تحتل مادة «تخريج الحديث»» مكانة علمية مهمة من بين مواد العلوم
الشرعية الي يدرسها الطالب في مراحل تكوينه الجامعي» حيث إن هذه المادة تبي
في الطالب منهجا علميا صحيحاء يحفظه من سوء التخبط في الخطأ والوهم
ويؤسس فيه الروح العلمية المرئة البعيدة عن التعصب أو الاعتداد بالرأي في بحوثه
العلمة الي يقوم بها في مراحل نأشحه الفكري اللاحقة؛ سواء كانت درامسته في
الحديث أو التفسير أو الفقه أو الأصول أو التاريخ أو غيرها مما له صلة بالعلوم
وإذا كانت الفائدة من دراسة مادة «تخريج الأحاديث» هي حصول
الطالب على منهج علمي صحيح في البحث والتفكير والحوار والتعقيب فإن
طرح هذه المادة يجب أن يكون بأسلوب علمي من شأنه تمكين الطالب من تحقيق
تلك الفائدة» مما يدعو إلى ضرورة التطوير في طرق تدريسها بعيدا عن التقليد
المتمثل في تعريف الطالب بوسائل كشف مواضع الحديث من مصادره المتنوعة؛
وترجمة الرواة» والوقوف على مناهج كتب الحديث والزاجم؛ وتشجيعه على
حفظ المعلومات المتعلقة بذلك . وهذه كلها أمور شكلية يوفرها الحاسب الآلي
من خلال برابجه الحديثية المتنوعة؛ أو يستطيع الطالب أن يقوم بها تمجرد الممارسة
والقراءة الذاتية -
تراوح مكانها التقليدي؛ المتمثل في التركيز على الجوانب الشكلية الي يستطيع
الطالب الوقوف عليها من خلال تعامله مع الكتب» من غير توفير المنهج العلمي
المباشر في تخريج الحديث؛ ودون بذل الجهد اللازم لبلورة القضايا الجوهرية في
التخريج» ومن غير لفت الانتباه إلى ضرورة التطوير في طريقة تدريسها لمعالجة ما
آلت إليه كثير من البحوث الحديثية المعاصرة من تكرار في الدراسات وسطحية
في التفكير؛ مما ساعد على التسبب في الاصطدام مع الحقائق العلمية والتناقض مع
جهود نقاد الحديث الجهابذة .
ولمعالجة ما آلت إليه البحوث المعاصرة الب لم تراع فقه علم التخريج؛
واستكمالا لجهود الأفاضل في تأصيّل قواعد هذا العلم» ولبناء منهج علمي يمكن
ظيف بربحة الحاسب الآلي في الأحاديث النبوية لتحقيق اهدف من
التخريج, فإننا نبذل بفضل الله تعال قصارى جهدنا في تقديم هذه المادة بشكل
مبسط ومركز في الوقت نفسه على قضاياها الجوهرية مع تدريب الطلاب على
تجسيد هذه القضايا في البحث والتخريج على اختلاف مستوياتهم وتتوعغ
تخصصاتهم .
ولذلك فإننا سنطرح هذه المادة في ثلاث مراحل على سبيل العدرج»
وبفضل الله تعالى يتهياً الطالب في كل مرحلة لدخول المرحلة اللاحقة؛ ولا
تتحقق الغاية من ذلك الطرح إلا إذا تعاون الطالب مع أستاذه في المراحل الثلاث
بشكل حقيقي وفعال .
الباحث من ت
أما المرحلة الأولى فيتدرب الطالب فيها على كشف مواضع الحديث من
المصادر الأصيلة المختلفة؛ إما عن طريق الحاسب الآلي؛ أو عن طريق الفهارس
الحديثية» كما يتدرب على تصنيف المعلومات المتعلقة بذلك بشكل موجز» وهذا -
كما ترى - عمل في بحت لأنه لا يقف الطالب من خلاله إلا على مواضع الحديث
من مصادره؛ ولا يحتاج فيه إلى إعمال فكره؛ بل يتوقف فقط على ممارسة التخريج
والبحث عمن روى الحديث من الأئمة . وهذه المرحلة هي أبسط مراحل التأصيل
لفقه التخريج» وتبدأً من أول محاضرة إلى أن يحين وقت الاختبار الأول +
ثم تعقبها المرحلة الثانية ويتدرب الطالب فيها على إجراء دراسة مقارنة بين
الأحاديث الي يجمعها من المصادر المختلفة وبأسانيدها المتنوعة لرصد وجره ا خلاف
الجوهري فيما بينهاء سندا أو متناء وتوظيف نصوص النقاد في سبيل معالججة ذلك
الخلاف» ثم تصنيف ذلك تصنيفا علمياء من شأنه أن يعطي للقارئ فكرة مؤسسة
حول ملابسات الرواية وحكم النقاد عليها» ويعتمد الطالب في تدربه هذا على نماذج
