فرأيت أن آخذ نفسى بدراسة موضوع المذاهب الإسلامية وقضاياها وذلك من أمد
بعيد فأخرجت منها:
- تاريخ الخوارج والمرجئة.
وهنا أقدم: المعنزلة تكوين العقل العربى. ثم يليه الإمام الاشعرى شيخ أهل السئة
والجماعة تاريخ تطور العقل العربى.
وكان السبب المباشر» الذى حثنى على إنجاز هذا المشروع:
زيارة شاب ألمانى لنا: توماس هيلو برائدت من جامعة برامبرج مسجلا لرسالة
الدكتوراه فى موضوع: محاولات معاصرة لتجديد فكر المعتزلة وقام بسؤالى عن مقال
قديم كتبته عن المعتزلة فى بعض المجلات ثم طلب منى أن أبدى رأيى فى موضوع
«المعتزلة والأشاعرة» فقدمت له رأيى فى جلستين فى يومين+
وكان قد وقف أمام فكرتى التى تقول؛ إن الأشاعرة مرحلة اعتزالية متطورة؛
ثم قلت كما قال الشهرستانى فى مقدمة نهاية الإقدام: والمعارف التى تحصل من
تعريفات أحوال الاضطرار أشد رسوخا فى القلب من المعارف التى هى نتائج الأفكار فى
المعلزلة
ت الذى أجبت عند
الاضطرار دعوتى واقلت عند العثار زلتى وأاحذت لى من الأعداء بظلامتى. . الكلمات
إلى آخرها وكان القلم يعيبر عن حالتى بأواخرها رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى
وأنى من المسلمين . هذاء وقد أوردت المسائل على تشعب خاطرى وتشعب فكرتى ممتثلا
الفرق والمذاهب الإسلامية أسمى مما كنت أتصوره قبل الشروع فى دراستها فرأيت حرية
الدراسة لكل مشكلة. إدماج الفكر التقلى بالفكر العقلى» أصطحب الكلام بالفلسفة؛
والفلسفة بالكلام مع التمايز فى المناهمج مما يحفظ للهوية الإسلامية قيمتها وذاتيتها. وكان
القول فى إبداع القضايا لجرأة القول فى نقاشها ولا يمع الائتماء إلى مدرسة البصرة من
مثاقشة آراء أعلامها ولا البغداديين من مناقشة قضاياهاء وقد يسوقهم الدليل إلى
الانتصار للبصريين أو يسوق البصرين إلى الانتصار للبغداديين وقد يجمع بينهم
الاجتهاد فيحتويهم الإجماع على الأصول الخمسة وقضايا أخرى.
إن تاريخ مدرسة المعتزلة خطير الشان عظيم الخطر» ينشا فى حضن الأصول
حرية الاختيار إلى الملك الوراثى الذى اشترعه معاوية وإحلال السيف مكان الشورى
والتسلط مكان البيعة» وجرأة الخروج على الولاية الشرعية» ثم كانت الفتوحات
ترى فيها سذاجة الإنسانية الأولى. كذلك بررت شقاقات حول مسئولية الإنسان إن كان
الإجابات على تلك الشاكل تحمل صورة الشقافات التى انتقلت إلى الشقافة الإسلامية
حكم مرتكب الكبيرة ذريعة لإعلان غضبتهم الكبرى من الجتمع فصدرت مقالات
التكفير وإعلان الخروج ودخلوا فى سلسلة من الشورات ولم ينتهوا إلا بعد أن تصدعت
عروة الوحدة الإسلامية.
وعين تلك المشاكل التى راجت مع الفرق التى لا يحكمها رابط علمى ولا يعصم
جدلها قواعد المنطق ولا هدى ولا كتاب مثير . وكان رواجها بين شوارع البصرة سمم
جو البصرة فشاع الجدل واحدث الناس لغطا كثيرا وأحاطت بهم الفتنة سرادقها. وكانت
الفكاهة والتطرف والإباحية من أهم السبل؛ وليست دور العلم فقط» التى يسرت نقل
عقائد التشبيه والتجسيم وأفكار تعدد الالوهية والتناسخ ونكران الدبوة. . . وكما يقول
مؤرخو الحضارات: إن قانون الحضارات يقضى بأن أول ما ينقل من الحضارات هو التافه
منها من أدب وعقائد وتطرف وأشكال الزى وما تخرج الإنسان عن مظاهر حضارته.
