مصر كما يكاد يجزم العلماء هى أقدم دولة كائنة فى العالم المعاصر .
والمقصود هنا الدولة بمفهومها القانونى , أى بعناصرها الثلاثة , أرض وشعب
سوم
فعلى مدى أكثر من خمسة آلاف عام وجّدت مصر بحدودها الجغرافية المعروفة
الأن واستمرت , وعاش على هذه الأرض شعبها وكانت لها حكومتها دون انقطاع
فى أى من حقب تاريخها .
قد يكون هناك شعوب أو قبائل عاشت فى أماكن أخرى من العالم القديم
تترك لنا ما يساعد على تأكيد تاريخها علمياً . على العكس تماماً من الحضارة
المصرية القديمة ( الفرعونية ) التى وصلت إلينا اعتماداً على نصوص موثقة
ومكتوبة سواء فى بعض البرديات أو على جدران المعابد القديمة ..
والمفكرين ويبهرهم .. ورغم كثرة ما كتب عن هذا التاريخ من علماء العالم بشتى
الجنسيات وبمختلف اللغات فإن تربة مصر مازالت خصبة للباحثين والمؤٌرخين .
والمكتبة العربية غنية بما كُتب عن مصر فى مختلف حقبها ولكنها فى الوقت ذاته
يد « مينا » موحد القطرين إلى يومنا هذا . فنجد المؤلفات عن حقب مصرية كالحقبة
الفرعونية بل وأجزاء منها أو بعض دولها ونجد تفصيل آخر فى حقب أخرى كفترة
الحكم البطلمى أو الرومانى أو الطولونى أو الفاطمى وهكذا ؛ وهى كتابات متعمقة
ومتخصصة فى فترات معينة أو فى علوم معينة .
ومن هنا نبتت فكرة هذا الكتاب ليخدم القارىٌ الذى يود الاطلاع على تاريخ
البلاد جملة واحدة دون اللجوء إلى الكتب اللتخصصة فى كل حقبة تاريخية .
كتابى الأول « موسوعة حكام مصر من الفراعنة إلى اليوم » فقد أعيد طبعه أربع
طبعات فى أربع سنوات متتالية بحمد الله ؛ وهو يكاد أن يكون سجلاً جامعاً شاملا
لحكام مصر فى جميع الحقب التاريخية التى مرت بها ؛ وهو فى مبلغ علمى عمل غير
مسبوق ؛ ومن ردود الفعل لهذا الكتاب أن طالبنى كثير من القراء بالقيام بعمل
آخر يكون سجادٌ جامعاً للتاريخ المصرى دون اسهاب أو تفصيل .
وقد رأيت أن أتعرض فيه للتاريخ العام لكل حقبة بلمحة تاريخية تضم أهم
وثيقة الصلة بالعرض التاريخى لأنها قد تكون مؤثرات أو نتائج لتلك الأحداث .
مصر والموقع الجغراق ..
تقع مصر فى الطرف الشمالى الشرقى للقارة الأفريقية ويقع جزء منها وهو شبه
جزيرة سيناء فى الطرف الغربى من آسيا وهى بذلك تكون الدولة الوحيدة فى العالم
ومساحة مصر حوالى مليون كيلو متر مربع وتشغل مساحتها شكل يكاد
يقترب من المربع المتساوى الأضلاع ينحصر بين خطى عرض ؟"؟" و١7" شمال
خط الاستواء وخطى طول 8" و/7؟" شرق جرينتش .
وتطل مصر على أعظم بحرين فى العالم هما البحر المتوسط والبحر الأحمر
وبمسافات طويلة . ويتوسط مصر نهر النيل أحد أطول نهرين فى العالم .
وقد أثر هذا الموقع الجغراف المتوسط بين أوربا والشرق وبين أفريقيا وآسيا على
تاريخ مصر أحياناً بالإيجاب وأحياناً بالسلب .
اسم مض ..
ورد اسم « مصر » هكذا فى النصوص المسمارية والعبرية والأشورية وكذلك فى
القرآن الكريم .
الأرض السوداء أى الأرض الخصية ٠
وعندما تعامل الاغريق مع الدولة المصرية القديمة أطلقوا عليها نفس الصفة أى
الأراضى الخصية أو السوداء فأسموها « |جييتوس » وهو الاسم الذى اشتق مله
مصر والأديان السماوية ..
كان الإيمان بالله الواحد - ولايزال وسوف يظل بإذن الله - متغلاً ىن نفس
من الزمان .
وكان للأديان السماوية الثلاث حظ كبير من الانتشار على مدى التاريخ فبنى
إسرائيل مع أنبيائهم تجدهم داخلين ومقيمين وخارجين .
