وقد عرفه القاضي عبد الجبار رحمه الله بقوله : " معنى قولنا في القرآن الكريم أنه
معجز أنه يتعذر على المتقدمين في الفصاحة فعل مثله ؛ في القدر الذي اختص به "©
ويقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله " وإنما الإعجاز شيئان ضعف القدرة
الإنسانية في محاولة المعجزة ؛ ومزاولته على شدة الإنسان ؛ واتصال عنايته ؛ ثم استمرار
هذا الضعف على تراخي الزمن وتقدمه ؛ فكأن العالم كله في العجز إنسان واحد ليس له غير
مدته المحدودة بالغة ما بلغت *(00
وقد عرفه الدكتور صلاح الخالدي حيث قال : " هو عدم قدرة الكافرين على معارضة
القرآن وقصدورهم عن ١ بمثله ؛ رغم توفر مذكيتهم البيانية وقيام الداعي على ذلك وهو
استمرار تحديهم " وتقرير عجزهم عن ذلك
وممكن تعريفه بأنه " عجز المخاطبين بالقرآن وقت نزوله ومن بعدهم إلى يوم القيامة
من الإتيان بمثل هذا القرآن مع تمكنهم من البيان وتملكهم لأسباب الفصاحة والبلاغة وتوفر
الدواعي واستمرار البواعث .
وإعجاز القران الكريم للمنكرين له يدل على أنه من عند الله تعالى وليس كلام أي
مخلوق أخر فلو كان كلام بشر لما عجز المنكرون عن معارضته .
والخلاصة : إن الإعجاز لغة واصطلاحاً قد جاءا متقارياً وذلك في بض المماني
كالضعف ؛ والتثبيط والتقصير وما وقع في تلك الدائرة من معان ٠
المعجزة في القرآن الكريم :
ورد في القرآن الكريم استعمال مشتقات كلمة " عجز " نحو ست وعشرين مرة لكنه لم يرد
استعمال مصطلح معجزة ولا " إعجاز " في القرآن الكريم ولا في السنة ولم يكن معروقاً هذا
الاصطلاح في عهد النبوة والصحابة والتابعين إدما عرف في أواخر القرن الثاني تقريباً02
وأطلق القرآن الكريم على المعجزة عدة مسميات منها :
: قال الله تعالى " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لأن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما
2 : قال موسى عليه السلام لفرعون " قد جئتكم ببيئة من ربكم فأرسل معي بني
3. البرهان : قال الله تعالى " يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم 10
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتتا وسلطان مبين إلى فرعون وملائه * 07 (09,
فهو مركب إسنادي من أثر الشيء : أي حصول ما يدل على وجوده ؛ يقال : أثر
الشيء وأثر ١ والجمع الآثار ؛ يقول الله تعالى " ثم قضيئا على أثارهم برسلنا "أ" ويقول *
وآثاراً في الأرض * !"© ويقول " فانظروا إلى آثار رحمت الله " !"ومن هذا يقال للطريق
المستدل من تقدم آثار " فهم على أثارهم يهرعون "© ويقول " هم أولاء على أثرى 63 .
