غخاوي مشتلة
هذه الصراعات تخرج فى الحقيقة عن جوهر تعاليم الأديان » فقد كانت الرحمة
والمحبة والسلام هى روح شريعة الله فى الأرض ؛ وجوهر الرسالة التى أنت بها
الأديان السماوية.. جاءت الأديان لتضمد جراح البشرية المعذبة وترفع الظلم عن
المستضعفين فى الأرض ؛ وتقيم ميزان العدل » وتعلم الناس كلمة اللَّه الى
الباطل من بين يديها أو من خلفها ..
جاءت الأديان لتكون نورا فى قلوب العالمين » وقاريا وشراعا للنجاة ؛ وحصنا
من الخوف والفزع » جاءت الأديان » لا لتقسم العالم بين مؤمنين وكفار بل .+
القيامة ؛ جاءت الأديان وبعثت الرسل رحمة للناس هل وما كا مُمؤْبِينَ حَيّ بسك
رتولا ز الإسراء : 16 ] ١
ومنذ فجر الرسالات السماوية على الأرض كان لكل دين أتباعه المخلصون الذين
يفهمون كلام الله ويحسنون تطبيقه » وإلى جانب هؤلاءكان هناك أيضا زمرة من
الممتفعين.. بعضهم يحرفون الكلم عن مواضعه وبعضهم يؤمنون ببعض الكتاب
ويكفرون ببعض » وبعضهم يسخرون الآيات والقواعد وتعاليم السماء لتحقيق
مصلحة خاصة أوغرض سياسى أو ليأتى على لذة ومتعة من متع الدنيا دون أن
البدع غير مبمنر للحقيقة الخالضة وظعم الدين التقى .
يمتطون صهوة الدين ينفون الإيمان عن خصومهم السياسيين .. ويدعون أنهم
وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة .. وقد ارتبطت تلك الظواهر بصورة عضوية مع
ظاهرة أخرى سادت على مدار التاريخ الإسلامى ومازالت بلدان العالم الإسلامى
1 القتل باسم الله
تعاني منها حتى اليوم وهى ظاهرة ١ التكفير » وإخراج الناس رسميا من حظيرة
الإيمان بإساءة تفسير بعض آيات اللَّه أويتعمد تحريف الكلم عن مواضعه لمتاع زائل
أو غرض قريب يبرأ منه الشرع والدين .
أن يشهد هذا التاريخ انفجار ظاهرة التكفير والاتهام بالزندقة والابتداع والخروج
عن تعاليم الله بين أتباع الدين الواحد .. فهذه الانهامات سيوف ترفعها التيارات
السياسية فى وجه بعضها البعض .. ومحنجرا غُرس بإحكام فى جسد وحدة الأمة
الإسلامية التى صار التكفير والإنهام بالزندقة سلاحا يفتت الأمة ويكسر عظامها
إلى أنصاف غير متساوية ولا تقوى على أن تصير بنيانا مرصوصا مرة أخري .
ويشهد التاريخ الإسلامى علاقة خاصة وشديدة الحساسية بين سلاح التكفير
وبين السلطة السياسية فى كل عصر من العصور » فعبر الأزمنة المخلفة كان بعض
الذين جلسوا على كراسي السلطة يستغلون الدين للحفاظ على شرعيتهم السياسية
والقضاء على خصومهم باسم هذا الحق المقدس الذى منحوه لانفسهم من طرف
واحد » وفى المقابل فإن معارضيهم لجأوا إلى الحيل نفسها وبدلا من البحث عن
شرعية بتحقيق مصالح الناس كان البحث عن شرعية سماوية - تيرأ منها
السماء - فالبعض قد استغلوا الدين أيضا وقاموا بتأويل الآيات والأحاديث لتحقيق
أغراض سياسية محددة ما أنزل الله بها من سلطان فأعلن « باسم الدين » الحرب
بين الأشقاء وشركاء طريق الإيمان وصار السيف بديلا عن مقارعة الحجة بالحجة +
وصار نفى الآخر باسم الكفر والزندقة بديلا عن الحوار +
إبراهيم عليه السلام وأبيه آزر » وحوار هود عليه السلام مع قومه » وصالح عليه
القتل باسم الله
فتاوي مشتعلة
السلام مع عشيرته » والنبى موسى عليه السلام مع الفرعون وحاشيته » والنبى
عيسى المسيح ابن مريم عليه السلام مع بني إسرائيل » والرسول الخاتم محمد صلى
الله عليه وسلم مع قريش .
بل انظر إلى هذا الحوار الخالد بين الله تبارك وتعالى وتقدست أسسازه » وواحد
من أكبر عصاة خلقه وهو « إبليس » الذى رفض أن ينل إلى أمر الله وخاض مع
الرب العظيم الجبار حوارا صار قرآنا يتلي إلى يوم القيامة !© .
انظر إلى حوار إبراهيم مع الله وهو يبحث عن الطمأنينة فى إمانه ويناشد الله أن
وانظر إلى حوار الله مع النبى موسى وبنى إسرائيل خلال رحلة الخروج من مصر
وما بعدها وكيف طالب نبى الله موسى بأن يرى الله رأى العين ثم خر صعقا حين
تجلى الجبار العظيم على الجبل ! . حتى أن الله تعالى كان يحاور العصاة من
القتل باسم الله
فناري مشتعلة
لكن التاريخ ينبت على العكس من ذلك أن الكثير من الطوائف والمذاهب سعت
إلى استغلال الدين كسلاح سياسي وأخرجت الشريعة عن مسارها واستغاتها فى
تصفية الخصوم والأعداء ورفضت فكرة الحوار فيما تعتقد وتري ؛ وزعمت امتلاك
الحقيقة المطلقة دون منازع ؛ وبعض هؤلاء لم يكن الدين ولا رضا الله هوغايته الأولى
والأخيرة لكن مصلحة سياسية أو متاع من الدنيا كان همه وهدفه وقبلته , لقد حدث
ذلك مع كل أتباع الأديان السماوية على مر التاريخ ؛ فالذى كان لا يطيع الكهنة
فى المعبد والفراعنة والسلاطين على عروش السلطة هو كافر زنديق لا حوار مع ولا
والسجن والتشريد فى الدنيا على أيدى كهنة الحقيقة الطلقة !
استخدم التكفير والنفى خارج حظيرة الدين سلاحا فى أيدى الكثير من
السلاطين والتيارات السياسية تعبيرا عن القسوة والعداء ورمزا للغضب السياسي
والتمرد فى أحيان أخرى » واستخدمت شريعة الله التى تدعو للرحمة والعدل
والحوار والمجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة فى فرض سلطة القساة على الأرض »
وصار كل طرف يستخدم شريعة الله فى غير ما قدر لها أن تكون .. وبدلا من أن
يهدد الجميع وسيفا مصلتا على الرقاب بغير وجه حق .
ورغم أن الكفر نقيض الإيمان وفى كل أمة من الأم كان المؤمنون وكان الكفار
إلا أن مصيبة الأمة أن يظهر بين أبنائها من يكفر الآخر منها ؛ ويدعو بين تياراتها
بالتكفير والقتال » وقد كانت مصيية التكفير واحدة من المصائب التى حلت
التاريخ الإسلامى وهى التى استخدمت فى كثير من الأزمنة والعصور لنفى الآخر
وارتدت الكثير من الخلافات السياسية والأطماع الخاصة فى السلطة أقنعة دينية .
فصار البعض يستخدم الدين لتكفير الآخرين حتى يحصل على شرعيته أمام
القتل باسم الله
ماو تيه
الجماهير ويطعن فى شرعية الآخرين ؛ كما توسع بعض الفقهاء والوجهاء والقضاة
فى التاريخ الإسلامى فى الحكم بالتكفير على علماء آخرين حتى يضمئوا إبعادهم
عن حلبة المنافسة العلمية والجماهيرية كما تشهد بذلك كثير من الوقائع والأحداث
التى تعرض لها أشهر علماء الإسلام ونخبة من عقول هذه الأمة منذ فجر التاريخ +
التيارات فى استخدام
جولات التاريخ حتى عصرنا الحالي الذى توسعت فيه بعض
سلاح التكفير بصورة واسعة وصارت تصدر هذا الاتهام العنيف للحكام ورموز
السلطة فى البلدان الإسلامية ؛ وتسوق على ذلك أدلة من القرآن والسثة وشريعة
حكم الشريعة الإسلامية 6 .
قصة الكفر والتكفير فى التاريخ الإسلامى مليعة بالتفاصيل والأسرار المثيرة فكم
من عقول مزدهرة فى تاريخ الإسلام حكم عليها بالكفر » وطردت من رحمة
السلاطين » وكم من أدباء وشعراء وأطباء وفلاسفة يفاخر بهم المسلمون العالم حتى
اليوم صاروا كفارا فى عيون أبناء عصرهم دون أن يدافع عنهم أحد أو يستمع إليهم
وهذا الكتاب .. يحاول جاهدا أن يلقى الضوء على هذا الجانب البارز فى
تاريخ الإسلام ويكشف بجلاء أغرب قصص الكفر والتكفير التى تعرض لها رموز
الأمة ؛ ويحمل من رحم التاريخ خطورة هذا المنهج التكفيرى على مستقبل الأمة
إلى تفاصيل الواقع الذى نعيش فيه على بوابة
الألفية الثالثة ليجد منهج التكفير باسم الدين شعارا لكثير من التيارات السياسية
التى تعمل فى بعض البلدان العربية ؛ ويكشف الكتاب بعضا من جوانب هذه
الأفكار الخطرة وجذورها منذ النشأة الأولى + ويحاول الكتاب أن يقدم صورة
٠ القتل باسم الله
قاوي مدمي
لمشهد العلاقة بين التكفير والسياسة عبر التاريخ الإسلامى وكيف استخدم هذا
السلاح فى السياسة وتصفية الخصوم ؛ وكيف استخدم فى عقاب الخارجين عن
سلطان الحكام » وكيف كان التكفير سلاح كفار قريش أنفسهم ضد النبى صلى
شعاب مكة لا ييعون لهم ولا يشترون منهم ؛ وكيف تطور هذا السلاح وحرفه
البعض عن مساره الطبيعى » وكيف كان التكفير سلاح كثير من السلاطين لضرب
معارضيهم ؛ ثم كان سلاح كثير من المعارضين لضرب شرعية السلاطين ؛ ثم كان
فى عصور الخلافة المتعاقبة ثم صار هذا النوع من التكفير - وللأسف الشديد -
عنوان حركة الإحياء الإسلامى الجديدة منذ مطلع الثمانينات وحتى اليوم » وبدلا
من أن تقدم لنا التيارات الإسلامية فى العصر الحديث نموذجا من كنوز الرحمة
والدعوة للحوار فى الشريعة الإسلامية صار التكفير هو قائد المسيرة والحكم فى كل
الخطوات ؛وبعد أن كانت صورة الإسلام هو دين العدل والأخلاق والتسامح صار
المكفرون الجدد يقدمونه على أنه دين الإرهاب والتكفير وقتل المسلم لأخيه المسلم +
وفى كل عهد بعد رحيل الى صلى الله عليه وسلم سنلحظ أن مهمة أخرىق
لهذا المصطلح قد أعدت بعناية لاستخدامها فى المجال السياسي وأنه فى كثير من
الأحوال التى استخدم فيها هذا العقاب لم يكن الله من وراء القصد لكن حاجة
أخري لأصحاب الهوي والمتصارعين على السلطة .
ويقدم الكتاب أيضا قصص أشهر الشخصيات فى التاريخ الإسلامى التى
تعرضت لهذه التهمة ومن راح ضحيتها بالسجن أو الاغتيال والنفى خارج
الأوطان ويحاول الكتاب أيضا أن يجتهد فى وضع الخطوط الفاصلة بين الإيمان
والكفر من خلال آراء العلماء وأن يناقش بعض آراء وفتاوي التكفير المعاصرة +
القتل باسم الله
فناوي مشتعلة
والتى راح ضحيتها زعماء كبار فى الأمة الإسلامية ومازالت تلك الأفكار سابحة
بيننا حتى الآن تطير فى أوساط الجامعات والشباب والتيارات السياسية وتأتى على
الأخضر واليابس فى ثقافتنا الإسلامية العادلة وتلطخ بآثامها دين الرحمة والحرية
والسلام والعدل .
إنها محاولة مخلصة لنقد الذات من الداخل وتهذيب منهج التفكير الإسلامى
وتنقية تاريخ الحضارة الإسلامية من الأفكار التى لا تفق مع روح شريعة الله الغراء »
إنها محاولة مخلصة متواضعة لأن يكون الحوار هو المنهج وهو الوسيلة . وأن يكون
الله دوما من وراء القصد لا الدنيا ومنافعها أو السلطة ومتعها .
وحين نقتحم بالكتابة تلك القضية الخطيرة فى التاريخ السياسى الإسلامى فإننا فى
الوقت نفسه نعتقد يقينا وإيمانا أن أعظم الأمور التى بعث بها النبى محمد صلى الله
عليه وسلم بعد توحيد الله سبحانه وتعالى هو التفريق بين أهل التوحيد وأهل الشرك »
وبين أهل الإيمان وأهل الكفر لأنه على أساس هذا التفريق تنبني كثير من الفروع
العلمية والعقائد الإيمانية والأحكام الفقهية التى نص عليها الشرع الحنيف وأوصى بها
لله سبحانه فى كتابه العزيز » فلأهل الكفر من الأحكام ما يناسب حالهم كوجوب
قتالهم أو استحباب مسالمتهم أو تأليف قلوبهم أو اتقاء شرورهم أو البر بهم والإحسان
إليهم وفق ما يحكم به العلماء الثقاة من المسلمين المشهود لهم بالعلم والنزاهة والتجرد
من أغراض الدنيا وحسب النصوص الوجوبية التى أتي بها شرع الله
ويقينى أن الضلال قد يأتى من باب آخر وهو أن يحكم للكافر بالإسلام ويعطى
أحكام أهل الإسلام من الموالاة والنصرة والاطلاع على عورات المسلمين وكشف
أسرارهم وهذا ما لا يمكن القبول به لتحقيق صحة العقيدة الإسلامية ؛ ولذلك فإن
غرض هذا الكتاب لا يمكن أن يقترب بالنقد من هذا الحد الفاصل الذى يقره
الإسلام بين الإيمان والكفر ؛ ولا يقبل أن يراجع ما أمرت به تعاليم الإسلام من
7" القتل باسم الله
فتاوى مشتعلة
تحديد من هو المسلم حقا ومن هو الكافر حقا » لكنه يقتحم أسوار الفتنة بين المسلم
والكافر ويكشف ما تختلط فيه الأمور بهذا الشأن » ويحقق فى الاستقلال
السياسى لفكرة التكفير عبر التاريخ الإسلامى » وهو فى هذا السبيل لا يصدر
أحكاما بالإدانة أو البراءة على أحد بقدر ما يعمل على الكشف والتمييز بين حدود
الإيمان الخالص وفوضى الفتنة القاسية وبين إصدار هذا الحكم لأنه يتفق مع إرادة
لله وتعاليمه وبين استخدامه دفاعا عن سلطة قائمة أو العمل من أجل القفز على
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ٠
ياسر فرحات
القتل باسم الله
وشت نام
الفصل الأول
متى بدأ البركان