مقدمة
شهدت الأعوام الأخيرة من حياة الإنسانية المعاصرة لغطا كبيراً حول ما يسمى
بحقوق الإنسان» فرأينا حكومات تحاسب وتعاقب لانتهاكها لهذه الحقوق؛ بينما رأينا فى
الوقت ذاته؛ تلك الحكومات التى تملك الدواب والعقاب؛ أكثر انتهاكا لهذه الحقوق من
أى حكومات أخرى.
فبذريعة حقوق الإنسان أبيد الإنسان فى مناطق كثيرة من العالم؛ وتم حرمانه من
وبذريعة حقوق الإنسان ثم احتلال دول واسقاط حكومات؛ حرم أهلوها من أبسط
والإنسان الذى فرض حقوقه على الآخرين هو الغربى والمسيحي.
لها المؤتمرات؛ وخصصت لها الدولارات؛ منها : مصطلح تعليم حقوق الإنسان؛
ومصطلح واجبات الإنسان. وكل يتحدث عن إنسانه الذى يراه وفق معتقداته وترائه؛
وقبل أن نلج جوهر دراستناء يبغى أن نشير بإيجاز إلى هذين المصطلحين كتمهيد
الموضوعنا الرئيس.
تعليم حقوق الإنسان :
تعرف نانسى فلورز تعبير تعليم حقوق الإنسان بأنه يعنى «كل سبل التعلم التى تؤدى
إلى تطوير معرفة ومهارات وقيم حقوق الإنسان» "١!
ويعد مصطلح تعليم حقوق الإنسان إطاراً عاماً يهدف إلى مساعدة الأشخاص على
تدمية قدراتهم مما يمكنهم من فهم هذه الحقوق والشعور بأهميتها وبضرورة احترامها
والدفاع عنهاء ويحوى هذا الإطار جميع سبل ووسائل التعليم التى تسهم فى بناء «ثقافة
حقوقية» فى المجتمع؛ وتطوير المعرفة والمهارات والقيم المتعلقة بذلك.
وقد خصصت الأنم المتحدة من خلال الجمعية العامة فى ديسمبر 886٠م الفترة
الواقعة من يناير 446٠م وحتى ديسمبر 4 0٠٠1م كعقد لتعليم حقوق الإنسان. وعرفت
هذا المصطلح بأنه «عملية شاملة ومستمرة باستمرار الحياة؛ يتعلم بوساطتها الناس فى
كل مستويات التمية, وكل شرائح المجتمع؛ احترام كرامة الآخرين ووسائل ومناهج هذا
الاحترام فى كل المجتمعات؛ '"'
كا تم تعريف «تعليم حقوق الإنسان» بشكل عملى وتفصيلى من أجل غابات العقد
المشار إليه آنفا بأنه '”' «جهود التدريب والنشر والإعلام» الرامية إلى إيجاد ثقافة عالمية
فى مجال حقوق الإنسان عن طريق تقاسم المعرفة والمهارات وتشكيل السلوك فى سبيل
-١ تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
؟- الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية واحساسها بالكرامة.
+ فيليسا تيبيتس؛ «نمادج فى طور البروز لتعليم حقوق الإنسان» فى المعرفة؛ مجلة تصدرها ور )١(
التربية والتعليم السعودية الرياض. العدد ٠١١/١ صفر 78 ١ه > ابريل 4< ١ ص١"
() لبنى الأنصارى. «ليس حقا فحسب بل ومسؤولية؛ فى المعرفة؛ مرجع سبق ذكره؛ ص 7١
(©) السابق
-٠ تعزيز التفاهم والتسامح والمساواة بين الجنسين؛ والصداقة بين جميع الأنم والسكان
الأصليين والمجموعات العرقية والقومية والإثنية والدينية واللغوية.
؛- تمكين كل الأفراد من المشاركة بفاعلية فى مجتمع حر.
على استحياء - تجاه ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان؛ عندما يكون الإنسان
فلم تتحرك الأمم المتحدة تجاه انتهاكات الأمريكيين لحقوق المسلمين فى سجون «أبى
الفلبين؛ وغضت الطرف عن عمليات التطهير العرقى لمسلمى البوسنة حتى أصبح الأمر
وفى الوقت نفسه نجدها تسارع إلى الوقوف إلى جانب حقوق الإنسان فى جدوب
جانب تيمور الشرقية فى اندونيسياء حتى منحت نصارى الإقليم حقهم فى الاستقلال
وتكوين دولة مستقلة ذات سيادة؛ وهو الأمر الذى تتغاضى عنه تماماً بالنسبة للمسلمين
الحروب من أجل تحقيقها والحفاظ عليها؛ والثانبة بلا حقوق» يتم تعطيل كل قانون فى
سبيل عدم تحقيقها.
الفصيلة الأولى هى الخاصة بالغرب بعامة والمسيحيين بخاصة: والثانية هى الخاصة
بالمسلمين بعامة, والعرب على وجه الخصوص.