والخلاصة : فالتأثيري في اللغة مأخوذ من الأثر والنتيجة ؛ والمحصلة الدالة على
وجود مؤثر سواءً أكان المؤثر حياً كما في قولهم " أثرت البعير ١" أم معنوياً كما في قول الله
الأمور التي تنتج عن الشيء المسبب لها +
* وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم
أشار إليه السابقون ؛ ويتمثل فيما يتركه القرآن الكريم من أثر ظاهر أو باطن على سامعه أو
أو هو تأثير القرآن الكريم في النفس الإنسائية عندما تسمعه ؛ وتفاعلها معه حتى لو
المبحث الثاني
نشأة الإعجاز التأثيري وتطوره :
تستطيع أن نميز هنا بين مرحلتين من مراحل نشأة الإعجاز التأثيري وتطوره -
المرحلة الأولى : مرحلة النشأة :
تتمثل نشأة هذا الوجه الإعجازي للقرآن الكريم بنزول القرآن نفسه اتصالا مباشرا
أولا : أمر الله تعالى في كتابه الحرص على إسماع المشركين القرآن الكريم ليكون
ذلك عوناً على دعوتهم للإسلام . قال ابن حجر " ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله تعالى
قال الله تعالى " وإن أحد من المشركين
معجز لم يقدر أحد على معارضته بعد تحديهم بذ
أمره على سماعه ولا يكون حجة إلا وهو معجز ©. والمعجزة لا بد لها من أثشرفي من
ثانياً : ما ورد في كتب السيرة والتفسير و أغلب الكتب التي تتناول قضية الإعجاز
عن لجوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعجاز القرآن التأثيري كوسيلة أساسية من أسس
لإسلام وظهور أثر هذه الوسيلة الفعال في كل من استعملت معه +
إما قيولاً واعتناقا للإسلام أو نفوراً وإعراضاً عنه أو إقرارا لإعجاز القرآن في حاله.
ثلاثاً : إن الإعجاز التأثيري في هذه المرحلة وهي مرحلة النشأة الأولى يتمثل في
الدعوة
الممارسة والسلوك العملي للإعجاز نفسه دون التأليف فيه أو وضع قواعد أو أصول له ؛ وإنما
تدل الشواهد الكثيرة على ممارسته في حياة المسلمين . وبعد قرنين من الزمان وفي أوائل
القرن الثالث الهجري أشار الجاحظ من خلال حديثه عن الإعجاز البلاغي للقرآن إشارات
خاطفة للإعجاز التأثيري!” وكذلك فعل الرماني في منتصف القرن الرابع +
المرحلة الثانية : مرحلة التأهيل العلمي للإعجاز التأثيري :
كثير من علماء التفسير والقرآن والبلاغة في القديم والحديث لاحظوا تأثير القرآن
الكريم في القلوب وأثره في النفوس فاعتبروا ذلك التأثير من وجوه إعجاز القرآن وعبروا عنه
بعبارات متفاوتة وسأقف مع عدد من العلماء في القديم والحديث ممن تحدثوا عن الإعجاز
إبراهيم الخطابي -ات 388 هه .
وكان أول من اعتبر هذا التأثير القرآني وجهاً خاصاً من وجوه الإعجاز هو الإمام
الخطابي فقد نص عليه نصاً في رسالة " بيان إعجاز القرآن " فقال * قلت في إعجاز
القرآن وجهاً آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم وذلك حيفة
قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ؛ ومن الروعة والمهابة في
أخرى ؛ ما يخلص منه إليه تستبشر به النفوس وتتشرح له الصدور حتى إذا أخذت حظيها
منه عادت إليه مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق ؛ تغشاها الخوف والفرق ؛ تقشعر منه
الجلود وتنزعج له القلوب ؛ يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها ٠
فكم من عدو للرسول صلى الله عليه وسلم من رجال العرب ؛ أقبلوا يريدون اغتياله
وقتله فسمعوا آيات القرآن فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول
2. ابن القيم الجوزية ت "75" ورأيه
يبين ابن القيم الجوزية ما يقع في النفوس عند
د القلوب هيبة والنفوس خشية ؛ وتستلذ الأسماع وتميل إليه بالحنين الطباع ١ سواءً
الإعجاز التأثيري
يقول في كتابه ( الفوائد) "ل" إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند
تلاوته وسماعه وألق سمعك ؛ واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه
إليه فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله قال الله تعالى " إن في ذلك لذكرى لمن
كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (83.
