فى حل الإهداء :
عبد الكريم الجيلى
نجع
فى الإسكندرية ؛ قبل حمسة عشر عاماً ؛ تقدّمت لكلية الآداب بخطة
بحث لتيل درجة الماجستير فى الفلسفة الإسلامية والتصوف ؛ بعنوان فلسفة
عبد الكريم الجيلى الصوفية ؛ دراسةٌ وتحقيق لقصيدة النادرات العينية ... كان
وتوقّف الأستاذ المشرف؛ الدكتور حسن الشرقاوى» عن قبول أو رفض
الخطة .. ثم على الأمر عوافقة أستاذه - وأستاذى- الدكتور محمد على
أبوريان. و ما عرضت الأمر على الأخير » صاح فئ :كيف ستدرس عبد
اللشعبد الأعظم.
وانسحبت فى هدوء .. فى هدوء ملئ بالحسرة والألم . حتى كانت
صبيحة اليوم العاشر من شهر ديسمير من الستة اللذكورة» وإذا بالأستاذ للشرف
يهاتفنى طالباًمنى الحضور ومعى خطة البحث» ووقّع عليها - من دون ثقاش-
بالموافقة ! بعدها يزمان سألته عن هذا التحول المفاجى فقال ما معداه أنه رأى
آأدى ذلك بى » لاحقاً؛ إلى إمعان النظر فى الأمرين : التحول الفاجئ»
حياة المعاصرين أو فى حياة السابقين » فوجدت ذلك عثابة انقلاب فى حياة
هذا الإنسان أو ذاك ٠ وفى تاريخ التصوف الكثير من الأمثلة على ذلك؛ فقد
تر إيراهيم بن أدهم فسا إل طريق القوم؛ وكان فى غمرة حياته اللاهية ي
وأثناء رحلة صيد؛ سمع هاتفاً من قريوس سرحه :يا إبراهيم ما هذا لقت 1
جميل فأ إلى الطريق الصوفى» بينما كان قاطعاً للطريق يرصد قدوم التواقل
لنهيها .. كان عيناً لجماعة اللصوص» فسمع النداء : يا صاحب العين عليك
العين | فصار بعدها علماً من أعلام التصوف. وتحول فريد الدين العطار فحاةٌ
وعلوم المظاهر» إلى التصوف وعوالم الباطن بعد لقائه بشمس الدين التيريزى ..
كدري الخلا لحك امسن
تحوّل جلال الدين الى » فحاةً » إل التشيع . وتحوّل نصير الدين الطوسى»
الشجرة » سقوطاً ثراه مفاجاً.. . بينما هو نتاج لوقت طويل من النضج الخفى
الهادئ
)1451 راحع ذلك فى كتابنا : عبد القادر الجيلانى » باز الله الأشهب (دار الجيل - يووت )١(
انظر مثلاً أحلام المأمون وكيف أدّت إلى أكبر حركة ثقافية فى الحضارة العربية
الإسلامية» أعنى حركة الترّجمة ونقل الكتب اليونانية إلى اللغة العر؛
رأى المأمون أرسطو فى متام حكاه لنا ابن النديم فى الفهرست حين قال :
فك رٌالسبب الذى م نأجله كثرت كنب الفلسفة وغرما عن
العلوم القديعة فى هذه البلاد؛ أحد الأسباب فى ذلك أن الأمون
ا جبهة؛ مون ا حاحب ء أجلح الرأس ؛ أشهل العينين ؛ حسن
الشمائل ؛ جالس على سربره. قال الأمون : وكأنى بين يليه؛ قد
الشرع. قلت : ثم ماذا ؟ قال : ما حَسنَ عند ال جمهور . قلت :
ثم ماذا ؟ قال : ثم لا ثم .. وفى رواية أخرى . قلت : زدنى .