كما نجد المسيح عليه السلاح يقيم فى مصر مع العاثلة المقدسة وله آثار باقية إلى
يومنا هذا فى أكثر من موقع . أما الديانة المسيحية ذاتها فقد انتشرت أيضاً فى البلاد
سبيل المثال الرهبنة وهى نظام تشا فى مصر ثم خرج منها إلى العالم أجمع ٠
أما الإسلام فقد دخل إلى مصر مع الفتوحات الإسلامية وتشكيل الإمبراطورية
الإسلامية العربية المترامية الأطراف , وقد تأصلت هذه الديانة فى الشعب المصرى
مع مرور الزمن وشاركت مصر بجوامعها ومساجدها وأزهرها ومشايخها فى نشر
الإسلام والبحث والدراسة والتأصيل فى مختلف علوم الفقه والشريعة .
ويعدد لنا المؤرخ « ابن اياس » من زار مصر من الأنبياء عليهم السلام
ادريس وإبراهيم الخليل وإسماعيل - على أحد الأقوال - ويعقوب ويوسف
واثنا عشر من آبناء يعقوب وهم الأسباط ؛ ولوط , وقد ولد بها موسى وهارون
وأيوب وشعيب عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام .
كما دخلها أيضاً من الصديقين لقمان الحكيم والخضر وذو القرنين .
ذكر مصر في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ..
ورد ذكر مصر ف القرآن الكريم تصريحاً وتلميحاً منها :
- « وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرمى مثواه » .
« اليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون » .
قرار ومعين » والمقصود مص .
- وعن قصة يوسف « اجعلنى على خزائن الأرض » والمقصود أرض مصر .
- « ستقتحون مصر وهى أرض يسمى فيها القبراط فاستوصوا بأهلها خيراً
--« إن الله سيفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيراً لأن لكم منهم
لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة » .
من أقوال الشعراء في مص :
تغنى شعراء العربية القدامى بمصر فى كثير من المواضع تذكر بعضًا من
كثير.. فقال شمس الدين الدمشقى :
« إذا البلاد افتخرت لم تزل
وكيف لا تفخر مصر وف
وقال الشهاب المنصورى :
فاسع فى أرض مصر واجر
وقال الشيخ زين الدين بن الوردى "
«ديار مصر هى الدنيا وساكنها
يامن يباهى ببغداد ودجلتها
وقال الشهاب المنصورى أيضاً:
إن مصر أسقى الإلّه ثرآها
« لعمرك ما مصر بمصر وإنما
فأولادها الولدان والحور عينها
مصر لها عز وتفضيل
أرجائها السلطان والنيل »
وهم الأنام فقابيلها بتفضيل
وقليل من عبادى الشكور
بلد طيب ورب غفور »
وروضتها المقياس والنيل كوثر
وقال الشيخ صدر الدين بن عبد الحق :
هات زدنى من الحديث عن النيل ودعنى من دجلة والفرات »
ومن الأقوال الحديثة نسبيا لاتجد أبلغ من قولة مصطفى كامل المأثورة
«مصر يا أم اليبلاد أنت غايتى والمراد
مصر ومحاولات غزوها:
لم تسلم مصر على مدار تاريخها الطويل من محاولات لغزوها إما نظراً لما
تتمتع به من موقع استراتيجى متميز يجعلها متحصنة ما بين البحار والصحارى
الطبيعية المتمثلة فى خصوبة أراضيها الزراعية والثروات المعدنية الموجودة فى باطن
وكانت هذه القوى الخارجية تتحين إحدى فرص ضعف تسود البلاد فتحاول
الاتقضاض عليها , ولكن القوى الوطنية لاتلبث أن تعيد تحرير البلاد وطرد
وقد تَقَصُر مدد هذا الغزى فتتقلص إلى سنوات قليلة مثل المحاولات الأشورية
والقارسية وبلاد تدمر والحملات الصليبية والحملة الفرنسية , وفى أحيان تطول
مدد الفزو مثل غزى الهكسوس وفترات الحكم البطلمى والرومانى والبيزنطى ثم
' الاحتلال البريطانى .
أدت مطاردة أحمس الأول للهكسوس إلى خارج مصر حتى الحدود السورية
الشمالية , إلى فكر جديد ساد الأسرة الثامنة عشرة فقد دخلت مصر فى طور حربى
عظيم , فبدأً ملوكها الحرب موجهين نظرهم نحو البلاد الآسوية ففتحوا فلسطين
السودان الحالى . ومن أعظم ملوك هذه الأسرة تحتمس الثالث الذى تمكن من
تأسيس امبراطورية مترامية الأطراف .
ومنذ ذلك العهد أصبحت هذه هى حدود مصر عندما يحكمها حاكم قوى حيث
السودان الحالى وأحياناً يضم غرباً ليبيا وفى البحر المتوسط بعض الجزر مثل
الأسرة الفاطمية فقد اتخذت من البلاد المصرية مقراً لملكهم الذى ضم إلى جانب
موطنهم الأصلى فى المغرب بلاد الشام والنوبة واليمن .
أما الدولة الأيوبية التى أعقيتهم فقد زادت فى توسعاتها بعض جزر البحر
المتوسط .