وإذا كانت البيئة تتميز بقوة المناعة الفكرية والثقافية والحرية فلابد أن تتمخض عن
مرحلة إبداع فكرى تتميز بالفرز الفقافى لما هو صالح وما هو غير صالح وما هو قابل
للنقد والجدل والردء ثم نقل المؤلفات التى تفيد الجو الفكرى مهما كان مصدرها
وانتماؤها. ثم من هم الرجال الذين يتحملون عبء الرسالة الثقافية. . تمخضت البيئة
وكانت فرقة المعتزلة هى تلك الفرقة التى صاغت علم الكلام الإسلامى فى ثوب
الصحيحة - والإجماع - والعقل. من هنا استقام علم الكلام الإسلامى. وهو كشان
العلوم الإسلامية شهد مسجد البصرة ولادته فهو علم إسلامى بحت؟؛ ولادة وموضوعاء
وكان للحرية.الفكرية الإسلامية فى ظلال الدولة العباسية واستقبال الثقافات
الوافدة وإنشاء دار الحكمة فى قلب حاضرة العالم الإسلامى -بغداد. ثم تميز شخصية
الخليفة الإسلامى المأمون بالثقافة والطموح السياسى وعقده فى دار الخلافة مجالس الفقه
والفقهاء» والشعر والشعراء» والتفسير والمفسرين» وأهل الجدل والكلام» وكان للظرفاء
مكان فى مجالسه؛ وكان من حبه لعلم الكلام أن انقسمت مدرسة البصرة الاعتزالية
وهى أرض النشأة لعلم الكلام إلى مدرسة أخرى» لكن من غير خصومة ولا صراع
ا الممزلة
ثقافى هى مدرسة بغداد؛ وكانت وشائج القربى جامعة بينهما: فالقضايا واحدة؛
رشيد النيسابورى المعتزلى: إلى العبارة أى خلاف لفظى . . ونفذت المدرستان معا من
قواعد المنطق وقضايا الفلسفات القديمة والنظم الدينية للشعوب وهكذا انداحت داثرة
علم الكلام الإسلامى داثرة إثر داثرة من القضايا التى نتجت من التغيرات التى طرات
على المجتمع ثم ما وفد إليه من ثقافات التراث القديم . لاحق المعتزلة تلك القضايا
بالجدل الحر المستنير دفاعا عن الإسلام وتسديد سهام النقد إلى نحور الذين يثيرون الفتنة
والبغضاء إلى الإسلام ثم بناء صرح فكرى إسلامى له أساليبه العقلية والمنطقية مستمدا
من مناهجه العقدية والتشريعية ونظامه الاحلاقى. ففرقة المعتزلة لها فضائلها فى بناء
الحضارة الإسلامية.
ولولا أن السياسة صئحت رجالا من مدرسة الاعتزال واستخدمتهم لاغراضها
وأهوائها ما وقع شقاق ولا خصام بين المعتزلة وغيرهم من الفقهاء والمحدثين؛ حيث
آثارت الخصومة فى الرأى حربا شعواء ما أضرم سعيرها إلا تغير الأحوال السياسية التى
ثارت الفقهاء والمحدثين وأهل الورع والتقوى حتى تالم لها الرأى العام الإسلامى+؛
وحمل التاريخ فتئة القول بخلق القرآن شاهدا على أوزار المعتزلة واسم إمام المذهعب:
احمد بن حنيل وما لاقاه من عنت وتعذيب وقهر ولقاء ما أبداه من رأى يحمل عقيدته
الإسلامية» وكان من أهل الفضل والتقوى والورع هو الدينوئة الكبرى على وجه التاريخغ
الإسلامى. . لكنها السياسة تزين الحياة الدنيا للذين يستخفونهم؛ وهم فى كل عصر
أبى دؤاد رجل مدرسة ب اد هو الذى رمى بتاريخ المعتزلة فى حضن السياسة ثم أخيرا
رمت به فى مزبلة التاريخ . وتلك نهاية هؤلاء الذين صنعتهم السياسة.