بالتوحيد | .. فكان هذا للدام م نأ وكد الأسباب فى إحراج
وللمأمون منامات أخرى» كان لها أثرها الباشر فى رسم اللامح العامة
بن إسحاق الذى اضطهده المأمون يسبب مؤامرة حاكها أعداء حنين لإيهام
الأمون بأن حتيناً يهين السيد اللسيح - وكان حنين مسيحياً - فجرده المأمون
+7١7 ص )١4/8 ابن التديم : الفهرست تحقيق رضا المازندراى (دار المسيرة - بيروت» )١(
على رأى بيت الحكمة يبغداد .. فأخرج حنين روائع العلم اليونانى إلى اللغة
ولا نستطيع هنا الإفاضة فى الكلام عن أثر المنامات فى حياة الأفراد
والأمم . كما لا يمكتنا الاستفاضة فى تحليل الأثر المتبادل بين الوعى والحلم فى
صياغة الحلم والواقع ! فذلك سوف يُجرى بنا خيول الكلام إلى مضمار بعيد..
مصائرنا :
وعلى ريج نهم ديح
.. وفى الأيام الأولى من العام ١487 ميلادية؛ سحلت خطة الماجستير.
الشرقى» كنت ضمن قوات حرس الحدود» موكولاً إل عمل عجيب هو المراقبة
بالنظر ! فكت أمضى ساعات النهار فى بقعة صحراوية نائية. أحدّق فى
البحر» راصداً دخول آية طائرات متخفضة؛ من تلك التى لايمكن لأجهزة
فى تأملات طويلة حول عبد الكريم وفلسفته الصوفية .. ونوقشت الرسالة »
فى الأسبوع نفسه الذى أنهيت فيه خدمتى العسكرية.
هذه الدراسة فى فلسفة الجيلى : غير للفهوم ١ الذى ظنه أستاذى ؛ لما عجز عن
فهمه ؛ مشعيذاً أعظم !
تلقيتُ اللمح النهحى الأول » فى هذه الدراسة الع بين أيديداء من
شيخى مصطفى حلمى القادرى .. فقد نصحتى فى وقت باكر بألا أدخل
إلى النص الصوفى بعنف» وبألا اعتبر الأمر معادلة كيميائية . وإلا » فلن أخرج
الذوق .. ومن دون تذوق هادئ للمرامى البعيدة قى النص الصوفى» وإدراق
ومن تاحية ثانية ؛ على صعيد المنهج .. فقد لاحظت أن الشعر هو المجلى
الأوسع للتعبير الصوفى » يما للنص الشعرى من إمكانات خاصة للإشارة إلى
أسرار العنى الذى لا تطيقه العبارة . فالشعر يوحى » ويلمح » ويلرّح :
رز اقوى » ما الس عن َع
من هنا اعتمدت على النصوص الشعرية فى فهم فلسفة الجيلى وأفكاره
الصوفية؛ مع اهتمام خاص بقصيدته العلولة النادرات العينية وى واحدة من
أبدع قصائد الشعر الصوفى: وأكثرها من حيث عدد الأبيات -لايفوقها طولا
فى الشعر الصوفى العربى» غير تائية ابن الفارض الكيرى - وقد عبر الميلى
خاصة أنه اختار لها بحرا عروضياً ذى مساحة عريضة » هو الطويل الذى تيح
تفعيلاته الممتدة» بحالاً أوسع للتعبير .