وذلك أن تمام التأثير لما كان له موقوفاً على مؤثر مقتفى ومحل قابل وشرط
يان ذلك كله بأوجز لفظ
وأبينه وأدلة على المراد بقوله " إن في ذلك لذكرى " إشارة إلى ما تقدم من أول
السورة إلى هاهنا وهذا هو المؤثر ؛ وقوله " من كان له قلب فهذا هو المحل القابل
والمراد به القلب الحي" الذي يعقل عن الله ؛ كما قال الله تعالى * إن هو إلا نكر
وقرآن مبين لينذر من كان حياً ”© أي حي القلب وقوله تعالى " أو ألقى السمع وهو
شهيد " أي وجه سمعه وأصفى حاسة سمعه إلى ما يقال له ؛ وهذا شرط التأثير بالكلام
وقوله " وهو شهيد " أي شاهد القلب حاضراً غير غائب ؛ أي استمع إلى كتاب الله
وهو شاهد القلب والفهم؛ليس بغافل ولا ساه ؛ وهو إشارة إلى المائع من حصول
التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل عن ما يقال له والنظر في تأمله -
فإذا حصل المؤثر وهو القرآن ؛ والمحل المقابل وهو القلب الحي ووجد
الشرط وهو الإصغاء وانتفى المائع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب
وانصرافه عنه إلى شئ آخر حصل الأثر وهو الانتفاء بالذكر +
ثم يقول : فإن قيل : إذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه الأشياء مما وجه
دخول أداة أو في قوله " أو ألقى السمع " والموضع موضع واو الجمع لا موضع أو
التي هي لأحد الشيئين ؟ قيل : هذا سؤال جيد ؛ والجواب عنه أن يقال : خرج الكلام
باعتبار حال المخاطب المدعو فإن من الناس من يكون حي القلب واعيه تام الفطرة
فإذا فكر بقلبه وحال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن ؛ وأنه من الحق ١ وشهد
قلبه بما أخبر القرآر
فكان ورود القرآن على قلبه نوراً على نور الفطرة ؛ وهذا وصف آلذين قال
من خلال هذا نرى رؤية ابن القيم في مسألة التأثير ؛ وكيفية حدوثها ؛ وبيان أركاذها
وجوائبها ؛ فإنه يرى أنها تقوم على أركان عدة :
1 المؤثر القوى " و المقصود به - القرآن الكريم " ٠
2. أداتا التلقي " القلب والسمع " .
3 رغبة السامع في تفهم ما يسمع وتعقله .
الخروج من شتى الموائع ؛ سواء أكانت انحرافات عقائدية ؛ أم شبهات
فكرية ؛ أم نزعات شهوائية ٠ أم مكائة أدبية ؛ أم منزلة اجتماعية ١ أم غير
ومن الملاحظ أن ابن القيم رحمه الل هنا يتحدث عن دعوة المسلم للانتفاع بالقرآن الكريم؛
ولا ينص على ذكر الكافر ؛ وذلك فإئه لا يكشف عن الجائب الأهم في أعجاز القرآن التأثيري
ألا وهو : أثره على الكافر .
بعد هذا العرض لرأي بعض الأقدمين عن الإعجاز التأثيري أعرض رأي بعض العلماء
المحدثين حول هذا الوجه من وجوه الإعجاز لنظهر لنا مراحل تطوره ٠
3. الدكتور عبد الكريم الخطيب ورأيه في الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم :
تحدث الدكتور عبد الكريم الخطيب عن إعجاز القرآن الكريم -بصفة عامة - حديثاً
ووقف أمام وجه الإعجاز التأثيري للقرآن وقفات دقيقة ؛ فدراه يحاول أن يكشف عن
سر تأثير القرآن فيمن سمعه من المؤمنين والكافرين على سواء :
" إن كلمات القرآن التي كانت على فم الناس ؛ كان لها رحلة إلى الملأأً من الأرض
إلى السماء من أفواه الناس إلى عالم الروح ؛ والحق والنور ؛ وهناك في هذا العالم / عالم
الروح والحق والنور / عاشت تلك الكلمات دهراً طويلاً بين ملائكة ٠ وولدان ؛ وحور +
حتى إذا أذن لها الحكيم الخبير أن تعود أدراجها إلى الأرض وتلقى في أفواه الناس مرة
إليهم من هذا الوجود ما يخطف الأبصار ويخلب الألباب ؛ فالمؤمنون في شوق متجدد ممه
وفي خير متصل منه ؛ وفي عطاء موصول من ثمره ؛ كلما مدو أيديهم إليه قطفوا من أدبه
كيدهم شئ" 89.
