحيد يعتبران أهم أصلين
من الأصول الخمسة.
لقد تفرعت عن أصل التوحيد مجموعة من المسائل والمشكلات؛ من
أبرزها موضوع رؤية الله تعالى؛ والصفات الإلهية؛ وخلق القرآن. وهذه الفروع
جعلت لأصل التوحيد أهميته الكبرى من بين أصول المععزلة.
ويقال هذا عن أصل العدل عندهم؛ إذ أن المعزلة هم أهل العدل
اعتبارنا صلة موضوعات أصل الترحيد بالعديد من المجالات التى مازلنا نبحث
فالباحثة هام حين اختارت لدراستها أصل العدل, إنما كانت على وعى
تام بأهسية هذا الأصل قدياً وحديثاً. وما يقال الآن عن قضية الأصالة
المشكلات التى تفرعت عن أصل العدل بصفة خاصة.
اعتبارنا أن هذه الدراسة هى أول دراسة تقوم الباحثة بكتابتها »
أسباب اختيارها لأصل العدل عند المعنزلة. وخصصت الفصل الأول بأقسامه
العديدة لدراسة مدى أهمية المعتزلة كفرقة إسلامية وعلاقتها بالفرق الأخرى»
وحللت أهمية المصدر الدينى الإسلامى فى تشكيل وجهات نظر المعتزلة.
وانتقلت إلى الفصل الغانى؛ وقد ركزت فيه على دراسة مشكلة هامة من
المشكلات التى ما زالت لها أهميتها فى عصرنا الحديث؛ وهى مشكلة القضاء
والقدر أو الجبر والاختيار, أى مشكلة الحرية بوجه عام.
وصلت إلينا من تراثهم؛ بدراسة هذه المشكلة وقد استطاعت الباحثة تحليل
الحجج الشرعية والحجج العقلية على القول بحرية الإرادة عند المعتزلة. وقارنت
بين موقف المعتزلة وموقف الأشاعرة, إذ نجد خلافاً كبيراً فى الرأى بين المعزلة
والأشاعرة؛ وخاصة إذا وضعنا فى اعتبارنا أن الأشاعرة رغم قولهم بالكسب فى
تدلنا على ميلهم إلى الجانب الجبرى أساساً. وقد أدرك ذلك القاضى عبد الجبار
المعتزلة فى كتابه المفنى فى أبواب التوحيد والعدل. يفا
أما الفصل الغالث فقد حاولت فيه الباحشة دراسة أدلة المعتزلة على وجود
الله تعالى من خلال قولهم بالعدل وما يرتبط به من القول بغائية الطبيعة
واثبات العناية الإلهية التى تسود العالم كله سمائه وأرضبة
ونظراً لوجود صلات وثيقة بين قول المعتزل بالعدل. وهر أصلهم الشانى»
والقول من جانيهم بالوعد والوعيد؛ أى الشواب والعقاب؛ أو الجنة والنارء فى
الأصل الشالث من أصولهم؛ فقد رأت الباحثة تخصيص الفصل الرابع والأخير
من كتابها لدراسة الوعد والوعيد من خلال علاقته بأصل العذل عندهم.
وقد ذكرت الباحشة أيرز النتائج التى أمكنها التوصل إليها من خلال
هذا الكتاب بوجه عام إنما يعد معبراً عن محاولة اجتهادية من جانب
الباحشة وكم يشير من قضايا ومشكلات يمكن أن تكون مجالا للعديد من
الدراسات مستقبلاً من جانب عدد كبير من الباحثين.
صحيح أن الباحثة لم تركز فى كتابها على بيان الجوانب السلبية فى فكر
المعتزلة؛ ولم تعول على مراجع أجنبية كثيرة؛ ولم تدرك بعض الفروق الدقيقة
بين فكرة؛ والفكرة الأخرى من الأفكار التى قال بها المعتزلة. إلا أن هذا لا يقلل
كثيراً من أهمية كتابها ؛ فأسلوبها واضح يدلنا على تفهمها لجوانب كل مشكلة
من المشكلات التى تدخل فى إطار أصل العدل عند المعتزلة.