وكانت محنة أحمد بن حنبل فتحا جديدا لمذهب السلف ومنعطفا جديدا لتكوين
الاتباع تحت مسمى: ابن حنيل وبعد ما كان تلميذا نجيبا للشافعى أاصبح مذهبا رابعا من
لكن الحنابلة كان تاريخهم أشقى من تاريخ المعتزلة فاعلنوها حربا على المعتزلة»
وقذفوه بالحجارة حتى اغاثه الموت منهم. .
لم يبلغ المعتزلة فى أذاهم هذا الحد ولم يكن لهم على وجه التاريخ من أذى وقع
منهم على أحد سوى ما يعرف بمحنة خلق القرآن» وييدو أن الذهبى المؤرخ بالغ فى
وصفها حتى خرج عن حد المعقول تلطيخا لسمعة المعتزلة وتلويثا لتاريخهاء ويبدو
من هنا كانت القراءة الحديشة لتاريخ المعتزلة يحتمها الواقع الشقافى المعاصر على
الذين يذهبون مذاهب الإصلاح والتجديد ويريدون أن يصدروا من تراثهم القومى ليبعثوا
حركة إحياء وتجديد ويصححوا دعوات الذين يخاصمون قومهم وماضيهم وتراثهم
ويتوجهون إلى الغرب لينقلوا إلى بنى قومهم نسخة مشوهة من الحضارة الغربية؛ فمن
الأولى أن تنطلق من المنهج الاعتزالى الذى كان الوجه العقلى المستثير للحضارة
الإسلامية؛ والوجه العقلى المعتصم بالكتاب والسنة الذى وقف أمام التيارات العاصفة
والملل والنحل العاتية بإيمان وإخلاص أمام مناهفضتها للإسلام. وذلك هو موضرع
الكتاب» وبالله التوفيق .
دكتور محمد إبراهيم الفيومى
متدمات تكوين الفكر الهري سرس
* مقدمل أولى +
التبادل الثقافى وروح الزمالة الفكرية فى الإسلام
امتدت من الهند شرقا وحتى سيبريا غرباء ووحدت -ولاول مرة بعد الإسكندر
والحرف+ واتسع نطاق التجارة» وواكب الازدهار الاقتصادى والاجتماعى تقدما ملحوظا
للعلوم والآداب والفنون» وللحياة العقلية عامة» ارتكز على التفاعل الحضارى والثقافى
بين مختلف الشعوب المنضوية تحت لواء دولة الخلافة .
أداة فعّالة فى التفاعل والتكامل الثقافى بين العرب والفرس والأتراك والبربر وغيرهم من
شعوب دولة الخلافة؛ فمع دخول هذه الشعوب فى الإسلام صارت العربية تتحول+
تدريجياء إلى لغة العلم والثقافة» وغدت وسيلة التخاطب والتفاهم بين الأوساط
المثقفةء من أبناء مختلف الشعوب والطوائف والملل والنحل .
واكتسبت حركة الترجمة طابعا منظما فى مطلع القرن التاسع» وذلك بعد مبادرة
الخليفة العباسى المأمون (877-817) بإنشاء «بيت الحكمة» فى بغداد. على غرار
الأكاديمية القديمة التى كانت قائمة فى جنديسابور» وفى بيت الحكمة هذا لمعت طائفة من
وقد أسهم علماء العالم الإسلامي» الذين ارتكزوا على إنجازات من سبقهم»
بقسط وافر فى إغناء العلوم الطبيعية والدقيقة» فأحرروا نجاحات كبيرة فى الطب؛ حيث
خلد التاريخغ أسماء أبى بكر محمد بن زكريا الرارى (ات: 479) صاحب «الحاوي» فى
الذى لعلّه اول من أدخل التخدير فى جراحة العين» وابن النفيس (القرن الثالث عشر)
الذى اكتشف الدورة الدموية (الصغرى)؛ وقام علماء الرياضة والفلك المسلمون بتعميق
وتدقيق أفكار أسلافهم من اليونانيين والهنود» وفى بغداد (القرن الحادى عشر) لمع المنجم
والفلكى أبى معشر البلخى (ت: 887) ومحمد بن موسى الخواررمى (توفى فى أواسط
القرن التاسع)؛ وقد وضع الخوارزمى جملة من الأعمال فى الجبر والحساب والجغرافيا
باللاتينية اشتق لفظ «اللوغاريتم»» وباسم الرياضى والفلكى أبى عبد الله محمد البتانى
(ت: 379) يربط وضع نظرية التوابع (الدوال) المثلثية؛ واستحق جابر بن حيان (أواخر
البصرية» ومن النماذج الفذة للعلماء الموسوعيين» الذين لم يكونوا نادرين فى المشرق
الإسلامي» كان أبو الريحان البيرونى (4770 - 48 ١٠)؛ اللى برز فى علوم الفلك
والرياضيات والفيزياء والمعادن والتاريخ والجغرافيا والأثنوغرافيا(!؟.