فكلمات القرآن الكريم قد رحلت إلى الملا الأعلى جا ين ارمق جلتأا بها ارح زا
يخطف الأبصار ؛ ويخلب الألباب ؛ ويجعل المؤمنين به في شوق دائم لسماعه ؛ وغير
المؤمنين في عجب ودهش من أمره .
ويقول الدكتور الخطيب ملقاً على كلام الإمام الخطابي عن الإعجاز التأثيري للقرآن
:" وهذا الوجه من وجوه الإعجاز هو - فيما نرى - المعجزة القائمة في القرآن أبداء
تسع الناس جميعاً ؛ عالمهم وجاهلهم ؛ عربيهم وأعجميهم +
الحاضرة في كل حين ؛ وهي الت
ويعقب الدكتور الخطيب تعقيباً على كلام ابن عطية عن وجوه الإعجاز فيقول : *
وهذا هو سر الإعجاز وعظمته كلمات هن من كلام الناس ثم يفعلن هذا الأمر العجيب في
النفوس ؛ ويضمن هذا السلطان القاهر على القلوب (89.
من خلال ما تقدم نرى أن حديث الدكتور الخطيب عن الإعجاز يرتكز بصورة أساسية
على ما يحدثة القران من أثر في النفوس كما رأينا ذلك واضحاً في مقارئة بين أثر كلام البشر
وكلمات القرآن على النفوس البشرية المؤمنة بالقرآن والمنكرة له على السواء +
إن آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ومواقف الصحابة بل وما في واقع
الحياة البشرية في عصرنا الحالي وكل ما ذكره الدكتور تثبت وترصد مظاهر هذا الوجه من
وجوه الإعجاز في حياة البشر وتؤكد اختياره له( .
إن الدكتور الخطيب ذهب إلى أكثر من الاختيار لوجه الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم
إلى ما هو أبعد من ذلك ؛ عندما أخذ يبين مزايا هذا الوجه دون سواه فهذا الوجه يمتاز عن
سائر وجوه الإعجاز ب
1 المعجزة القائمة في كل حين +
2. أنها تسع الناس جميماً عالمهم وجاهلهم .
4- أدها لا تقتصر على الإنس وحدهم بل وتسع الجن أيضاً .
4. الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ورأيه في الإعجاز التاثيري
لقد أفرد الشيخ محمد الغزالي في كتابه " نظرات في القرآن " فصلاً كاملا عن
الإعجاز في القرآن الكريم ؛ ويرى فيه إن أعجاز القرآن يبرز في وجوه ثلاثة " الإعجاز
النفسي ؛ الإعجاز العلمي ؛ الإعجاز البياني " ومن خلال حديثه عن الإعجاز النفسي التأثيري
نراه يتمثل في نقاط أريع :
+ مكانة الإعجاز التأثيري ٠
. تأثير القرآن في المؤمن والكافر ٠
من وسائل تأثير القرآن : تقديم الدليل المفحم على كل شبهة ؛ تعريف الأمثال .
- مواضع التأثر بالقرآن ٠
وحديث الشيخ عن الإعجاز النفسي والتأثيري جاء مرسلاً دالاً على سجية مؤلقه ويحمل
في طواياه هذه النقاط الأربع السابقة ؛ ونتلمس النقطة الأولى من حديث الشيخ عن الإعجاز
النفسي فبعد أن يتحدث عما يعرض له القرآن من عقائد دينية وأحكام تشريعية وحقائق علمية
يقول : " قد تجد في القرآن حقيقة مفردة ؛ ولكن هذه الحقيقة تظهر في ألف ثوب ؛ وتتوزع
تحت عناوين شتى ءكما تذوق السكر في عشرات الطعوم والفواكه وهذا التكرار مقصود ؛ وإن
لم تزد به الحقيقة العلمية في مفهومها ٠ ذلك أن الغرض ليس تقرير الحقيقة فقط ؛ بل بناء
الأفكار والمشاءر ونقاط مؤلفه آخر ما تختلفه اللجاجة من شبهات ثم الكر عليها
بالحجج الدامغة حتى تبقى النفس و ليس أمامها مفر من الخضوع لمفهومها للحق والاستكانة
لله وعندي أن قدراً من إعجاز القرآن الكريم يرجع إلى هذ1 "©
تلك هي مكائة الإعجاز التأثيري عند الشيخ فإن كان للقرآن الكريم وجوه إعجاز
أخرى غير أنها لا تصل في قدرها وأهميتها إلى الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم في نفس
الإنسان ولكن هل يتأثر كل إنسان_بالقرآن ؟ أم يقتصر هذا التأثير على المؤمنين به ؟ ويرد
أمامنا على هذا التساؤل بما يؤكد مكانة الإعجاز التأثيري بين وجوه الإعجاز ؛ وعدم اقتصاره
على نفس إنسانية دون أخرى فيقول :
" فما أظن امرءاً سليم الفكر والضمير يتلو القرآن ويستمع إليه ثم يزعم أنه لم يتأثر به
+ قد تقول : ولم يتأثر به ؟ والجواب : أنه ما من هاجس يعرض للنفس الإنسائية من ناحية
الحقائق الدينية إلا ويمرض له القرآن بالهداية وسداد التوجيه ؛ ما أكثر ما يعز المرء من نفسه
ضرورات المادة فحسب .
إن القرآن الكريم بأسلوبه الفريد يرد الصواب إلى أولذك جميعاً وكأنه عرف ضائقة كل
ذي ضيق وزلة كل ذي زلل ثم تكفل بإزاحتها كلها ؛ كما يعرف الراعي آية تاهت خرافه +
وذلك سر التعميم في قوله تعالى " ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل "60 .
العاطفة الباكية أو مثلما يقف الخلي أمام خطيب يهدر بالصدق ويحدث العميان عن ١
والمذكرون من هذا الذوع لا يطمعون في التأثير النفسائي للقرآن الكريم ؛ كما أن العميان
لا يطعنون في قيمة الأشعة ولذا يقول الله عز وجل : " الله نزّل أحسن الحديث *(43) 940
وبذلك يكون الشيخ رحمه الله قد تناول النقطة الثائية التي يتأكد من خلالها إعجاز القرآن
التأثيري في المؤمنين والكافرين به على حد سواء ؛ وفي النقطة الثالثة يبرز الشيخ في بعض
أسرار التأثير القرآني في الإنسان فيقول : " إن القرآن يملك على الإنسان نفسه بالوسيلة
الوحيدة التي تقهر تفوقه في الجدل أي بتقديم الدليل المفحم لكل شبهة ؛ وتسليط البرهان القاهر
على كل حجة ؛ فالذكوص عن الإيمان بعد قراءة القرآن يكون كفراً عن تجاهل لا عن جهل
ومن تقصير لا عن قصور ؛ والجدل آفة نفسية وعقلية معاً ؛ فالنشاط الذهني للمجادل يمده
,أن التي تسبب