والنشره ونرجو أن تواصل دراساتها مستقيلاً فى مجال علم الكلام بصفة
خاصة. ومجالات الفلسفة العربية بصفة عامة؛ وأن تضيف إلى الدراسة
التأليفية؛ الاهتمام بنشر العديد من المخطوطات التى تتصل بالفكر الاعتزالى
من قريب أو من يعيد.
والله هو الموفق للسداد.
عاطف العراقى
تقديم
تقثل المعتزلة فى تاريخ علم الكلام أهسية كبيرة؛ فهى رائدة الفكز
والبحث فى مسائل تهم قضايانا الدينية والاجتماعية.
وا حقيقة أن المكتبة العربية لا تزال فى أشد الحاجة إلى الدراسات
المختلفة. وأن توجيه الجهد لهذه الفرقة سيكشف لنا ليس فقط عن مذاهب أو
رجال خدموا الدين بعقولهم وبقلوبهم؛ بل سيدلنا على أنماط متعددة من السلوك
الإسلامى العربى الأصيل والجهاد العلمى الدينى الصافى.
ونحن بتعرفتا على أهل الفكر وخاصة المتكلمين منهم ؛ إغا نرمى إلى بيان
أصالة الفكر العربى الإسلامى من جهة وأثر هذا الفكر فى بعث نهضة فكرية
عالمية من جهة أخرى. بحيث يتبين لنا مختلف العوامل التى ساعدت على إثرا ء
تاريخ الفكر البشرى. ونكون بذلك قد أبرزنا حلقة غالية من سلسلة النتتاج
الفكرى أسقطها بعض المتعصبين من تناولوا الحقنائق العلمية دون تقدير
للإنصاف العلمى الخالص.
والمعتزلة وهم أصحاب مدرسة فكرية كبيرة سيرة ومذهبا تسفر عن أصالة
فى الفكر تستحق من الباحث كل اهتسام وتقدير؛ ونحن إذ نبحث فى أصل
العدل عند المعتزلة لا نكشف الغطاء عن مدرسة إسلامية لها مكانتها واثرها
الطيب فئ النفومن فحسب؛ وإما نتعرف على فكر عربى أصيل ساهم فى بتاء
صرح الحضارة العربية التى كانت مصدرا ثمن مصنادر نهضة العلم عامة وأوريا
ولقد أشرت فى مقدمة البحث إلى أهمية أصل العدل عند الممجزلة؛ لأنه
العالم. وقالوا إن الله لا يريد الشر ولا يأمر به؛ وقالوا إن الله لم يخلق أفعال
فعل الخير وبعاقب على فعل الشر.
وفى الفصل الأول عرفت المعتزلة وأهميتها وعلاقتها بالفرق الإسلامية
النقل كلية؛ ولأن القرآن الكريم نفسه قذ أعلى من شأن العقل وجعله مناط
المسئولية الإنسانية وذم أولتك الذين لا يعقلون وجعلهم شرا من الدواب؛ كما
أنها واكبت تطورات المجتمع الإسلامى فى مختلف أطوارهاء
وكانت تهتم بالجانب العملى السلوكى من الحياة. وأهمية المصدر الدينى
الإسلامى فى تشكيل وجهات نظرها؛ ولقد اهتمت بالتأويل فى الآيات القرآنية
المتشابهة لكى يتماشى مع قولها بالعدل الإلهى.
وفى الفصل الشانى تناولت مشكلة القضاء والقدر عند المعتزلة وأهمية
ارتباط بحث هذه المشكلة بأصل العدل عندهم؛ كما أنها تعد من أهم نظريات
العدل المعتزلى لأنها تتضمن باقى النظريات التى تفسر صلة الله بالإنسان.