وقد عقد فى القاهرة فى أكتوبر عام ٠٠٠1م مؤتمر تعليم حقوق الإنسان استجابة
لضغوط المونسكو ومنظمة العفو الدولية, وذلك فى مركز القاهرة لدراسات حقوق
الإنسان بهدف بحث قضايا نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعليمها فى العالم العربي»
المؤتمر بما يسمى ب«إعلان القاهرة لتعليم ثقافة حقوق الإنسان ونشرها»؛ والذى حدد
مفهوم تعليم حقوق الإنسان ولقافاتهاء كما حدد أهداف ذلك على النحو التالى ,©
«إن تعليم حقوق الإنسان هو فى الجوهر مشروع لتمكين الناس من الإلمام بالمعارف
الأساسية اللازمة لتحررهم من جميع صور القمع والاضطهاد؛ وغرس الشعور بالمسؤولية
تجاه حقوق الأفراد والمصالح العامة ... إن تعليم ثقافة حقوق الإنسان ونشرها هو عملية
متواصلة وشاملة تعم جميع صور الحياة؛ ويجب أن تنفذ إلى جميع أوجه الممارسات
الشخصية والمهنية والثقافية والاجتماعية والسياسية والمدنية ... إن تضافر المعرفة
والممارسة هو الهدف الجوهرى لتعليم ثقافة حقوق الإنسان ونشرهاء إن تعليم حقوق
الإنسان إذ يغرس حس الكرامة والمسؤولية إلى جانب المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية؛
يقود الناس بالضرورة إلى الاحترام المتبادل والمساعدة الجماعية والتأقلم مع حاجات
كما تحددت أهداف تعليم حقوق الإنسان ونشرها فيما يلى :
-١ تتمية الشخصية الإنسانية وازدهارها.
"- تعزيز وعى الناس - نساء ورجالاً - بحقوقهم.
-٠ توطيد أواصر الصداقة والتضامن بين الشعوب؛ وتعزيز احترام حقوق الآخرين.
4- تعزيز ثقافة السلام القائم على العدل وعلى احترام حقوق الإنسان.
1 لبنى الأنصارى؛ مرجع سبق ذكرة؛ ص )١(
بل العكس هو الصحيح, فقوانين الطوارئ مازالت تهيمن على حياة الإنسان»
واعتقالات المطالبين بالإصلاح من المشرق العربى إلى المغرب العربى على قدم وساق»
ودولة كاندونيسيا تحكم على شيخ مسن هو بابكر عشير بالسجنء فإذا ما قضى سجنه
وخرج؛ يتم اعتقاله فى نفس اليوم دون محاكمة؛ والأمر مشابه فى السودان مع الترابي»
صحف الإثارة؛ والكتب العئة ودأحزاب الأنابيب».
إذا كانت الأنم المتحدة جادة فى تعليم حقوق الإنسان ونشر ثقافتها - وأظنها ليست
كذلك - فعليها أولآ أن تجمع زعماء وحكام وقادة العالمين الإسلامى والعربي؛ وتقوم
قد تربوا وترعرعوا على مبادئ ومثل وقيم بعيدة تماماً عن حقوق الإنسان؛ فهم لا
واجبات الإنسان؛ والإعلان العالمى عنها ؛
نظراً للتخبط الغربى فى مفهوم «الحق»؛ فقد لجا ستة وعشرون رئيساً ورئيس وزراء
سابقين من مختلف العالم - بعد أن خصص لهم رجل الأعمال الأمريكى تيد تيرنر
مليار دولار - لإصدار ما يسمى بالإعلان العالمى لواجبات الإنسان.
فقد كتب المستشار الألمانى الأسبق هيلموت شميدت '' ' - رئيس التجمع السابق
فى صحيفة (دى تسايت) بتاريخ 1447م مقالا بعدوان : «آن الأوان للحديث
شميدت ذلك إلى الفهم المحاطئ لحقوق الإنسان فى الدساتير الأوربية وكثير من
97 أسامة أمين؛ «الإعلان العالمى لواجبات الإنسان»؛ فى : مجلة المعرفة؛ مرجع سبق ذكره؛ ص ) ١١
الات
الإنسان كوسيلة عدوانية, وتمارسة الضغوط - نحت مظلتها - من قبل الدول العظمى
لتبرير تصرفاتهاء فى حين تغمض أعينها عن هذه الحقوق, كما هو الحال فى التعامل مع
إسرائيل؛ ومع الدول التى ترتبط بها هذه القوى العظمى بمصالح اقتصادية أو
وقد اشتمل إعلان «واجبات الإنسان» على مقدمة تليها تسع عشرة مادة؛ تبدأ
غالبيتها بعبارة «على كل شخص أن».
وربما تميز هذا الاعلان عن إعلان الحقوق بانتقاله من حيز الفرد إلى حيز البشرية
بشكل عام؛ وعلى نحو ما نجد فى المادة التاسعة منه؛ الى تنص على أن «كل الناس
الذين تتوفر لهم الإمكانيات, ملزمون بالقيام بجهود جدية للقضاء على الفقر والقهر
والجهل واللامساواة؛ وعليهم أن يدعموا بشدة هذا التوجه على مستوى العالم» لضمان
الكرامة والحرية والأمن والعدالة للناس جميعا».