وعلى صعيد لمنهج أيضاًء لابد من الإشارة إلى أنضئ استفدت كثياً من
المنظور البنيوى .. مع تطوير خاص استغنيت فيه عن فكرة القطيعة عند
البنيوين» واستبدلت بها فكرة ال السابق فى اللاحق . فالنهج البنيوى ينظر
إلى الإنتاج الثقافى فى كل مرحلة ؛ باعتباره نسيجا خاصا ذا استقلاليةٍ تامة عما
يسبقه وبلحقه من مراحل معرفية أخرى» بحيث تصبح البنية امعرقية الواحدة»
ويرى البنيويون» أن القَطْع يفصل بين البنيات العرفية التعاقبة » ويمثل حلا
صارماً بين التشكّلات امعرفية. . وارى أن البينة الأسبقء تمثل عتصراً بتكاملاً
يدخل فى تشكيل البنية اللاحقة -ضمن عناصر أخرى مستحدثة- وبهذا يتم
التواصل بين البنيات المعرفية. وبهذا التظور العدل» تناولت نظرجئ الإنسان
الكامل والوحدة » فى الحقبة المعرفية التى امتدت من القرن السادس إلى القرن
التاسع الهجريين» وهى الحقبة التى بدت فيها المعرفة الصوفية على نحو خاص»
هلَى فى أعمال الصوفية الكبار الذين اتتسبوا لهذه الحقبة أو البنية المعرفية»
وكان مفهوم الحقبة امعرفية عندى» مستفاد فى المقام الأول من مصدرين +
الأول دراسات ميشيل فوكو المبكرة .. والصدر الآخر ؛ بيت شعرى لاين
الفارض - يجب تأمله بعمق - يقول فيه إن الذات الإلحية تضوع تجلياتها فى
الكون :
بهذه الاعتبارات المنهحية . أنجزت رسالتى فى فلسفة عبد الكريم
الجيلى.. وطبعت الرسالة على حالها الأول » قبل عشر سنوات » فى طبعة
نحو أفضل.. على الأقل ؛ بحكم الخيرة النى تراكمت عندى » وأنا متحةٌ
للأربعين من العمر » حيث : الأخطاء أقل» والألم أكثر .. والحيرة أعمق +
وكانت الطبعة الأولى » بالعنوان نفسه الفكر الصوفى مع إضافة العدوان
الأصلى» وغيرتُ العنوان الجانبى إل بين عبد الكريم الجيلى وكبار الصوفية
لأنه أكثر انطياقاً على موضوع الكتاب» وأكثر دلالة على المنهج انيع فيه
والوحدة؛ لمكن فهمها بشكل جيد » بعيداً عن الشروط الموضوعية والسياق
يكن من الممكن ظهور هاتين التظريتين» فى حقبة معرفية سابقة على القرن
السادس الحجرى» فالخيرة الروحية واللغة الصوفية » ما كانا قد تأهلا بعد لظهور
مثل هذه النظريات .. ومن الجهة الأخرى» فقد حدث فئ تلك الحقبة أن تفتت
مما أدى لالتهام بعضها ؛ وضعف البعض الباقى. وحدث أن تقلّص رعى
الإنسان بذاته مع ازدياد خراب العالم واضطراب الأحوال العامة.. فجاءت
لنظريان » لنضمًاالكيلا اتش سياسياً داخل تنظيم روحئ محكم (الولاية
وتحت لواء فرد واحد ( القطب ) بديلاً عن الفرد السياسى المضمحل (الخلفية)
د. يوسف زيدان
الإسكندرية فى مارس ١48
الوافق ذى القعدة ١518 هحرية
(الطبعة الأولى)
فى الأيام الحاضرة» تزداد الهرّة اتساعاً؛ فتفصل بين ماضينا والحاضر» على
واتساع المهرّة يعنى : أن تنضب يتابيع استمداد القيم الوحية من التزاث..
فيعلوا إيقاع التحضر غير للتعقّل» ويزداد توتر الأحكام العامة لدى الفرد» الذى
م يملك أن يُحكم ذوقه فيما يقبل أو يرفض من إنتاج الغرب.. ومن هناء يدا
غروب أحكام القيمة فى أفق حياتنا الخلقية.
واتساع الهوة أن تقطّم سيقانٌ تربط بين الفكر الحاضر وحذور
الإبداع الثقافى فى التراث.. . يمسى مثقف اليوم بلاهوية » يتلمس بعضاً يسواً
من أثر الحكمة فى الغرب الذى.. إن ذُكرت الحكمة ذَكَرّ الشرق. ومن هناء
تتتفى الأصالة فى التكوين العام لحياتنا الثقافية.
واتساع الهوة .. فصلٌ بين رسوخ تقاليد الحكم الإلهى فى سيرة الألين
وبين ضرورة اقتداء الآخرين بتلك الأحكام فج ذلك -أول ما يهج- براثن
شرم خفى» تنشب فى قلب الروح باسم التحضر ومن التحول.. ويتتج -على
الجانب الآخر- مظاهر التطرف اللا واعى» البدّى فى أطراف واقعنا الدينى.
و تبعد ما ين إنسان يسعى دوم للتعلق بذيولي براقة» تبديها دون
هنا يبدا الاغتزاب والاتشطار فى الوعى الجمعى .