كما أوردت الحجج الشرعية عند المعُعزلة للبرهنة على حرية الإرادة
الإنسانية وأنها كانت تدور حول فكرة الشواب والعقاب. وردود الأشاعرة, كذلك
الحجج العقلية وردود الأشاعرة؛ وقولهم بالاستطاعة قبل الفعل؛ وقولهم بالفعل
المتولد (الصلة بين السبب والمسبب). وقد بينت مذهب الأشاعرة أنه مذهب
جبرى لأنه يوافق ويقارب مذهب المجبرة فى أقوالهم؛ وقولهم بالكسب وهو قول
غريب؛ والاستطاعة عندهم مع الفعل (المعية) أو بعد الفعل فهم لا يجعلون
قوله تعالى: « لا يسثل عما يفعل وهم يسئلون 4
كما أوضحت مقارنة بين موقف المتزلة وموقف الأشاعرة فى بعض
القضايا الاجتماعية التى تدور حول القضاء والقدر؛ وبينت أثر القول بحرية
الإرادة على فلاسفة الإسلام؛ وكان فيلسوفنا هو ابن رشد الذى يؤمن بحرية
الإرادة الإنسانية ولكنها مقيدة بالسببية (العلاقات الضرورية بين الأسباب
والمسببات) والعتاية والحكمة الإلهية.
أما الفصل الشالث: وهو الأدلة على وجود الله تعالى وصلتها بأصل
العدل عند المعتزلة. فقد أوضحت فى هذا الفصل إثبات الحكمة الإلهية وإثبات
الغائية من خلال قولهم بالعدل الإلهى والقول بالعناية الإلهية كدليل على وجود
الله تعالى.
كذلك أوضحت أدلة المعغزلة غلى غائية الطبيعة كدليل على وجود الله.
وأثر تلك الغائية الطبيغية على مذاهب فلاسفة الإسلام؛ وكان مثلنا
أما الفصل الرابع: أصل العدل عند المعتزلة والقول بالوعد والوعيد فقد
بحرية الإرادة الإنسانية ثم ختمت بحثى.
وإننى فى مقدمتى هذه أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الاكتور عاطف
العراقى أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة والمشرف على
هذا البحث لما بذله من جهد معى فى إخراجه إلى حيز الوجود فلقد كان نعم
المشرف والأستاذ.
كا أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للسادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة
لتفضلهم بقبول مناقشة تلك الرسالة.
واللّه ولى التوفيق ١
هائم إبراهيم يوسف
الفصل الاول
أولا؛ تعريف المعتزلة.
ثانيا أهمية المعتزلة كذرقة إسلامية
ثالثا؛ أهمية المصدر الديثى الإسلامن
فى تشكيل وجهات نظر المعتزلة.
على الرغم من كثرة الدراسات ع . المعتزلة كفرقة من الفرق الكلامية الإسلامية؛ إلا
أثنا لا جد دراسة متكاملة عن أهم أصل من أصول المعتزلة وهو أصل العدل الذى اهتم به
لاأستطيع أن أزعم أننى قد نجحت كل النجاح فى هذه المحاولة المتواضعة. فالطريق مازال
ممندا أمام الباحثين؛ وحسبى أننى قد بذلت غاية جهدى فى استغلال المصادر والمراجع
اثنين فقط هسا: كتاب المنية والأمل «لابن المرتضى»؛ وكتاب الانتصار «لأبى حسين
الخباط»؛ هذا عدا الكتب التى ليست نصا فى مذهب الاعتزال ككتب الجاحظ مثلاء
والمغنى للقاضى عبد الجبار؛ أما بقية كتب المعتزلة الأصلية وهى كثيرة جداً كما تذكر لنا
ذلك مصادر التاريخ العربى؛ فقد امتدت لها يد الضياع إما بالحرق أو التمزيق. وكل ما
كتب عن المعتزلة بعد ذلك كتب عن ريق خصومهم؛ من الأشاعرة وأهل السنة؛ وقد شوهرا
مذهيهم لذلك؛ فهذه الكتب لم تسلم من نزعات التعصب المذهبى الذى أضاع حقيقة
تاريخية لمدرسة فكرية كبيرة بلغت من التحرر الفكرى فى أمور العقيدة مبلغا عظيما»
وعلى الرغم من كل شئ احتلت أبرز مكان فى تاريخ الحركات العقلية فى الإسلام؛ لأنها
أكبر مذهب كلامى فى الإسلام؛ فهم أصحاب الفكر الخالص القائم على الاستدلال العقلى.
وبكون وسيلة لتجديد التفكير الإسلامى لإذابة بعض الجمود الشديد الذى أطبق علينا منذ
فإذا ما حاولنا أن نخطو الخطوة الأولى فى تشييد بناء هذا البحث قلنا: هو: