وربط القرآن الكريم الإيمان بالعمل الصالح . وهو لا
يصلح موضوعيا إلا في اطار الواقع الإجتماعي . فمن علماء
التقليد ليس من شيم الإسلام . وأن الاغضاء عن حركة
الحياة ليس من سنن اللّه في خلقه . ليس المجال بداهة
للقول في العقيدة أو في الشريعة . فهما مادّتان واضحتان
إحكام التوظيف والقدرة على مراعاة المصلحة . فإذا كان
الدين فطرة , فإنه ملازم للحقيقة الانساتية في كل ما هو
جوهر . والجوهر البشري يرقى بالدين عقيدة وشريعة إلى
نموذج إنساني صالح ويسعى إلى المحافظة عليها . وهذا
النموذج مدفوع إلى التعامل مع واقعه الاجتماعي
والحضاري والتاريخي . فلا ضير أن نقول إنّ من القدامى
من تحملوا المسؤولية وأدوا الأمانة . وأنه علينا أن نتحمل
المسؤولية ونؤدي الأمانة . هي مسؤولية غسل الأدمغة من
الشعوذة وعقلية التخاذل والتفسخ وما يؤدي إليها .٠ وهي
أمانة العلم الصادق الذي يِميّزْ بين الأصل والزيف ٠
وتجتمع المسؤولية مع الأمانة لمواجهة واقعنا الحضاري
الذي نعيش ٠
هل يرتاب ذو عقل في الاختلاف النوعي بين نمط
حياتنا في عصرنا ونمط الحياة التي كان عليها أجدادنا +
خلبا . كان الوضع البشري رهين ما أدركه الانسان من
معرفة محدودة وأصبحنا نمر بسرعة من عصر الآلة إلى
عصر التكنولوجيا إلى الإعلامية والأقمار الصناعية . إنه
عالم جديد ذو بنى طارفة تستحثنا على أن نتعلق بها لا أن
كما هو وَإِمَا أن نقبع في الأحلام وآن نرسب في النشاز
الحضاري . واقتحام الواقع يستوجب جرأة . ويفرض أن
نتخلى عن العقم وعن العقد والمركبات . إنه يدعونا بل
يتوسل إلينا أن نرتقي إلى الحضارة لأنها لا تملك هوية
عرقية بل هوية إنسانية ؛ وهي لا تخضع للمناخ
الجغراق بل للمناخ الثقافي . ومن الجرأة أن نثير القضايا
الشائكة التي نعيشها في خضم التمزق المفتعل بين الأصالة
والتفتح . ووجه الافتعال بل الزيف ؛ أنَّ الأصالة بديهة
عند الإنسان وأنّ التفتح فطرة . نحن بحاجة إلى أن نعرف
أنفسنا , وهي معرفة ثقافية انثروبولوجية ؛ وإلى أن
نعرف واقعنا ؛ سواء كان محيطا طبيعيا أو اجتماعيا أو
البشرية ؛ فإن اعتبرنا المغايرة هي حق الآخر أن يكون
غيرنا يتيسر الاتصال ويسنح العروج إلى مستوى
الحضارة بروح التسامح ومراعاة حق الاختلاف .
هذه السلسلة حضارية ثقافية . لا تطال المجال
الراهنة , في المستوى المعري والثقافي في المفهوم الشامل
بالاثارة دون فرض الحلول وتسطير سبل النجاة , فهي
تطمح إلى أن تعد للمستقبل وهو يستدعي منا الكفاءة
والطاقة على مواجهة أنفسنا لترويضها على أن تنحت
وجودها في الوضع الملائم والناجع .
ولا شك أن السلسلة تفتح أبوابها إلى من يريد الاسهام
في عملها الثقافي وهي تجتهد لتوفر المواقف الناطقة عن
معاناة الواقع الحضاري الراهن والقادم وهي تؤمن بحرية
تتبناها ولكنها تربطها بأصحابها وتنشرها على هذا
كمال عمران
في قراءة التراث الديني
«الإتقان في علوم القرآن» انموذجا
عبد المجيد الشرفي
يجدر بنا قبل الاشتغال بمشاكل قراءة التراث
هذا البحث لا يشمل الطقوس والعادات والتقاليد
والعقائد الشعبية , وإنما يقتصر على الآثار المكتوبة
التي تتعلق بالمواضيع الدينية سواء كانت في ميدان
التفسير أو الحديث أو علم الكلام أو أصول الفقه أو
الفقه ذاته.
أما الخاصية الثانية لهذا التراث فهي أنه يتمحور
ولئن بدا هذا الأمر بديهيا بالنسبة إلى المسلم فمن المفيد
التأسيسي ؛ إذ لا مثيل لها بنفس الدرجة في الديانات
والتلمود عند اليهود - وهي مجموع آراء الربانيين
وتفاسيرهم - ينازعان التوراة اللكانة الأولى في
اليهودية, والتقليد الكنسي مقدِّم على الكتاب المقدس ,
وإذن على العهد الجديد ذاته بما فيه الأتاجيل , في
المسيحية الكاثوليكية . فنحن بالتالي حين نتناول التراث
الديني في الاسلام إنما نهتم بنصوص على النص
المقدس . أي بإنتاج بشري تاريخي يسعى إلى الوفاء
لذلك النصّ المقدس ولكنه في الآن نفسه يؤوله ويوظفه
ويوجهه حسبما تقتضيه الظروف التاريخية ومصالح
الفئات التي تتنازع التأويل وما تسمح به الآفاق
الذهنية والأطر الثقافية والمعرفية في تلك الظروف .