يلزمه الرجوع إليها في هذه المرحلة ٠
وهذا بالطبع يساعد الطالب على حصول فكرة دقيقة حول توظيف المصادر
فيما يتطلبه البحث والتخريج, لأن بعض الكتب لا وظائف معينة لا تكون
لأخرى» فمثلا هناك مصادر يجب الاعتماد عليها في التخريج بينما لا تصلح
الأخرى إلا لوظيفة محددة غير التخريج» ونحن نرى الخلط بين هذه الوظائف في
كثير من البحوث المعاصرة الي يفرح أصحابها بكبر حجمها ٠
وأثناء ذلك التدريب يتوفر للطالب فرص عديدة لمعرفة أهمية الدراسة المقارنة
وكيفية الاستتتاج منهاء وهذه كما ترى مرحلة علمية يحتاج الطالب فيها إلى إعمال
عقله وتفكيره؛ ومدة هذه المرحلة من الاختبار الأول إلى الثاني +
ثم تأتي المرحلة الأخيرة ويتدرب الطالب فيها على كيفية ترجمة الرواة
بشكل منهجي حتى يستوعب المادة بجميع جوانبهاء ومن المؤمل أن يتحصل
الطالب من خلال هذه المرحلة على فكرة منهجية تدور حول ثلاث نقاط يقوم
عليها فقه تراجم الرواة؛ وهي:
أولا : لمن نترجم من رواة الحديث ؟
متى نترجم له ؟
وذلك من أجل التحقق من مدى صحة الحديث وضعفه . ونصدِّر هذه
المرحلة بتعريف موجز ومركز لمصادر التزاجم وشرح مناهجهاء وبيان كيف يتم
تلحيص الحكم على الراوي من خلال دراسة آراء العلماء المختلفة .
تلك نبذة موجزة حول طبيعة المادة وتوزيعها على ثلاث مراحل؛ وهي
بحاجة ماسة إلى تعاون حقيقي من الطلبة مع الأستاذ :حتى تتحقق هم الفائدة من
دراسة هذه المادة» وتتأسس في نفوسهم المنهجية العلمية الصحيحة في البحث
والتفكير والحوار والتعقيب والنقد .
ومع ذلك فإننا نحس عن يقين وقناعة أن الفوائد العلمية من دراسة هذه
المادة لا تتحقق على الوجه الأمثل إلا إذا وزعت مفرداتها على مدى فصلين
دراسيين على الأقل» أما طرحها في فصل دراسي واحد فلا يكفي في استيعاب
تلك المراحل الثلاث مع إجراء التمارين اللازمة فيها +
وإتماما للفائدة فقد أضفنا في آخر الكتاب ملحقا يضم عدة نماذج اخزناها
من بعض الكتب الي تم التعريف بهاءكمفتاح كدوز السنة؛ والمعجم المفهرس+
وتحفة الأشراف» وبعض كتب المشيخات والمعاجم» كما أدرجنا في المرحلة الثانية
والثالثة نماذج متنوعة من بعض أهم مصادر الحديث وكتب الرجال لإجراء
التمارين جماعيا أثناء المحاضرة .
ولربما يدور في الخواطر أننا قد زدنا من حجم الكتاب بعض الشيء بإدخال
أن التمارين الجماعية أثناء المحاضرة لا تفي بالغرض المطلوب إلا إذا توفر لدى
كل طالب نسخة من تلك النماذج المعدة للتمارين» علما بأن هذا الكتاب موجه
بالدرجة الأولى إلى طلبتنا الكرام .
وحرصا منا على تفادي التكرار» واعتماد أسلوب الاختصار والإيجاز» والتركيز
على الجديد المفيد للطلبة» فإننا نود أن نبين أننا لم نستوعب ذكر جميع أصناف
الفهارس والمفاتيح الي أفاض في ذكرها من سبقنا في التأليف في هذا الموضوع ٠
ولا يفوتنا في هذه المناسبة أن نشكر علماءنا الأفاضل الذين استفدنا من
كتبهم لا سيما العلامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي - رحمه الله تعالى - والأستاذ
أكرم ضياء العمري» والأستاذ مود الطحان» والشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
جزاهم الله تعالى عنا خير الجزاء ٠
ونحن إذ نقدم مادة تخريج الحديث بأسلوبها الجديد بين يدي إخواتنا
العلماء لتأخذ هذه المادة شكلها المتكامل» راجين من الله تعالى أن يتقبل هذا
العمل منا بقبول حسن» وأن يوفقنا لتصحيح ما قد أخطأنا فيه» إذ الخطأ من
طبيعة الإنسان والكمال لله عز وجل وحده .
وإليه أنيب ) +
المرحلة الأولى :
التدرب على كشف مواقع الحديث ومعرفة من رواه من أئمة الرواية
باستخدام الفهارس المتنوعة؛ أو الحاسب الآلي.