كذلك فعل المماليك فعندما حكموا مصر استغلوا ثرائها فى تقوية وتعزيز
جيوشها من أجل توسيع رقعة البلاد فشملت الشام وفلسطين والحرمين واليمن
والنوبة .
وكان آخر عهد مصر بهذه التوسعات والفتوحات فى عهد محمد على الذى
امتلكت البلاد فى عصره جيشاً قوياً مرهوب الجانب تمكن من اخضاع أغلب الدول
الأفريقية المطلة على نهر النيل ومنها السودان الحالى والحبشة وأوغندا والصومال
وف الشرق والشمال فلسطين والحرمين والشام وبعض جزر البحر المتوسط بل
وهدد عاصمة الخلافة العثمانية فى تركيا .
مصادر التاريخ المصرى :
ذكرنا أن كثيرا من المؤلفات ظهرت تتحدث عن التاريخ المصرى بمختلف
عصوره ؛ إلا أنه يجدر الاشارة إلى أن التاريخ المصرى القديم يعتمد أساساً على
القديم إلى ثلاثين أسره . وهذه المصادر هى حجر باليرمو , وقائمة الملوك فى معبد
بالإضافة إلى كثير من البرديات أهمها البردية المحفوظة فى متحف تورين
بإيطاليا والتى درسها كثير من الملتخصصين فى علوم المصريات .
أما عن الفترات اللا حقة فالمؤلفات فى المكتبة العربية والأجنبية كثيرة تسمح
للمطلع وللباحث بكمية من المعلومات التى يمكن تقصيها وتنقيتها والخروج
بالمقيد منها ء وعلى سبيل المثال من المؤلفات العربية القديمة .. البداية والنهاية لابن
كثير , وبدائع الزهور فى وقائع الدهور لابن إياس , وصبح الأعشى فى صناعة
الانشاء , وضوء الصبح المسفر وجنى الدوح المثمر للقلقشندى , واتعاظ الحنفا
والخطط للمقريزى , وله أيضاً السلوك فى معرفة دول الملوك وللسيوطى حسن
المحاضرة وتاريخ الخلفاء ثم ابن تغرى بردى : النجوم الزاهرة , وللكندى : ولاة
مص وغيرها ..
تقسيم التاريخ المصرى ..
خمسة آلاف عام , على أرجح الأقوال , هى عمر مصر الموحدة منذ مينا إلى يومنا
هذا , تشغل منها الحضارة المصرية القديمة ( الفرعونية ) مساحة الثلاثة أخماس
أى ثلاثة آلاف عام بينما تشغل جميع الحضارات الأخرى حتى الآن مساحة ألفى
عام لفترات البطالمة والرومان ثم الفتح العربى الإسلامى بحقبه إلى عصر
الجمهورية الحالى . والملاحظ أن مثات السنين بل آلافها تعد لى عمر مصر كدولة
ببساطة بينما دول أخرى فى عالمنا تحسب عمرها بالمئات بل وأحيانا بعشرات ,
والآلاف الثلاثة الأولى تضم ثلاث دول : الدولة القديمة والدولة الوسطى
والدولة الحديثة وبينها عصور انتقال وقد قسمها المؤرخ المصرى القديم مانيتون
إلى ثلاثين أسرة حاكمة وهو تقسيم أخذ به جميع المؤرخين المحدثين .
والواقع أنه يمكن القول بأن هذا التقسيم إلى أسر حاكمة استمر بعد الحضارة
المصرية القديمة فهذه فترة الأسرة البطلمية وهذه الأسرة الرومانية والأسرة
البيزنطية ثم أسرة الولاة الأوائل ثم الأسرة الأموية ثم الأسرة العباسية ثم الأسرة
الطولونية فالأسرة الاخشدية ثم الأسرة الفاطمية فالأسرة الأيوبية ثم أسرتا المماليك
البحرية فالبرجية ثم الأسرة العثمانية وأسرة محمد على إلى الأسرة الجمهورية
أسرة .
خطة البحث :
لم يكن من اليسير إجمال أى تلخيص التاريخ المصرى كله على طوله فى هذه
الصفحات وفى مجلد واحد ولكن ذلك اقتضى جهدا فى التحرى عن أهم الأحداث
التاريخية وعرضها فى تسلسل غير مخل بالمضمون . ولم يكن من الممكن عرض
أحداث التاريخ العام فقط مع إغفال مؤشر هام من مؤشرات الدولة الملصرية منذ
القديم وهى المؤسسات الكاثنة فى كل دولة . لذلك تضمن هذا الكتاب وصف للنظم
السياسية والإدارية فى البلاد فى كل حقبة .
وقد قسمت هذا البحث إلى أبواب يمثل كل باب حقبة تاريخية وداخل الباب عدة
فصول عن أحداث التاريخ ثم عن النظم الهامة المستحدثة وأحياناً فصل ثالث عن
كيفية انتقال السلطة من أسرة إلى أسرة لاحقة .