وفعلا فالنص التأسيسي قابل نظريا لعدد غير
محدود من التأويلات . ولأنه نص رمزي ثري يستعمل
المجاز والصور والأمثال والاشارة والتلميح ولا يتقيد
بالمقولات المنطقية أو بأساليب المتكلمين والفقهاء
وخطابهم فإن المسلمين قد وجدوا بعد مرحلة التلقي
العفوي الأولى صعوبة جمة في أقحامه ضمن القوالب
نطاق الحرص على وحدة الآمة وتماسك عقائد
المجموعة واتسجام سلوكها . ومن الطبيعي , والحالة
هذه , أن يذهب التأويل والفهم في اتجاهات عديدة لا
تخلو من الاختلاف وحتى من التناقض ؛ لا سيما في
إطار ثقافة شفوية بالأساس اعوزتها الوسيلة الدقيقة
حركات) وقلّ فيها من يحسن القراءة والكتابة , وفي
كل فريق الى تدعيم موقفه بمستند قرآني . بالإضافة
إلى هشاشة السنة الثقافية الإسلامية وهي في طور
النشأة والتكوّن كما هي الحال بالنسبة الى أي سنة
ناشئة تفتقر الى رصيد تاريخي راسخ في الضمير وفي
السلوك .
ن تعقب مرحلة البحث وتلمس الحلول , أي المرحلة
المنفتحة والحبلى بمختلف الإرهاصات , مرحلة يبدأ
فيها الاستقرار فيطغى أحد الاتجاهات في الفهم
والتأويل على ما سواه وينسى ما خالفه أو يغيّب .
وما هذا الاستقرار في الحقيقة الا بداية انغلاق السنة
الثقافية الإسلامية على نفسها بما يترتب عن الانفلاق
من اقصاء لكل رأي مخالف قد يذهب الى حد التكفير.
الفرق والمذاهب بخصائص مميزة وقامت بينها حدود
ويمكن لنا في كثير من الإيجاز أن نعتبر القرن
الأول والنصف الاول من القرن الثاني للهجرة فترة
نشوء السنة الثقافية الإسلامية وبحثها عن مرتكزات
ثابتة ومرجعية دقيقة , بينما مثلت الفترة الممتدة من
منتصف القرن الثاني إلى نهاية القرن الرابع عهد
الاستقرار وبداية الانفلاق , وهي الفترة التي شهدت
تدوين أهم الآثار في التفسير والحديث وسائر العلوم
الخامس فهي عهد الجمود والمحافظة وقشو التقليد على
نطاق واسع .
على أن هذه الصورة المختزلة لا توقّر في الحقيقة
إلا فكرة عامة عن الخطوط الكبرى لمسار السنة الثقافية
مبكّر عدة ثوابت رغم الاختلافات التي كانت قائمة بين
الصحابة أنفسهم ثم بين التابعين والأجيال اللاحقة .
وكذلك الشأن بالنسبة الى فترة الجمود والانغفلاق .
والفارق إذن بين هذه الفترات الثلاث الكبرى إنما هو في
تسبة الإبداع والتفكير غير الم
فترة وانعداما كليا للتفكير والاجتهاد في أخرى ٠
إن هذه المقدمة تسمح لنا بتنزيل كتاب جلال الدين
السيوطي (ت 911 /1505) الإتقان في علوم القرآن في
الإطار التاريخي والمعرفي العام الذي يندرج فيه بصفة
طبيعية . ومعلوم أن السيوطي مصنّف جامع قبل كل
شيء اشتغل بتصنيف مختلف المعارف التى كان يمكن
لعالم من القرن العاشر أن يَطَّلَع عليها . ولكن هذه
التي دوّنها ولا محاولة توجيه قارئه نحو خيارات
معيّنة تتماشى واهتمامات عصره وثقافة معاصريه .
مقدمة لتفسير قرآني (2) جمع فيه ما يتعيّن على
المفسّر معرفته واعتقاده قبل الإقدام على التفسير ذاته.
فعلوم القرآن التي يتعيّن اتقانها عنده هي جملة
المعلومات المتعلقة بهذا النص من كيفية الوحي به
فهم سليم وسلوك مستقيم . وتبرز أهمية الإتقان
بالخصوص في أنه يمثل أحسن تمثيل ثقافة المفسر
الكلاسيكي , بل ثقافة العالم المسلم , على أساس أن
القرآن هو قطب العلوم الدينية كلها ومحورها كما ”
نتبيّن منهج قراءة هذا التراث . لذا ار:
منه على نصين : يشتمل الأول على النوع العاشر
بعنوان «فيما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة».
» وورد النص الثاني ضمن النوع السابع والأربعين
المتعلق بالناسخ والمنسوخ )3(
وأول ما يسترعي الانتباه في هذين النصين أنهما
يتعلقان بالوحي كليهما : هذا يهتم بأقوال جاءت على
لسان الصحابة قفكرّسها الوحي وأصبحت بذلك جزءا
من القرآن , وذاك يهتم بظاهرة النسخ وكيف كانت
بعض الآيات ضمن القرآن ثم لم تثبت فيه عند الجمبع