تنص عليها الأديان كلهاء مع أننا حين نعالج - تفصيلاً - حقوق الإنسان فى اليهودية
- أساس التراث الغربى - وفى الإسلام؛ سنجد أن هذه القاعدة مخالفة تماما للنصوص
مثل هذا التصريح الغربي؛ يعد محاولة تجميل لسوءات المعتقدات الغربية.
صك بحق الآخر فى الحياة؛ ومن ثم لا يعانى التراث الإسلامى فى هذا لمجال أزمة فى
المصطلح على نحو ما عكسه شميدت وزمرته.
وقد أثار إعلان الواجبات المشار إليه اعتراضات الكثيرين؛ إذ رأوه يقدم ذريعة
للحكومات للتدخل فى جميع جوانب الحياة الشخصية لكل فرد ومحاسبته على عدم
قيامه بواجباته المنصوص عليها تجاه مجتمعه الإقليمى والدولي.
أنه يخلط بين العام والخاص؛ وبين المجموعات الاجتماعية والعرقية والدينية. "١!
وتهدف هذه الدراسة الموجزة إلى بيان موقع حقوق الإنسان على المستوى العام
وعلى المستوى الأسرى فى اليهودية - حيث تشكل جوهر الفكر الدينى والشقافى
الغربى- والإسلام بهدف استجلاء مكانتها و الوقوف على أهميتها فى كلا الجانين مع
إبراز أوجه التشابه و الاختلاف حتى يتمكن هؤلاء الساعون لبلورة حقوق الإنسان و
تنقيتهاء من الاسترشاد بالأسس التى تصلح لأن بينى عليها صرح شامخ متين. لاتهزه
وقد ركزت فى هذا المقام على ما ورد فى الأسفار المحمسة من العهد القديم؛ وف
القرآن الكريم بالدرحة الأولي ؛ مع الاسترشاد. أحياناً بما ورد فى بقية أسفار العهد
القديم وما جاء على لسان حكماء اليهود من ناحية؛ وما جاء فى للسنة النبيبية من ناحية
أخرى
ولا أزعم أنى قد استعرضت جملة الحقوق الإنسانية الواردة فى المهودية والإسلام.
وإنما يكفى أن تشير الدراسة إلى أهمها وأبرزها لتحديد المسار العام الذى يسلكه كل
جانب؛ والذى يمكن على ضوله تفسير ما يظهر لنا من حقوق أخرى تناولتها نصوص
اليهودية والإسلام المقدسة
وفى البداية ينبغى أن أشير إلى مفهوم الحقى عند الجانيين .
فاليهودية لا تعرف كلمة حت بمعنى دما يصل إلى الإنسان» وهو المعنى الحديث لهذه
88 - 84 مريد ص وجوه النقد فى أسامه أمين, مرجع سبق ذكرةا ص ١
لا يمنح حقوقآ وانما يفرض واجبات؛ ومن ثم فاليهودية لا تعرف أساسآ ما للمرء من
حقوق بقدر ما تعترف و تقر بما عليه من واجبات ٠
فالواجب إذن هو الذى يخلق الحق إلى جانبه ويحترف به !1 .
أما فى الإسلام ,فقد أعطى للح لقلا خاصا !").
فهو اسم من أسماء الله تعالى :
رم لا لا نوين الله وما جنا من لْحْ > المائدة :6م
ركذب به فَوْمُكَ وَهُوالْحق » الأنعام :9
أنظر أيضاً الرافى عدين شطيفزامس, المخاص والعام فى اليهودية ؛ مقال فى «العرض الشهري»
6١ص 148411016 © 4 الذى تصدره وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ الجزء "7 العدد
() أنظر على جريشه؛ حرمات لا حقوق : حقوق الإنسان فى ظل الإملام دراسة مقارنة؛ دار
أنظر أيضاآً محمد البهي» «حقوق الإنسان فى القرآن؛ ؛ فى حقوق الإنسان فى الإسلام ورعايقه
للقيم والمعانى الإنسانية؛ مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر» المؤتمر السادس(1)» القاهرة؛ مارس
كما أنه قد شرع حدودا؛ هى أعلى درجات العقوبة فى الإسلام؛ من أجل حماية
أهم حقوق الإنسان :
فحق الدين يحميه حد الردة .
وحق المال يحميه حد السرقة وحد الحرابة .
وحق العرض يحميه حد القذف وحد الزنا .
وحق العقل يحميه حد الحمر .
وحق النفس يحميه حد القصاص الحق .
وقبل أن نخوض تفاصيل بعض هذه الحقوق؛ نشير سريعاً إلى حقوق الإنسان عبر
العصور وما وصلت إليه من إقرار لبعضها فى مواليق دولية؛ تشرف على رعايتها أنظمة
وهيئات متعددة؛ ليتضح البون الشاسع بين مواليق البشر و مواليق خالق البشر .