التأثير في النفس الإنسائية فيقول : " إن طبيعة هذا القرآن لا تلبث أن تعتبر برودة الإلف
وطول المعرفة فتتعرى أمامه النفوس ؛ وتنسلخ من ذكلتها وتصنعها ؛ ونتزعج من ذهولها
وركودها وتجد نفسها أمام الله - جل شأنه - يحيطها ويناقشها ؛ ويعلمها ويؤدبها فما تستطيع
حراك نفسي خفي ؛ فلما يهدأ بسهولة ... ويستكمل الشيخ بيانه عن وسائل ١
أمام صوت الحق المستعلن العميق إلا أن تخشع وتصيخ
ثم يقول وكما قهر القرآن نوازع الجدل في الإنسان وسكن لجاجته ؛ تغلب على
مشاعر الملل فيه وأمده بنشاط لا ينفذ والجدل غير الملل ؛ هذا تحرك ذهني قد يجد الأوهام
ويحولها إلى حقائق وهذا موات عاطفي قد يجمد المشاعر فما تكاد تتأثر بأخطر الحقائق وكثير
من الناس يصلون في حياتهم العادية إلى هذه المنزلة من الركود العاطفي فنجد لديهم بروداً
غريباً بازاء المثيرات العاصفة ؛ لا عن ثبات وجلادة بل عن موت قلوبهم وشال حواسيم
والقرآن الكريم في تحدثه للذفس الإنسائية - حارب هذا الملل وأقصاه عنها إقصاء وعمل على
تجديد حياتهم بين الحين والحين ؛ حتى أنهم ليمكنها أن تستقبل في كل يوم ميلاداً جديداً *
ومن وسائل القرآن التأثيرية : الترغيب والترهيب ؛ حيث يقول الشيخ " والشفعور
بالرغبة والرهبة والرقة تعمرك وأنت تستمع إلى قصص الأولين والآخرين تروى بلسان الحق
ثم يتبعها فيض من المواعظ والحكم والمغازي والعبر تقشعر منه الجلود "8 .
ويتبين لنا أنه تناول الإعجاز التأثيري من جوانب أربعة ولعل أهمها جميعاً هو بيان ما
في القرآن من وسائل تأثيرية والتي أورد فيها تفصيلاً وتعليلاً لم نره عند كثير من السابقي
5- سيد قطب ورأيه من تأثير القرآن الكريم :-
يقول الشهيد قطب عن تأثير القرآن الكريم " إن في هذا القرآن ؛ سراً يشعر به كل من
يواجه نصوصه ابتداء ؛ قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها ٠
يدركها العقل من التعبيرء وأن هناك عنصراً ما ينسكب في الحسن بمجرد الاستماع لهذا
هذا العنصر الذي ينسكب في الحس يصعب تحديد مصدره :
الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سار القول المصوغ من اللغة ؟
أهي هذه العناصر كلها مجتمعة ؟ أم إنها هي وشيء آخر وراءها غير محدود ؟
ذلك سر مودع في كل نص قرآني ؛ يشعر به كل من يواجه نصوص هذا القرآن
ابتداء ثم تأتي وراءه الأسرار المدركة بالتدبر والنظر والتفكير في بناء القرآن كله "© .
إن سر تأثير القرآن في النفس البشرية فيه كله ؛ فكل جوائب العظمة والسمو فيه ؛ ألفاظه +
ويقول رحمه الل للقرآن تأثير عجيب على الذفوس وسلطان قوي على القلوب : " ويبقى وراء
ذلك السر المعجز في هذا الكتاب العزيز ؛ يبقى ذلك السلطان الذي له على الفطرة متى خلي
أحياناً وتتململ ؛ وتحت وطأة هذا السلطان وهم يستمعون إلى هذا القرآن +
إن الذين يقولون كثيرون ؛ وقد يقولون كلاماً يحتوي على مبادئ ومذاهب وأفكار
واتجاهات؛ ولكن هذا القرآن يتفرد في إيقاعاته على فطرة البشر وقلوبهم فيما يقول : " إنه
قاهر غلاب بذلك السلطان الغلاب "60 .