تضم هذه المرحلة شرح ما يلي :
٠ ماني التخريج رمد
ا ٠ تعريف السخاوي لمصطلح التخريج وتحليله التاريخي (37-18)
تعريف التخريج عند المعاصرين. ومناقشة الخلل فيه )"1
التخريج نوعان : تخريج فني وتخريج علمي )9
أربعة أنواع من الفهارس لكشف مظان الحديث (0*-1م)
ترتيب خطوات البحث عن مواقع الحديث في ضوء ما تقدم (64-81)
المرحلة الأولى من التخريج
ماذا نعي بالتخريج ؟
وما هي الفوائد الثانوية ال نحنيها من خلال التخريج ؟
وما أهمية التخريج في دراسة الأحاديث ؟
من المفيد للإجابة عن ذلك أن نشرح أولا المعاني الي أطلق عليها المحدثون
وجوه الخلل فيهاء ما يساعدنا على الوقوف على حقيقة مفهوم «التخريج*
والهدف الرئيس منه وفوائده الجانبية وأهميته في معرفة صحة الحديث وضعفه .
وبين المعاني الي استخدم فيها المحدثون لفظ التخريج هو الإظهار بشكل عام
فمن المعاني التي أطلق المحدثون لفظ
١ - رواية الحديث؛ يقال : «خرّحه الإمام أحمد»» يعن رواه وأظهر
مصدره فيه؛ وقد يقع في غلاف بعض الكتب القديمة العنوان: " تخريج الحافظ
فلان "© يعي روايته. وقد ورد هذا المعنى للفظ التخريج في كلام بعض
)١( للوقوف على العاني اللغوية للفظ التخريج فارجع إلى معاجم اللغة وكتب التخرج المختلفة الي
اقنيست من هذه المعاجم تلك المعاني لا سيما كتاب التأصيل لأصول التخريج 51/١ - 8د للشيخ
بكر بن عبد الله أبو زيد
المتأخرين» كالحافظ ابن رجحب الحنبلي في كتايه "جامع العلوم والحكم” فكثيرا ما
» - عزو الحديث إلى مصادره الأصلية مع ذكر أحوال الإسناد بشكل
موجز» مثل ما عمله السيوطي في الجامع الكبير والصغير وغيره من حذا حذوه.
- تأليف الكتاب وإخراجه . كقوهم : خرج فلان لنفسه معجما . أي
ألف كتايا في أسماء شيوخه؛ وكذا معنى قوشم : خرج لفلان مشيخته .
- انتقاء الغرائب أو الصحاج أو كليهما من كتاب معين مع بيان من
من عنوان كتاب (الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب لأبي القاسم المهرواني
تخريج الخطيب)».
وكتاب (الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب انتقاء الخطيب البغدادي من
حديث الشريف أبي القاسم علي بن إبراهيم الحسي) .
وكتاب (الفوائد المنتخبة الصحاح العوالي لجعفر بن أحمد بن الحسين السراج
القاري تخريج الخطيب البغدادي) .
وقد سبقه أئمة النقد في الانتخاب ولانتقاء ؛ إلا أن ذلك لم يكن على
شكل التخريج الذي استكمل جوانبه الفنية عند المتأخرين المتمثلة في عزو الحديث
المصطلحات .
وعلى هذا يكون معنى التخريج في هذه العناوين المتقدمة هو انتقاء الغرائب
© - الاستخراج : إن الاستخراج منهج علمي قامت عليه نهضة الحديث
في عصر الرواية؛ وما من مصنف من الحفاظ في ذاك العصر إلا وقد استخرج ما
رواه سابقه بطريق آخر يلتقي معه في مصدر ذلك الحديث أو في أقرب شيوخه
وعلى أساس الاستخراج صنفت جميع الكتب الحديثية في مرخلة الرواية "»
وعادة ما يكون السابق المستخرّج عليه من أقران المؤلف المستخرج ؛ هذا في
القرون : الثاني والثالث والرابع» أما في القرن الخامس وما بعده فقد يكون
المستخرّج عليه قرينا للمستخرج أو متقدما عنه؛ وقد صار فيه منهج الاستخراج
ممزوجا بأساليب التخريج الأولية ؛ حيث أضيف إليه بيان من رواه من المتقدمين
مع الإشارة إلى حالة الالتقاء بينهما في السناء .
وذلك ما نراه جليا في سنن البيهقي وشرح السنة للبغوي؛ وكتاب الناسخ
ان حالة الالتقاء في السند .
ويتضح ذلك من خلال النموذج التالي الذي اختزناه من السنن الكبرى
للإمام البيهقي حيث قال :
«وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر أنبأ جدي يحيى بن منصور حدثنا أحمد بن
سلمة حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن
اللسيب عن أبي هريرة أن النهي صلى الله عليه وسلم قال: “من قال لصاحبه
)١( تناولنا موضوع الاستخراج بشيء من التفصيل في كتابنا : "كيف ندرس علوم الحديث؟**
على الكتب المشهورة بالاستخراج كما يتصورة
الحدينية المدونة في عصر الرواية
وأوضحنا أن مسألة الاستخراج ليست مقصورة
الكثيرون بل هي منهج عام لجميع أنواع الكتب