وقد تميز إبداع العلماء المسلمين بالبحث عن التطبيقات العملية لهذه وغيرها من
الإنشاءات النظرية» وبالالتفاف نحو التجربة والملاحظة وما يتصل بذلك من الاستخدام
الواسع لمختلف المعدات والأجهزة (واختراعهاء بطبيعة الحال)؛ وبالاهتمام بالطرق
الكمية فى الاستقصاء؛ وخاصة فى ميادين الفيزياء والكيمياء والفلك والجغرافيا .
وكان لتطور التفكير العلمى دوره فى التغيير الجذرى للتوجهات القيمية؛ وفى
توسع الآفاق والمتطلبات العقلية عند المسلمين» الذين لم يكن لهم -بالطبع- آلا
يتجاوزوا إطار القناعات» التى توافق مستوى التطور الثقافى لسكان الجزيرة العربية فى
القرن السابع؛ وكانت هذه الأمورء ومعهاء تكونت العلوم اليونانية التى تمثلها المسلمون
تتسم» هى تفسهاء يطابع موسوعى إلى حد كبير» وراء الاهتمام الواسع والعميق
بالفلسفة اليونان
وقد تعرف المسلمون على المدارس الأساسية فى الفلسفة اليونانية القديمة» وإن كان
3 تاريخ العلم : جورج سارطون» إشراف د. إبراهيم بيومي مدكور» د. قسطنطين زريق» د. حسن كامل
حسين؛ د, محمد مصطفى زيادة» ترجمة : د. محمد خلف؛ د. مصطفى الأميرء د. طه الباقي؛ محمد
عبد الهادي ابو ريدة؛ رشيد الناطوري» أحمد فؤاد الأهوائى الموجز في تاريخ الطب عند العرب: محمد
كامل حسين. العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالي: الدومييلي؛ د محماد يوسف موسى+
د. عبد الحليم التجارء
الأعمال الأرسطية الرئيسية؛ إما مباشرة من اليونانية أو بتوسط السيريانية مع أن أغلبية
ترجمة بعض مؤلفات أرسطوء وذلك بهدف تدقيق معناها وإصلاح أسلوبها وتهذيب
مصطلحاتهاء وكان بين هذه المؤلفات ما ترجم أربع مرات»؛ مثال ذلك «تفنيد الحجج
ومن أجل التفهم الاعمق لفلسفة أرسطو كانت تستخدم أعمال شراحه المتاخرين
شراح مدرسة الإسكندرية.
و«طيماوس»»؛ ولكن معلم أرسطو هذا كان أقل نفوذا ورواجا من تلميذه عند العرب؛
فقد كانت أعماله؛ بمسوحها الميثولوجية وببعدها عن الدقة العلمية فى تفسير الأمور
وهذا مما يشهد للعقل العربى على قدرة التمييز بين مدرسة أفلاطون ومدرسة أرسطو
وميله نحو منهجية أرسطو .
ولعبت دورا كبيرا فى قيام الفكر العربى الإسلامى بترجمة الأعمال التى تعود إلى
المدرستين: الإسكندرانية والأثينية فى الأفلاطونية المحدثة؛ فقد تعرف العالم الإسلامى
فى الحقيقة تلخيص لبعض «التاسوعيات» أفلوطين (الثلاث الأخيرة منها: الرابعة
الآخر قد نسب إلى الفارابي» ومن أعمال برقليس وصلنا «كتاب الخير الحض» الذى هو
مقتطفات من مؤلفه «أصول الإلهيات»؛ وتسع من أصل الثمانى عشرة حجة لصالح
القول بقدم العالم والتى وردت فى كتاب برقليس «فى قدم العالم»» و «مقالة فى إثبات
الحقيقة جزء من «أصول الإلهيات»؛ وفصول أخرى من هذا الكتاب أيضا ء
وأوليميودورس ويوحنا